(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون )
اعلم أن الدليل المتقدم كان مختصا بأخذ السمع والبصر والقلب . وهذا عام في جميع أنواع العذاب ، والمعنى : أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29426لا دافع لنوع من أنواع العذاب إلا الله سبحانه ، ولا محصل لخير من الخيرات إلا الله سبحانه ، فوجب أن يكون هو المعبود بجميع أنواع العبادات لا غيره .
فإن قيل : ما المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47بغتة أو جهرة ) قلنا : العذاب الذي يجيئهم إما أن يجيئهم من غير سبق علامة تدلهم على مجيء ذلك العذاب أو مع سبق هذه العلامة . فالأول هو البغتة ، والثاني هو الجهرة . والأول
[ ص: 189 ] سماه الله تعالى بالبغتة ، لأنه فاجأهم بها وسمى الثاني جهرة ، لأن نفس العذاب وقع بهم وقد عرفوه حتى لو أمكنهم الاحتراز عنه لتحرزوا منه .
وعن
الحسن أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47بغتة أو جهرة ) معناه ليلا أو نهارا . وقال القاضي : يجب حمل هذا الكلام على ما تقدم ذكره لأنه لو جاءهم ذلك العذاب ليلا وقد عاينوا مقدمته ، لم يكن بغتة ولو جاءهم نهارا وهم لا يشعرون بمقدمته لم يكن جهرة . فأما إذا حملناه على الوجه الذي تقدم ذكره ، استقام الكلام .
فإن قيل : فما المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47هل يهلك إلا القوم الظالمون ) مع علمكم بأن العذاب إذا نزل لم يحصل فيه التمييز .
قلنا : إن الهلاك وإن عم الأبرار والأشرار في الظاهر ، إلا أن الهلاك في الحقيقة مختص بالظالمين الشريرين ، لأن الأخيار يستوجبون بسبب نزول تلك المضار بهم أنواعا عظيمة من الثواب والدرجات الرفيعة عند الله تعالى ، فذاك وإن كان بلاء في الظاهر ، إلا أنه يوجب سعادات عظيمة ؟
أما الظالمون ، فإذا نزل البلاء بهم فقد خسروا الدنيا والآخرة معا ، فلذلك وصفهم الله تعالى بكونهم هالكين وذلك تنبيه على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29680_19863_19874المؤمن التقي النقي هو السعيد ، سواء كان في البلاء أو في الآلاء والنعماء وأن الفاسق الكافر هو الشقي ، كيف دارت قضيته واختلفت أحواله ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ كَانَ مُخْتَصًّا بِأَخْذِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقَلْبِ . وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29426لَا دَافِعَ لِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَلَا مُحَصِّلَ لِخَيْرٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَعْبُودُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ لَا غَيْرُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً ) قُلْنَا : الْعَذَابُ الَّذِي يَجِيئُهُمْ إِمَّا أَنْ يَجِيئَهُمْ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ عَلَامَةٍ تَدُلُّهُمْ عَلَى مَجِيءِ ذَلِكَ الْعَذَابِ أَوْ مَعَ سَبْقِ هَذِهِ الْعَلَامَةِ . فَالْأَوَّلُ هُوَ الْبَغْتَةُ ، وَالثَّانِي هُوَ الْجَهْرَةُ . وَالْأَوَّلُ
[ ص: 189 ] سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْبَغْتَةِ ، لِأَنَّهُ فَاجَأَهُمْ بِهَا وَسَمَّى الثَّانِيَ جَهْرَةً ، لِأَنَّ نَفْسَ الْعَذَابِ وَقَعَ بِهِمْ وَقَدْ عَرَفُوهُ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَهُمُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَتَحَرَّزُوا مِنْهُ .
وَعَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً ) مَعْنَاهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا . وَقَالَ الْقَاضِي : يَجِبُ حَمْلُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ لَوْ جَاءَهُمْ ذَلِكَ الْعَذَابُ لَيْلًا وَقَدْ عَايَنُوا مُقَدِّمَتَهُ ، لَمْ يَكُنْ بَغْتَةً وَلَوْ جَاءَهُمْ نَهَارًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِمُقَدِّمَتِهِ لَمْ يَكُنْ جَهْرَةً . فَأَمَّا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، اسْتَقَامَ الْكَلَامُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ) مَعَ عِلْمِكُمْ بِأَنَّ الْعَذَابَ إِذَا نَزَلَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ التَّمْيِيزُ .
قُلْنَا : إِنَّ الْهَلَاكَ وَإِنْ عَمَّ الْأَبْرَارَ وَالْأَشْرَارَ فِي الظَّاهِرِ ، إِلَّا أَنَّ الْهَلَاكَ فِي الْحَقِيقَةِ مُخْتَصٌّ بِالظَّالِمِينَ الشِّرِّيرِينَ ، لِأَنَّ الْأَخْيَارَ يَسْتَوْجِبُونَ بِسَبَبِ نُزُولِ تِلْكَ الْمَضَارِّ بِهِمْ أَنْوَاعًا عَظِيمَةً مِنَ الثَّوَابِ وَالدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ بَلَاءً فِي الظَّاهِرِ ، إِلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ سَعَادَاتٍ عَظِيمَةً ؟
أَمَّا الظَّالِمُونَ ، فَإِذَا نَزَلَ الْبَلَاءُ بِهِمْ فَقَدْ خَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ مَعًا ، فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِمْ هَالِكِينَ وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29680_19863_19874الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ النَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَلَاءِ أَوْ فِي الْآلَاءِ وَالنَّعْمَاءِ وَأَنَّ الْفَاسِقَ الْكَافِرَ هُوَ الشَّقِيُّ ، كَيْفَ دَارَتْ قَضِيَّتُهُ وَاخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .