فصل
nindex.php?page=treesubj&link=23511ومن فضل عن حاجته وحاجة عياله وعن دينه مال ، هل يستحب له التصدق بجميع الفاضل ؟ فيه أوجه .
أحدهما : نعم ، والثاني : لا ، وأصحهما : إن صبر على الإضافة ، فنعم ، وإلا ، فلا . وأما من يحتاج إليه لعياله الذين تلزمه نفقتهم وقضاء دينه ، فلا يستحب له التصدق ، وربما قيل : يكره .
قلت : هذه العبارة موافقة لعبارة
الماوردي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي ،
والمتولي ، وآخرين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب ، وأصحاب " الشامل " و " المهذب " و " التهذيب " و " البيان "
nindex.php?page=showalam&ids=14272والدارمي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني في " الحلية " وآخرون : لا يجوز أن
nindex.php?page=treesubj&link=23511يتصدق بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة عياله ، وهذا أصح في نفقة عياله ، والأول أصح في نفقة نفسه ، وأما الدين ، فالمختار أنه إن غلب على ظنه حصول وفائه من جهة أخرى ، فلا بأس بالتصدق ، وإلا ، فلا يحل .
[ ص: 343 ] واعلم أنه بقي من الباب مسائل كثيرة .
منها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12094أبو علي الطبري : يقصد بصدقته من أقاربه أشدهم له عداوة ، ليتألف قلبه ، ولما فيه من سقوط الرياء وكسر النفس .
ويستحب للغني التنزه عنها ، ويكره له التعرض لأخذها .
قال في " البيان " :
nindex.php?page=treesubj&link=23496ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة . وهذا الذي قاله حسن ، وعليه حمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350717في الذي مات من أهل الصفة ، فوجدوا له دينارين ، فقال : " كيتان من نار " .
فأما إذا سأل الصدقة ، فقال صاحب " الحاوي " وغيره : إن كان محتاجا ، لم يحرم السؤال ، وإن كان غنيا بمال أو صنعة ، فسؤاله حرام ، وما يأخذه حرام عليه . هذا لفظ صاحب " الحاوي " . ولنا وجه ضعيف ، ذكره صاحب الكتاب وغيره في كتاب النفقات : أنه لا يحرم .
قال أصحابنا وغيرهم : ينبغي أن لا يمتنع من الصدقة بالقليل احتقارا له . قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) [ الزلزلة : 7 ] وفي الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350718اتقوا النار ولو بشق تمرة " ويستحب أن يخص بصدقته أهل الخير والمحتاجين . وجاءت أحاديث كثيرة بالحث على الصدقة بالماء .
ومن دفع إلى غلامه أو ولده ونحوهما شيئا ليعطيه لسائل ، لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه السائل ، فإن لم يتفق دفعه إلى ذلك السائل ، استحب له أن لا يعود فيه ، بل يتصدق به ، ومن تصدق بشيء ، كره له أن يتملكه من جهة من دفعه إليه بمعاوضة أو هبة . ولا بأس به بملكه منه بالإرث ، ولا بتملكه من غيره .
وينبغي أن يدفع الصدقة بطيب نفس وبشاشة وجه ، ويحرم المن بها ، وإذا من ، بطل ثوابها .
ويستحب أن يتصدق مما يحبه . قال صاحب " المعاياة " : لو نذر
[ ص: 344 ] صوما أو صلاة في وقت بعينه ، لم يجز فعله قبله ، ولو نذر التصدق في وقت بعينه ، جاز التصدق قبله ، كما لو عجل الزكاة .
ومما يحتاج إليه ، مسائل ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في " الإحياء " .
منها : اختلف السلف في أن
nindex.php?page=treesubj&link=23494المحتاج ، هل الأفضل له أن يأخذ من الزكاة أو صدقة التطوع ؟ فكان
الجنيد ،
والخواص ، وجماعة يقولون : الأخذ من الصدقة أفضل ، لئلا يضيق على الأصناف ، ولئلا يخل بشرط من شروط الأخذ .
وأما الصدقة ، فأمرها هين . وقال آخرون : الزكاة أفضل ، لأنه إعانة على واجب ، ولو ترك أهل الزكاة كلهم أخذها ، أثموا ، ولأن الزكاة لا منة فيها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : والصواب . أنه يختلف بالأشخاص . فإن عرض له شبهة في استحقاقه ، لم يأخذ الزكاة ، وإن قطع باستحقاقه ، نظر ، إن كان المتصدق إن لم يأخذ هذا ، لا يتصدق ، فليأخذ الصدقة ، فإن إخراج الزكاة لا بد منه ، وإن كان لا بد من إخراج تلك الصدقة ولم يضيق بالزكاة ، تخير . وأخذ الزكاة أشد في كسر النفس .
وذكر أيضا اختلاف الناس في إخفاء أخذ الصدقة وإظهاره ، أيهما أفضل ؟ وفي كل واحد فضيلة ومفسدة . ثم قال : وعلى الجملة الأخذ في الملاء ، وترك الأخذ في الخلاء ، أحسن . والله أعلم .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=23511وَمَنْ فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَعَنْ دَيْنِهِ مَالٌ ، هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ الْفَاضِلِ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ .
أَحَدُهُمَا : نَعَمْ ، وَالثَّانِي : لَا ، وَأَصَحُّهُمَا : إِنْ صَبَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ ، فَنَعَمْ ، وَإِلَّا ، فَلَا . وَأَمَّا مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِعِيَالِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَقَضَاءُ دَيْنِهِ ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ ، وَرُبَّمَا قِيلَ : يُكْرَهُ .
قُلْتُ : هَذِهِ الْعِبَارَةُ مُوَافِقَةٌ لِعِبَارَةِ
الْمَاوَرْدِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847وَالْغَزَالِيِّ ،
وَالْمُتَوَلِّي ، وَآخَرِينَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَأَصْحَابُ " الشَّامِلِ " وَ " الْمُهَذَّبِ " وَ " التَّهْذِيبِ " وَ " الْبَيَانِ "
nindex.php?page=showalam&ids=14272وَالدَّارِمِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14396وَالرُّويَانِيُّ فِي " الْحِلْيَةِ " وَآخَرُونَ : لَا يَجُوزُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23511يَتَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَفَقَتِهِ أَوْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فِي نَفَقَةِ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا الدَّيْنُ ، فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ وَفَائِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ ، وَإِلَّا ، فَلَا يَحِلُّ .
[ ص: 343 ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَ مِنَ الْبَابِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ .
مِنْهَا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12094أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ : يَقْصِدُ بِصَدَقَتِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ أَشَدَّهُمْ لَهُ عَدَاوَةً ، لِيَتَأَلَّفَ قَلْبُهُ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ سُقُوطِ الرِّيَاءِ وَكَسْرِ النَّفْسِ .
وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا ، وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا .
قَالَ فِي " الْبَيَانِ " :
nindex.php?page=treesubj&link=23496وَلَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ أَخْذُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350717فِي الَّذِي مَاتَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ، فَوَجَدُوا لَهُ دِينَارَيْنِ ، فَقَالَ : " كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ " .
فَأَمَّا إِذَا سَأَلَ الصَّدَقَةَ ، فَقَالَ صَاحِبُ " الْحَاوِي " وَغَيْرُهُ : إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا ، لَمْ يَحْرُمُ السُّؤَالُ ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِمَالٍ أَوْ صَنْعَةٍ ، فَسُؤَالُهُ حَرَامٌ ، وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ . هَذَا لَفْظُ صَاحِبِ " الْحَاوِي " . وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ : أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ .
قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنَ الصَّدَقَةِ بِالْقَلِيلِ احْتِقَارًا لَهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ) [ الزَّلْزَلَةِ : 7 ] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350718اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخُصَّ بِصَدَقَتِهِ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجِينَ . وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِالْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْمَاءِ .
وَمَنْ دَفَعَ إِلَى غُلَامِهِ أَوْ وَلَدِهِ وَنَحْوِهِمَا شَيْئًا لِيُعْطِيَهُ لِسَائِلٍ ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ السَّائِلُ ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ دَفْعُهُ إِلَى ذَلِكَ السَّائِلِ ، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يَعُودَ فِيهِ ، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ ، كُرِهَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ هِبَةٍ . وَلَا بَأْسَ بِهِ بِمِلْكِهِ مِنْهُ بِالْإِرْثِ ، وَلَا بِتَمَلُّكِهِ مِنْ غَيْرِهِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ الصَّدَقَةَ بِطِيبِ نَفْسٍ وَبَشَاشَةِ وَجْهٍ ، وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِهَا ، وَإِذَا مَنَّ ، بَطَلَ ثَوَابُهَا .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِمَّا يُحِبُّهُ . قَالَ صَاحِبُ " الْمُعَايَاةِ " : لَوْ نَذَرَ
[ ص: 344 ] صَوْمًا أَوْ صَلَاةً فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ قَبْلَهُ ، وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، جَازَ التَّصَدُّقُ قَبْلَهُ ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ .
وَمِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ ، مَسَائِلُ ذَكَرَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِي " الِإِحْيَاءِ " .
مِنْهَا : اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23494الْمُحْتَاجَ ، هَلِ الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ أَوْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ؟ فَكَانَ
الْجُنَيْدُ ،
وَالْخَوَاصُّ ، وَجَمَاعَةٌ يَقُولُونَ : الْأَخْذُ مِنَ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ، لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى الْأَصْنَافِ ، وَلِئَلَّا يُخِلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْأَخْذِ .
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ ، فَأَمْرُهَا هَيِّنٌ . وَقَالَ آخَرُونَ : الزَّكَاةُ أَفْضَلُ ، لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى وَاجِبٍ ، وَلَوْ تَرَكَ أَهْلُ الزَّكَاةِ كُلُّهُمْ أَخْذَهَا ، أَثِمُوا ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا مِنَّةَ فِيهَا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ : وَالصَّوَابُ . أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ . فَإِنْ عَرَضَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ ، لَمْ يَأْخُذِ الزَّكَاةَ ، وَإِنْ قُطِعَ بِاسْتِحْقَاقِهِ ، نُظِرَ ، إِنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْ هَذَا ، لَا يَتَصَدَّقُ ، فَلْيَأْخُذِ الصَّدَقَةَ ، فَإِنَّ إِخْرَاجَ الزَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إِخْرَاجِ تِلْكَ الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُضَيِّقْ بِالزَّكَاةِ ، تَخَيَّرَ . وَأَخْذُ الزَّكَاةِ أَشَدُّ فِي كَسْرِ النَّفْسِ .
وَذَكَرَ أَيْضًا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي إِخْفَاءِ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَإِظْهَارِهِ ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ فَضِيلَةٌ وَمَفْسَدَةٌ . ثُمَّ قَالَ : وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخْذُ فِي الْمَلَاءِ ، وَتَرْكُ الْأَخْذِ فِي الْخَلَاءِ ، أَحْسَنُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .