الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابن زوجي يتعامل بفظاظة معي ومع إخوته، فكيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله كل خير على هذا الموقع المميز والمفيد.

أنا زوجة لرجل أرمل لديه خمسة أبناء. علاقتي بأبنائه بشكل عام طيبة، وأحاول دائمًا أن أكون أمًّا حنونة لهم، إلا أنني في بعض الأحيان أفقد أعصابي وأصرخ، خاصة في المواقف الصعبة.

مشكلتي الأساسية مع الابن الأكبر، وعمره 18 عامًا، فهو يؤذيني نفسيًا بتصرفاته، ويتعبني كثيرًا. رغم أنه يُظهر التزامًا دينيًا ويقرأ كثيرًا، إلا أن سلوكه لا يعكس ذلك، فهو سليط اللسان، أناني، وكثير الكذب والمبالغة، خاصة عند نقله للأحداث وشكواه إلى والده.

زوجي -غفر الله له- يتعامل معه من باب "إذا كبر ابنك آخيه"، فيصدقه في كثير من الأحيان دون التثبت؛ مما يؤدي أحيانًا إلى اتخاذ قرارات قاسية بناءً على كلام غير دقيق، كما حدث مع ابنته الكبرى التي وبخها ظلمًا، ومع البنت الصغرى التي كانت تتعرض للتعيير حتى تأثرت نفسيًا وأصبحت عنيدة.

حاولت مرارًا إصلاح هذا الابن، وذكّرته بمسؤوليته كأخ أكبر، خاصة أنهم أيتام، ويحتاجون الحنان والدعم، لكنه لم يستجب، بل يزداد عنادًا. يؤذيني وأحيانًا يؤذي حتى طفلتي الصغيرة، التي لم تتجاوز السنة، ويدفعها قائلاً لها: "يا غبية".

صبرت عليه كثيرًا، وسعيت بجميع الطرق الممكنة لتهذيبه، لكن دون جدوى. وبدأت مؤخرًا أتعامل معه بصرامة، أرفع صوتي عليه، وأحيانًا أطلب منه مغادرة المنزل عند إساءته لإخوته. ساءت أخلاقهم بسبب أفعاله، وازدادت الأجواء توترًا.

رغم كل ذلك، كنت أقبل اعتذاره احترامًا لزوجي، لكنه يكرر إساءاته. أصبح يقلب الحقائق، ويسعى لتحطيم من حوله بأسلوبه الاستفزازي، ولا يفكر إلا بنفسه.

الجميع ينفر منه، فإذا دخل المجلس، غادره من فيه، لكثرة أذيته لهم. وأنا أتحمل لأجل زوجي، رغم حملي وتعب البيت وتربية طفلتي، لكنه استنفد طاقتي، ولم أعد أستطيع التحمل أكثر. أصبحت أخشى على طفلتي من أن تتأثر نفسيًا كما تأثر إخوته بسببه.

ورغم وجود بعض الصفات الطيبة فيه، مثل مناداته لي بـ"ماما" وتقبيله لرأسي ويدي، إلا أنه عند الغضب يتحول كليًا، ويهينني بكلام مؤذٍ، بل يتحدث عني بالسوء لإخوته، لكنهم –ولله الحمد– يعرفون حقي ويقفون بجانبي.

الآن أفكر جديًا في إنهاء تواجده في منزلي، ونقله للسكن في بيتهم، خاصة أننا نعيش في نفس المبنى. أما اجتماعنا اليومي على الطعام فسيبقى، لكن لا بد من تقنين العلاقة؛ حفاظًا على نفسيتي ونفسية أطفالي.

أخشى أن أكون قد ظلمته، لكنني فعلت كل ما بوسعي. زوجي –وفقه الله– كثيرًا ما يقف في صفه، إلا إذا تمادى كثيرًا، حينها قد يصل الأمر إلى ضربه، وهذا ما لا أريده أبدًا.

برأيكم، إخواني في الله، ماذا أفعل؟ هل أستمر في المقاطعة لأجل أولادي وأولاد زوجي، أم إذا جاء ليعتذر، هل أقبل اعتذاره من أجل زوجي؟ كيف يجب أن أتصرف؟ أفيدوني، أسألكم بالله، والله إني خائفة أن أدخل النار بسبب ذلك؛ لأنه يتيم الأم.

أفيدوني، أسألكم بالله في أسرع وقت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم قيس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فشكر الله لك -أيتها الأخت الفاضلة- إحسانك إلى هذا الولد وأخواته، ونسأله سبحانه أن يكتب لك بذلك الأجر الجزيل، وكوني على ثقة بأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فكل ما تعانينه من هذا الولد مدخور لك أجره عند الله تعالى؛ بصبرك عليه، وصفحك عنه، وتسامحك معه، فلا تندمي أبداً على صبرك عليه.

وهو وإن كان يتصرف هذه التصرفات في هذا السن، فإنه إنما يفعل ذلك لأنه لا يدرك أثر ذلك على نفسه وعلى الآخرين، لكن سيدرك يوماً ذلك، وستجدين منه ما يسرك -إن شاء الله-.

فنصيحتنا -أيتها الأخت الكريمة- أن تتعاملي مع هذا الولد بالتسامح والعفو، ولك بذلك الأجر العظيم عند الله، وليس فيه أي انتقاص لقدرك وكرامتك، بل الأمر بخلاف ذلك تماماً، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).

وتذكري -أيتها الأخت- أن العفو سبب لتحصيل محبة الله تعالى والفوز بجنته، فقد قال سبحانه وتعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

ونصيحتنا أن لا تكثري من التخوف من المستقبل وتوقع السيء فيه، فالله -عز وجل- قادر على تبديل الأحوال، فاحرصي على أن يكون عملك خالصاً لوجه الله تعالى، وعلقي قلبك به سبحانه، وأحسني إلى خلق الله تعالى بما تقدرين عليه، وسيتولاك الله تعالى، ويجعل لك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، نسأل الله تعالى أن يتولاك برعايته وأن يوفقك لكل خير.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً