nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=29013_32412_32405_33679جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه
جملة في موضع الحال من ضمير ( فاطر ) لأن مضمونها حال من أحوال
[ ص: 44 ] فطر السماوات والأرض . فإن خلق الإنسان والأنعام من أعجب أحوال خلق الأرض .
ويجوز كونها خبرا ثالثا عن ضمير وهو على كل شيء قدير .
والمعنى : قدر في تكوين نوع الإنسان أزواجا لأفراده ، ولما كان ذلك التقدير مقارنا لأصل تكوين النوع جيء فيه بالفعل الماضي .
والخطاب في قوله : لكم للناس كلهم . والخطاب التفات من الغيبة . واللام للتعليل . وتقديم لكم على غيره من معمولات جعل ليعرف أنه معمول لذلك الفعل فلا يتوهم أنه صفة لـ أزواجا ، وليكون التعليل به ملاحظا في المعطوف بقوله : ومن الأنعام أزواجا .
والأزواج : جمع زوج وهو الذي ينضم إلى فرد فيصير كلاهما زوجا للآخر والمراد هنا : الذكور والإناث من الناس ، أي جعل لمجموعكم أزواجا ، فللذكور أزواج من الإناث ، وللنساء أزواج من الرجال ، وذلك لأجل الجميع لأن بذلك الجعل حصلت لذة التأنس ونعمة النسل .
ومعنى ( من أنفسكم ) من نوعكم ، ومن بعضكم ، كقوله : فسلموا على أنفسكم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم . وكون الأزواج من أنفسهم كمال في النعمة لأنه لو جعل أحد الزوجين من نوع آخر لفات نعيم الأنس ، وأما زعم العرب في الجاهلية أن الرجل قد يتزوج جنية أو غولا فذلك من التكاذيب وتخيلات بعضهم ، وربما عرض لبعض الناس خبال في العقل خاص بذلك فتخيل ذلك وتحدث به فراج عن كل أبله .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ومن الأنعام أزواجا عطف على ( أزواجا ) الأول فهو كمفعول لـ ( جعل ) والتقدير : وجعل من الأنعام أزواجا ، أي جعل منها أزواجا بعضها لبعض . وفائدة ذكر أزواج الأنعام دون أزواج الوحش : أن في أنواع الأنعام فائدة لحياة الإنسان لأنها تعيش معه ولا تنفر منه ، وينتفع بألبانها ، وأصوافها ، ولحومها ، ونسلها ، وعملها من حمل وحرث ، فبجعلها أزواجا حصل معظم نفعها للإنسان .
[ ص: 45 ] والذرء : بث الخلق وتكثيره ، ففيه معنى توالي الطبقات على مر الزمان إذ لا منفعة للناس من أزواج الأنعام باعتبارها أزواجا سوى ما يحصل من نسلها .
وضمير الخطاب في قوله ( يذرؤكم ) للمخاطبين بقوله ( جعل لكم ) . ومراد شموله لجعل أزواج من الأنعام المتقدم ذكره ؛ لأن ذكر أزواج الأنعام لم يكن هملا بل مرادا منه زيادة المنة فإن ذرء نسل الإنسان نعمة للناس وذرء نسل الأنعام نعمة أخرى للناس ، ولذلك اكتفى بذكر الأزواج في جانب الأنعام عن ذكر الذرء إذ لا منفعة للناس في تزاوج الأنعام سوى ما يحصل من نسلها .
وإذ كان الضمير ضمير جماعة العقلاء وكان ضمير خطاب في حين أن الأنعام ليست عقلاء ولا مخاطبة ، فقد جاء في ذلك الضمير تغليب العقلاء إذ لم يذكر ضمير صالح للعقلاء وغيرهم كأن يقال : يذراك بكسر الكاف على تأويل إرادة خطاب الجماعة .
وجاء فيه تغليب الخطاب على الغيبة ، فقد جاء فيه تغليبان . وهو تغليب دقيق ؛ إذ اجتمع في لفظ واحد نوعان من التغليب كما أشار إليه الكشاف
والسكاكي في مبحث التغليب من المفتاح .
وضمير ( فيه ) عائد إلى الجعل المفهوم من قوله ( جعل لكم ) أي في الجعل المذكور على حد قوله : اعدلوا هو أقرب للتقوى .
وجيء بالمضارع في ( يذرؤكم ) لإفادة التجدد ، والتجدد أنسب بالامتنان .
وحرف ( في ) مستعار لمعنى السببية تشبيها للسبب بالظرف في احتوائه على مسبباته كاحتواء المنبع على مائه والمعدن على ترابه ومثله قوله تعالى : ولكم في القصاص حياة .
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=29013_32412_32405_33679جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ
جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ ( فَاطِرِ ) لِأَنَّ مَضْمُونَهَا حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ
[ ص: 44 ] فَطْرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . فَإِنَّ خَلْقَ الْإِنْسَانِ وَالْأَنْعَامِ مِنْ أَعْجَبِ أَحْوَالِ خَلْقِ الْأَرْضِ .
وَيَجُوزُ كَوْنُهَا خَبَرًا ثَالِثًا عَنْ ضَمِيرِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
وَالْمَعْنَى : قَدَّرَ فِي تَكْوِينِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ أَزْوَاجًا لِأَفْرَادِهِ ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ مُقَارِنًا لِأَصْلِ تَكْوِينِ النَّوْعِ جِيءَ فِيهِ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي .
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ : لَكُمْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ . وَالْخِطَابُ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ . وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ . وَتَقْدِيمُ لَكُمْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ مَعْمُولَاتِ جَعَلَ لِيُعْرَفَ أَنَّهُ مَعْمُولٌ لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِـ أَزْوَاجًا ، وَلِيَكُونَ التَّعْلِيلُ بِهِ مُلَاحَظًا فِي الْمَعْطُوفِ بَقَوْلِهِ : وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا .
وَالْأَزْوَاجُ : جَمْعُ زَوْجٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْضَمُّ إِلَى فَرْدٍ فَيَصِيرُ كِلَاهُمَا زَوْجًا لِلْآخَرِ وَالْمُرَادُ هُنَا : الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنَ النَّاسِ ، أَيْ جَعَلَ لِمَجْمُوعِكُمْ أَزْوَاجًا ، فَلِلذُّكُورِ أَزْوَاجٌ مِنَ الْإِنَاثِ ، وَلِلنِّسَاءِ أَزْوَاجٌ مِنَ الرِّجَالِ ، وَذَلِكَ لِأَجْلِ الْجَمِيعِ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْجَعْلِ حَصَلَتْ لَذَّةُ التَّأَنُّسِ وَنِعْمَةُ النَّسْلِ .
وَمَعْنَى ( مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) مِنْ نَوْعِكُمْ ، وَمِنْ بَعْضِكُمْ ، كَقَوْلِهِ : فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ . وَكَوْنُ الْأَزْوَاجِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَالٌ فِي النِّعْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ لَفَاتَ نَعِيمُ الْأُنْسِ ، وَأَمَّا زَعْمُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَتَزَوَّجُ جِنِّيَّةً أَوْ غُولًا فَذَلِكَ مِنَ التَّكَاذِيبِ وَتَخَيُّلَاتِ بَعْضِهِمْ ، وَرُبَّمَا عَرَضَ لِبَعْضِ النَّاسِ خَبَالٌ فِي الْعَقْلِ خَاصٌّ بِذَلِكَ فَتَخَيَّلَ ذَلِكَ وَتَحَدَّثَ بِهِ فَرَاجَ عَنْ كُلِّ أَبْلَهَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا عَطْفٌ عَلَى ( أَزْوَاجًا ) الْأَوَّلِ فَهُوَ كَمَفْعُولٍ لِـ ( جَعَلَ ) وَالتَّقْدِيرُ : وَجَعَلَ مِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ، أَيْ جَعَلَ مِنْهَا أَزْوَاجًا بَعْضَهَا لِبَعْضٍ . وَفَائِدَةُ ذِكْرِ أَزْوَاجِ الْأَنْعَامِ دُونَ أَزْوَاجِ الْوَحْشِ : أَنَّ فِي أَنْوَاعِ الْأَنْعَامِ فَائِدَةً لِحَيَاةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهَا تَعِيشُ مَعَهُ وَلَا تَنْفِرُ مِنْهُ ، وَيَنْتَفِعُ بِأَلْبَانِهَا ، وَأَصْوَافِهَا ، وَلُحُومِهَا ، وَنَسْلِهَا ، وَعَمَلِهَا مِنْ حَمْلٍ وَحَرْثٍ ، فَبِجَعْلِهَا أَزْوَاجًا حَصَلَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا لِلْإِنْسَانِ .
[ ص: 45 ] وَالذَّرْءُ : بَثُّ الْخَلْقِ وَتَكْثِيرُهُ ، فَفِيهِ مَعْنَى تَوَالِي الطَّبَقَاتِ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ إِذْ لَا مَنْفَعَةَ لِلنَّاسِ مِنْ أَزْوَاجِ الْأَنْعَامِ بِاعْتِبَارِهَا أَزْوَاجًا سِوَى مَا يَحْصُلُ مِنْ نَسْلِهَا .
وَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ ( يَذْرَؤُكُمْ ) لِلْمُخَاطَبِينَ بَقَوْلِهِ ( جَعَلَ لَكُمْ ) . وَمُرَادُ شُمُولِهِ لِجَعْلِ أَزْوَاجٍ مِنَ الْأَنْعَامِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ أَزْوَاجِ الْأَنْعَامِ لَمْ يَكُنْ هَمَلًا بَلْ مُرَادًا مِنْهُ زِيَادَةُ الْمِنَّةِ فَإِنَّ ذَرْءَ نَسْلِ الْإِنْسَانِ نِعْمَةٌ لِلنَّاسِ وَذَرْءَ نَسْلِ الْأَنْعَامِ نِعْمَةٌ أُخْرَى لِلنَّاسِ ، وَلِذَلِكَ اكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَزْوَاجِ فِي جَانِبِ الْأَنْعَامِ عَنْ ذِكْرِ الذَّرْءِ إِذْ لَا مَنْفَعَةَ لِلنَّاسِ فِي تَزَاوُجِ الْأَنْعَامِ سِوَى مَا يَحْصُلُ مِنْ نَسْلِهَا .
وَإِذْ كَانَ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ جَمَاعَةِ الْعُقَلَاءِ وَكَانَ ضَمِيرَ خِطَابٍ فِي حِينِ أَنَّ الْأَنْعَامَ لَيْسَتْ عُقَلَاءَ وَلَا مُخَاطَبَةً ، فَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ الضَّمِيرِ تَغْلِيبُ الْعُقَلَاءِ إِذْ لَمْ يُذْكَرْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ لِلْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ كَأَنْ يُقَالَ : يَذَرَاكِ بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى تَأْوِيلِ إِرَادَةِ خِطَابِ الْجَمَاعَةِ .
وَجَاءَ فِيهِ تَغْلِيبُ الْخِطَابِ عَلَى الْغَيْبَةِ ، فَقَدْ جَاءَ فِيهِ تَغْلِيبَانِ . وَهُوَ تَغْلِيبٌ دَقِيقٌ ؛ إِذِ اجْتَمَعَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ نَوْعَانِ مِنَ التَّغْلِيبِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْكَشَّافُ
وَالسَّكَّاكِيُّ فِي مَبْحَثِ التَّغْلِيبِ مِنَ الْمِفْتَاحِ .
وَضَمِيرُ ( فِيهِ ) عَائِدٌ إِلَى الْجَعْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ ( جَعَلَ لَكُمْ ) أَيْ فِي الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ : اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى .
وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ فِي ( يَذْرَؤُكُمْ ) لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ ، وَالتَّجَدُّدُ أَنْسَبُ بِالِامْتِنَانِ .
وَحَرْفُ ( فِي ) مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى السَّبَبِيَّةِ تَشْبِيهًا لِلسَّبَبِ بِالظَّرْفِ فِي احْتِوَائِهِ عَلَى مُسَبَّبَاتِهِ كَاحْتِوَاءِ الْمَنْبَعِ عَلَى مَائِهِ وَالْمَعْدِنِ عَلَى تُرَابِهِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ .