[ ص: 232 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=28974_31979إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم .
تقدم القول في موقع " إذ " في أمثال هذا المقام عند تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة . وموقعها هنا أظهر في أنها غير متعلقة بعامل ، فهي لمجرد الاهتمام بالخبر ولذا قال
أبو عبيدة : ( إذ ) هنا زائدة ، ويجوز أن تتعلق بـ " اذكر " محذوفا ، ولا يجوز تعلقها بـ " اصطفى " : لأن هذا خاص بفضل آل
عمران ، ولا علاقة له بفضل
آدم ونوح وآل
إبراهيم .
وامرأة عمران : حنة بنت فاقوذا . قيل : مات زوجها وتركها حبلى فنذرت حبلها ذلك محررا أي مخلصا لخدمة
بيت المقدس ، وكانوا ينذرون ذلك إذا كان المولود ذكرا . وإطلاق المحرر على هذا المعنى إطلاق تشريف ؛ لأنه لما خلص لخدمة
بيت المقدس فكأنه حرر من أسر الدنيا وقيودها إلى حرية عبادة الله تعالى . قيل : إنها كانت تظنه ذكرا فصدر منها النذر مطلقا عن وصف الذكورة ، وإنما كانوا يقولون : إذا جاء ذكرا فهو محرر . وأنث الضمير في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36فلما وضعتها وهو عائد إلى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35ما في بطني باعتبار كونه انكشف ما صدقه على أنثى .
وقولها :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36إني وضعتها أنثى خبر مستعمل في إنشاء التحذير لظهور كون المخاطب عليما بكل شيء .
وتأكيد الخبر بـ " إن " مراعاة لأصل الخبرية ، تحقيقا لكون المولود أنثى ; إذ هو بوقوعه على خلاف المترقب لها كان بحيث تشك في كونه أنثى وتخاطب نفسها بنفسها بطريق التأكيد ، فلذا أكدته . ثم لما استعملت هذا الخبر في الإنشاء استعملته برمته على طريقة المجاز المركب المرسل ، ومعلوم أن المركب يكون مجازا بمجموعه لا
[ ص: 233 ] بأجزائه ومفرداته ، وهذا التركيب بما اشتمل عليه من الخصوصيات يحكي ما تضمنه كلامها في لغتها من المعاني : وهي الروعة والكراهية لولادتها أنثى ، ومحاولتها مغالطة نفسها في الإذعان لهذا الحكم ، ثم تحقيقها ذلك لنفسها وتطمينها بها ، ثم التنقل إلى التحسير على ذلك ، فلذلك أودع حكاية كلامها خصوصيات من العربية تعبر عن معان كثيرة قصدتها في مناجاتها بلغتها .
وأنث الضمير في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36إني وضعتها أنثى باعتبار ما دلت عليه الحال اللازمة في قولها " أنثى " إذ بدون الحال لا يكون الكلام مفيدا فلذلك أنث الضمير باعتبار تلك الحال .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36والله أعلم بما وضعت جملة معترضة ، وقرأ الجمهور : وضعت - بسكون التاء - فيكون الضمير راجعا إلى
امرأة عمران ، وهو حينئذ من كلام الله تعالى وليس من كلامها المحكي ، والمقصود منه : أن الله أعلم منها بنفاسة ما وضعت ، وأنها خير من مطلق الذكر الذي سألته ، فالكلام إعلام لأهل القرآن بتغليطها ، وتعليم بأن
nindex.php?page=treesubj&link=19648من فوض أمره إلى الله لا ينبغي أن يتعقب تدبيره .
وقرأ
ابن عامر ، وأبو بكر عن
عاصم ، ويعقوب : بضم التاء ، على أنها ضمير المتكلمة
امرأة عمران فتكون الجملة من كلامها المحكي ، وعليه فاسم الجلالة التفات من الخطاب إلى الغيبة ، فيكون قرينة لفظية على أن الخبر مستعمل في التحسر .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وليس الذكر كالأنثى خبر مستعمل في التحسر لفوات ما قصدته من أن يكون المولود ذكرا ، فتحرره لخدمة
بيت المقدس .
وتعريف الذكر تعريف الجنس لما هو مرتكز في نفوس الناس من الرغبة في مواليد الذكور ، أي ليس جنس الذكر مساويا لجنس الأنثى .
وقيل : التعريف في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وليس الذكر كالأنثى تعريف العهد للمعهود في نفسها . وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وليس الذكر تكملة للاعتراض المبدوء بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36والله أعلم بما وضعت والمعنى : وليس الذكر الذي رغبت فيه بمساو للأنثى التي أعطيتها لو كانت تعلم علو شأن هاته الأنثى ، وجعلوا نفي المشابهة على بابه من نفي مشابهة المفضول للفاضل ، وإلى هذا مال صاحب الكشاف وتبعه صاحب المفتاح ، والأول أظهر .
[ ص: 234 ] ونفي المشابهة بين الذكر والأنثى يقصد به معنى التفضيل في مثل هذا المقام ، وذلك في قول العرب : ليس سواء كذا وكذا ، وليس كذا مثل كذا ، ولا هو مثل كذا ، كقوله تعالى : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=32يا نساء النبيء لستن كأحد من النساء ، وقول
السموأل :
فليس سواء عالم وجهول
، وقولهم : ( مرعى ولا كالسعدان ، وماء ولا كصدى ) .
ولذلك لا يتوخون أن يكون المشبه في مثله أضعف من المشبه به ; إذ لم يبق للتشبيه أثر ، ولذلك قيل هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وليس الذكر كالأنثى ، ولو قيل : وليست الأنثى كالذكر لفهم المقصود . ولكن قدم الذكر هنا لأنه هو المرجو المأمول فهو أسبق إلى لفظ المتكلم . وقد يجيء النفي على معنى كون المشبه المنفي أضعف من المشبه به كما قال
الحريري في المقامة الرابعة ( غدوت قبل استقلال الركاب ، ولا اغتداء اغتداء الغراب ) وقال في الحادية عشرة : ( وضحكتم وقت الدفن ، ولا ضحككم ساعة الزفن ) وفي الرابعة عشرة : ( وقمت لله ولا
nindex.php?page=showalam&ids=16711كعمرو بن عبيد ) . فجاء بها كلها على نسق ما في هذه الآية .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وإني سميتها مريم الظاهر أنها أرادت تسميتها باسم أفضل نبيئة في
بني إسرائيل وهي
مريم أخت
موسى وهارون ، وخولها ذلك أن أباها سمي أبي
مريم أخت موسى .
وتكرر التأكيد في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وإني سميتها و
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وإني أعيذها بك للتأكيد : لأن حال كراهيتها يؤذن بأنها ستعرض عنها فلا تشتغل بها ، وكأنها أكدت هذا الخبر إظهارا للرضا بما قدر الله تعالى ، ولذلك انتقلت إلى الدعاء لها الدال على الرضا والمحبة ، وأكدت جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36أعيذها مع أنها مستعملة في إنشاء الدعاء : لأن الخبر مستعمل في الإنشاء برمته التي كان عليها وقت الخبرية ، كما قدمناه في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36إني وضعتها أنثى وكقول
أبي بكر : إني استخلفت عليكم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب .
[ ص: 232 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=28974_31979إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّيَ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّيَ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ .
تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَوْقِعِ " إِذْ " فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً . وَمَوْقِعُهَا هُنَا أَظْهَرُ فِي أَنَّهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِعَامِلٍ ، فَهِيَ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَلِذَا قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : ( إِذْ ) هُنَا زَائِدَةٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِـ " اذْكُرْ " مَحْذُوفًا ، وَلَا يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِـ " اصْطَفَى " : لِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِفَضْلِ آلِ
عِمْرَانَ ، وَلَا عَلَاقَةَ لَهُ بِفَضْلِ
آدَمَ وَنُوحٍ وَآلِ
إِبْرَاهِيمَ .
وَامْرَأَةُ عِمْرَانَ : حَنَّةُ بِنْتُ فَاقُوذَا . قِيلَ : مَاتَ زَوْجُهَا وَتَرَكَهَا حُبْلَى فَنَذَرَتْ حَبْلَهَا ذَلِكَ مُحَرَّرًا أَيْ مُخَلَّصًا لِخِدْمَةِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَكَانُوا يَنْذِرُونَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَوْلُودُ ذَكَرًا . وَإِطْلَاقُ الْمُحَرَّرِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى إِطْلَاقُ تَشْرِيفٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَلُصَ لِخِدْمَةِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَأَنَّهُ حُرِّرَ مِنْ أَسْرِ الدُّنْيَا وَقُيُودِهَا إِلَى حُرِّيَّةِ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى . قِيلَ : إِنَّهَا كَانَتْ تَظُنُّهُ ذَكَرًا فَصَدَرَ مِنْهَا النَّذْرُ مُطْلَقًا عَنْ وَصْفِ الذُّكُورَةِ ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ : إِذَا جَاءَ ذَكَرًا فَهُوَ مُحَرَّرٌ . وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36فَلَمَّا وَضَعَتْهَا وَهُوَ عَائِدٌ إِلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35مَا فِي بَطْنِي بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ انْكَشَفَ مَا صَدَّقَهُ عَلَى أُنْثَى .
وَقَوْلُهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِنْشَاءِ التَّحْذِيرِ لِظُهُورِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ عَلِيمًا بِكُلِّ شَيْءٍ .
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِـ " إِنَّ " مُرَاعَاةٌ لِأَصْلِ الْخَبَرِيَّةِ ، تَحْقِيقًا لِكَوْنِ الْمَوْلُودِ أُنْثَى ; إِذْ هُوَ بِوُقُوعِهِ عَلَى خِلَافِ الْمُتَرَقَّبِ لَهَا كَانَ بِحَيْثُ تَشُكُّ فِي كَوْنِهِ أُنْثَى وَتُخَاطِبُ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا بِطَرِيقِ التَّأْكِيدِ ، فَلِذَا أَكَّدَتْهُ . ثُمَّ لَمَّا اسْتَعْمَلَتْ هَذَا الْخَبَرَ فِي الْإِنْشَاءِ اسْتَعْمَلَتْهُ بِرُمَّتِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرَكَّبِ الْمُرْسَلِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَكَّبَ يَكُونُ مَجَازًا بِمَجْمُوعِهِ لَا
[ ص: 233 ] بِأَجْزَائِهِ وَمُفْرَدَاتِهِ ، وَهَذَا التَّرْكِيبُ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ يَحْكِي مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهَا فِي لُغَتِهَا مِنَ الْمَعَانِي : وَهِيَ الرَّوْعَةُ وَالْكَرَاهِيَةُ لِوِلَادَتِهَا أُنْثَى ، وَمُحَاوَلَتُهَا مُغَالَطَةَ نَفْسِهَا فِي الْإِذْعَانِ لِهَذَا الْحُكْمِ ، ثُمَّ تَحْقِيقُهَا ذَلِكَ لِنَفْسِهَا وَتَطْمِينُهَا بِهَا ، ثُمَّ التَّنَقُّلُ إِلَى التَّحْسِيرِ عَلَى ذَلِكَ ، فَلِذَلِكَ أَوْدَعَ حِكَايَةَ كَلَامِهَا خُصُوصِيَّاتٍ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ تُعَبِّرُ عَنْ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ قَصَدَتْهَا فِي مُنَاجَاتِهَا بِلُغَتِهَا .
وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْحَالُ اللَّازِمَةُ فِي قَوْلِهَا " أُنْثَى " إِذْ بِدُونِ الْحَالِ لَا يَكُونُ الْكَلَامُ مُفِيدًا فَلِذَلِكَ أَنَّثَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْحَالِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : وَضَعَتْ - بِسُكُونِ التَّاءِ - فَيَكُونُ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى
امْرَأَةِ عِمْرَانَ ، وَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِهَا الْمَحْكِيِّ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ : أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ مِنْهَا بِنَفَاسَةِ مَا وَضَعَتْ ، وَأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ مُطْلَقِ الذَّكَرِ الَّذِي سَأَلَتْهُ ، فَالْكَلَامُ إِعْلَامٌ لِأَهْلِ الْقُرْآنِ بِتَغْلِيطِهَا ، وَتَعْلِيمٌ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19648مَنْ فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَقَّبَ تَدْبِيرَهُ .
وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ ، وَيَعْقُوبُ : بِضَمِّ التَّاءِ ، عَلَى أَنَّهَا ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمَةِ
امْرَأَةِ عِمْرَانَ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مِنْ كَلَامِهَا الْمَحْكِيِّ ، وَعَلَيْهِ فَاسْمُ الْجَلَالَةِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ ، فَيَكُونُ قَرِينَةً لَفْظِيَّةً عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحَسُّرِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحَسُّرِ لِفَوَاتِ مَا قَصَدَتْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ ذَكَرًا ، فَتُحَرِّرُهُ لِخِدْمَةِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ .
وَتَعْرِيفُ الذَّكَرِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ لِمَا هُوَ مُرْتَكِزٌ فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي مَوَالِيدِ الذُّكُورِ ، أَيْ لَيْسَ جِنْسُ الذَّكَرِ مُسَاوِيًا لِجِنْسِ الْأُنْثَى .
وَقِيلَ : التَّعْرِيفُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى تَعْرِيفُ الْعَهْدِ لِلْمَعْهُودِ فِي نَفْسِهَا . وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَلَيْسَ الذَّكَرُ تَكْمِلَةٌ لِلِاعْتِرَاضِ الْمَبْدُوءِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَالْمَعْنَى : وَلَيْسَ الذَّكَرُ الَّذِي رَغِبَتْ فِيهِ بِمُسَاوٍ لِلْأُنْثَى الَّتِي أُعْطِيَتْهَا لَوْ كَانَتْ تَعْلَمُ عُلُوَّ شَأْنِ هَاتِهِ الْأُنْثَى ، وَجَعَلُوا نَفْيَ الْمُشَابَهَةِ عَلَى بَابِهِ مِنْ نَفْيِ مُشَابَهَةِ الْمَفْضُولِ لِلْفَاضِلِ ، وَإِلَى هَذَا مَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
[ ص: 234 ] وَنَفْيُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى يُقْصَدُ بِهِ مَعْنَى التَّفْضِيلِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ : لَيْسَ سَوَاءً كَذَا وَكَذَا ، وَلَيْسَ كَذَا مِثْلَ كَذَا ، وَلَا هُوَ مِثْلَ كَذَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=32يَا نِسَاءَ النَّبِيءِ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ، وَقَوْلِ
السَّمَوْأَلِ :
فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ
، وَقَوْلِهِمْ : ( مَرْعًى وَلَا كَالسَّعْدَانِ ، وَمَاءٌ وَلَا كَصَدَّى ) .
وَلِذَلِكَ لَا يَتَوَخَّوْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ فِي مِثْلِهِ أَضْعَفَ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ ; إِذْ لَمْ يَبْقَ لِلتَّشْبِيهِ أَثَرٌ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ، وَلَوْ قِيلَ : وَلَيْسَتِ الْأُنْثَى كَالذَّكَرِ لَفُهِمَ الْمَقْصُودُ . وَلَكِنْ قَدَّمَ الذَّكَرَ هُنَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَرْجُوُّ الْمَأْمُولُ فَهُوَ أَسْبَقُ إِلَى لَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ . وَقَدْ يَجِيءُ النَّفْيُ عَلَى مَعْنَى كَوْنِ الْمُشَبَّهِ الْمَنْفِيِّ أَضْعَفَ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا قَالَ
الْحَرِيرِيُّ فِي الْمَقَامَةِ الرَّابِعَةِ ( غَدَوْتُ قَبْلَ اسْتِقْلَالِ الرِّكَابِ ، وَلَا اغْتِدَاءَ اغْتِدَاءَ الْغُرَابِ ) وَقَالَ فِي الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : ( وَضَحِكْتُمْ وَقْتَ الدَّفْنِ ، وَلَا ضَحِكَكُمْ سَاعَةَ الزَّفْنِ ) وَفِي الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : ( وَقُمْتُ لِلَّهِ وَلَا
nindex.php?page=showalam&ids=16711كَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ ) . فَجَاءَ بِهَا كُلِّهَا عَلَى نَسَقِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا أَرَادَتْ تَسْمِيَتَهَا بِاسْمِ أَفْضَلِ نَبِيئَةٍ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهِيَ
مَرْيَمُ أُخْتُ
مُوسَى وَهَارُونَ ، وَخَوَّلَهَا ذَلِكَ أَنَّ أَبَاهَا سَمِيُّ أَبِي
مَرْيَمَ أُخْتِ مُوسَى .
وَتَكَرَّرَ التَّأْكِيدُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَإِنِّيَ أُعِيذُهَا بِكَ لِلتَّأْكِيدِ : لِأَنَّ حَالَ كَرَاهِيَتِهَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهَا سَتُعْرِضُ عَنْهَا فَلَا تَشْتَغِلُ بِهَا ، وَكَأَنَّهَا أَكَّدَتْ هَذَا الْخَبَرَ إِظْهَارًا لِلرِّضَا بِمَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلِذَلِكَ انْتَقَلَتْ إِلَى الدُّعَاءِ لَهَا الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ ، وَأَكَّدَتْ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36أُعِيذُهَا مَعَ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي إِنْشَاءِ الدُّعَاءِ : لِأَنَّ الْخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْشَاءِ بِرُمَّتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَقْتَ الْخَبَرِيَّةِ ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَكَقَوْلِ
أَبِي بَكْرٍ : إِنِّي اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ .