( الذي ) لكثرة بره وسعة جوده فلذا أخر عن ذينك ( جلت ) عظمت ولاستقرار هذه الصلة في النفوس وإذعانها لها
[ ص: 17 ] عدل لذلك عن الجليلة نعمه عن الإحصاء وإن كان صحيحا فاندفع ما قيل إنه إنما أتي بالموصول هنا لقاعدة هي أنه يتوصل بالذي لوصفه تعالى بما ثبت له ولم يرد به توقيف وكان قائله فهم أن هذا لا يؤدى إلا بوصف له تعالى وقد علمت تأديته بوصف النعم بما ذكر وهو لا يحتاج لتوقيف ( نعمه ) فيه إيهام أن سبب عدم حصرها جمعها المنافي {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله } أي تريدوا عد أو تشرعوا في عد كل فرد فرد من أفراد نعمه كما يعلم من أن مدلول العام كالمفرد المضاف هنا كلية {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34لا تحصوها } أي لا تحصروها فتعين أنه جمع نعمة بمعنى أنعام وجمعه لا إيهام فيه أي جلت أنعماته أي باعتبار كل أثر من آثارها عن أن تحد فيشمل القليل أيضا
[ ص: 18 ] ومع هذا التعبير بنعمة موافقة للفظ الآية أولى ومن ثم أصلح في نسخة وكل نعمة وإن سلم حصرها هو باعتبار ذاتها لا متعلقاتها مع دوامها معاشا ومعادا وهي أي حقيقة كل ملائم تحمد عاقبته .
ومن ثم قالوا لا نعمة لله على كافر ، وإنما ملاذه استدراج فإن قلت هذا لا يوافق
nindex.php?page=treesubj&link=28910تفسير النعمة لغة من أنها مطلق الملائم وهو الموافق للاستعمال في أكثر النصوص فما حكمته قلت شأن المصطلحات العرفية مخالفتها للحقائق اللغوية وكونها أخص منها كالحمد والصلاة عرفا ويأتي في تفسير العبد ما يوضح ذلك وفائدتها هنا بيان ما هو نعمة بالحقيقة لا بالصورة التي اكتفى بها أهل اللغة والرزق أعم منها لأنه ما ينتفع به ولو حراما خلافا
للمعتزلة ( عن الإحصاء ) بكسر أوله وبالمد أي الضبط وهو الحصر وفسر بالعد ، وهو الفعل فهو غير العدد في ( بالإعداد ) أي بكل فرد فرد منها لا بقيد القلة التي أوهمتها العبارة كما دل عليه الجمع المحلى بأل بقرينة المقام أي عظمت عن أن تحصر أو تعد بعدد كما دلت عليه الآية ومعنى {
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=28وأحصى كل شيء عددا } علمه من جهة العدد
[ ص: 19 ] nindex.php?page=treesubj&link=29448ومن أسمائه تعالى المحصي أي العالم أو القوي أو العاد أقوال نعم في الأخير إيهام أن علمه بكل شيء متوقف على عده ، وليس كذلك ( المان ) من المنة وهي النعمة مطلقا أو بقيد كونها ثقيلة مبتدأة من غير مقابل يوجبها فنعمه تعالى من محض فضله إذ لا يجب لأحد عليه شيء خلافا لزعم
المعتزلة وجوب الأصلح عليه تعالى الله عن ذلك ( باللطف ) وهو ما يقع به صلاح العبد آخره ويساويه التوفيق الذي هو خلق قدرة الطاعة في العبد ماصدقا لا مفهوما ولعزته لم يذكر في القرآن إلا مرة في هود وليس منه إلا إحسانا وتوفيقا يوفق الله بينهما لأنهما من الوفاق الذي هو ضد الخلاف وقد يطلق التوفيق على أخص من ذلك .
ومن ثم قال المتكلمون اللطف ما يحمل المكلف على الطاعة ثم إن حمل على فعل المطلوب سمي توفيقا أو ترك القبيح سمي عصمة ، وصرح
أهل السنة في بحث
nindex.php?page=treesubj&link=28785خلق الأفعال بأن لله تعالى لطفا لو فعله بالكفار لآمنوا اختيارا غير أنه لم يفعله وهو في فعله متفضل وفي تركه عادل ( والإرشاد ) أي الدلالة على سبيل الخير أو الإيصال إليها ( الهادي ) أي الدال أو الموصل ( إلى سبيل ) أي طريق ( الرشاد )
[ ص: 20 ] وهو كالرشد ضد الغي ومن أعظم طرقه وأفضلها التفقه فلذا أعقبه بقوله ( الموفق ) أي المقدر وهو جري على من يجيز غير التوقيفية إذا لو يوهم نقصا
( الَّذِي ) لِكَثْرَةِ بِرِّهِ وَسَعَةِ جُودِهِ فَلِذَا أُخِّرَ عَنْ ذَيْنِك ( جَلَّتْ ) عَظُمَتْ وَلِاسْتِقْرَارِ هَذِهِ الصِّلَةِ فِي النُّفُوسِ وَإِذْعَانِهَا لَهَا
[ ص: 17 ] عُدِلَ لِذَلِكَ عَنْ الْجَلِيلَةِ نِعَمُهُ عَنْ الْإِحْصَاءِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا أُتِيَ بِالْمَوْصُولِ هُنَا لِقَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِاَلَّذِي لِوَصْفِهِ تَعَالَى بِمَا ثَبَتَ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ تَوْقِيفٌ وَكَانَ قَائِلُهُ فَهِمَ أَنَّ هَذَا لَا يُؤَدَّى إلَّا بِوَصْفٍ لَهُ تَعَالَى وَقَدْ عَلِمْت تَأْدِيَتَهُ بِوَصْفِ النِّعَمِ بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ لِتَوْقِيفٍ ( نِعَمُهُ ) فِيهِ إيهَامٌ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ حَصْرِهَا جَمْعُهَا الْمُنَافِي {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ } أَيْ تُرِيدُوا عَدَّ أَوْ تَشْرَعُوا فِي عَدِّ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ نِعَمِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ كَالْمُفْرَدِ الْمُضَافِ هُنَا كُلِّيَّةً {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34لَا تُحْصُوهَا } أَيْ لَا تَحْصُرُوهَا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى أَنْعَامٍ وَجَمْعُهُ لَا إيهَامَ فِيهِ أَيْ جَلَّتْ أَنَعَمَاتِهِ أَيْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ أَثَرٍ مِنْ آثَارِهَا عَنْ أَنْ تُحَدَّ فَيَشْمَلُ الْقَلِيلَ أَيْضًا
[ ص: 18 ] وَمَعَ هَذَا التَّعْبِيرِ بِنِعْمَةٍ مُوَافَقَةٍ لِلَفْظِ الْآيَةِ أَوْلَى وَمِنْ ثَمَّ أَصْلَحَ فِي نُسْخَةٍ وَكُلُّ نِعْمَةٍ وَإِنْ سَلِمَ حَصْرُهَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا لَا مُتَعَلِّقَاتِهَا مَعَ دَوَامِهَا مَعَاشًا وَمَعَادًا وَهِيَ أَيْ حَقِيقَةُ كُلِّ مُلَائِمٍ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ .
وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ ، وَإِنَّمَا مَلَاذُّهُ اسْتِدْرَاجٌ فَإِنْ قُلْت هَذَا لَا يُوَافِقُ
nindex.php?page=treesubj&link=28910تَفْسِيرَ النِّعْمَةِ لُغَةً مِنْ أَنَّهَا مُطْلَقُ الْمُلَائِمِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي أَكْثَرِ النُّصُوصِ فَمَا حِكْمَتُهُ قُلْت شَأْنُ الْمُصْطَلَحَاتِ الْعُرْفِيَّةِ مُخَالَفَتُهَا لِلْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ وَكَوْنُهَا أَخَصَّ مِنْهَا كَالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عُرْفًا وَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْعَبْدِ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ وَفَائِدَتُهَا هُنَا بَيَانُ مَا هُوَ نِعْمَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لَا بِالصُّورَةِ الَّتِي اكْتَفَى بِهَا أَهْلُ اللُّغَةِ وَالرِّزْقُ أَعَمُّ مِنْهَا لِأَنَّهُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ حَرَامًا خِلَافًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ ( عَنْ الْإِحْصَاءِ ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَبِالْمَدِّ أَيْ الضَّبْطِ وَهُوَ الْحَصْرُ وَفُسِّرَ بِالْعَدِّ ، وَهُوَ الْفِعْلُ فَهُوَ غَيْرُ الْعَدَدِ فِي ( بِالْإِعْدَادِ ) أَيْ بِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهَا لَا بِقَيْدِ الْقِلَّةِ الَّتِي أَوْهَمَتْهَا الْعِبَارَةُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ أَيْ عَظُمَتْ عَنْ أَنْ تُحْصَرَ أَوْ تُعَدَّ بِعَدَدٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَمَعْنَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=28وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } عَلِمَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ
[ ص: 19 ] nindex.php?page=treesubj&link=29448وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُحْصِي أَيْ الْعَالِمُ أَوْ الْقَوِيُّ أَوْ الْعَادُّ أَقْوَالٌ نَعَمْ فِي الْأَخِيرِ إيهَامُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُتَوَقِّفٌ عَلَى عَدِّهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( الْمَانِّ ) مِنْ الْمِنَّةِ وَهِيَ النِّعْمَةُ مُطْلَقًا أَوْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا ثَقِيلَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ يُوجِبُهَا فَنِعَمُهُ تَعَالَى مِنْ مَحْضِ فَضْلِهِ إذْ لَا يَجِبُ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ خِلَافًا لِزَعْمِ
الْمُعْتَزِلَةِ وُجُوبَ الْأَصْلَحِ عَلَيْهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ( بِاللُّطْفِ ) وَهُوَ مَا يَقَعُ بِهِ صَلَاحُ الْعَبْدِ آخِرَهُ وَيُسَاوِيهِ التَّوْفِيقُ الَّذِي هُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ مَاصَدَقًا لَا مَفْهُومًا وَلِعِزَّتِهِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا مَرَّةً فِي هُودٍ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا إحْسَانًا وَتَوْفِيقًا يُوَفِّقُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوِفَاقِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْخِلَافِ وَقَدْ يُطْلَقُ التَّوْفِيقُ عَلَى أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ اللُّطْفُ مَا يَحْمِلُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الطَّاعَةِ ثُمَّ إنْ حُمِلَ عَلَى فِعْلِ الْمَطْلُوبِ سُمِّيَ تَوْفِيقًا أَوْ تَرْكِ الْقَبِيحِ سُمِّيَ عِصْمَةً ، وَصَرَّحَ
أَهْلُ السُّنَّةِ فِي بَحْثِ
nindex.php?page=treesubj&link=28785خَلْقِ الْأَفْعَالِ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى لُطْفًا لَوْ فَعَلَهُ بِالْكُفَّارِ لَآمَنُوا اخْتِيَارًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَهُوَ فِي فِعْلِهِ مُتَفَضِّلٌ وَفِي تَرْكِهِ عَادِلٌ ( وَالْإِرْشَادِ ) أَيْ الدَّلَالَةِ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ أَوْ الْإِيصَالِ إلَيْهَا ( الْهَادِي ) أَيْ الدَّالِّ أَوْ الْمُوَصِّلِ ( إلَى سَبِيلِ ) أَيْ طَرِيقِ ( الرَّشَادِ )
[ ص: 20 ] وَهُوَ كَالرُّشْدِ ضِدَّ الْغَيِّ وَمِنْ أَعْظَمِ طُرُقِهِ وَأَفْضَلِهَا التَّفَقُّهُ فَلِذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ ( الْمُوَفِّقِ ) أَيْ الْمُقَدِّرِ وَهُوَ جَرْيٌ عَلَى مَنْ يُجِيزُ غَيْرَ التَّوْقِيفِيَّةِ إذَا لَوْ يُوهِمُ نَقْصًا