( للتفقه ) أي التفهم وأخذ الفقه تدريجا وهو أعني الفقه لغة الفهم من فقه بكسر عينه فإن صار الفقه سجية له قيل فقه بضمها ، واصطلاحا العلم بالأحكام الشرعية العملية الناشئة عن الاجتهاد وموضوعه فعل المكلف من حيث تعاور تلك الأحكام عليه واستمداده من الأدلة المجمع عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس والمختلف فيها كالاستصحاب ومسائله كل مطلوب خبري يبرهن عليه في العلم وفائدته امتثال الأوامر واجتناب النواهي وغايته انتظام أمر المعاش والمعاد مع الفوز بكل خير دنيوي وأخروي ( في الدين ) وهو عرفا وضع إلهي
[ ص: 21 ] سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات ، وقد يفسر بما شرع من الأحكام ويساويه الملة ماصدقا كالشريعة لأنها من حيث إنها يدان أي يخضع لها تسمى دينا ومن حيث إنها يجتمع عليها وتملى أحكامها تسمى ملة ومن حيث إنها تقصد لإنقاذ النفوس من مهلكاتها تسمى شريعة ( من ) مفعول أول للموفق المتعدي للثاني باللام ( لطف به ) أي أراد له الخير وسهله عليه لكونه من عليه بفهم تام ومعلم ناصح وشدة الاعتناء بالطلب ودوامه ( واختاره ) أي انتقاه للطفه وتوفيقه ( من العباد ) يصح أن يكون بيانا لمن فأل فيه للعهد والمعهود {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } .
وشاهد ذلك الحديث الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=117637من يرد الله به خيرا أي عظيما يفقهه في الدين } وفي رواية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=117638ويلهمه رشده } ومفعولا ثانيا لاختار فأل فيه للجنس والعبد لغة الإنسان واصطلاحا المكلف ولو ملكا أو جنيا ( أحمده ) أي أصفه بجميع صفاته إذ كل منها جميل ورعاية جميعها أبلغ في التعظيم ومع هذا التحقيق أن الحمد الأول أبلغ وأفضل ومن ثم قدم
[ ص: 22 ] بل أخذ
البلقيني من إيثار القرآن {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين } بالابتداء به أنه أبلغ صيغ الحمد وجمع بينهما تأسيا بحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70644إن الحمد لله نحمده } وليجمع بين ما يدل على دوامه واستمراره ، وهو الأول وعلى تجدده وحدوثه وهو الثاني ( أبلغ حمد ) أي أنهاه من حيث الإجمال لا التفصيل لعجز الخلق عنه حتى الرسل حتى أكملهم نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29793لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } ( وأكمله ) أي أتمه ورد بأنه إطناب فقط كالذي بعده وبأن التمام غير الكمال كما يومئ إليه {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } فالإتمام لإزالة نقص الأصل والإكمال لإزالة نقص العوارض مع تمام الأصل .
ومن ثم قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تلك عشرة كاملة } لأن التمام في العدد قد علم وإنما بقي احتمال نقص بعض صفاته ويرد بأن هذا إنما يتصور في الماهيات الحسية لا الاعتبارية كماهية الحمد وبأن الإكمال في الآية للدين والإتمام للنعمة التي من جملتها ذلك الإكمال والنصر العام على كل منافق ومعاند فلم يتعاورا على شيء واحد فاتجه أنهما فيه بمعنى واحد
[ ص: 23 ] وبأن التمام يشعر بسبق نقص بخلاف الكمال ، ويرد بفرض تسليمه بنحو ما قبله ( وأزكاه ) أنماه ( وأشمله ) أعمه
( لِلتَّفَقُّهِ ) أَيْ التَّفَهُّمِ وَأَخْذِ الْفِقْهِ تَدْرِيجًا وَهُوَ أَعْنِي الْفِقْهَ لُغَةً الْفَهْمُ مِنْ فَقِهَ بِكَسْرِ عَيْنِهِ فَإِنْ صَارَ الْفِقْهُ سَجِيَّةً لَهُ قِيلَ فَقُهَ بِضَمِّهَا ، وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ النَّاشِئَةِ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَمَوْضُوعُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ تَعَاوُرُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالِاسْتِصْحَابِ وَمَسَائِلِهِ كُلُّ مَطْلُوبٍ خَبَرِيٌّ يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَفَائِدَتُهُ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي وَغَايَتُهُ انْتِظَامُ أَمْرِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ مَعَ الْفَوْزِ بِكُلِّ خَيْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ ( فِي الدِّينِ ) وَهُوَ عُرْفًا وَضْعٌ إلَهِيٌّ
[ ص: 21 ] سَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ بِالذَّاتِ ، وَقَدْ يُفَسَّرُ بِمَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيُسَاوِيهِ الْمِلَّةُ مَاصَدَقًا كَالشَّرِيعَةِ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا يُدَانُ أَيْ يُخْضَعُ لَهَا تُسَمَّى دِينًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا يُجْتَمَعُ عَلَيْهَا وَتُمْلَى أَحْكَامُهَا تُسَمَّى مِلَّةً وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُقْصَدُ لِإِنْقَاذِ النُّفُوسِ مِنْ مُهْلِكَاتِهَا تُسَمَّى شَرِيعَةً ( مَنْ ) مَفْعُولٌ أَوَّلُ لِلْمُوَفِّقِ الْمُتَعَدِّي لِلثَّانِي بِاللَّامِ ( لَطَفَ بِهِ ) أَيْ أَرَادَ لَهُ الْخَيْرَ وَسَهَّلَهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَنَّ عَلَيْهِ بِفَهْمٍ تَامٍّ وَمُعَلِّمٍ نَاصِحٍ وَشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِالطَّلَبِ وَدَوَامِهِ ( وَاخْتَارَهُ ) أَيْ انْتَقَاهُ لِلُطْفِهِ وَتَوْفِيقِهِ ( مِنْ الْعِبَادِ ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَنْ فَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَالْمَعْهُودُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } .
وَشَاهِدُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=117637مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَيْ عَظِيمًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ } وَفِي رِوَايَةٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=117638وَيُلْهِمْهُ رُشْدَهُ } وَمَفْعُولًا ثَانِيًا لِاخْتَارَ فَأَلْ فِيهِ لِلْجِنْسِ وَالْعَبْدُ لُغَةً الْإِنْسَانُ وَاصْطِلَاحًا الْمُكَلَّفُ وَلَوْ مَلَكًا أَوْ جِنِّيًّا ( أَحْمَدُهُ ) أَيْ أَصِفُهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إذْ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيلٌ وَرِعَايَةُ جَمِيعِهَا أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ وَمَعَ هَذَا التَّحْقِيقِ أَنَّ الْحَمْدَ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ وَأَفْضَلُ وَمِنْ ثَمَّ قُدِّمَ
[ ص: 22 ] بَلْ أَخَذَ
الْبُلْقِينِيُّ مِنْ إيثَارِ الْقُرْآنِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } بِالِابْتِدَاءِ بِهِ أَنَّهُ أَبْلَغُ صِيَغِ الْحَمْدِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأَسِّيًا بِحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70644إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ } وَلِيَجْمَعَ بَيْنَ مَا يَدُلُّ عَلَى دَوَامِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَعَلَى تَجَدُّدِهِ وَحُدُوثِهِ وَهُوَ الثَّانِي ( أَبْلَغَ حَمْدٍ ) أَيْ أَنْهَاهُ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ لَا التَّفْصِيلُ لِعَجْزِ الْخَلْقِ عَنْهُ حَتَّى الرُّسُلِ حَتَّى أَكْمَلَهُمْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29793لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك } ( وَأَكْمَلَهُ ) أَيْ أَتَمَّهُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إطْنَابٌ فَقَطْ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ وَبِأَنَّ التَّمَامَ غَيْرُ الْكَمَالِ كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } فَالْإِتْمَامُ لِإِزَالَةِ نَقْصِ الْأَصْلِ وَالْإِكْمَالُ لِإِزَالَةِ نَقْصِ الْعَوَارِضِ مَعَ تَمَامِ الْأَصْلِ .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } لِأَنَّ التَّمَامَ فِي الْعَدَدِ قَدْ عُلِمَ وَإِنَّمَا بَقِيَ احْتِمَالُ نَقْصِ بَعْضِ صِفَاتِهِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحِسِّيَّةِ لَا الِاعْتِبَارِيَّةِ كَمَاهِيَّةِ الْحَمْدِ وَبِأَنَّ الْإِكْمَالَ فِي الْآيَةِ لِلدِّينِ وَالْإِتْمَامُ لِلنِّعْمَةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا ذَلِكَ الْإِكْمَالُ وَالنَّصْرُ الْعَامُّ عَلَى كُلِّ مُنَافِقٍ وَمُعَانِدٍ فَلَمْ يَتَعَاوَرَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَاتَّجَهَ أَنَّهُمَا فِيهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
[ ص: 23 ] وَبِأَنَّ التَّمَامَ يُشْعِرُ بِسَبْقِ نَقْصٍ بِخِلَافِ الْكَمَالِ ، وَيُرَدُّ بِفَرْضِ تَسْلِيمِهِ بِنَحْوِ مَا قَبْلَهُ ( وَأَزْكَاهُ ) أَنَمَاهُ ( وَأَشْمَلَهُ ) أَعَمَّهُ