فصل : وأما الضرب الثالث : وهو
nindex.php?page=treesubj&link=6663ما يختص بالارتفاق فيه بأقنية الشوارع والطرقات أن يجلس فيها السوقة بأمتعتهم ليبيعوا ويشتروا ، فهذا مباح لما قدمنا من الدليل عليه ، وللإمام أن ينظر فيه ، واختلف أصحابنا في حكم نظر الإمام فيه على وجهين :
أحدهما : أن نظره فيه مقصور على كفهم عن التعدي ومنعهم من الإضرار ، وليس له أن يمنع جالسا ولا أن يقدم أحدا .
والوجه الثاني : أن نظره نظر مجتهد فيما يراه صلاحا من إجلاس من يجلسه ، ومنع من يمنعه ، وتقديم من يقدره ، كما يجتهد في أموال بيت المال ، فإذا أخذ الباعة مقاعدهم في أقنية الأسواق والطرقات ، روعي في جلوسهم ألا يضروا بمار ، ولا يضيقوا على سائل ، وليس للإمام أن يأخذ منهم أجرة مقاعدهم ، فلو جلس رجل بمتاعه في مكان فجاء غيره ليقيمه منه ويجلس مكانه لم يجز ما كان الأول جالسا بمتاعه ، فلو قام ومتاعه في المكان فهو على حقه فيه ومنع غيره منه ، فإذا قاموا من مقاعدهم بأمتعتهم عند دخول الليل ثم غدوا إليها من الغد كان كل من سبق إلى مكان أحق به ، ولا يستحق العود إلى المكان الذي كان فيه وعرف به ، وقال مالك : إذا عرف أحدهم بمكانه طال جلوسه فيه فهو أحق به من غيره لما فيه من المصلحة بقطع التنازع ووقوع الاختلاف وهذا عنه صحيح ، لقوله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=923465منى مناخ من سبق ولأنه لو جعل أحق به لصار في حكم ملكه ولحماه عن غيره فلو تنازع رجلان في مقعد ولم يمكنهما الجلوس بناء على نظر الإمام فيه .
أحدهما : يقرع بينهما فأيهما قرع كان به أحق ، وهذا على الوجه الذي يجعل نظر الإمام مقصورا على منع الضرر وقطع التنازع .
والوجه الثاني : أن الإمام يجتهد رأيه في إجلاس من يرى منهما ، وهذا على الوجه الذي يجعل نظر الإمام نظر اجتهاد ومصلحة ، فلو أقطع الإمام رجلا موضعا من مقاعد الأسواق ليبيع فيه متاعه ففيه وجهان :
أحدهما : أنه أحق بالمكان ما لم يسبق إليه ، فإن سبق إليه كان السابق أحق به ، وهذا إذا قيل : إن نظره مقصور على منع الضرر .
والوجه الثاني : أنه أحق من السابق بذلك المكان ، وهذا إذا قيل : إن نظره اجتهاد في الأصلح ، فلو أن رجلا ألف مقعدا في فناء طريق حتى تقادم عهده فيه وعرف به ففيه لأصحابنا وجهان :
[ ص: 496 ] أحدهما : يقر في مكانه ما لم يسبقه إليه غيره .
والوجه الثاني : أنه يقام عنه ويمنع منه لئلا يصير زريعة إلى تملكه وادعائه ، فلو أراد رجل أن يبني في مقعد من فناء السوق بناء منع : لأن إحداث الأبنية يستحق في الأملاك ، وأما إذا حلق الفقهاء في المساجد ، والجوامع حلقا منع الناس من استطراقها والاجتياز فيها ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
لا حمى إلا في ثلاث : ثلة البئر ، وطول الفرس ، وحلقة القوم فلو عرف فقيه بالجلوس مع أصحابه في موضع من الجامع لم يكن له منع من سبق إليه وكان السابق أحق به ، وقال
مالك : قد صار من عرف بذلك الموضع من الفقهاء والقراء أحق به ، وله منع من سابق إليه وهذا غير صحيح لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سواء العاكف فيه والبادي ، والله أعلم بالصواب .
فَصْلٌ : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ : وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=6663مَا يَخْتَصُّ بِالِارْتِفَاقِ فِيهِ بِأَقْنِيَةِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ أَنْ يَجْلِسَ فِيهَا السُّوقَةُ بِأَمْتِعَتِهِمْ لِيَبِيعُوا وَيَشْتَرُوا ، فَهَذَا مُبَاحٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِ نَظَرِ الْإِمَامِ فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ مَقْصُورٌ عَلَى كَفِّهِمْ عَنِ التَّعَدِّي وَمَنْعِهِمْ مِنَ الْإِضْرَارِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ جَالِسًا وَلَا أَنْ يُقَدِّمَ أَحَدًا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ نَظَرَهُ نَظَرُ مُجْتَهِدٍ فِيمَا يَرَاهُ صَلَاحًا مِنْ إِجْلَاسِ مَنْ يُجْلِسُهُ ، وَمَنْعِ مَنْ يَمْنَعُهُ ، وَتَقْدِيمِ مَنْ يُقَدِّرُهُ ، كَمَا يَجْتَهِدُ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ ، فَإِذَا أَخَذَ الْبَاعَةُ مَقَاعِدَهُمْ فِي أَقْنِيَةِ الْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقَاتِ ، رُوعِيَ فِي جُلُوسِهِمْ أَلَّا يَضُرُّوا بِمَارٍ ، وَلَا يُضَيِّقُوا عَلَى سَائِلٍ ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ أُجْرَةَ مَقَاعِدِهِمْ ، فَلَوْ جَلَسَ رَجُلٌ بِمَتَاعِهِ فِي مَكَانٍ فَجَاءَ غَيْرُهُ لِيُقِيمَهُ مِنْهُ وَيَجْلِسَ مَكَانَهُ لَمْ يَجُزْ مَا كَانَ الْأَوَّلُ جَالِسًا بِمَتَاعِهِ ، فَلَوْ قَامَ وَمَتَاعُهُ فِي الْمَكَانِ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ فِيهِ وَمَنَعَ غَيْرَهُ مِنْهُ ، فَإِذَا قَامُوا مِنْ مَقَاعِدِهِمْ بِأَمْتِعَتِهِمْ عِنْدَ دُخُولِ اللَّيْلِ ثُمَّ غَدَوْا إِلَيْهَا مِنَ الْغَدِ كَانَ كُلُّ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَكَانٍ أَحَقَّ بِهِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَوْدَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَعُرِفَ بِهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : إِذَا عُرِفَ أَحَدُهُمْ بِمَكَانِهِ طَالَ جُلُوسُهُ فِيهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ بِقَطْعِ التَّنَازُعِ وَوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ وَهَذَا عَنْهُ صَحِيحٌ ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=923465مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ وَلِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ أَحَقَّ بِهِ لَصَارَ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ وَلِحِمَاهُ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي مَقْعَدٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُمَا الْجُلُوسُ بِنَاءً عَلَى نَظَرِ الْإِمَامِ فِيهِ .
أَحَدُهُمَا : يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا قُرِعَ كَانَ بِهِ أَحَقَّ ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجْعَلُ نَظَرَ الْإِمَامِ مَقْصُورًا عَلَى مَنْعِ الضَّرَرِ وَقَطْعِ التَّنَازُعِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْإِمَامَ يَجْتَهِدُ رَأْيَهُ فِي إِجْلَاسِ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجْعَلُ نَظَرَ الْإِمَامِ نَظَرَ اجْتِهَادٍ وَمَصْلَحَةٍ ، فَلَوْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ رَجُلًا مَوْضِعًا مِنْ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ لِيَبِيعَ فِيهِ مَتَاعَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْمَكَانِ مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ ، فَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ كَانَ السَّابِقُ أَحَقَّ بِهِ ، وَهَذَا إِذَا قِيلَ : إِنَّ نَظَرَهُ مَقْصُورٌ عَلَى مَنْعِ الضَّرَرِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ أَحَقُّ مِنَ السَّابِقِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَهَذَا إِذَا قِيلَ : إِنَّ نَظَرَهُ اجْتِهَادٌ فِي الْأَصْلَحِ ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَلِفَ مَقْعَدًا فِي فِنَاءِ طَرِيقٍ حَتَّى تَقَادَمَ عَهْدُهُ فِيهِ وَعُرِفَ بِهِ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ :
[ ص: 496 ] أَحَدُهُمَا : يَقَرُّ فِي مَكَانِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يُقَامُ عَنْهُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ لِئَلَّا يَصِيرَ زَرِيعَةً إِلَى تَمَلُّكِهِ وَادِّعَائِهِ ، فَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَبْنِيَ فِي مَقْعَدٍ مِنْ فَنَاءِ السُّوقِ بِنَاءً مُنِعَ : لِأَنَّ إِحْدَاثَ الْأَبْنِيَةِ يُسْتَحَقُّ فِي الْأَمْلَاكِ ، وَأَمَّا إِذَا حَلَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَالْجَوَامِعِ حِلَقًا مُنِعَ النَّاسُ مِنَ اسْتِطْرَاقِهَا وَالِاجْتِيَازِ فِيهَا ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
لَا حِمَى إِلَّا فِي ثَلَاثٍ : ثُلَّةِ الْبِئْرِ ، وَطُولِ الْفَرَسِ ، وَحَلْقَةِ الْقَوْمِ فَلَوْ عُرِفَ فَقِيهٌ بِالْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْجَامِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ وَكَانَ السَّابِقُ أَحَقَّ بِهِ ، وَقَالَ
مَالِكٌ : قَدْ صَارَ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ أَحَقَّ بِهِ ، وَلَهُ مَنْعُ مَنْ سَابَقَ إِلَيْهِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .