السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بدأت معاناتي منذ أكثر من أربعة عشر عامًا، وكانت تتطور مع مرور الوقت بشكل مختلف، في كل مرة أحاول فيها السيطرة على حالتي، كانت تظهر لي أعراض جديدة تجعلني أبدأ من جديد.
تخرجت في الجامعة وأنا مليئة بالطموح لإكمال دراستي العليا، وقد استعددت نفسيًا لذلك، لكنني اصطدمت برفض عائلتي المتحفظة، التي لم تكن تسمح لي بالسفر خارج المنطقة، فقررت ألا أحاول حتى لا أرهق نفسي.
بعد التخرج تقدمتُ لوظيفة معلِّمة، لكن والدي رفض أن أُعين خارج منطقتنا ولو بكيلومتر واحد، والغريب أنه وافق أن أسافر لمسافة 900 كيلومتر بشرط أن أكون بالقرب من منزل أخوالي، وذلك في مدرسة بجانبهم مباشرة.
لم أشعر بالفرح رغم ذلك، فقد كنت مخطوبة في تلك الفترة، وكنتُ قد قضيت عمري كله في المدينة، وانتقلت فجأة إلى بيئة القرية.
هناك بدأتْ أولى النوبات: صحوت ذات يوم من النوم أصرخ بصوت مرتفع دون ألم أو سبب واضح، وفقدت السيطرة على نفسي، وبعد أن أهدأ أشعر بإرهاق شديد يمنعني من بذل أي مجهود، ولم أعد أستطيع النوم إلَّا باستخدام الحبوب المنومة، وبدأت هذه الحالة تتكرر يوميًا، وكنت مذهولة ومكتئبة، وخائفة من الخروج، وخائفة من الناس، وبدأتُ أبتعد عنهم، وأكثرتُ من التحصين والذكر.
عندما انتقلت إلى بيت زوجي، استمرت هذه النوبات يوميًا، وذهب بي زوجي إلى عدد من الشيوخ، وخفَّت الحالة قليلاً لتصبح أسبوعيةً، ثم شهريةً، لكن الغريب أنها لم تكن تصيبني إلَّا عندما أزور تلك المنطقة، أمَّا حين أكون في مدينتي الأصلية -حيث نشأت وعشت- أشعر بالراحة والسعادة.
مرت السنوات وخفّت حدة هذه الحالة بعد تسع سنوات، حتى أصبحت نادرة، ولكن بعد ولادتي لابنتي الثالثة بشهرين، عادت الحالة فجأة، وبعد أسبوع من عودتي للعمل انتابتني نوبة خوف شديد بدون سبب، وشعرت باختناق، وركضتُ داخل المنزل مرعوبة، وطلبتُ من زوجي أخذي إلى الطبيب، وشخص حالتي بهبوط بسيط، لكنني لم أقتنع.
تطورت حالتي إلى خوف مزمن، وبكاء مستمر، واكتئاب وفقدان شهية، وكان زوجي يحاول تهدئتي ويحثني على الدعاء وقراءة القرآن، وكنت أحاول، لكنني لم أستطع حتى لمس المصحف، بدأت أكرهه دون سبب، وطلبت منه الطلاق أكثر من مرة، علّي أجد راحة، فقد أصبحتُ لا أحتمل الضيق الذي يملأ صدري.
ذهبتُ إلى عملي كأنني في عالم آخر، مشحونة بمشاعر مختلطة على وشك الانفجار، وكنت أخاف أن يلاحظ أحد ذلك.
حاولت التغلُّب على ذلك بالمواظبة على قيام الليل والقراءة، ورغم صعوبة ذلك شعرت أنني بدأت أفقد عقلي، وطلبت من زوجي أن يصحبني إلى طبيب نفسي لكنه رفض، وطلب مني الصبر والثبات على الدعاء.
استمرت معاناتي لسنوات، حتى استقرت حالتي على شعور دائم بعدم الرغبة، وعصبية مفرطة، وانزعاج من الأصوات العالية، أغلق باب غرفتي لأتجنب أصوات أطفالي، وأبكي باستمرار دون سبب، وفقدت القدرة على الاستمتاع بتربية أبنائي، وصرت أعد الأيام التي أشعر فيها بشيء من الراحة، وأراقب نفسي دون جدوى.
أظنُّ أحيانًا أن السبب هو اكتئاب ما قبل الدورة، لكنني لم أجد تفسيرًا واضحًا، وأكثر ما يؤلمني الآن هو أن أطفالي بحاجة إليّ، وقد بدأوا يشعرون بمعاناتي، وأنا لا أريد أن أؤثر عليهم، وحتى زوجي بدأتْ نفسيته بالتدهور، ولم يعد يعرف ما يفعل، لكنه لا يزال يرفض فكرة العلاج النفسي، رغم أنني جربت الأعشاب ولم تنفع، ورفض أن أتناول دواء مثل الـ(بروزاك).
في الوقت الحالي أعاني من شرود ذهني، نسيان، ملل، وخوف شديد من المستقبل. أشعر بالحزن والهم دون سبب واضح، وأؤدي واجباتي اليومية على مضض، بلا معنى. حتى عملي أصبحت أتهرب منه، ولا أرغب في تطوير نفسي، رغم أنني لا أحب أن أكون بهذه الصورة.
أحاول الهروب من هذه الحالة إمَّا بالعزلة، أو بالخروج لتأدية بعض الحوائج، لكنني أشعر بالضيق في كل الأحوال، وحاولت تغيير نمط حياتي، لكن قواي خارت تمامًا.
أعتذر عن الإطالة، لكنني لم أعد أحتمل، وأتمنى منكم التوجيه.