الشورى مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام، وطريق عظيم للنجاح في أي مجال، إذ هي تلاقح للعقول، وتداول للآراء، وتبادل للأفكار للوصول إلى أفضل النتائج وأحسن الاختيارات.
وهو توجيه رباني من الله تعالى لرسوله ليسلكه مع أتباعه من المسلمين قال تعالى (وشاورهم في الأمر) (آل عمران ـ 159)، وهي صفة راسخة من صفات المؤمنين ومزية من مزايا المجتمع الإسلامي؛ قال تعالى(وأمرهم شورى بينهم)(الشورى ـ 38)
وهو منهاج نبوي محمدي تطبيقي عملي، قال أبو هريرة رضي الله عنه: [ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم] أخرجه البيهقي.
إن الاقتصار على عقلٍ واحدٍ يقتل الإبداع، ويُضعف روح الفريق، ويجعل القرارات عُرضة للأخطاء الجسيمة، بينما تتسع الآفاق وتصفو الرؤية إذا تنوعت الآراء وتعددت العقول، فالتجربة عند هذا، والخبرة عند ذاك، والنصح عند آخر. ومن جمع الآراء نجا، ومن استبدَّ برأيه غرق.
مساوئ الاقتصار على رأي واحد
من سلبيات الإلزام بالرأي الواحد أنه يقتل التنوع ويحدّ من الإبداع، وتظهر آثاره السلبية بوضوح في الحياة الشخصية والاجتماعية والسياسية ومن أبرز هذه الآثار:
1. تعطيل العقول: فحين يُفرض رأي واحد، يُلغى التفكير الحر وتُعطّل العقول عن البحث والنقاش.
2. انتشار الاستبداد والفساد: يفتح الباب لسيطرة شخص أو جماعة على غيرهم بالقوة أو النفوذ.
3. إضعاف روح الشورى: يختفي مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار، وهو أساس العدالة والاستقرار.
4. إثارة الكراهية والانقسام: إذ يشعر المختلفون أنهم مهمَّشون أو مقموعون، مما يولد الفتن والصراعات.
5. التحجر والجمود: غياب تعدد الآراء يمنع ظهور حلول جديدة، ويؤدي إلى جمود فكري وثقافي.
6. قتل المواهب: يُشعِر الأفراد أن رأيهم لا قيمة له، فيتراجع عطاؤهم ومشاركتهم، و الآراء المتنوعة تفتح آفاقًا للحلول الجديدة، بينما الرأي الواحد يقتل فرص الابتكار.
7. تضليل المجتمع: إذا كان الرأي المفروض خاطئًا، ضلّ الناس جميعًا باتباعه، لغياب النقد والمراجعة.
نماذج
وإليك بعض النماذج التاريخية التي توضّح خطورة الرأي الواحد وآثاره السيئة:
1- فرعون
لم يقبل رأيًا مخالفًا لرأيه، وادّعى الألوهية:وقال "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " (غافر:29).
هذا الاستبداد أدى إلى هلاكه، وغرقه، ودمار ملكه، وأصبح عبرة للتاريخ.
2- هتلر
وفي التاريخ الحديث، أدى استبداد هتلر بالرأي وفرضه بالقوة إلى إشعال حرب عالمية ثانية، خلفت ملايين القتلى ودمارًا واسعًا، وغياب النقاش الحر داخل ألمانيا جعل الناس يسيرون خلف رأي واحد أدى إلى كارثة تاريخية.
هذه النماذج تظهر أن الرأي الواحد قد يقود للهلاك، بينما الشورى تنقذ الأمم.
فالرأي الواحد في أي مجتمع يؤدي إلى الاستبداد، وضياع الحقوق، ووقوع الكوارث، بينما الحوار وتعدد الآراء والشورى يحفظ التوازن ويضمن بقاء المجتمع قويا
ولا شك أن الشورى يتحقق من ورائها أهداف عظيمة، فهي تعمل على نشر الألفة بين أفراد المجتمع، وهي وسيلة للكشف عن أصحاب الرأي السديد، ومَنْ بإمكانهم وضع خطط يؤخذ بها في المواقف الصعبة الطارئة، مما يفتح الباب للاستفادة من كل العناصر المتميزة في المجتمع، وحينما تكون الشورى أمراً إلهياً وسلوكاً نبويًّا، فإن المجتمع الذي يتمسك بها، ويسير على دربها، سيحوز الأمن والأمان والتوفيق والنجاح.