[ ص: 279 ] المسألة الثانية عشرة
nindex.php?page=treesubj&link=20490الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل ، الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه ، الداخل تحت كسب العبد من غير مشقة عليه ولا انحلال ، بل هو تكليف جار على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال ; كتكاليف الصلاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، والزكاة ، وغير ذلك مما شرع ابتداء على غير سبب ظاهر اقتضى ذلك ، أو لسبب يرجع إلى عدم العلم بطريق العمل ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219ويسألونك ماذا ينفقون [ البقرة : 215 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219يسألونك عن الخمر والميسر [ البقرة : 219 ] .
وأشباه ذلك .
فإن كان التشريع لأجل انحراف المكلف ، أو وجود مظنة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطرفين ; كان التشريع رادا إلى الوسط الأعدل ، لكن على وجه يميل فيه إلى الجانب الآخر ليحصل الاعتدال فيه ، فعلى الطبيب الرفيق [ أن ] يحمل المريض على ما فيه صلاحه بحسب حاله وعادته ، وقوة مرضه وضعفه ، حتى إذا استقلت صحته هيأ له طريقا في التدبير وسطا لائقا به في جميع أحواله .
أو لا ترى أن الله تعالى خاطب الناس في ابتداء التكليف خطاب
[ ص: 280 ] التعريف بما أنعم عليهم من الطيبات والمصالح التي بثها في هذا الوجود لأجلهم ، ولحصول منافعهم ومرافقهم التي يقوم بها عيشهم ، وتكمل بها تصرفاتهم ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم [ البقرة : 22 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [ إبراهيم : 32 - 34 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون [ النحل : 10 ] .
إلى آخر ما عد لهم من النعم ، ثم وعدوا على ذلك بالنعيم إن آمنوا ، وبالعذاب إن تمادوا على ما هم عليه من الكفر ، فلما عاندوا وقابلوا النعم بالكفران ، وشكوا في صدق ما قيل لهم ; أقيمت عليهم البراهين القاطعة بصدق ما قيل لهم وصحته ، فلما لم يلتفتوا إليها لرغبتهم في العاجلة ; أخبروا
[ ص: 281 ] بحقيقتها ، وأنها في الحقيقة كلا شيء ; لأنها زائلة فانية .
وضربت لهم الأمثال في ذلك ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء [ يونس : 24 ] الآية .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20أنما الحياة الدنيا لعب ولهو [ الحديد : 20 ] [ إلى آخر الآية ]
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [ الحديد : 20 ] وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون [ العنكبوت : 64 ] .
بل لما آمن الناس وظهر من بعضهم ما يقتضي الرغبة ربما أمالته عن الاعتدال في طلبها أو نظرا إلى هذا المعنى ; فقال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337539إن مما أخاف عليكم ما يفتح لكم من زهرات الدنيا .
ولما لم يظهر ذلك ولا مظنته ; قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة [ الأعراف : 32 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا [ المؤمنون : 51 ] .
[ ص: 282 ] ووقع لأهل الإسلام
nindex.php?page=treesubj&link=25986النهي عن الظلم ، والوعيد فيه والتشديد ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ فشق ذلك عليهم ، وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ فنزل :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم [ لقمان : 13 ] ; فخفف عنهم بسبب ذلك ، مع أن قليل الظلم وكثيره منهي عنه ، لكنهم فهموا أن مطلق الظلم لا يحصل معه الأمن في الآخرة والهداية لقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " [ الأنعام : 82 ] .
ولما قال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337540آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان ; شق ذلك عليهم ، إذ لا يسلم أحد من شيء منه ، ففسره عليه الصلاة والسلام لهم حين أخبروه بكذب وإخلاف وخيانة مختصة بأهل الكفر .
وكذلك لما نزل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله [ البقرة : 284 ] الآية ; شق عليهم ; فنزل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة : 286 ] .
وقارف بعضهم بارتداد أو غيره وخاف أن لا يغفر له ، فسئل في ذلك
[ ص: 283 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فأنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله [ الزمر : 53 ] الآية .
[ ص: 284 ] ولما ذم الدنيا ومتاعها ; هم جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أن يتبتلوا ويتركوا النساء واللذة والدنيا ، وينقطعوا إلى العبادة ، فرد ذلك عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337455من رغب عن سنتي ; فليس مني .
ودعا لأناس بكثرة المال والولد بعد ما أنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=15إنما أموالكم وأولادكم فتنة [ التغابن : 15 ] والمال والولد هي الدنيا ، وأقر الصحابة على جمع الدنيا والتمتع بالحلال منها ، ولم يزهدهم ولا أمرهم بتركها ; إلا عند ظهور حرص أو وجود منع من حقه ، وحيث تظهر مظنة مخالفة التوسط بسبب ذلك وما سواه ; فلا .
ومن غامض هذا المعنى أن الله تعالى أخبر عما يجازي به المؤمنين في الآخرة ، وأنه جزاء لأعمالهم ; فنسب إليهم أعمالا وأضافها إليهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .
ونفى المنة به عليهم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=6فلهم أجر غير ممنون [ التين : 6 ] .
فلما منوا بأعمالهم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين [ الحجرات : 17 ] .
فأثبت المنة عليهم على ما هو الأمر في نفسه ; لأنه مقطع حق ، وسلب
[ ص: 285 ] عنهم ما أضاف إلى الآخرين ، بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17أن هداكم للإيمان [ الحجرات : 17 ] ، كذلك أيضا ، أي فلولا الهداية لم يكن ما مننتم به ، وهذا يشبه في المعنى المقصود
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337541حديث شراج الحرة حين تنازع فيه الزبير ورجل من الأنصار ; فقال عليه السلام : اسق يا زبير - فأمره بالمعروف - ، وأرسل الماء إلى جارك . فقال الرجل : إن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : اسق يا زبير حتى يرجع الماء إلى الجدر ، واستوفى له حقه ; فقال الزبير : إن هذه الآية نزلت في ذلك : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم [ النساء : 65 ] الآية .
وهكذا تجد الشريعة أبدا في مواردها ومصادرها .
وعلى نحو من هذا الترتيب يجري الطبيب الماهر ، يعطي الغذاء ابتداء
[ ص: 286 ] على ما يقتضيه الاعتدال في توافق مزاج المغتذي مع مزاج الغذاء ، ويخبر من سأله عن بعض المأكولات التي يجهلها المغتذي : أهو غذاء ، أم سم ، أم غير ذلك ؟ فإذا أصابته علة بانحراف بعض الأخلاط ; قابله في معالجته على مقتضى انحرافه في الجانب الآخر ، ليرجع إلى الاعتدال وهو المزاج الأصلي ، والصحة المطلوبة ، وهذا غاية الرفق ، وغاية الإحسان والإنعام من الله سبحانه .
[ ص: 279 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=20490الشَّرِيعَةُ جَارِيَةٌ فِي التَّكْلِيفِ بِمُقْتَضَاهَا عَلَى الطَّرِيقِ الْوَسَطِ الْأَعْدَلِ ، الْآخِذِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ بِقِسْطٍ لَا مَيْلَ فِيهِ ، الدَّاخِلِ تَحْتَ كَسْبِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ عَلَيْهِ وَلَا انْحِلَالٍ ، بَلْ هُوَ تَكْلِيفٌ جَارٍ عَلَى مُوَازَنَةٍ تَقْتَضِي فِي جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ غَايَةَ الِاعْتِدَالِ ; كَتَكَالِيفِ الصَّلَاةِ ، وَالصِّيَامِ ، وَالْحَجِّ ، وَالْجِهَادِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شُرِعَ ابْتِدَاءً عَلَى غَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ ، أَوْ لِسَبَبٍ يَرْجِعُ إِلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِطَرِيقِ الْعَمَلِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ [ الْبَقَرَةِ : 215 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [ الْبَقَرَةِ : 219 ] .
وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ .
فَإِنْ كَانَ التَّشْرِيعُ لِأَجْلِ انْحِرَافِ الْمُكَلَّفِ ، أَوْ وُجُودِ مَظِنَّةِ انْحِرَافِهِ عَنِ الْوَسَطِ إِلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ ; كَانَ التَّشْرِيعُ رَادًّا إِلَى الْوَسَطِ الْأَعْدَلِ ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَمِيلُ فِيهِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ لِيَحْصُلَ الِاعْتِدَالُ فِيهِ ، فَعَلَى الطَّبِيبِ الرَّفِيقِ [ أَنْ ] يَحْمِلَ الْمَرِيضَ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُ بِحَسَبِ حَالِهِ وَعَادَتِهِ ، وَقُوَّةِ مَرَضِهِ وَضَعْفِهِ ، حَتَّى إِذَا اسْتَقَلَّتْ صِحَّتُهُ هَيَّأَ لَهُ طَرِيقًا فِي التَّدْبِيرِ وَسَطًا لَائِقًا بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ .
أَوَ لَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ النَّاسَ فِي ابْتِدَاءِ التَّكْلِيفِ خِطَابَ
[ ص: 280 ] التَّعْرِيفِ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي بَثَّهَا فِي هَذَا الْوُجُودِ لِأَجْلِهِمْ ، وَلِحُصُولِ مَنَافِعِهِمْ وَمَرَافِقِهِمْ الَّتِي يَقُومُ بِهَا عَيْشُهُمْ ، وَتَكْمُلُ بِهَا تَصَرُّفَاتُهُمْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [ الْبَقَرَةِ : 22 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [ إِبْرَاهِيمَ : 32 - 34 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [ النَّحْلِ : 10 ] .
إِلَى آخِرِ مَا عَدَّ لَهُمْ مِنَ النِّعَمِ ، ثُمَّ وُعِدُوا عَلَى ذَلِكَ بِالنَّعِيمِ إِنْ آمَنُوا ، وَبِالْعَذَابِ إِنْ تَمَادَوْا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ ، فَلَمَّا عَانَدُوا وَقَابَلُوا النِّعَمَ بِالْكُفْرَانِ ، وَشَكُّوا فِي صِدْقِ مَا قِيلَ لَهُمْ ; أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْبَرَاهِينُ الْقَاطِعَةُ بِصِدْقِ مَا قِيلَ لَهُمْ وَصِحَّتِهِ ، فَلَمَّا لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْعَاجِلَةِ ; أُخْبِرُوا
[ ص: 281 ] بِحَقِيقَتِهَا ، وَأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ كَلَا شَيْءٍ ; لِأَنَّهَا زَائِلَةٌ فَانِيَةٌ .
وَضُرِبَتْ لَهُمُ الْأَمْثَالُ فِي ذَلِكَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ [ يُونُسَ : 24 ] الْآيَةَ .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ [ الْحَدِيدِ : 20 ] [ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ]
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [ الْحَدِيدِ : 20 ] وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ : 64 ] .
بَلْ لَمَّا آمَنَ النَّاسُ وَظَهَرَ مِنْ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي الرَّغْبَةَ رُبَّمَا أَمَالَتْهُ عَنِ الِاعْتِدَالِ فِي طَلَبِهَا أَوْ نَظَرًا إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ; فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337539إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُفْتَحُ لَكُمْ مِنْ زَهَرَاتِ الدُّنْيَا .
وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ وَلَا مَظِنَّتِهِ ; قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ الْأَعْرَافِ : 32 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [ الْمُؤْمِنُونَ : 51 ] .
[ ص: 282 ] وَوَقْعَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ
nindex.php?page=treesubj&link=25986النَّهْيُ عَنِ الظُّلْمِ ، وَالْوَعِيدُ فِيهِ وَالتَّشْدِيدُ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟ فَنَزَلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [ لُقْمَانَ : 13 ] ; فَخَفَّفَ عَنْهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، مَعَ أَنَّ قَلِيلَ الظُّلْمِ وَكَثِيرَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، لَكِنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ مُطْلَقَ الظُّلْمِ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ الْأَمْنُ فِي الْآخِرَةِ وَالْهِدَايَةُ لِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ " [ الْأَنْعَامِ : 82 ] .
وَلَمَّا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337540آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ ; شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، إِذْ لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَفَسَّرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُمْ حِينَ أَخْبَرُوهُ بِكَذِبٍ وَإِخْلَافٍ وَخِيَانَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِأَهْلِ الْكُفْرِ .
وَكَذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [ الْبَقَرَةِ : 284 ] الْآيَةَ ; شَقَّ عَلَيْهِمْ ; فَنَزَلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [ الْبَقَرَةِ : 286 ] .
وَقَارَفَ بَعْضُهُمْ بِارْتِدَادٍ أَوْ غَيْرِهِ وَخَافَ أَنْ لَا يُغْفَرَ لَهُ ، فَسُئِلَ فِي ذَلِكَ
[ ص: 283 ] رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [ الزُّمَرِ : 53 ] الْآيَةَ .
[ ص: 284 ] وَلَمَّا ذَمَّ الدُّنْيَا وَمَتَاعَهَا ; هَمَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَبَتَّلُوا وَيَتْرُكُوا النِّسَاءَ وَاللَّذَّةَ وَالدُّنْيَا ، وَيَنْقَطِعُوا إِلَى الْعِبَادَةِ ، فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337455مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي ; فَلَيْسَ مِنِّي .
وَدَعَا لِأُنَاسٍ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ بَعْدَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=15إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [ التَّغَابُنِ : 15 ] وَالْمَالُ وَالْوَلَدُ هِيَ الدُّنْيَا ، وَأَقَرَّ الصَّحَابَةَ عَلَى جَمْعِ الدُّنْيَا وَالتَّمَتُّعِ بِالْحَلَالِ مِنْهَا ، وَلَمْ يُزَهِّدْهُمْ وَلَا أَمَرَهُمْ بِتَرْكِهَا ; إِلَّا عِنْدَ ظُهُورِ حِرْصٍ أَوْ وُجُودِ مَنْعٍ مِنْ حَقِّهِ ، وَحَيْثُ تَظْهَرُ مَظِنَّةُ مُخَالَفَةِ التَّوَسُّطِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَمَا سِوَاهُ ; فَلَا .
وَمِنْ غَامِضِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَمَّا يُجَازِي بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ ، وَأَنَّهُ جَزَاءٌ لِأَعْمَالِهِمْ ; فَنَسَبَ إِلَيْهِمْ أَعْمَالًا وَأَضَافَهَا إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ السَّجْدَةِ : 17 ] .
وَنَفَى الْمِنَّةَ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=6فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [ التِّينِ : 6 ] .
فَلَمَّا مَنُّوا بِأَعْمَالِهِمْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ الْحُجُرَاتِ : 17 ] .
فَأَثْبَتَ الْمِنَّةَ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا هُوَ الْأَمْرُ فِي نَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ مَقْطَعُ حَقٍّ ، وَسَلَبَ
[ ص: 285 ] عَنْهُمْ مَا أَضَافَ إِلَى الْآخَرِينَ ، بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ [ الْحُجُرَاتِ : 17 ] ، كَذَلِكَ أَيْضًا ، أَيْ فَلَوْلَا الْهِدَايَةُ لَمْ يَكُنْ مَا مَنَنْتُمْ بِهِ ، وَهَذَا يُشْبِهُ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337541حَدِيثَ شِرَاجِ الْحَرَّةِ حِينَ تَنَازَعِ فِيهِ الزُّبَيْرُ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ; فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : اسْقِ يَا زُبَيْرُ - فَأْمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ - ، وَأَرْسِلَ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ . فَقَالَ الرَّجُلُ : إِنْ كَانَ ابْنُ عَمَّتِكَ ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثُمَّ قَالَ : اسْقِ يَا زُبَيْرُ حَتَّى يَرْجِعَ الْمَاءُ إِلَى الْجَدْرِ ، وَاسْتَوْفَى لَهُ حَقَّهُ ; فَقَالَ الزُّبَيْرُ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [ النِّسَاءِ : 65 ] الْآيَةَ .
وَهَكَذَا تَجِدُ الشَّرِيعَةَ أَبَدًا فِي مَوَارِدِهَا وَمَصَادِرِهَا .
وَعَلَى نَحْوٍ مَنْ هَذَا التَّرْتِيبِ يَجْرِي الطَّبِيبُ الْمَاهِرُ ، يُعْطِي الْغِذَاءَ ابْتِدَاءً
[ ص: 286 ] عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الِاعْتِدَالُ فِي تَوَافُقِ مِزَاجِ الْمُغْتَذِي مَعَ مِزَاجِ الْغِذَاءِ ، وَيُخْبِرُ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمَأْكُولَاتِ الَّتِي يَجْهَلُهَا الْمُغْتَذِي : أَهْوَ غِذَاءٌ ، أَمْ سُمٌّ ، أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ ؟ فَإِذَا أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ بِانْحِرَافِ بَعْضِ الْأَخْلَاطِ ; قَابَلَهُ فِي مُعَالَجَتِهِ عَلَى مُقْتَضَى انْحِرَافِهِ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ ، لِيَرْجِعَ إِلَى الِاعْتِدَالِ وَهُوَ الْمِزَاجُ الْأَصْلِيُّ ، وَالصِّحَّةُ الْمَطْلُوبَةُ ، وَهَذَا غَايَةُ الرِّفْقِ ، وَغَايَةُ الْإِحْسَانِ وَالْإِنْعَامِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ .