ثم إنه تعالى أمر نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم صريحا بما ندب إليه غيره تعريضا من الصبر لأنه عليه الصلاة والسلام أولى الناس بعزائم الأمور لزيادة علمه بشؤونه سبحانه ووثوقه به تعالى فقال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=19570_30610_30614_31788_32024_32350_34200_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127واصبر على ما أصابك من جهتهم من فنون الآلام والأذية وعاينت من إعراضهم بعد الدعوة عن الحق بالكلية
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وما صبرك إلا بالله استثناء مفرغ من أعم الأشياء أي وما صبرك ملابسا ومصحوبا بشيء من الأشياء إلا بذكر الله تعالى والاستغراق بمراقبة شؤونه والتبتل إليه سبحانه بمجامع الهمة، وفيه من تسلية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتهوين مشاق الصبر عليه وتشريفه ما لا مزيد عليه أو إلا بمشيئته المبنية على حكم بالغة مستتبعة لعواقب حميدة فالتسلية من حيث اشتماله على غايات جليلة قاله شيخ الإسلام.
وقال غير واحد: أي إلا بتوفيقه ومعونته فالتسلية من حيث تيسير الصبر وتسهيله ولعل ذلك أظهر مما تقدم.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127ولا تحزن عليهم أي على الكافرين وكفرهم بك وعدم متابعتهم لك نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68فلا تأس على القوم الكافرين وقيل: على المؤمنين وما فعل بهم من المثلة يوم أحد
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127ولا تك في ضيق بفتح الضاد، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير بكسرها وروي ذلك عن نافع، ولا يصح على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان عنه وهما لغتان كالقول والقيل أي
[ ص: 259 ] لا تكن في ضيق صدر وحرج وفيه استعارة لا تخفى ولا داعي إلى ارتكاب القلب، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : الضيق بالفتح مخفف ضيق كهين، وهين أي لا تك في أمر ضيق. ورده
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي كما في البحر بأن الصفة غير خاصة بالموصوف فلا يجوز ادعاء الحذف ولذلك جاز مررت بكاتب وامتنع بآكل. وتعقب بالمنع لأنه إذا كانت الصفة عامة وقدر موصوف عام فلا مانع منه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127مما يمكرون أي من مكرهم بك فيما يستقبل فالأول كما في إرشاد العقل السليم نهي عن التألم بمطلوب من جهتهم فات والثاني نهي عن التألم بمحذور من جهتهم آت، وفيه أن النهي عنهما مع أن انتفاءهما لمن لوازم الصبر المأمور به لزيادة التأكيد وإظهار كمال العناية بشأن التسلية وإلا فهل يخطر ببال من توجه إلى الله تعالى بشراشره متنزها عن كل ما سواه سبحانه من الشواغل شيء مطلوب فينهى عن الحزن بفواته، وقيل: يمكرون بمعنى مكروا، وإنما عبر بالمضارع استحضارا للصورة الماضية، والأول نهي عن الحزن على سوء حالهم في أنفسهم من اتصافهم بالكفر والإعراض عن الدعوة والثاني نهي عن الحزن على سوء حالهم معه صلى الله تعالى عليه وسلم من إيذائهم له بالتمثيل بأحبابه ونحوه والمراد من النهيين محض التسلية لا حقية النهي، وأن تعلم أن الظاهر إبقاء المضارع على حقيقته فتأمل.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرِيحًا بِمَا نُدِبَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ تَعْرِيضًا مِنَ الصَّبْرِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْلَى النَّاسِ بِعَزَائِمِ الْأُمُورِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهِ بِشُؤُونِهِ سُبْحَانَهُ وَوُثُوقِهِ بِهِ تَعَالَى فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=19570_30610_30614_31788_32024_32350_34200_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ مِنْ جِهَتِهِمْ مِنْ فُنُونِ الْآلَامِ وَالْأَذِيَّةِ وَعَايَنْتَ مِنْ إِعْرَاضِهِمْ بَعْدَ الدَّعْوَةِ عَنِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَشْيَاءِ أَيْ وَمَا صَبْرُكَ مُلَابِسًا وَمَصْحُوبًا بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِغْرَاقِ بِمُرَاقَبَةِ شُؤُونِهِ وَالتَّبَتُّلِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِمَجَامِعِ الْهِمَّةِ، وَفِيهِ مِنْ تَسْلِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَهْوِينِ مَشَاقِّ الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَتَشْرِيفِهِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ أَوْ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى حِكَمٍ بَالِغَةٍ مُسْتَتْبَعَةٍ لِعَوَاقِبَ حَمِيدَةٍ فَالتَّسْلِيَةُ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى غَايَاتٍ جَلِيلَةٍ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَيْ إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ وَمَعُونَتِهِ فَالتَّسْلِيَةُ مِنْ حَيْثُ تَيْسِيرُ الصَّبْرِ وَتَسْهِيلُهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى الْكَافِرِينَ وَكُفْرِهِمْ بِكَ وَعَدَمِ مُتَابَعَتِهِمْ لَكَ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ وَقِيلَ: عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَمَا فُعِلَ بِهِمْ مِنَ الْمُثْلَةِ يَوْمَ أُحُدٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ بِفَتْحِ الضَّادِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِهَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ نَافِعٍ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ عَنْهُ وَهُمَا لُغَتَانِ كَالْقَوْلِ وَالْقِيلِ أَيْ
[ ص: 259 ] لَا تَكُنْ فِي ضِيقِ صَدْرٍ وَحَرَجٍ وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ لَا تُخْفَى وَلَا دَاعِيَ إِلَى ارْتِكَابِ الْقَلْبِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ : الضَّيْقُ بِالْفَتْحِ مُخَفَّفٌ ضَيِّقٌ كَهَيِّنٍ، وَهَيِّنٌ أَيْ لَا تَكُ فِي أَمْرٍ ضَيِّقٍ. وَرَدَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12095أَبُو عَلِيٍّ كَمَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الصِّفَةَ غَيْرُ خَاصَّةٍ بِالْمَوْصُوفِ فَلَا يَجُوزُ ادِّعَاءُ الْحَذْفِ وَلِذَلِكَ جَازَ مَرَرْتُ بِكَاتِبٍ وَامْتَنَعَ بِآكِلٍ. وَتُعِقِّبَ بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الصِّفَةُ عَامَّةً وَقُدِّرَ مَوْصُوفٌ عَامٌّ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127مِمَّا يَمْكُرُونَ أَيْ مِنْ مَكْرِهِمْ بِكَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي إِرْشَادِ الْعَقْلِ السَّلِيمِ نَهْيٌ عَنِ التَّأَلُّمِ بِمَطْلُوبٍ مِنْ جِهَتِهِمْ فَاتَ وَالثَّانِي نَهْيٌ عَنِ التَّأَلُّمِ بِمَحْذُورٍ مِنْ جِهَتِهِمْ آتٍ، وَفِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُمَا مَعَ أَنَّ انْتِفَاءَهُمَا لِمَنْ لَوَازِمِ الصَّبْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ وَإِظْهَارِ كَمَالِ الْعِنَايَةِ بِشَأْنِ التَّسْلِيَةِ وَإِلَّا فَهَلْ يَخْطُرُ بِبَالِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِشَرَاشِرِهِ مُتَنَزِّهًا عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الشَّوَاغِلِ شَيْءٌ مَطْلُوبٌ فَيَنْهَى عَنِ الْحُزْنِ بِفَوَاتِهِ، وَقِيلَ: يَمْكُرُونَ بِمَعْنَى مَكَرُوا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارًا لِلصُّورَةِ الْمَاضِيَةِ، وَالْأَوَّلُ نَهْيٌ عَنِ الْحُزْنِ عَلَى سُوءِ حَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنِ اتِّصَافِهِمْ بِالْكُفْرِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّعْوَةِ وَالثَّانِي نَهْيٌ عَنِ الْحُزْنِ عَلَى سُوءِ حَالِهِمْ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِيذَائِهِمْ لَهُ بِالتَّمْثِيلِ بِأَحْبَابِهِ وَنَحْوِهِ وَالْمُرَادُ مِنَ النَّهْيَيْنِ مَحْضُ التَّسْلِيَةِ لَا حَقِّيَّةُ النَّهْيِ، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الظَّاهِرَ إِبْقَاءُ الْمُضَارِعِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَتَأَمَّلْ.