[ ص: 418 ] بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة غافر
هذه السورة مكية بإجماع، وقد روي في بعض آياتها أنها مدنية، وهذا ضعيف، والأول أصح، وهذه الحواميم التي روى
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنها ديباج القرآن، ووقفه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج على
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه، ومعنى هذه العبارة أنها خلت من الأحكام، وقصرت على المواعظ والزجر وطرق الآخرة محضا، وأيضا فهي قصار لا يلحق لقارئ فيها سآمة. وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود روى أن النبي عليه السلام قال:
"من أراد أن يرتع في رياض مونقة من الجنة فليقرء الحواميم"، وهذا نحو الكلام الأول في
[ ص: 419 ] المعنى. وقال عليه الصلاة والسلام:
"مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب".
قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=32450_34237_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=treesubj&link=28723_32238_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم nindex.php?page=treesubj&link=20011_28723_29694_30347_30538_34090_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير nindex.php?page=treesubj&link=30549_30550_32408_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد nindex.php?page=treesubj&link=30525_30539_30614_31788_32016_32024_33953_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب
تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، وتلك الأقوال كلها تترتب في قوله: [حم]، ويختص هذا الموضع بقول آخر قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : إن [حم] هجاء (حم) بضم الحاء وشد الميم المفتوحة، كأنه يقول: "حم الأمر ووقع تنزيل الكتاب من الله"، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: "آلر، حم، و ن هي حروف "الرحمن" مقطعة في سور"، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14980القرظي : أقسم الله بحلمه وملكه،
وسأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم عن [حم] ما هو؟ فقال: "بدء أسماء وفواتح سور".
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير بفتح الحاء، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو كسرها على الإمالة، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع الفتح، وروي عنه الوسط بينهما، وكذلك اختلف عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16748عيسى [ ص: 420 ] كسر الحاء على الإمالة، وقرأ جمهور الناس بفتح الحاء وسكون الميم، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16748عيسى بن عمر أيضا حم بفتح الحاء وفتح الميم الأخيرة في النطق، ولذلك وجهان: أحدهما التحريك للالتقاء مع الياء الساكنة، والآخر: حركة إعراب، وذلك نصب بفعل مقدر تقديره: اقرأ حم، وهذا على أن تجرى مجرى الأسماء، والحجة منه قول
شريح بن أوفى العبسي: يذكرني حاميم والرمح شاجر ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم؟
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=15102الكميت :
وجدنا لكم في آل حاميم آية ... تأولها منا تقي ومعرب
وقرأ
أبو السمال: بكسر الميم الأخيرة، وذلك لالتقاء الساكنين، و[حم] آية.
و[تنزيل] رفع بالابتداء، والخبر في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2من الله وعلى القول بأن [حم] إشارة إلى حروف المعجم يكون قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2 [تنزيل] خبر ابتداء، و[الكتاب]: القرآن، وقوله
[ ص: 421 ] تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3 "غافر" بدل من المكتوبة، وإن أردت بـ"غافر" المضي - أي غفرانه في الدنيا وقضاؤه بالغفران وستره على المذنبين - فيجوز أن يكون "غافر" صفة; لأن إضافته إلى المعرفة تكون محضة، وهذا مترجح جدا، وإذا أردت بـ"غافر" الاستقبال أي غفرانه يوم القيامة - فالإضافة غير محضة، و"غافر" نكرة، فلا يكون نعتا; لأن المعرفة لا تنعت بالنكرة، وفي هذا نظر. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : "غافر" و"قابل" صفتان، و
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3شديد العقاب بدل، و"الذنب" اسم الجنس، وأما
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3 "التوب" فيحتمل أن يكون مصدرا كالعوم والنوم فيكون اسم جنس، ويحتمل أن يكون جمع توبة، كتمرة وتمر، وساعة وساع.
nindex.php?page=treesubj&link=32482وقبول التوبة من الكافر مقطوع به; لإخبار الله تعالى،
nindex.php?page=treesubj&link=30526وقبول التوبة من العاصي في وجوبها قولان لأهل السنة، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش أن رجلا جاء إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني قتلت، فهل لي من توبة؟ فقال: نعم، اعمل ولا تيأس، ثم قرأ هذه الآية إلى قوله تعالى: " قابل التوب " . [و
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3شديد العقاب صفة، وقيل: بدل].
ثم عقب تعالى هذا الوعيد بوعد ثان في قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3ذي الطول ، أي: ذي التطول والمن بكل نعمة، فلا خير إلا منه، فترتب في الآية وعيد بين وعدين، وهكذا رحمة الله تغلب غضبه.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
سمعت هذه النزعة من أبي رضي الله عنه، وهي نحو من قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه: "لن يغلب عسر يسرين"، يريد قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=5فإن مع العسر يسرا nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=6إن مع العسر يسرا .
[ ص: 422 ] و"الطول": الإنعام، ومنه "ما حليت بطائل"، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي عن أهل الإشارة أنه تعالى غافر الذنب فضلا، وقابل التوب وعدا، وشديد العقاب عدلا. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: الطول: السعة والغنى. ثم صدع تعالى بالتوحيد في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3لا إله إلا هو ، وبالبعث والحشر في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3إليه المصير .
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4ما يجادل في آيات الله يريد: جدالا باطلا، لأن الجدال فيها يقع من المؤمنين لكن في إثباتها وشرحها، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4فلا يغررك أنزله منزلة: "فلا يحزنك ولا يهمنك" لتدل الآية على أنهم ينبغي ألا يغتروا بإملاء الله تعالى لهم، فالخطاب له والإشارة إلى من يقع منه الاغترار، ويحتمل أن يكون [يغررك] بمعنى: تظن أن وراء تقلبهم وإمهالهم خيرا لهم، فتقول: عسى أن لا يعذبوا. وحل الفعل من الإدغام لسكون الحرف الثاني، وحيث هما متحركان لا يجوز الحل، لا تقول: زيد يغررك. وتقلبهم في البلاد عبارة عن تمتعهم بالمساكن والمزارع والأسفار وغير ذلك.
ثم مثل لهم بمن تقدمهم من الأمم، أي: كما حل بأولئك كذلك ينزل بهؤلاء. و[الأحزاب]: يريد بهم
عادا وثمود أو أهل
مدين وغيرهم، وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : "برسولها"، ردا على "الأمة"، وضمير الجماعة هو على معنى الأمة لا على لفظها. وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5ليأخذوه معناه: ليهلكوه، كقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5فأخذتهم ، والعرب تقول للقتيل: أخيذ، وللأسير: أخيذ، ومنه قولهم: "أكذب من الأخيذ الصبحان"، وقال
[ ص: 423 ] nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : "ليأخذوه" معناه: ليقتلوه. و[ليدحضوا] معناه: ليزلقوا وليذهبوا، والمدحضة: المزلة والمزلقة. وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5فكيف كان عقاب تعجيب وتعظيم، وليس باستفهام عن كيفية وقوع الأمر.
[ ص: 418 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ غَافِرٍ
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ، وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ آيَاتِهَا أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهَذِهِ الْحَوَامِيمُ الَّتِي رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=9أُنْسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهَا دِيبَاجُ الْقُرْآنِ، وَوَقَفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهَا خَلَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَقُصِرَتْ عَلَى الْمَوَاعِظِ وَالزَّجْرِ وَطُرُقِ الْآخِرَةِ مَحْضًا، وَأَيْضًا فَهِيَ قِصَارٌ لَا يَلْحَقُ لِقَارِئٍ فِيهَا سَآمَةٌ. وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ:
"مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْتَعَ فِي رِيَاضٍ مُونِقَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَلْيَقْرَء الْحَوَامِيمَ"، وَهَذَا نَحْوُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فِي
[ ص: 419 ] الْمَعْنَى. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
"مَثَلُ الْحَوَامِيمِ فِي الْقُرْآنِ مَثَلُ الْحِبَرَاتِ فِي الثِّيَابِ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=32450_34237_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=treesubj&link=28723_32238_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ nindex.php?page=treesubj&link=20011_28723_29694_30347_30538_34090_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ nindex.php?page=treesubj&link=30549_30550_32408_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ nindex.php?page=treesubj&link=30525_30539_30614_31788_32016_32024_33953_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَتِلْكَ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَتَرَتَّبُ فِي قَوْلِهِ: [حَمْ]، وَيَخْتَصُّ هَذَا الْمَوْضِعُ بِقَوْلٍ آخَرَ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضَّحَّاكُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : إِنَّ [حَمَ] هِجَاءُ (حُمَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَشَدِّ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: "حُمَّ الْأَمْرُ وَوَقَعَ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ"، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "آلَرَ، حَمْ، وَ ن هِيَ حُرُوفُ "الرَّحْمَنِ" مُقَطَّعَةٌ فِي سُوَرٍ"، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14980الْقُرَظِيُّ : أَقْسَمَ اللَّهُ بِحِلْمِهِ وَمُلْكِهِ،
وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ [حَمْ] مَا هُوَ؟ فَقَالَ: "بَدْءُ أَسْمَاءٍ وَفَوَاتِحُ سُوَرٍ".
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبِي عَمْرٍو كَسْرُهَا عَلَى الْإِمَالَةِ، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نَافِعٍ الْفَتْحُ، وَرُوِيَ عَنْهُ الْوَسَطُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمٍ ، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16748عِيسَى [ ص: 420 ] كَسَرُ الْحَاءِ عَلَى الْإِمَالَةِ، وَقَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16748عِيسَى بْنُ عُمَرَ أَيْضًا حَمَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْأَخِيرَةِ فِي النُّطْقِ، وَلِذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا التَّحْرِيكُ لِلِالْتِقَاءِ مَعَ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ، وَالْآخِرُ: حَرَكَةُ إِعْرَابٍ، وَذَلِكَ نُصِبَ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: اقْرَأْ حَمَ، وَهَذَا عَلَى أَنْ تُجْرَى مَجْرَى الْأَسْمَاءِ، وَالْحُجَّةُ مِنْهُ قَوْلُ
شُرَيْحِ بْنِ أَوْفَى الْعَبْسِيِّ: يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ؟
وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15102الْكُمَيْتِ :
وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آلِ حَامِيمَ آيَةٌ ... تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ
وَقَرَأَ
أَبُو السَّمَّالِ: بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأَخِيرَةِ، وَذَلِكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَ[حَمْ] آيَةٌ.
وَ[تَنْزِيلُ] رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2مِنَ اللَّهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ [حَمْ] إِشَارَةٌ إِلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ يَكُونُ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2 [تَنْزِيلُ] خَبَرَ ابْتِدَاءٍ، وَ[الْكِتَابِ]: الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ
[ ص: 421 ] تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3 "غَافِرِ" بَدَلٌ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِنْ أَرَدْتُّ بِـ"غَافِرِ" الْمُضِيَّ - أَيْ غُفْرَانَهُ فِي الدُّنْيَا وَقَضَاؤَهُ بِالْغُفْرَانِ وَسَتْرَهُ عَلَى الْمُذْنِبِينَ - فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "غَافِرِ" صِفَةً; لِأَنَّ إِضَافَتَهُ إِلَى الْمَعْرِفَةِ تَكُونُ مَحْضَةً، وَهَذَا مُتَرَجِّحٌ جِدًّا، وَإِذَا أَرَدْتَ بِـ"غَافِرِ" الِاسْتِقْبَالَ أَيْ غُفْرَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - فَالْإِضَافَةُ غَيْرُ مَحْضَةٍ، وَ"غَافِرِ" نَكِرَةٌ، فَلَا يَكُونُ نَعْتًا; لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تُنْعَتُ بِالنَّكِرَةِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : "غَافِرِ" وَ"قَابِلِ" صِفَتَانِ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3شَدِيدِ الْعِقَابِ بَدَلٌ، وَ"الذَّنْبِ" اسْمُ الْجِنْسِ، وَأَمَّا
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3 "التَّوْبِ" فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَالْعَوْمِ وَالنَّوْمِ فَيَكُونُ اسْمَ جِنْسٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ تَوْبَةٍ، كَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، وَسَاعَةٍ وَسَاعٍ.
nindex.php?page=treesubj&link=32482وَقَبُولُ التَّوْبَةِ مِنَ الْكَافِرِ مَقْطُوعٌ بِهِ; لِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى،
nindex.php?page=treesubj&link=30526وَقَبُولِ التَّوْبَةِ مِنَ الْعَاصِي فِي وُجُوبِهَا قَوْلَانِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنِّي قَتَلْتُ، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمِ، اعْمَلْ وَلَا تَيْأَسْ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: " قَابِلِ التَّوْبِ " . [وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3شَدِيدِ الْعِقَابِ صِفَةٌ، وَقِيلَ: بَدَلٌ].
ثُمَّ عَقَّبَ تَعَالَى هَذَا الْوَعِيدَ بِوَعْدٍ ثَانٍ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3ذِي الطَّوْلِ ، أَيْ: ذِي التَّطَوُّلِ وَالْمَنِّ بِكُلِّ نِعْمَةٍ، فَلَا خَيْرَ إِلَّا مِنْهُ، فَتَرَتَّبَ فِي الْآيَةِ وَعِيدٌ بَيْنَ وَعْدَيْنِ، وَهَكَذَا رَحْمَةُ اللَّهِ تَغْلِبُ غَضَبَهُ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
سَمِعْتُ هَذِهِ النَّزْعَةُ مِنْ أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهِيَ نَحْوٌ مَنْ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عَمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ"، يُرِيدُ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=5فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=6إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا .
[ ص: 422 ] وَ"الطَّوْلُ": الْإِنْعَامُ، وَمِنْهُ "مَا حَلِيتُ بِطَائِلٍ"، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أَهْلِ الْإِشَارَةِ أَنَّهُ تَعَالَى غَافِرِ الذَّنْبِ فَضْلًا، وَقَابِلِ التَّوْبِ وَعْدًا، وَشَدِيدِ الْعِقَابِ عَدْلًا. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الطَّوْلُ: السَّعَةُ وَالْغِنَى. ثُمَّ صَدَعَ تَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3لا إِلَهَ إِلا هُوَ ، وَبِالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3إِلَيْهِ الْمَصِيرُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ يُرِيدُ: جِدَالًا بَاطِلًا، لِأَنَّ الْجِدَالَ فِيهَا يَقَعُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكِنْ فِي إِثْبَاتِهَا وَشَرْحِهَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4فَلا يَغْرُرْكَ أَنْزَلَهُ مَنْزِلَةَ: "فَلَا يَحْزُنْكَ وَلَا يَهُمَّنَّكَ" لِتَدُلَّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُمْ يَنْبَغِي أَلَّا يَغْتَرُّوا بِإِمْلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ، فَالْخِطَابُ لَهُ وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الِاغْتِرَارُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ [يَغْرُرْكَ] بِمَعْنَى: تَظُنُّ أَنَّ وَرَاءَ تَقَلُّبِهِمْ وَإِمْهَالِهِمْ خَيْرًا لَهُمْ، فَتَقُولُ: عَسَى أَنْ لَا يُعَذَّبُوا. وَحُلَّ الْفِعْلُ مِنَ الْإِدْغَامِ لِسُكُونِ الْحَرْفِ الثَّانِي، وَحَيْثُ هُمَا مُتَحَرِّكَانِ لَا يَجُوزُ الْحَلُّ، لَا تَقُولُ: زِيدٌ يَغْرُرُكَ. وَتَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمَتُّعِهِمْ بِالْمَسَاكِنِ وَالْمَزَارِعِ وَالْأَسْفَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ثُمَّ مَثَّلَ لَهُمْ بِمَنْ تَقَدَّمُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، أَيْ: كَمَا حَلَّ بِأُولَئِكَ كَذَلِكَ يَنْزِلُ بِهَؤُلَاءِ. وَ[الْأَحْزَابُ]: يُرِيدُ بِهِمْ
عَادًا وَثَمُودَ أَوْ أَهْلَ
مَدْيَنَ وَغَيْرَهُمْ، وَفِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : "بِرَسُولِهَا"، رَدًّا عَلَى "الْأُمَّةِ"، وَضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ هُوَ عَلَى مَعْنَى الْأُمَّةِ لَا عَلَى لَفْظِهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5لِيَأْخُذُوهُ مَعْنَاهُ: لِيُهْلِكُوهُ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5فَأَخَذْتُهُمْ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْقَتِيلِ: أَخِيذٌ، وَلِلْأَسِيرِ: أَخِيذٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: "أَكْذَبُ مِنَ الْأَخِيذِ الصَّبْحَانِ"، وَقَالَ
[ ص: 423 ] nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ : "لِيَأْخُذُوهُ" مَعْنَاهُ: لِيَقْتُلُوهُ. وَ[لِيُدْحِضُوا] مَعْنَاهُ: لِيُزْلِقُوا وَلِيُذْهِبُوا، وَالْمَدْحَضَةُ: الْمَزَلَّةُ وَالْمَزْلَقَةُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ تَعْجِيبٌ وَتَعْظِيمٌ، وَلَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ عَنْ كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ الْأَمْرِ.