الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضمنت صاحبي بمبلغ مالي وتراجع عن السداد، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ضمنتُ صديقي في مبلغٍ ماليٍّ كبير، وأنا أعمل معه في محل يملكه والده، لكنني اضطُررتُ إلى دفع المال، وأصبح مرتبي لا يكفي لسداد ديوني الشهرية.

فخطرت لي فكرة أن آخذ مبلغًا من المحل دون علم أصحابه، لأُسدد به ديونه للناس، بحجة أن والده هو المسؤول عن الدفع لا أنا.

وكلما أخذتُ المال لأدفعه، تحدث لي مشكلة فأضطر لدفعه مرة أخرى من مالي الخاص، ومنذ أسبوع أدركتُ أنني أستهين بحق الله، وأن ما أفعله يُعد سرقة، فقررت التوقف عن ذلك، والبدء في وظيفة إضافية، وهي العمل كعامل توصيل (دليفري) إلى جانب عملي في حراسة المحل.

أريد أن أترك الحرام وأتجه إلى الحلال ابتغاءً لوجه الله، فتبتُ إلى الله، وبدأتُ في حفظ القرآن، لكن والدتي لا ترغب أن أعمل في هذا المجال، وقد أخبرتني أمس أنها صلَّت صلاة الاستخارة وأن قلبها منغلق تجاه هذا الأمر.

أنا في حيرة من أمري، لا أعلم ماذا أفعل، وأريد ترك الحرام، لكن استخارة والدتي زادت من حيرتي.

أَفِيدُونِي، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولًا: نسأل الله تعالى أن يثبتك على ما بدأته من التوبة، وحفظ القرآن الكريم، ونسأل الله تعالى أن يكفيك بحلاله عن حرامه، ويغنيك بفضله عمن سواه، وقد أصبت حين أدركت أن الخير كل الخير في ترك الحرام، لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، وقال سبحانه وتعالى أيضًا: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾.

فأحسن ظنك بالله تعالى أنه سوف ييسر لك الأمور، وأن التقوى سبب للخير وفتح الأرزاق، ونوصيك بالأمور التالية:

أولًا: خذ بالأسباب المشروعة، المباحة لدفع هذا الظلم عن نفسك، فإنك إذا ضمنت هذا الشخص، فمن حقك أن ترفع أمره إلى الجهات المعنية ليؤدي ما عليه، إذا كان قادرًا على الأداء والسداد وإلزامه بذلك، وفي حال ثبوت الحق عليه، وأن لك الحق في ماله، وأديت عنه بعض المال، ثم وقع في يدك شيء من أمواله هو، فإنه يجوز لك عند بعض الفقهاء أن تأخذ بقدر حقك، أما أموال والده فإنها حرام عليك، لا يجوز لك أخذها بسبب أنك أديت الحق المضمون عن ولده.

وأما عن العمل في هذه الوظيفة الإضافية بالنسبة لعملك، فهي وظيفة حلال، ويجوز لك العمل فيها ما دمت لا تقع فيها في المعصية، ولا تعين على معصية، بحيث لا توصل طلبات محرمة، وإذا كانت حلالًا فيجوز لك أن تعمل فيها، وتسأل الله تعالى أن ييسر لك ما هو خير منها، وأن يبارك لك فيما أعطاك.

وأما بشأن والدتك، فإنها بلا شك ترجو لك الخير، وربما تخاف عليك بعض المفاسد، فنوصيك بالمشاورة معها، ومحاولة إقناعها بأنك بحاجة إلى دخل إضافي، وأنه لا يوجد لك عمل غير هذا العمل، فربما شرح الله تعالى صدرها فاقتنعت، أو بينت لك المفاسد التي تخافها، فتبدد لها هذه المخاوف والأوهام، أما إذا منعتك من العمل دون أن تبدي لك مفاسد العمل عليك، وبحجة أنها لا ترتاح فقط، فإنه لا يجب عليك أن تطيعها في ذلك.

ولكن لا يخفى عليك أن بر الأم سبب أكيد في جلب الأرزاق وتحسين الأحوال، فهي باب من أبواب الجنة، كما جاء بذلك الحديث النبوي، فاستخر الله -سبحانه وتعالى-، واعمل ما تنشرح له نفسك، وتراه مناسبًا لك، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ييسر أمرك.

وخير ما نوصيك به: اللجوء إلى الله تعالى بصدق واضطرار أن يفرج كربك، ويقضي حاجتك، وييسر أمورك، مع إحسان الظن بالله، والدعاء بيقين، فإن الله تعالى عند ظن عبده به، كما نوصيك بالإكثار من ذكر الله تعالى، والمداومة على الصلوات، فإن هذا سبب أكيد لشرح الصدر وطيب العيش، وتخفيف الهموم، والله تعالى قد أمرنا بأن نستعين بالصلاة والصبر، فقال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾.

نسأل الله تعالى أن ييسر لك الأمور كلها.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً