(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين )
واعلم أن وجه النظم من وجهين :
الأول : أنه تعالى لما وصف الجنة بأنها معدة للمتقين بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=19862المتقين قسمان :
أحدهما : الذين أقبلوا على الطاعات والعبادات ، وهم الذين وصفهم الله بالإنفاق في السراء والضراء ، وكظم الغيظ ، والعفو عن الناس .
وثانيهما : الذين أذنبوا ثم تابوا وهو المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا فاحشة )
[ ص: 9 ] وبين تعالى أن هذه الفرقة كالفرقة الأولى في كونها متقية ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29694_30538_19705_19729المذنب إذا تاب عن الذنب صار حاله كحال من لم يذنب قط في استحقاق المنزلة والكرامة عند الله .
والوجه الثاني : أنه تعالى ندب في الآية الأولى إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19806_19807_19808_19810_19811_19812_19813_19804الإحسان إلى الغير ، وندب في هذه الآية إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19800الإحسان إلى النفس ، فإن المذنب العاصي إذا تاب كانت تلك التوبة إحسانا منه إلى نفسه ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
روى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في رجلين ، أنصاري وثقفي ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان قد آخى بينهما ، وكانا لا يفترقان في أحوالهما ، فخرج الثقفي مع الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرعة في السفر ، وخلف الأنصاري على أهله ليتعاهدهم ، فكان يفعل ذلك ، ثم قام إلى امرأته ليقبلها فوضعت كفها على وجهها ، فندم الرجل ، فلما وافى الثقفي مع الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير الأنصاري ، وكان قد هام في الجبال للتوبة ، فلما عرف الرسول صلى الله عليه وسلم سكت حتى نزلت هذه الآية . وقال
ابن مسعود :
قال المؤمنون للنبي صلى الله عليه وسلم : كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منا ، فكان أحدهم إذا أذنب ذنبا أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة داره : اجدع أنفك ، افعل كذا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وبين أنهم أكرم على الله منهم حيث جعل كفارة ذنبهم الاستغفار .
المسألة الثانية : الفاحشة هاهنا نعت محذوف ، والتقدير : فعلوا فعلة فاحشة ، وذكروا في
nindex.php?page=treesubj&link=25985_21483_34080الفرق بين الفاحشة وبين ظلم النفس وجوها :
الأول : قال صاحب "الكشاف" : الفاحشة ما يكون فعله كاملا في القبح ، وظلم النفس : هو أي ذنب كان مما يؤاخذ الإنسان به .
والثاني : أن الفاحشة هي الكبيرة ، وظلم النفس هي الصغيرة ، والصغيرة يجب الاستغفار منها ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالاستغفار وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19واستغفر لذنبك ) [محمد : 19] وما كان استغفاره دالا على الصغائر بل على ترك الأفضل . الثالث : الفاحشة : هي الزنا ، وظلم النفس : هي القبلة واللمسة والنظرة ، وهذا على قول من حمل الآية على السبب الذي رويناه ؛ ولأنه تعالى سمى الزنا فاحشة ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ) [الإسراء : 32] .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135ذكروا الله ) ففيه وجهان :
أحدهما : أن المعنى ذكروا وعيد الله أو عقابه أو جلاله الموجب للخشية والحياء منه ، فيكون من باب حذف المضاف ، والذكر هاهنا هو الذي ضد النسيان وهذا معنى قول
الضحاك ،
ومقاتل ،
nindex.php?page=showalam&ids=15472والواقدي ، فإن
الضحاك قال : ذكروا العرض الأكبر على الله ،
ومقاتل nindex.php?page=showalam&ids=15472والواقدي قالا : تفكروا أن الله سائلهم ، وذلك لأنه قال بعد هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135فاستغفروا لذنوبهم ) وهذا يدل على أن الاستغفار كالأثر ، والنتيجة لذلك الذكر ، ومعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=27342الذكر الذي يوجب الاستغفار ليس إلا ذكر عقاب الله ، ونهيه ووعيده ، ونظير هذه الآية قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=201إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) [الأعراف : 201]
والقول الثاني : أن المراد بهذا الذكر ذكر الله بالثناء والتعظيم والإجلال ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19770من أراد أن يسأل الله مسألة ، فالواجب أن يقدم على تلك المسألة الثناء على الله ، فهنا لما كان المراد الاستغفار من الذنوب قدموا عليه الثناء على الله تعالى ، ثم اشتغلوا بالاستغفار عن الذنوب .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135فاستغفروا لذنوبهم ) والمراد منه الإتيان بالتوبة على الوجه الصحيح ، وهو الندم على فعل ما
[ ص: 10 ] مضى مع العزم على ترك مثله في المستقبل ، فهذا هو
nindex.php?page=treesubj&link=19704حقيقة التوبة ، فأما الاستغفار باللسان ، فذاك لا أثر له في إزالة الذنب ، بل يجب إظهار هذا الاستغفار لإزالة التهمة ، ولإظهار كونه منقطعا إلى الله تعالى ، وقوله : ( لذنوبهم ) أي لأجل ذنوبهم .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135ومن يغفر الذنوب إلا الله ) والمقصود منه أن لا يطلب العبد المغفرة إلا منه ، وذلك لأنه تعالى هو القادر على عقاب العبد في الدنيا والآخرة ، فكان هو القادر على إزالة ذلك العقاب عنه ، فصح أنه لا يجوز طلب الاستغفار إلا منه .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135ولم يصروا على ما فعلوا ) واعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135ومن يغفر الذنوب إلا الله ) جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه ، والتقدير : فاستغفروا لذنوبهم ولم يصروا على ما فعلوا .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وهم يعلمون ) فيه وجهان :
الأول : أنه حال من فعل الإصرار ، والتقدير : ولم يصروا على ما فعلوا من الذنوب حال ما كانوا عالمين بكونها محظورة محرمة لأنه قد يعذر من لا يعلم حرمة الفعل ، أما العالم بحرمته فإنه لا يعذر في فعله ألبتة .
الثاني : أن يكون المراد منه العقل والتمييز والتمكين من الاحتراز من الفواحش فيجري مجرى قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011440رفع القلم عن ثلاث " .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )
وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ النَّظْمِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْجَنَّةَ بِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلْمُتَّقِينَ بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19862الْمُتَّقِينَ قِسْمَانِ :
أَحَدُهُمَا : الَّذِينَ أَقْبَلُوا عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ ، وَهُمُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَالْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ .
وَثَانِيهُمَا : الَّذِينَ أَذْنَبُوا ثُمَّ تَابُوا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً )
[ ص: 9 ] وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ كَالْفِرْقَةِ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا مُتَّقِيَةً ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29694_30538_19705_19729الْمُذْنِبَ إِذَا تَابَ عَنِ الذَّنْبِ صَارَ حَالُهُ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَنْزِلَةِ وَالْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى نَدَبَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19806_19807_19808_19810_19811_19812_19813_19804الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ ، وَنَدَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19800الْإِحْسَانِ إِلَى النَّفْسِ ، فَإِنَّ الْمُذْنِبَ الْعَاصِيَ إِذَا تَابَ كَانَتْ تِلْكَ التَّوْبَةُ إِحْسَانًا مِنْهُ إِلَى نَفْسِهِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
رَوَى nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ ، أَنْصَارِيٍّ وَثَقَفِيٍّ ، وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ آخَى بَيْنَهُمَا ، وَكَانَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي أَحْوَالِهِمَا ، فَخَرَجَ الثَّقَفِيُّ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْعَةِ فِي السَّفَرِ ، وَخَلَّفَ الْأَنْصَارِيَّ عَلَى أَهْلِهِ لِيَتَعَاهَدَهُمْ ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَامَ إِلَى امْرَأَتِهِ لِيُقَبِّلَهَا فَوَضَعَتْ كَفَّهَا عَلَى وَجْهِهَا ، فَنَدِمَ الرَّجُلُ ، فَلَمَّا وَافَى الثَّقَفِيُّ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَ الْأَنْصَارِيَّ ، وَكَانَ قَدْ هَامَ فِي الْجِبَالِ لِلتَّوْبَةِ ، فَلَمَّا عَرَفَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . وَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ :
قَالَ الْمُؤْمِنُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَّا ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا أَصْبَحَتْ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ مَكْتُوبَةً عَلَى عَتَبَةِ دَارِهِ : اجْدَعْ أَنْفَكَ ، افْعَلْ كَذَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ حَيْثُ جَعَلَ كَفَّارَةَ ذَنْبِهِمُ الِاسْتِغْفَارَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْفَاحِشَةُ هَاهُنَا نَعْتٌ مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَعَلُوا فِعْلَةً فَاحِشَةً ، وَذَكَرُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25985_21483_34080الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشَةِ وَبَيْنَ ظُلْمِ النَّفْسِ وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : الْفَاحِشَةُ مَا يَكُونُ فِعْلُهُ كَامِلًا فِي الْقُبْحِ ، وَظُلْمُ النَّفْسِ : هُوَ أَيُّ ذَنْبٍ كَانَ مِمَّا يُؤَاخَذُ الْإِنْسَانُ بِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْفَاحِشَةَ هِيَ الْكَبِيرَةُ ، وَظُلْمُ النَّفْسِ هِيَ الصَّغِيرَةُ ، وَالصَّغِيرَةُ يَجِبُ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا بِالِاسْتِغْفَارِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) [مُحَمَّدٍ : 19] وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُهُ دَالًّا عَلَى الصَّغَائِرِ بَلْ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ . الثَّالِثُ : الْفَاحِشَةُ : هِيَ الزِّنَا ، وَظُلْمُ النَّفْسِ : هِيَ الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسَةُ وَالنَّظْرَةُ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى الزِّنَا فَاحِشَةً ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ) [الْإِسْرَاءِ : 32] .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135ذَكَرُوا اللَّهَ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَعْنَى ذَكَرُوا وَعِيدَ اللَّهِ أَوْ عِقَابَهُ أَوْ جَلَالَهُ الْمُوجِبَ لِلْخَشْيَةِ وَالْحَيَاءِ مِنْهُ ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ ، وَالذِّكْرُ هَاهُنَا هُوَ الَّذِي ضِدُّ النِّسْيَانِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
الضَّحَّاكِ ،
وَمُقَاتِلٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15472وَالْوَاقِدِيِّ ، فَإِنَّ
الضَّحَّاكَ قَالَ : ذَكَرُوا الْعَرْضَ الْأَكْبَرَ عَلَى اللَّهِ ،
وَمُقَاتِلٌ nindex.php?page=showalam&ids=15472وَالْوَاقِدِيُّ قَالَا : تَفَكَّرُوا أَنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ كَالْأَثَرِ ، وَالنَّتِيجَةِ لِذَلِكَ الذِّكْرِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27342الذِّكْرَ الَّذِي يُوجِبُ الِاسْتِغْفَارَ لَيْسَ إِلَّا ذِكْرَ عِقَابِ اللَّهِ ، وَنَهْيِهِ وَوَعِيدِهِ ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=201إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) [الْأَعْرَافِ : 201]
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الذِّكْرِ ذِكْرُ اللَّهِ بِالثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19770مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ مَسْأَلَةً ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ ، فَهُنَا لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ الِاسْتِغْفَارَ مِنَ الذُّنُوبِ قَدَّمُوا عَلَيْهِ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ اشْتَغَلُوا بِالِاسْتِغْفَارِ عَنِ الذُّنُوبِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ ، وَهُوَ النَّدَمُ عَلَى فِعْلِ مَا
[ ص: 10 ] مَضَى مَعَ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَهَذَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19704حَقِيقَةُ التَّوْبَةِ ، فَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ ، فَذَاكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إِزَالَةِ الذَّنْبِ ، بَلْ يَجِبُ إِظْهَارُ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ لِإِزَالَةِ التُّهْمَةِ ، وَلِإِظْهَارِ كَوْنِهِ مُنْقَطِعًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَوْلُهُ : ( لِذُنُوبِهِمْ ) أَيْ لِأَجْلِ ذُنُوبِهِمْ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ) وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنْ لَا يَطْلُبَ الْعَبْدُ الْمَغْفِرَةَ إِلَّا مِنْهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْقَادِرُ عَلَى عِقَابِ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَكَانَ هُوَ الْقَادِرَ عَلَى إِزَالَةِ ذَلِكَ الْعِقَابِ عَنْهُ ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ طَلَبُ الِاسْتِغْفَارِ إِلَّا مِنْهُ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا ) وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فِعْلِ الْإِصْرَارِ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا مِنَ الذُّنُوبِ حَالَ مَا كَانُوا عَالِمِينَ بِكَوْنِهَا مَحْظُورَةً مُحَرَّمَةً لِأَنَّهُ قَدْ يُعْذَرُ مَنْ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الْفِعْلِ ، أَمَّا الْعَالِمُ بِحُرْمَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي فِعْلِهِ أَلْبَتَّةَ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَقْلَ وَالتَّمْيِيزَ وَالتَّمْكِينَ مِنَ الِاحْتِرَازِ مِنَ الْفَوَاحِشِ فَيَجْرِي مَجْرَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011440رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ " .