فصل
قال : وهو على ثلاث درجات . كلها تسير مسير العامة . الدرجة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=29470التوكل مع الطلب ، ومعاطاة السبب على نية شغل النفس بالسبب مخافة ، ونفع الخلق ، وترك الدعوى .
يقول : إن صاحب هذه الدرجة يتوكل على الله . ولا يترك الأسباب . بل يتعاطاها على نية شغل النفس بالسبب ، مخافة أن تفرغ فتشتغل بالهوى والحظوظ . فإن لم يشغل نفسه بما ينفعها شغلته بما يضره . لا سيما إذا كان الفراغ مع حدة الشباب ، وملك الجدة ، وميل النفس إلى الهوى ، وتوالي الغفلات . كما قيل :
إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسده
ويكون أيضا قيامه بالسبب على نية نفع النفس ، ونفع الناس بذلك . فيحصل له نفع نفسه ونفع غيره .
وأما تضمن ذلك لترك الدعوى فإنه إذا اشتغل بالسبب تخلص من إشارة الخلق إليه ، الموجبة لحسن ظنه بنفسه ، الموجب لدعواه . فالسبب ستر لحاله ومقامه . وحجاب مسبل عليه .
ومن وجه آخر ، وهو أن يشهد به فقره وذله ، وامتهانه امتهان العبيد والفعلة . فيتخلص من رعونة دعوى النفس ، فإنه إذا امتهن نفسه بمعاطاة الأسباب سلم من هذه الأمراض .
[ ص: 130 ] فيقال : إذا كانت الأسباب مأمورا بها ففيها فائدة أجل من هذه الثلاث . وهي المقصودة بالقصد الأول ، وهذه مقصودة قصد الوسائل . وهي القيام بالعبودية والأمر الذي خلق له العبد ، وأرسلت به الرسل ، وأنزلت لأجله الكتب . وبه قامت السماوات والأرض . وله وجدت الجنة والنار .
فالقيام بالأسباب المأمور بها محض العبودية . وحق الله على عبده الذي توجهت به نحوه المطالب . وترتب عليه الثواب والعقاب . والله سبحانه أعلم .
فَصْلٌ
قَالَ : وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ . كُلُّهَا تَسِيرُ مَسِيرَ الْعَامَّةِ . الدَّرَجَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29470التَّوَكُّلُ مَعَ الطَّلَبِ ، وَمُعَاطَاةِ السَّبَبِ عَلَى نِيَّةِ شُغْلِ النَّفْسِ بِالسَّبَبِ مَخَافَةً ، وَنَفْعِ الْخَلْقِ ، وَتَرْكِ الدَّعْوَى .
يَقُولُ : إِنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ . وَلَا يَتْرُكُ الْأَسْبَابَ . بَلْ يَتَعَاطَاهَا عَلَى نِيَّةِ شُغْلِ النَّفْسِ بِالسَّبَبِ ، مَخَافَةَ أَنْ تَفْرُغَ فَتَشْتَغِلَ بِالْهَوَى وَالْحُظُوظِ . فَإِنْ لَمْ يَشْغَلْ نَفْسَهُ بِمَا يَنْفَعُهَا شَغَلَتْهُ بِمَا يَضُرُّهُ . لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْفَرَاغُ مَعَ حِدَّةِ الشَّبَابِ ، وَمِلْكِ الْجِدَّةِ ، وَمَيْلِ النَّفْسِ إِلَى الْهَوَى ، وَتَوَالِي الْغَفَلَاتِ . كَمَا قِيلَ :
إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَّهْ مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَهْ
وَيَكُونُ أَيْضًا قِيَامُهُ بِالسَّبَبِ عَلَى نِيَّةِ نَفْعِ النَّفْسِ ، وَنَفْعِ النَّاسِ بِذَلِكَ . فَيَحْصُلُ لَهُ نَفْعُ نَفْسِهِ وَنَفْعُ غَيْرِهِ .
وَأَمَّا تَضَمُّنُ ذَلِكَ لِتَرْكِ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِالسَّبَبِ تَخَلَّصَ مِنْ إِشَارَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ ، الْمُوجِبَةِ لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ ، الْمُوجِبِ لِدَعْوَاهُ . فَالسَّبَبُ سَتْرٌ لِحَالِهِ وَمَقَامِهِ . وَحِجَابٌ مُسْبَلٌ عَلَيْهِ .
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ فَقْرُهُ وَذُلُّهُ ، وَامْتِهَانُهُ امْتِهَانَ الْعَبِيدِ وَالْفَعَلَةِ . فَيَتَخَلَّصُ مِنْ رُعُونَةِ دَعْوَى النَّفْسِ ، فَإِنَّهُ إِذَا امْتَهَنَ نَفْسَهُ بِمُعَاطَاةِ الْأَسْبَابِ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ .
[ ص: 130 ] فَيُقَالُ : إِذَا كَانَتِ الْأَسْبَابُ مَأْمُورًا بِهَا فَفِيهَا فَائِدَةٌ أَجَلُّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ . وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ ، وَهَذِهِ مَقْصُودَةٌ قَصْدَ الْوَسَائِلِ . وَهِيَ الْقِيَامُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْأَمْرُ الَّذِي خُلِقَ لَهُ الْعَبْدُ ، وَأُرْسِلَتْ بِهِ الرُّسُلُ ، وَأُنْزِلَتْ لِأَجْلِهِ الْكُتُبُ . وَبِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ . وَلَهُ وُجِدَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ .
فَالْقِيَامُ بِالْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ . وَحَقُّ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ الَّذِي تَوَجَّهَتْ بِهِ نَحْوَهُ الْمَطَالِبُ . وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .