فصل
قال : الدرجة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=29470_19652التوكل مع إسقاط الطلب ، وغض العين عن السبب ؛ اجتهادا لتصحيح التوكل ، وقمعا لشرف النفس ، وتفرغا إلى حفظ الواجبات .
قوله : مع إسقاط الطلب . أي من الخلق لا من الحق . فلا يطلب من أحد شيئا . وهذا من أحسن الكلام وأنفعه للمريد . فإن الطلب من الخلق في الأصل محظور ، وغايته : أن يباح للضرورة ، كإباحة الميتة للمضطر ، ونص
أحمد على أنه لا يجب . وكذلك كان شيخنا يشير إلى أنه لا يجب الطلب والسؤال .
وسمعته يقول في السؤال : هو ظلم في حق الربوبية ، وظلم في حق الخلق ، وظلم في حق النفس .
أما في حق الربوبية فلما فيه من الذل لغير الله ، وإراقة ماء الوجه لغير خالقه ، والتعوض عن سؤاله بسؤال المخلوقين ، والتعرض لمقته إذا سأل وعنده ما يكفيه يومه .
وأما في حق الناس فبمنازعتهم ما في أيديهم بالسؤال ، واستخراجه منهم . وأبغض ما إليهم من يسألهم ما في أيديهم ، وأحب ما إليهم من لا يسألهم . فإن أموالهم محبوباتهم ، ومن سألك محبوبك فقد تعرض لمقتك وبغضك .
وأما ظلم السائل نفسه فحيث امتهنها ، وأقامها في مقام ذل السؤال . ورضي لها بذل الطلب ممن هو مثله ، أو لعل السائل خير منه وأعلى قدرا . وترك سؤال من : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) . فقد أقام السائل نفسه مقام الذل ، وأهانها بذلك . ورضي أن يكون شحاذا من شحاذ مثله . فإن من تشحذه فهو أيضا شحاذ مثلك . والله وحده الغني الحميد .
[ ص: 131 ] فسؤال المخلوق للمخلوق سؤال الفقير للفقير ، والرب تعالى كلما سألته كرمت عليه ، ورضي عنك ، وأحبك . والمخلوق كلما سألته هنت عليه وأبغضك ومقتك وقلاك ، كما قيل :
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
وقبيح بالعبد المريد : أن يتعرض لسؤال العبيد . وهو يجد عند مولاه كل ما يريده . وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه . قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980367كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة - أو ثمانية ، أو سبعة - فقال : ألا تبايعون رسول الله ؟ وكنا حديثي عهد ببيعة . فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله . ثم قال : ألا تبايعون رسول الله ؟ فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، فعلام نبايعك ؟ فقال : أن تعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، والصلوات الخمس - وأسر كلمة خفية - ولا تسألوا الناس شيئا . قال : ولقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا أن يناوله إياه .
وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980368لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم .
وفيهما أيضا عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=980369أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وهو على المنبر ، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة - واليد العليا خير من اليد السفلى . واليد العليا هي المنفقة ، والسفلى هي السائلة .
[ ص: 132 ] وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980370من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا . فليستقل أو ليستكثر .
وفي
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980371إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه ، إلا أن يسأل الرجل سلطانا ، أو في الأمر الذي لا بد منه . قال
الترمذي : حديث صحيح .
وفيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980372من أصابته فاقة ، فأنزلها بالناس لم تسد فاقته . ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل .
وفي السنن والمسند عن
nindex.php?page=showalam&ids=99ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980373من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا ، أتكفل له بالجنة ، فقلت : أنا . فكان لا يسأل أحدا شيئا .
وفي صحيح
مسلم عن
قبيصة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980374إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك . ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله . فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال : سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال : سدادا من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتا .
[ ص: 133 ] فالتوكل مع إسقاط هذا الطلب والسؤال هو محض العبودية .
قوله : " وغض العين عن التسبب ، اجتهادا في تصحيح التوكل " .
معناه : أنه يعرض عن الاشتغال بالسبب ، لتصحيح التوكل بامتحان النفس ؛ لأن المتعاطي للسبب قد يظن أنه حصل التوكل . ولم يحصله لثقته بمعلومه ، فإذا أعرض عن السبب صح له التوكل .
وهذا الذي أشار إليه مذهب قوم من العباد والسالكين . وكثير منهم كان يدخل البادية بلا زاد . ويرى حمل الزاد قدحا في التوكل . ولهم في ذلك حكايات مشهورة ، وهؤلاء في خفارة صدقهم ، وإلا فدرجتهم ناقصة عن العارفين . ومع هذا فلا يمكن بشرا البتة ترك الأسباب جملة .
فهذا
إبراهيم الخواص كان مجردا في التوكل يدقق فيه . ويدخل البادية بغير زاد . وكان لا تفارقه الإبرة والخيط والركوة والمقراض . فقيل له : لم تحمل هذا وأنت تمنع من كل شيء ؟ فقال : مثل هذا لا ينقص من التوكل لأن لله علينا فرائض . والفقير لا يكون عليه إلا ثوب واحد ، فربما تخرق ثوبه . فإذا لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته ، فتفسد عليه صلاته . وإذا لم يكن معه ركوة فسدت عليه طهارته . وإذا رأيت الفقير بلا ركوة ولا إبرة ولا خيوط فاتهمه في صلاته .
أفلا تراه لم يستقم له دينه إلا بالأسباب ؟ أوليست حركة أقدامه ونقلها في الطريق والاستدلال على أعلامها - إذا خفيت عليه - من الأسباب ؟
فالتجرد من الأسباب جملة ممتنع عقلا وشرعا وحسا .
نعم ، قد تعرض للصادق أحيانا قوة ثقة بالله . وحال مع الله تحمله على ترك كل سبب مفروض عليه . كما تحمله على إلقاء نفسه في مواضع الهلكة . ويكون ذلك الوقت بالله لا به . فيأتيه مدد من الله على مقتضى حاله . ولكن لا تدوم له هذه الحال . وليست في مقتضى الطبيعة . فإنها كانت هجمة هجمت عليه بلا استدعاء فحمل عليها . فإذا استدعى مثلها وتكلفها لم يجب إلى ذلك . وفي تلك الحال إذا ترك السبب يكون معذورا لقوة الوارد ، وعجزه عن الاشتغال بالسبب . فيكون في وارده عون له . ويكون حاملا له . فإذا تعاطى تلك الحال بدون ذلك الوارد وقع في الحال .
[ ص: 134 ] وكل تلك الحكايات الصحيحة التي تحكى عن القوم فهي جزئية حصلت لهم أحيانا ، ليست طريقا مأمورا بسلوكها ، ولا مقدورة ، وصارت فتنة لطائفتين .
طائفة ظنتها طريقا ومقاما ، فعملوا عليها . فمنهم من انقطع ، ومنهم من رجع ، ولم يمكنه الاستمرار عليها ، بل انقلب على عقبيه .
وطائفة قدحوا في أربابها ، وجعلوهم مخالفين للشرع والعقل . مدعين لأنفسهم حالا أكمل من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، إذ لم يكن فيهم أحد قط يفعل ذلك . ولا أخل بشيء من الأسباب . وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=980375ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين يوم أحد . ولم يحضر الصف قط عريانا . كما يفعله من لا علم عنده ولا معرفة . واستأجر دليلا مشركا على دين قومه ، يدله على طريق الهجرة . وقد هدى الله به العالمين ، وعصمه من الناس أجمعين ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=980376وكان يدخر لأهله قوت سنة وهو سيد المتوكلين . وكان إذا سافر في جهاد أو حج أو
[ ص: 135 ] عمرة حمل الزاد والمزاد وجميع أصحابه ، وهم أولو التوكل حقا .
وأكمل المتوكلين بعدهم هو من اشتم رائحة توكلهم من مسيرة بعيدة ، أو لحق أثرا من غبارهم . فحال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه محك الأحوال وميزانها . بها يعلم صحيحها من سقيمها . فإن هممهم كانت في التوكل أعلى من همم من بعدهم . فإن توكلهم كان في فتح بصائر القلوب . وأن يعبد الله في جميع البلاد ، وأن يوحده جميع العباد ، وأن تشرق شموس الدين الحق على قلوب العباد ، فملئوا بذلك التوكل القلوب هدى وإيمانا . وفتحوا بلاد الكفر وجعلوها دار إيمان . وهبت رياح روح نسمات التوكل على قلوب أتباعهم فملأتها يقينا وإيمانا . فكانت همم الصحابة - رضي الله عنهم - أعلى وأجل من أن يصرف أحدهم قوة توكله واعتماده على الله في شيء يحصل بأدنى حيلة وسعي ، فيجعله نصب عينيه ، ويحمل عليه قوى توكله .
قوله : وقمعا لشرف النفس . يريد أن المتسبب قد يكون متسببا بالولايات الشريفة في العبادة ، أو التجارات الرفيعة ، والأسباب التي له بها جاه وشرف في الناس . فإذا تركها يكون تركها قمعا لشرف نفسه ، وإيثارا للتواضع .
وقوله : وتفرغا لحفظ الواجبات ؛ أي يتفرغ بتركها لحفظ واجباتها التي تزاحمها تلك الأسباب . والله أعلم .
فَصْلٌ
قَالَ : الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29470_19652التَّوَكُّلُ مَعَ إِسْقَاطِ الطَّلَبِ ، وَغَضُّ الْعَيْنِ عَنِ السَّبَبِ ؛ اجْتِهَادًا لِتَصْحِيحِ التَّوَكُّلِ ، وَقَمْعًا لِشَرَفِ النَّفْسِ ، وَتَفَرُّغًا إِلَى حِفْظِ الْوَاجِبَاتِ .
قَوْلُهُ : مَعَ إِسْقَاطِ الطَّلَبِ . أَيْ مِنَ الْخَلْقِ لَا مِنَ الْحَقِّ . فَلَا يَطْلُبُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا . وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْكَلَامِ وَأَنْفَعِهِ لِلْمُرِيدِ . فَإِنَّ الطَّلَبَ مِنَ الْخَلْقِ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورٌ ، وَغَايَتُهُ : أَنْ يُبَاحَ لِلضَّرُورَةِ ، كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ ، وَنَصَّ
أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ . وَكَذَلِكَ كَانَ شَيْخُنَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ وَالسُّؤَالُ .
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي السُّؤَالِ : هُوَ ظُلْمٌ فِي حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَظُلْمٌ فِي حَقِّ الْخَلْقِ ، وَظُلْمٌ فِي حَقِّ النَّفْسِ .
أَمَّا فِي حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ فَلِمَا فِيهِ مِنَ الذُّلِّ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَإِرَاقَةِ مَاءِ الْوَجْهِ لِغَيْرِ خَالِقِهِ ، وَالتَّعَوُّضِ عَنْ سُؤَالِهِ بِسُؤَالِ الْمَخْلُوقِينَ ، وَالتَّعَرُّضِ لِمَقْتِهِ إِذَا سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ يَوْمَهُ .
وَأَمَّا فِي حَقِّ النَّاسِ فَبِمُنَازَعَتِهِمْ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِالسُّؤَالِ ، وَاسْتِخْرَاجِهِ مِنْهُمْ . وَأَبْغَضُ مَا إِلَيْهِمْ مَنْ يَسْأَلُهُمْ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَأَحَبُّ مَا إِلَيْهِمْ مَنْ لَا يَسْأَلُهُمْ . فَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْبُوبَاتُهُمْ ، وَمَنْ سَأَلَكَ مَحْبُوبَكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِكَ وَبُغْضِكَ .
وَأَمَّا ظُلْمُ السَّائِلِ نَفْسَهُ فَحَيْثُ امْتَهَنَهَا ، وَأَقَامَهَا فِي مَقَامِ ذُلِّ السُّؤَالِ . وَرَضِيَ لَهَا بِذُلِّ الطَّلَبِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ ، أَوْ لَعَلَّ السَّائِلَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَعْلَى قَدْرًا . وَتَرَكَ سُؤَالَ مِنْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) . فَقَدْ أَقَامَ السَّائِلُ نَفْسَهُ مَقَامَ الذُّلِّ ، وَأَهَانَهَا بِذَلِكَ . وَرَضِيَ أَنْ يَكُونَ شَحَّاذًا مِنْ شَحَّاذٍ مِثْلِهِ . فَإِنَّ مَنْ تَشْحَذُهُ فَهُوَ أَيْضًا شَحَّاذٌ مِثْلُكُ . وَاللَّهُ وَحْدَهُ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ .
[ ص: 131 ] فَسُؤَالُ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ سُؤَالُ الْفَقِيرِ لِلْفَقِيرِ ، وَالرَّبُّ تَعَالَى كُلَّمَا سَأَلْتَهُ كَرُمْتَ عَلَيْهِ ، وَرَضِيَ عَنْكَ ، وَأَحَبَّكَ . وَالْمَخْلُوقُ كُلَّمَا سَأَلْتَهُ هُنْتَ عَلَيْهِ وَأَبْغَضَكَ وَمَقَتَكَ وَقَلَاكَ ، كَمَا قِيلَ :
اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ وَبَنِيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ
وَقَبِيحٌ بِالْعَبْدِ الْمُرِيدِ : أَنْ يَتَعَرَّضَ لِسُؤَالِ الْعَبِيدِ . وَهُوَ يَجِدُ عِنْدَ مَوْلَاهُ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=6201عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980367كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً - أَوْ ثَمَانِيَةً ، أَوْ سَبْعَةً - فَقَالَ : أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ ؟ وَكُنَّا حَدِيثِي عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ . فَقُلْنَا : قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا : قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ ؟ فَقَالَ : أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ - وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً - وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا . قَالَ : وَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980368لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مِزْعَةُ لَحْمٍ .
وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980369أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ - وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى . وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ .
[ ص: 132 ] وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980370مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا . فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ .
وَفِي
التِّرْمِذِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=24سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980371إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا ، أَوْ فِي الْأَمْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ . قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَفِيهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980372مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ ، فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ . وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ .
وَفِي السُّنَنِ وَالْمُسْنَدِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=99ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980373مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا ، أَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ، فَقُلْتُ : أَنَا . فَكَانَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا .
وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
قَبِيصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980374إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ : رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ . وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ . فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ : سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلُ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ : لَقَدْ أَصَابَتْ فَلَانًا فَاقَةٌ ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ : سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ فَسُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا .
[ ص: 133 ] فَالتَّوَكُّلُ مَعَ إِسْقَاطِ هَذَا الطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ هُوَ مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ .
قَوْلُهُ : " وَغَضِّ الْعَيْنِ عَنِ التَّسَبُّبِ ، اجْتِهَادًا فِي تَصْحِيحِ التَّوَكُّلِ " .
مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالسَّبَبِ ، لِتَصْحِيحِ التَّوَكُّلِ بِامْتِحَانِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاطِيَ لِلسَّبَبِ قَدْ يَظُنُّ أَنَّهُ حَصَّلَ التَّوَكُّلَ . وَلَمْ يُحَصِّلْهُ لِثِقَتِهِ بِمَعْلُومِهِ ، فَإِذَا أَعْرَضَ عَنِ السَّبَبِ صَحَّ لَهُ التَّوَكُّلُ .
وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ مَذْهَبُ قَوْمٍ مِنَ الْعُبَّادِ وَالسَّالِكِينَ . وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ . وَيَرَى حَمْلَ الزَّادِ قَدْحًا فِي التَّوَكُّلِ . وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ حِكَايَاتٌ مَشْهُورَةٌ ، وَهَؤُلَاءِ فِي خِفَارَةِ صِدْقِهِمْ ، وَإِلَّا فَدَرَجَتُهُمْ نَاقِصَةٌ عَنِ الْعَارِفِينَ . وَمَعَ هَذَا فَلَا يُمْكِنُ بَشَرًا الْبَتَّةَ تَرَكُ الْأَسْبَابِ جُمْلَةً .
فَهَذَا
إِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ كَانَ مُجَرَّدًا فِي التَّوَكُّلِ يُدَقِّقُ فِيهِ . وَيَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِغَيْرِ زَادٍ . وَكَانَ لَا تُفَارِقُهُ الْإِبْرَةُ وَالْخَيْطُ وَالرَّكْوَةُ وَالْمِقْرَاضُ . فَقِيلَ لَهُ : لِمْ تَحْمِلُ هَذَا وَأَنْتَ تَمْنَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ : مِثْلُ هَذَا لَا يُنْقِصُ مِنَ التَّوَكُّلِ لِأَنَّ لِلَّهِ عَلَيْنَا فَرَائِضَ . وَالْفَقِيرُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ ، فَرُبَّمَا تَخَرَّقَ ثَوْبُهُ . فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِبْرَةٌ وَخُيُوطٌ تَبْدُو عَوْرَتُهُ ، فَتَفْسُدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ . وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رَكْوَةٌ فَسَدَتْ عَلَيْهِ طَهَارَتُهُ . وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقِيرَ بِلَا رَكْوَةٍ وَلَا إِبْرَةٍ وَلَا خُيُوطٍ فَاتَّهِمْهُ فِي صَلَاتِهِ .
أَفَلَا تَرَاهُ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ دِينُهُ إِلَّا بِالْأَسْبَابِ ؟ أَوَلَيِسَتْ حَرَكَةُ أَقْدَامِهِ وَنَقْلُهَا فِي الطَّرِيقِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَعْلَامِهَا - إِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ - مِنَ الْأَسْبَابِ ؟
فَالتَّجَرُّدُ مِنَ الْأَسْبَابِ جُمْلَةً مُمْتَنِعٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَحِسًّا .
نَعَمْ ، قَدْ تَعْرِضُ لِلصَّادِقِ أَحْيَانًا قُوَّةُ ثِقَةٍ بِاللَّهِ . وَحَالٌ مَعَ اللَّهِ تَحْمِلُهُ عَلَى تَرْكِ كُلِّ سَبَبٍ مَفْرُوضٍ عَلَيْهِ . كَمَا تَحْمِلُهُ عَلَى إِلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي مَوَاضِعَ الْهِلْكَةِ . وَيَكُونُ ذَلِكَ الْوَقْتُ بِاللَّهِ لَا بِهِ . فَيَأْتِيهِ مَدَدٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى مُقْتَضَى حَالِهِ . وَلَكِنْ لَا تَدُومُ لَهُ هَذِهِ الْحَالُ . وَلَيْسَتْ فِي مُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ . فَإِنَّهَا كَانَتْ هَجْمَةٌ هَجَمَتْ عَلَيْهِ بِلَا اسْتِدْعَاءٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا . فَإِذَا اسْتَدْعَى مِثْلَهَا وَتَكَلَّفَهَا لَمْ يُجَبْ إِلَى ذَلِكَ . وَفِي تِلْكَ الْحَالِ إِذَا تَرَكَ السَّبَبَ يَكُونُ مَعْذُورًا لِقُوَّةِ الْوَارِدِ ، وَعَجْزِهِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالسَّبَبِ . فَيَكُونُ فِي وَارِدِهِ عَوْنٌ لَهُ . وَيَكُونُ حَامِلًا لَهُ . فَإِذَا تَعَاطَى تِلْكَ الْحَالَ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَارِدِ وَقَعَ فِي الْحَالِ .
[ ص: 134 ] وَكُلُّ تِلْكَ الْحِكَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تُحْكَى عَنِ الْقَوْمِ فَهِيَ جُزْئِيَّةٌ حَصَلَتْ لَهُمْ أَحْيَانًا ، لَيْسَتْ طَرِيقًا مَأْمُورًا بِسُلُوكِهَا ، وَلَا مَقْدُورَةً ، وَصَارَتْ فِتْنَةً لِطَائِفَتَيْنِ .
طَائِفَةٌ ظَنَّتْهَا طَرِيقًا وَمَقَامًا ، فَعَمِلُوا عَلَيْهَا . فَمِنْهُمْ مَنِ انْقَطَعَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهَا ، بَلِ انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ .
وَطَائِفَةٌ قَدَحُوا فِي أَرْبَابِهَا ، وَجَعَلُوهُمْ مُخَالِفِينَ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ . مُدَّعِينَ لِأَنْفُسِهِمْ حَالًا أَكْمَلَ مِنْ حَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ قَطُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ . وَلَا أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَسْبَابِ . وَقَدْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980375ظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَوْمَ أُحُدٍ . وَلَمْ يَحْضُرِ الصَّفَّ قَطُّ عُرْيَانًا . كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ وَلَا مَعْرِفَةَ . وَاسْتَأْجَرَ دَلِيلًا مُشْرِكًا عَلَى دِينِ قَوْمِهِ ، يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ الْهِجْرَةِ . وَقَدْ هَدَى اللَّهُ بِهِ الْعَالَمِينَ ، وَعَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=980376وَكَانَ يَدَّخِرُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ . وَكَانَ إِذَا سَافَرَ فِي جِهَادٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ
[ ص: 135 ] عُمْرَةٍ حَمَلَ الزَّادَ وَالْمَزَادَ وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ ، وَهُمْ أُولُو التَّوَكُّلِ حَقًّا .
وَأَكْمَلُ الْمُتَوَكِّلِينَ بَعْدَهُمْ هُوَ مَنِ اشْتَمَّ رَائِحَةَ تَوَكُّلِهِمْ مِنْ مَسِيرَةٍ بَعِيدَةٍ ، أَوْ لَحِقَ أَثَرًا مِنْ غُبَارِهِمْ . فَحَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالُ أَصْحَابِهِ مَحَكُّ الْأَحْوَالِ وَمِيزَانُهَا . بِهَا يُعْلَمُ صَحِيحُهَا مِنْ سَقِيمِهَا . فَإِنَّ هِمَمَهُمْ كَانَتْ فِي التَّوَكُّلِ أَعْلَى مِنْ هِمَمِ مَنْ بَعْدَهُمْ . فَإِنَّ تَوَكُّلَهُمْ كَانَ فِي فَتْحِ بَصَائِرِ الْقُلُوبِ . وَأَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ ، وَأَنْ يُوَحِّدَهُ جَمِيعُ الْعِبَادِ ، وَأَنْ تُشْرِقَ شُمُوسُ الدِّينِ الْحَقِّ عَلَى قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَمَلَئُوا بِذَلِكَ التَّوَكُّلِ الْقُلُوبَ هُدًى وَإِيمَانًا . وَفَتَحُوا بِلَادَ الْكُفْرِ وَجَعَلُوهَا دَارَ إِيمَانٍ . وَهَبَّتْ رِيَاحُ رَوْحِ نَسَمَاتِ التَّوَكُّلِ عَلَى قُلُوبِ أَتْبَاعِهِمْ فَمَلَأَتْهَا يَقِينًا وَإِيمَانًا . فَكَانَتْ هِمَمُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَصْرِفَ أَحَدُهُمْ قُوَّةَ تَوَكُّلِهِ وَاعْتِمَادِهِ عَلَى اللَّهِ فِي شَيْءٍ يَحْصُلُ بِأَدْنَى حِيلَةٍ وَسَعْيٍ ، فَيَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ ، وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ قُوَى تَوَكُّلِهِ .
قَوْلُهُ : وَقَمْعًا لِشَرَفِ النَّفْسِ . يُرِيدُ أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ قَدْ يَكُونُ مُتَسَبِّبًا بِالْوِلَايَاتِ الشَّرِيفَةِ فِي الْعِبَادَةِ ، أَوِ التِّجَارَاتِ الرَّفِيعَةِ ، وَالْأَسْبَابِ الَّتِي لَهُ بِهَا جَاهٌ وَشَرَفٌ فِي النَّاسِ . فَإِذَا تَرَكَهَا يَكُونُ تَرْكُهَا قَمْعًا لِشَرَفِ نَفْسِهِ ، وَإِيثَارًا لِلتَّوَاضُعِ .
وَقَوْلُهُ : وَتَفَرُّغًا لِحِفْظِ الْوَاجِبَاتِ ؛ أَيْ يَتَفَرَّغُ بِتَرْكِهَا لِحِفْظِ وَاجِبَاتِهَا الَّتِي تُزَاحِمُهَا تِلْكَ الْأَسْبَابُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .