الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
فصل : وهي تجمع تخييرا وترتيبا ، فيخير فيها بين ثلاثة أشياء : إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، والكسوة للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه ، وللمرأة درع وخمار . فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات ، إن شاء قبل الحنث ، وإن شاء بعده .
وأجمعوا على nindex.php?page=treesubj&link=16539مشروعية الكفارة في اليمين بالله تعالى ، فيخير فيها بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، وقد سبق ذكر العتق والإطعام في الظهار ، ويجزئ أن يطعم بعضا ، ويكسو بعضا ، نص عليه ، وفيه قول ، كبقية الكفارات من جنسين ، وكعتق مع غيره ( nindex.php?page=treesubj&link=16556والكسوة للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه ) الفرض ، نقله حرب ، وقاله في التبصرة ، كوبر ، وصوف ، وما يسمى كسوة ، ولو عتيقا لم تذهب قوته ، فإذا ذهبت منفعته باللبس ، فلا يجوز كالحب المعيب ( nindex.php?page=treesubj&link=16568وللمرأة درع وخمار ) لأن ما دون ذلك لا يجزئ لبسه في الصلاة ويسمى عريانا شرعا ، فوجب [ ص: 278 ] أن لا يجزئ ، وقال أكثر العلماء : يتقدر ذلك بأقل ما يقع عليه الاسم ، وجوابه : أن الكسوة أحد أنواع الكفارة ، فلم يجز فيها ما يقع عليه الاسم ، كالإطعام والإعتاق ، ولأن التكفير عبادة فيها الكسوة أشبهت الصلاة ، ونص على الدرع والخمار ، كالخرقي وغيره ، لأن الستر غالبا لا يحصل إلا بذلك ، وإلا فلو أعطاها ثوبا واسعا يستر بدنها ورأسها أجزأ ذلك إناطة بستر عورتها في الصلاة ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن لم يجد ) أي : إذا عجز عن العتق ، والإطعام ، والكسوة ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فصيام ثلاثة أيام ) للآية ( متتابعات ) أي : بلا عذر في ظاهر المذهب ، وقدمه في المحرر والفروع ، وجزم به في الوجيز ، لقراءة أبي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، فصيام ثلاثة أيام متتابعات ، حكاه أحمد ، ورواه الأثرم ، فالظاهر أنهما سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون خبرا ، وكصوم الظهار ، وعنه : له تفريقها ، وقال ابن عقيل : هل الدين كزكاة فيصوم ، أم لا كفطره ؛ فيه روايتان ، ولا ينتقل إلى الصوم ، إلا إذا عجز كعجزه عن زكاة الفطر ، نص عليه ، فإن كان ماله غائبا استدان إن قدر ، وإلا صام .
فرع : تجب كفارة ونذر على الفور ، نص عليه ( إن شاء قبل الحنث ، وإن شاء بعده ) سواء كان صوما أو غيره ، وهو قول أكثرهم ، وممن روي عنه nindex.php?page=treesubj&link=16577تقديم الكفارة قبل الحنث : عمر ، وابنه ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وسلمان ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=77عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340881يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها ، فكفر عن يمينك ، ثم ائت الذي هو خير ، رواه ، أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، ورجاله ثقات ، ولأنه كفر بعد سببه ، فجاز ، ككفارة الظهار والقتل [ ص: 279 ] بعد الجرح ، وكتعجيل الزكاة بعد وجود النصاب ، والحنث شرط وليس بسبب ، وظاهره أنهما سواء في الفضيلة ، نص عليه ، وعنه : بعده أفضل للخروج من الخلاف ، وهذا محله ، ما لم يكن الحنث حراما ، فإنه إذا كان كذلك كفر بعده مطلقا ، وفي الواضح على رواية : حنثه بعزمه على مخالفة يمينه بنيته لا يجوز ، بل لا يصح ، وفي رواية : لا يجوز بصوم ، لأنه تقديم عبادة كصلاة ، واختار في التحقيق : أنه لا يجوز قبل الحنث ، كما لو كفر قبل اليمين ، وكحنث محرم في وجه .
عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار .
الإمام الحبر ، فقيه الأمة ، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي المهاجري البدري ، حليف بني زهرة .
كان من السابقين الأولين ، ومن النجباء العالمين ، شهد بدرا ، وهاجر الهجرتين ، وكان يوم اليرموك على النفل ، ومناقبه غزيرة ، روى علما كثيرا .
حدث عنه أبو موسى ، وأبو هريرة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وجابر ، وأنس ، وأبو أمامة ، في طائفة من الصحابة ، وعلقمة ، [ ص: 462 ] والأسود ، ومسروق ، وعبيدة ، وأبو وائلة ، وقيس بن أبي حازم ، وزر بن حبيش ، والربيع ، بن خثيم ، وطارق بن شهاب ، وزيد بن وهب ، وولداه أبو عبيدة وعبد الرحمن ، وأبو الأحوص عوف بن مالك ، وأبو عمرو الشيباني ، وخلق كثير .
وروى عنه القراءة أبو عبد الرحمن السلمي ، وعبيد بن نضيلة ، وطائفة .
اتفقا له في الصحيحين على أربعة وستين ، وانفرد له البخاري بإخراج أحد وعشرين حديثا ، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثا ، وله عند بقي بالمكرر ثماني مائة وأربعون حديثا .
قال قيس بن أبي حازم : رأيته آدم خفيف اللحم ، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كان عبد الله رجلا نحيفا ، قصيرا ، شديد الأدمة ، وكان لا يغير شيبه . وروى الأعمش ، عن إبراهيم قال : كان عبد الله لطيفا ، فطنا .
قلت : كان معدودا في أذكياء العلماء . وعن ابن المسيب قال : رأيت ابن مسعود عظيم البطن ، أحمش الساقين . قلت : رآه سعيد لما قدم المدينة عام توفي سنة اثنتين وثلاثين وكان يعرف أيضا بأمه ، فيقال له : ابن أم عبد .
قال محمد بن سعد : أمه هي أم عبد بنت عبد ود بن سوي من بني زهرة .
وروي عن علقمة : عن عبد الله ، قال : كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي . [ ص: 463 ]
وروى المسعودي : عن سليمان بن مينا ، عن نويفع مولى ابن مسعود ، قال : كان عبد الله من أجود الناس ثوبا أبيض ، وأطيب الناس ريحا . يعقوب بن شيبة : حدثني بشر بن مهران ، حدثنا شريك ، عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال : قال عبد الله : إن أول شيء علمته من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قدمت مكة مع عمومة لي أو أناس من قومي ، نبتاع منها متاعا ، وكان في بغيتنا شراء عطر ، فأرشدونا على العباس ، فانتهينا إليه ، وهو جالس إلى زمزم ، فجلسنا إليه ، فبينا نحن عنده ، إذ أقبل رجل من باب الصفا ، أبيض ، تعلوه حمرة ، له وفرة جعدة ، إلى أنصاف أذنيه ، أشم ، أقنى ، أذلف ، أدعج العينين ، براق الثنايا ، دقيق المسربة ، شثن الكفين والقدمين ، كث اللحية ، عليه ثوبان أبيضان ، كأنه القمر ليلة البدر ، يمشي على يمينه غلام حسن الوجه ، مراهق أو محتلم ، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها ، حتى قصد نحو الحجر ، فاستلم ، ثم استلم الغلام ، واستلمت المرأة ، ثم طاف بالبيت سبعا ، وهما يطوفان معه ، ثم استقبل الركن ، فرفع يده وكبر ، وقام ثم ركع ، ثم سجد ثم قام . فرأينا شيئا أنكرناه ، لم نكن نعرفه بمكة .
فأقبلنا على العباس ، فقلنا : يا أبا الفضل ، إن هذا الدين حدث فيكم ، أو أمر لم نكن نعرفه ؟ قال : أجل والله ما تعرفون هذا ، هذا ابن أخي محمد بن عبد الله ، والغلام علي بن أبي طالب ، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته ، أما والله ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة . [ ص: 464 ]
قال ابن شيبة لا نعلم روى هذا إلا بشر الخصاف وهو رجل صالح . محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي : عن أبيه ، عن الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال عبد الله : لقد رأيتني سادس ستة وما على ظهر الأرض مسلم غيرنا . وقال ابن إسحاق : أسلم ابن مسعود بعد اثنين وعشرين نفسا ، وعن يزيد بن رومان قال : أسلم عبد الله قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم . أخبرنا أحمد بن سلامة وأحمد بن عبد السلام ، إجازة ، عن عبد المنعم بن كليب ، أنبأنا علي بن بيان ، أنبأنا محمد بن محمد ، أنبأنا إسماعيل بن محمد ( ح ) وقرأت على أحمد بن إسحاق ، وعبد الحافظ بن بدران ، أخبركما أبو البركات الحسن بن محمد ، أنبأنا محمد بن الخليل بن فارس ، في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ، وأنا في الخامسة ( ح ) وأنبأنا علي بن محمد ، وعمر بن عبد المنعم ، وعبد المنعم بن عساكر ، وأبو علي بن الجلال ، وابن مؤمن ، قالوا : أنبأنا محمد بن هبة الله القاضي ، أنبأنا حمزة بن علي الثعلبي ( ح ) وأنبأنا أبو جعفر محمد بن علي ، وأحمد بن عبد الرحمن قالا :
أنبأنا أبو القاسم بن صصرى ، [ ص: 465 ] أنبأنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي ، وأبو يعلى بن الحبوبي ( ح ) وأنبأنا إبراهيم بن أحمد الطائي ، ومحمد بن الحسن الأرموي ، والحسن بن علي الدمشقي ، وإسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي ، وأحمد بن مؤمن ، وست الفخر بنت عبد الرحمن ، قالوا : أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب القرشية ، أنبأنا أبو يعلى حمزة بن الحبوبي ، قالوا : أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه ، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان التميمي ، أنبأنا إبراهيم بن أبي ثابت قالا :
أنبأنا الحسن بن عرفة العبدي ( ح ) وأنبأنا عبد الرحمن بن محمد ، والمسلم بن محمد ، وعلي بن أحمد ، قالوا : أنبأنا حنبل ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد الشيباني ، حدثني أبي قالا : أنبأنا أبو بكر بن عياش ، حدثني عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود قال : كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط ، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، فقال : يا غلام ، هل من لبن ؟ قلت : نعم ، ولكني مؤتمن ، قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ فأتيته بشاة ، فمسح ضرعها ، فنزل لبن ، فحلب في إناء ، فشرب ، وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : اقلص ، فقلص . زاد أحمد قال : ثم أتيته بعد هذا ، ثم اتفقا - فقلت : يا رسول الله ، علمني من هذا القول ، فمسح رأسي ، وقال : يرحمك الله إنك غليم معلم .
هذا حديث صحيح الإسناد ورواه أبو عوانة عن عاصم ابن بهدلة ، وفيه زيادة منها : فلقد أخذت من فيه - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة ما نازعني فيها بشر ، ورواه [ ص: 466 ] إبراهيم بن الحجاج السامي عن سلام أبي المنذر ، عن عاصم ، وفيه : قال : فأتيته بصخرة منقعرة ، فحلب فيها ، قال : فأسلمت وأتيته .