قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون )
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن المقصود من هذا الكلام ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29426ما يدل على وجود الصانع الحكيم المختار ، وتقريره أن
nindex.php?page=treesubj&link=19277_19323أشرف أعضاء الإنسان هو السمع والبصر والقلب فالأذن محل القوة السامعة والعين محل القوة الباصرة ، والقلب محل الحياة والعقل والعلم . فلو زالت هذه الصفات عن هذه الأعضاء اختل أمر الإنسان وبطلت مصالحه في الدنيا وفي الدين . ومن المعلوم بالضرورة أن القادر على تحصيل هذه القوى فيها
[ ص: 188 ] وصونها عن الآفات والمخافات ليس إلا الله . وإذا كان الأمر كذلك ، كان المنعم بهذه النعم العالية والخيرات الرفيعة هو الله سبحانه وتعالى ، فوجب أن يقال المستحق للتعظيم والثناء والعبودية ليس إلا الله تعالى وذلك يدل على أن عبادة الأصنام طريقة باطلة فاسدة .
المسألة الثانية : ذكروا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46وختم على قلوبكم ) وجوها :
الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : معناه وطبع على قلوبهم فلم يعقلوا الهدى .
الثاني : معناه وأزال عقولكم حتى تصيروا كالمجانين .
والثالث : المراد بهذا الختم الإماتة أي يميت قلوبكم .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46من إله غير الله ) " من " رفع بالابتداء وخبره " إله " و" غير " صفة له وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46يأتيكم به ) هذه الهاء تعود على معنى الفعل . والتقدير : من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم .
المسألة الرابعة : روي عن
نافع : " به انظر " بضم الهاء وهو على لغة من يقرأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فخسفنا به وبداره الأرض ) [ القصص : 81 ] فحذف الواو لالتقاء الساكنين فصار " به انظر " والباقون بكسر الهاء . وقرأ
حمزة والكسائي : " يصدفون " بإشمام الزاي . والباقون بالصاد أي يعرضون عنه . يقال : صدف عنه أي أعرض والمراد من تصريف الآيات إيرادها على الوجوه المختلفة المتكاثرة بحيث يكون كل واحد منها يقوي ما قبله في الإيصال إلى المطلوب فذكر تعالى أن مع هذه المبالغة في التفهيم والتقرير والإيضاح والكشف ، انظر يا
محمد أنهم كيف يصدفون ويعرضون .
المسألة الخامسة : قال
الكعبي : دلت هذه الآية على أنه تعالى مكنهم من الفهم ، ولم يخلق فيهم الإعراض والصد ، ولو كان تعالى هو الخالق لما فيهم من الكفر لم يكن لهذا الكلام معنى . واحتج أصحابنا بعين هذه الآية وقالوا : إنه تعالى بين أنه بالغ في إظهار هذه الدلالة وفي تقريرها وتنقيحها وإزالة جهات الشبهات عنها ، ثم إنهم مع هذه المبالغة القاطعة للعذر ما زادوا إلا تماديا في الكفر والغي والعناد ، وذلك يدل على أن الهدى والضلال لا يحصلان إلا بهداية الله وإلا بإضلاله . فثبت أن هذه الآية دلالتها على قولنا أقوى من دلالتها على قولهم والله أعلم .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ )
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29426مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ الْمُخْتَارِ ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19277_19323أَشْرَفَ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ هُوَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْقَلْبُ فَالْأُذُنُ مَحَلُّ الْقُوَّةِ السَّامِعَةِ وَالْعَيْنُ مَحَلُّ الْقُوَّةِ الْبَاصِرَةِ ، وَالْقَلْبُ مَحَلُّ الْحَيَاةِ وَالْعَقْلِ وَالْعِلْمِ . فَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ عَنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ اخْتَلَّ أَمْرُ الْإِنْسَانِ وَبَطَلَتْ مَصَالِحُهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الدِّينِ . وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى تَحْصِيلِ هَذِهِ الْقُوَى فِيهَا
[ ص: 188 ] وَصَوْنِهَا عَنِ الْآفَاتِ وَالْمُخَافَاتِ لَيْسَ إِلَّا اللَّهَ . وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، كَانَ الْمُنْعِمُ بِهَذِهِ النِّعَمِ الْعَالِيَةِ وَالْخَيْرَاتِ الرَّفِيعَةِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ الْمُسْتَحِقُّ لِلتَّعْظِيمِ وَالثَّنَاءِ وَالْعُبُودِيَّةِ لَيْسَ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ طَرِيقَةٌ بَاطِلَةٌ فَاسِدَةٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ) وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : مَعْنَاهُ وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَمْ يَعْقِلُوا الْهُدَى .
الثَّانِي : مَعْنَاهُ وَأَزَالَ عُقُولَكُمْ حَتَّى تَصِيرُوا كَالْمَجَانِينِ .
وَالثَّالِثُ : الْمُرَادُ بِهَذَا الْخَتْمِ الْإِمَاتَةُ أَيْ يُمِيتُ قُلُوبَكُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ ) " مَنْ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ " إِلَهٌ " وَ" غَيْرُ " صِفَةٌ لَهُ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46يَأْتِيكُمْ بِهِ ) هَذِهِ الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى مَعْنَى الْفِعْلِ . وَالتَّقْدِيرُ : مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِمَا أُخِذَ مِنْكُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : رُوِيَ عَنْ
نَافِعٍ : " بِهُ انْظُرْ " بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقْرَأْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ) [ الْقَصَصِ : 81 ] فَحَذَفَ الْوَاوَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فَصَارَ " بِهُ انْظُرْ " وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِ الْهَاءِ . وَقَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : " يَصْدِفُونَ " بِإِشْمَامِ الزَّايِ . وَالْبَاقُونَ بِالصَّادِ أَيْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ . يُقَالُ : صَدَفَ عَنْهُ أَيْ أَعْرَضَ وَالْمُرَادُ مِنْ تَصْرِيفِ الْآيَاتِ إِيرَادُهَا عَلَى الْوُجُوهِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُتَكَاثِرَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُقَوِّي مَا قَبْلَهُ فِي الْإِيصَالِ إِلَى الْمَطْلُوبِ فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ مَعَ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّفْهِيمِ وَالتَّقْرِيرِ وَالْإِيضَاحِ وَالْكَشْفِ ، انْظُرْ يَا
مُحَمَّدُ أَنَّهُمْ كَيْفَ يَصْدِفُونَ وَيُعْرِضُونَ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ
الْكَعْبِيُّ : دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مَكَّنَهُمْ مِنَ الْفَهْمِ ، وَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِمُ الْإِعْرَاضَ وَالصَّدَّ ، وَلَوْ كَانَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى . وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعَيْنِ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَالُوا : إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ بَالَغَ فِي إِظْهَارِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ وَفِي تَقْرِيرِهَا وَتَنْقِيحِهَا وَإِزَالَةِ جِهَاتِ الشُّبُهَاتِ عَنْهَا ، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَعَ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ الْقَاطِعَةِ لِلْعُذْرِ مَا زَادُوا إِلَّا تَمَادِيًا فِي الْكُفْرِ وَالْغَيِّ وَالْعِنَادِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهُدَى وَالضَّلَالَ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا بِهِدَايَةِ اللَّهِ وَإِلَّا بِإِضْلَالِهِ . فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَالَتُهَا عَلَى قَوْلِنَا أَقْوَى مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى قَوْلِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .