[ ص: 198 ] تنبيهات .
الأول .
قد
nindex.php?page=treesubj&link=28875تجتمع فواصل في موضع واحد ويخالف بينها : كأوائل النحل ، فإنه تعالى بدأ بذكر الأفلاك فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خلق السماوات والأرض بالحق [ النحل : 3 ] . ثم ذكر خلق الإنسان من نطفة ثم خلق الأنعام ثم عجائب النبات فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون [ النحل : 10 ، 11 ] . فجعل مقطع هذه الآية التفكر لأنه استدلال بحدوث الأنواع المختلفة من النبات على وجود الإله القادر المختار ، ولما كان هنا مظنة سؤال وهو أنه لم لا يجوز أن يكون المؤثر فيه طبائع الفصول وحركات الشمس والقمر ، وكان الدليل لا يتم إلا بالجواب عن هذا السؤال ، كان مجال التفكر والنظر والتأمل باقيا فأجاب تعالى عنه من وجهين .
أحدهما : أن تغيرات العالم السفلي مربوطة بأحوال الأفلاك فتلك الحركات كيف حصلت فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل ، وإن كان من الخالق الحكيم فذاك إقرار بوجود الله تعالى وهذا هو المراد بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون [ النحل : 12 ] . فجعل مقطع هذه الآية العقل وكأنه قيل : إن كنت عاقلا فاعلم أن التسلسل باطل ، فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها غير متحرك وهو الإله القادر المختار .
والثاني : أن نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة والحبة الواحدة واحدة ، ثم إنا نرى الورقة الواحدة من الورد أحد وجهيها في غاية الحمرة والآخر في غاية السواد ، فلو كان المؤثر موجبا بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار فعلمنا أن المؤثر قادر مختار وهذا هو المراد من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=13وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون [ النحل : 13 ] . كأنه قيل اذكر ما ترسخ في عقلك أن الواجب بالذات والطبع لا يختلف تأثيره ، فإذا نظرت حصول هذا الاختلاف علمت أن المؤثر ليس هو الطبائع ، بل الفاعل المختار فلهذا جعل مقطع الآية التذكر .
[ ص: 199 ] ومن ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الآيات ، فإن الأولى ختمت بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151لعلكم تعقلون والثانية بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152لعلكم تذكرون والثالثة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153لعلكم تتقون لأن الوصايا التي في الآية الأولى إنما يحمل على تركها عدم العقل الغالب على الهوى ، لأن الإشراك بالله لعدم استكمال العقل الدال على توحيده وعظمته ، وكذلك عقوق الوالدين لا يقتضيه العقل لسبق إحسانهما إلى الولد بكل طريق ، وكذلك قتل الأولاد بالوأد من الإملاق مع وجود الرازق الحي الكريم ، وكذلك إتيان الفواحش لا يقتضيه عقل ، وكذا قتل النفس لغيظ أو غضب في القاتل ، فحسن بعد ذلك ( يعقلون ) .
وأما الثانية فتعلقها بالحقوق المالية والقولية ، فإن من علم أن له أيتاما يخلفهم من بعده لا يليق به أن يعامل أيتام غيره إلا بما يحب أن يعامل به أيتامه . ومن يكيل أو يزن أو يشهد لغيره ، لو كان ذلك الأمر له لم يحب أن يكون فيه خيانة ، ولا بخس ، وكذا من وعد لو وعد لم يحب أن يخلف ، ومن أحب ذلك عامل الناس ليعاملوه بمثله ، فترك ذلك إنما يكون لغفلة عن تدبر ذلك وتأمله ، فذلك ناسب الختم بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152لعلكم تذكرون .
وأما الثالثة : لأن ترك اتباع شرائع الله الدينية مؤد إلى غضبه وإلى عقابه فحسن
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153لعلكم تتقون أي : عقاب الله بسببه .
ومن ذلك قوله في الأنعام أيضا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97وهو الذي جعل لكم النجوم الآيات ، فإنه ختم الأولى بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97لقوم يعلمون والثانية بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=98لقوم يفقهون والثالثة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99لقوم يؤمنون وذلك لأن حساب النجوم والاهتداء بها يختص بالعلماء بذلك فناسب ختمه ب يعلمون ، وإنشاء الخلائق من نفس واحدة ، ونقلهم من صلب إلى رحم ثم إلى الدنيا ، ثم إلى حياة وموت ، والنظر في ذلك والفكر فيه أدق فناسب ختمه ب يفقهون لأن الفقه فهم الأشياء الدقيقة .
ولما ذكر ما أنعم به على عباده من سعة الأرزاق والأقوات والثمار وأنواع ذلك ، ناسب ختمه بالإيمان الداعي إلى شكره تعالى على نعمه .
ومن ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=41وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=42ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون [ الحاقة : 41 ، 42 ] .
[ ص: 200 ] حيث ختم الأولى بتؤمنون والثانية بتذكرون .
ووجهه : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28914مخالفة القرآن لنظم الشعر ظاهرة واضحة لا تخفى على أحد فقول من قال : شعر ، كفر وعناد محض ، فناسب ختمه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=41قليلا ما تؤمنون وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28914مخالفته لنظم الكهان وألفاظ السجع فتحتاج إلى تذكر وتدبر ، لأن كلا منهما نثر فليست مخالفته له في وضوحها لكل أحد كمخالفته الشعر ، وإنما تظهر بتدبر ما في القرآن من الفصاحة والبلاغة والبدائع والمعاني الأنيقة ، فحسن ختمه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=42قليلا ما تذكرون .
ومن بديع هذا النوع
nindex.php?page=treesubj&link=28914اختلاف الفاصلتين في موضعين ، والمحدث عنه واحد ، لنكتة لطيفة كقوله تعالى : في سورة إبراهيم [ 34 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ثم قال في سورة النحل [ 18 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم قال
ابن المنير : كأنه يقول إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها ، فحصل لك عند أخذها وصفان : كونك ظلوما وكونك كفارا : يعني لعدم وفائك بشكرها ، ولي عند إعطائها وصفان : وهما أني غفور رحيم ، أقابل ظلمك بغفراني ، وكفرك برحمتي ، فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوقير ، ولا أجازي جفاك إلا بالوفاء .
وقال غيره : إنما خص سورة إبراهيم بوصف المنعم عليه ، وسورة النحل بوصف المنعم ، لأنه في سورة إبراهيم في مساق وصف الإنسان ، وفي سورة النحل في مساق صفات الله وإثبات ألوهيته .
ونظيره قوله تعالى : في سورة الجاثية [ 15 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=15من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون وفي فصلت [ 46 ] ختم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46وما ربك بظلام للعبيد
ونكتة ذلك أن قبل الآية الأولى
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=14قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون [ الجاثية : 14 ] . فناسب الختام بفاصلة البعث ، لأن قبله وصفهم بإنكاره .
وأما الثانية فالختام بما فيها مناسب أنه لا يضيع عملا صالحا ، ولا يزيد على من عمل سيئا .
[ ص: 201 ] وقال في سورة النساء [ 48 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ثم أعادها وختم بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=116ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا [ النساء : 116 ] . ونكتة ذلك أن الأولى نزلت في
اليهود ، وهم الذين افتروا على الله ما ليس في كتابه ، والثانية نزلت في المشركين ، ولا كتاب لهم وضلالهم أشد .
ونظيره قوله في المائدة [ 44 ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ثم أعادها فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45فأولئك هم الظالمون [ المائدة : 45 ] . ثم قال في الثالثة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47فأولئك هم الفاسقون [ المائدة : 47 ] . ونكتته أن الأولى نزلت في أحكام المسلمين ، والثانية في
اليهود ، والثالثة في
النصارى .
وقيل : الأولى فيمن جحد ما أنزل الله ، والثانية فيمن خالف مع علمه ولم ينكره ، والثالثة فيمن خالفه جاهلا .
وقيل : الكافر والظالم والفاسق كلها بمعنى واحد وهو الكفر عبر عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة ، واجتناب صورة التكرار .
وعكس هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28914اتفاق الفاصلتين والمحدث عنه مختلف ، كقوله في سورة النور [ 58 ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=58ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=59كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=59كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم [ النور : 59 ] .
التنبيه الثاني : من مشكلات الفواصل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ المائدة : 118 ] . فإن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118وإن تغفر لهم يقتضي أن تكون الفاصلة الغفور الرحيم وكذا نقلت عن مصحف أبي ، وبها قرأ ابن شنبوذ .
وذكر في حكمته أنه لا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه فهو العزيز : أي : الغالب والحكيم هو الذي يضع الشيء في محله ، وقد يخفى وجه الحكمة على بعض الضعفاء في بعض الأفعال فيتوهم أنه خارج عنها وليس
[ ص: 202 ] كذلك فكان في الوصف بالحكيم احتراس حسن أي : وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترض عليك لأحد في ذلك ، والحكمة فيما فعلته .
ونظير ذلك قوله في سورة التوبة [ 71 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم وفي سورة الممتحنة [ 5 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=5واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم وفي غافر [ 8 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8ربنا وأدخلهم جنات عدن إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8إنك أنت العزيز الحكيم وفي النور [ 10 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=10ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم فإن بادئ الرأي يقتضي : تواب رحيم لأن الرحمة مناسبة للتوبة : لكن عبر به إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته ، وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة .
ومن خفي ذلك قوله في سورة البقرة : [ 29 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم وفي آل عمران [ 29 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=29قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة وفي آية آل عمران الختم بالعلم .
والجواب أن آية البقرة لما تضمنت الإخبار عن خلق الأرض وما فيها على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم وخلق السماوات خلقا مستويا محكما من غير تفاوت والخالق على الوصف المذكور يجب أن يكون عالما بما فعله كليا وجزئيا ، مجملا ومفصلا ، ناسب ختمها بصفة العلم ، وآية آل عمران لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار ، وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالعقاب والثواب ناسب ختمها بصفة القدرة .
ومن ذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا [ الإسراء : 44 ] . فالختم بالحلم والمغفرة عقب تسابيح الأشياء غير ظاهر في بادئ الرأي وذكر في حكمته أنه لما كانت الأشياء كلها تسبح ولا عصيان في حقها وأنتم تعصون ، ختم به مراعاة للمقدر في الآية وهو العصيان ، كما جاء في الحديث :
لولا بهائم رتع ، وشيوخ ركع ، وأطفال رضع ، لصب عليكم العذاب صبا ، ولرص رصا [ ص: 203 ] وقيل : التقدير حليما عن تفريط المسبحين غفورا لذنوبهم . وقيل : حليما عن المخاطبين الذين لا يفقهون التسبيح ، بإهمالهم النظر في الآيات والعبر ، ليعرفوا حقه بالتأمل فيما أودع في مخلوقاته مما يوجب تنزيهه .
التنبيه الثالث في الفواصل
nindex.php?page=treesubj&link=28914ما لا نظير له في القرآن ، كقوله عقب الأمر بالغض في سورة النور
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30إن الله خبير بما يصنعون وقوله عقب الأمر بالدعاء والاستجابة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186لعلهم يرشدون [ البقرة : 186 ] . وقيل : فيه تعريض بليلة القدر ، حيث ذكر ذلك عقب ذكر رمضان : أي : لعلهم يرشدون إلى معرفتها .
[ ص: 198 ] تَنْبِيهَاتٌ .
الْأَوَّلُ .
قَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=28875تَجْتَمِعُ فَوَاصِلُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيُخَالَفُ بَيْنَهَا : كَأَوَائِلِ النَّحْلِ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِذِكْرِ الْأَفْلَاكِ فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ [ النَّحْلِ : 3 ] . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ خَلْقَ الْأَنْعَامِ ثُمَّ عَجَائِبَ النَّبَاتِ فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [ النَّحْلِ : 10 ، 11 ] . فَجَعَلَ مَقْطَعَ هَذِهِ الْآيَةِ التَّفَكُّرَ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِحُدُوثِ الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ النَّبَاتِ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ ، وَلَمَّا كَانَ هُنَا مَظِنَّةُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ طَبَائِعُ الْفُصُولِ وَحَرَكَاتُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَكَانَ الدَّلِيلُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ ، كَانَ مَجَالُ التَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ بَاقِيًا فَأَجَابَ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّ تَغَيُّرَاتِ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ مَرْبُوطَةٌ بِأَحْوَالِ الْأَفْلَاكِ فَتِلْكَ الْحَرَكَاتُ كَيْفَ حَصَلَتْ فَإِنْ كَانَ حُصُولُهَا بِسَبَبِ أَفْلَاكٍ أُخْرَى لَزِمَ التَّسَلْسُلُ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَالِقِ الْحَكِيمِ فَذَاكَ إِقْرَارٌ بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=12وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [ النَّحْلِ : 12 ] . فَجَعَلَ مَقْطَعَ هَذِهِ الْآيَةِ الْعَقْلَ وَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِنْ كُنْتَ عَاقِلًا فَاعْلَمْ أَنَّ التَّسَلْسُلَ بَاطِلٌ ، فَوَجَبَ انْتِهَاءُ الْحَرَكَاتِ إِلَى حَرَكَةٍ يَكُونُ مُوجِدُهَا غَيْرَ مُتَحَرِّكٍ وَهُوَ الْإِلَهُ الْقَادِرُ الْمُخْتَارُ .
وَالثَّانِي : أَنَّ نِسْبَةَ الْكَوَاكِبِ وَالطَّبَائِعِ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْوَرَقَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْحَبَّةِ الْوَاحِدَةِ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ إِنَّا نَرَى الْوَرَقَةَ الْوَاحِدَةَ مِنَ الْوَرْدِ أَحَدَ وَجْهَيْهَا فِي غَايَةِ الْحُمْرَةِ وَالْآخَرَ فِي غَايَةِ السَّوَادِ ، فَلَوْ كَانَ الْمُؤَثِّرُ مُوجَبًا بِالذَّاتِ لَامْتَنَعَ حُصُولُ هَذَا التَّفَاوُتِ فِي الْآثَارِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُؤَثِّرَ قَادِرٌ مُخْتَارٌ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=13وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [ النَّحْلِ : 13 ] . كَأَنَّهُ قِيلَ اذْكُرْ مَا تَرَسَّخَ فِي عَقْلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالذَّاتِ وَالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ تَأْثِيرُهُ ، فَإِذَا نَظَرْتَ حُصُولَ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَيْسَ هُوَ الطَّبَائِعَ ، بَلِ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ فَلِهَذَا جَعَلَ مَقْطَعَ الْآيَةِ التَّذَكُّرَ .
[ ص: 199 ] وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الْآيَاتِ ، فَإِنَّ الْأُولَى خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَالثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَالثَّالِثَةَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لِأَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي فِي الْآيَةِ الْأُولَى إِنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى تَرْكِهَا عَدَمُ الْعَقْلِ الْغَالِبِ عَلَى الْهَوَى ، لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ لِعَدَمِ اسْتِكْمَالِ الْعَقْلِ الدَّالِّ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَعَظَمَتِهِ ، وَكَذَلِكَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ لِسَبْقِ إِحْسَانِهِمَا إِلَى الْوَلَدِ بِكُلِّ طَرِيقٍ ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْأَوْلَادِ بِالْوَأْدِ مِنَ الْإِمْلَاقِ مَعَ وُجُودِ الرَّازِقِ الْحَيِّ الْكَرِيمِ ، وَكَذَلِكَ إِتْيَانُ الْفَوَاحِشِ لَا يَقْتَضِيهِ عَقْلٌ ، وَكَذَا قَتْلُ النَّفْسِ لِغَيْظٍ أَوْ غَضَبٍ فِي الْقَاتِلِ ، فَحَسُنَ بَعْدَ ذَلِكَ ( يَعْقِلُونَ ) .
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَتَعَلُّقُهَا بِالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ ، فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ أَيْتَامًا يَخْلُفُهُمْ مِنْ بَعْدِهِ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يُعَامِلَ أَيْتَامَ غَيْرِهِ إِلَّا بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ أَيْتَامُهُ . وَمَنْ يَكِيلُ أَوْ يَزِنُ أَوْ يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ لَهُ لَمْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِيَانَةٌ ، وَلَا بَخْسٌ ، وَكَذَا مَنْ وَعَدَ لَوْ وُعِدَ لَمْ يُحِبَّ أَنْ يُخْلَفَ ، وَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ عَامَلَ النَّاسَ لِيُعَامِلُوهُ بِمِثْلِهِ ، فَتَرْكُ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لِغَفْلَةٍ عَنْ تَدَبُّرِ ذَلِكَ وَتَأَمُّلِهِ ، فَذَلِكَ نَاسَبَ الْخَتْمَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ : لِأَنَّ تَرْكَ اتِّبَاعِ شَرَائِعِ اللَّهِ الدِّينِيَّةِ مُؤَدٍّ إِلَى غَضَبِهِ وَإِلَى عِقَابِهِ فَحَسُنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيْ : عِقَابَ اللَّهِ بِسَبَبِهِ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْأَنْعَامِ أَيْضًا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ الْآيَاتِ ، فَإِنَّهُ خَتَمَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَالثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=98لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ وَالثَّالِثَةَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَذَلِكَ لِأَنَّ حِسَابَ النُّجُومِ وَالِاهْتِدَاءَ بِهَا يَخْتَصُّ بِالْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ فَنَاسَبَ خَتْمَهُ بِ يَعْلَمُونَ ، وَإِنْشَاءَ الْخَلَائِقِ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَنَقْلَهُمْ مِنْ صُلْبٍ إِلَى رَحِمٍ ثُمَّ إِلَى الدُّنْيَا ، ثُمَّ إِلَى حَيَاةٍ وَمَوْتٍ ، وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَالْفِكْرُ فِيهِ أَدَقُّ فَنَاسَبَ خَتْمَهُ بِ يَفْقَهُونَ لِأَنَّ الْفِقْهَ فَهْمُ الْأَشْيَاءِ الدَّقِيقَةِ .
وَلَمَّا ذَكَرَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ سَعَةِ الْأَرْزَاقِ وَالْأَقْوَاتِ وَالثِّمَارِ وَأَنْوَاعِ ذَلِكَ ، نَاسَبَ خَتْمَهُ بِالْإِيمَانِ الدَّاعِي إِلَى شُكْرِهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=41وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=42وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [ الْحَاقَّةِ : 41 ، 42 ] .
[ ص: 200 ] حَيْثُ خَتَمَ الْأُولَى بِتُؤْمِنُونَ وَالثَّانِيَةَ بِتَذَكَّرُونَ .
وَوَجْهُهُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914مُخَالَفَةَ الْقُرْآنِ لِنَظْمِ الشِّعْرِ ظَاهِرَةٌ وَاضِحَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ : شِعْرٌ ، كُفْرٌ وَعِنَادٌ مَحْضٌ ، فَنَاسَبَ خَتْمَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=41قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28914مُخَالَفَتُهُ لِنَظْمِ الْكُهَّانِ وَأَلْفَاظِ السَّجْعِ فَتَحْتَاجُ إِلَى تَذَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَثْرٌ فَلَيْسَتْ مُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي وُضُوحِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ كَمُخَالَفَتِهِ الشِّعْرَ ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ بِتَدَبُّرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمَعَانِي الْأَنِيقَةِ ، فَحَسُنَ خَتْمُهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=42قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ .
وَمِنْ بَدِيعِ هَذَا النَّوْعِ
nindex.php?page=treesubj&link=28914اخْتِلَافُ الْفَاصِلَتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ ، وَالْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَاحِدٌ ، لِنُكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [ 34 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ثُمَّ قَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [ 18 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ قَالَ
ابْنُ الْمُنِيرِ : كَأَنَّهُ يَقُولُ إِذَا حَصَلَتِ النِّعَمُ الْكَثِيرَةُ فَأَنْتَ آخِذُهَا وَأَنَا مُعْطِيهَا ، فَحَصَلَ لَكَ عِنْدَ أَخْذِهَا وَصْفَانِ : كَوْنُكَ ظَلُومًا وَكَوْنُكَ كَفَّارًا : يَعْنِي لِعَدَمِ وَفَائِكَ بِشُكْرِهَا ، وَلِي عِنْدَ إِعْطَائِهَا وَصْفَانِ : وَهُمَا أَنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ، أُقَابِلُ ظُلْمَكَ بِغُفْرَانِي ، وَكُفْرَكَ بِرَحْمَتِي ، فَلَا أُقَابِلُ تَقْصِيرَكَ إِلَّا بِالتَّوْقِيرِ ، وَلَا أُجَازِي جَفَاكَ إِلَّا بِالْوَفَاءِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنَّمَا خَصَّ سُورَةَ إِبْرَاهِيمَ بِوَصْفِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ ، وَسُورَةَ النَّحْلِ بِوَصْفِ الْمُنْعِمِ ، لِأَنَّهُ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ فِي مَسَاقِ وَصْفِ الْإِنْسَانِ ، وَفِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي مَسَاقِ صِفَاتِ اللَّهِ وَإِثْبَاتِ أُلُوهِيَّتِهِ .
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ [ 15 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=15مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ وَفِي فُصِّلَتْ [ 46 ] خَتَمَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ قَبْلَ الْآيَةِ الْأُولَى
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=14قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ الْجَاثِيَةِ : 14 ] . فَنَاسَبَ الْخِتَامَ بِفَاصِلَةِ الْبَعْثِ ، لِأَنَّ قَبْلَهُ وَصْفَهُمْ بِإِنْكَارِهِ .
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَالْخِتَامُ بِمَا فِيهَا مُنَاسِبٌ أَنَّهُ لَا يُضِيعُ عَمَلًا صَالِحًا ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَنْ عَمِلَ سَيِّئًا .
[ ص: 201 ] وَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [ 48 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ثُمَّ أَعَادَهَا وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=116وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [ النِّسَاءِ : 116 ] . وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي
الْيَهُودِ ، وَهُمُ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِهِ ، وَالثَّانِيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ ، وَلَا كِتَابَ لَهُمْ وَضَلَالُهُمْ أَشَدُّ .
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي الْمَائِدَةِ [ 44 ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ثُمَّ أَعَادَهَا فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ الْمَائِدَةِ : 45 ] . ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ الْمَائِدَةِ : 47 ] . وَنُكْتَتُهُ أَنَّ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالثَّانِيَةَ فِي
الْيَهُودِ ، وَالثَّالِثَةَ فِي
النَّصَارَى .
وَقِيلَ : الْأُولَى فِيمَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَالثَّانِيَةُ فِيمَنْ خَالَفَ مَعَ عِلْمِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ ، وَالثَّالِثَةُ فِيمَنْ خَالَفَهُ جَاهِلًا .
وَقِيلَ : الْكَافِرُ وَالظَّالِمُ وَالْفَاسِقُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُفْرُ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ ، وَاجْتِنَابِ صُورَةِ التَّكْرَارِ .
وَعَكْسُ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28914اتِّفَاقُ الْفَاصِلَتَيْنِ وَالْمُحَدَّثُ عَنْهُ مُخْتَلِفٌ ، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ النُّورِ [ 58 ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=58يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=59كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=59كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ النُّورِ : 59 ] .
التَّنْبِيهُ الثَّانِي : مِنْ مُشْكِلَاتِ الْفَوَاصِلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ الْمَائِدَةِ : 118 ] . فَإِنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْفَاصِلَةُ الْغَفُورَ الرَّحِيمَ وَكَذَا نُقِلَتْ عَنْ مُصْحَفِ أُبَيٍّ ، وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ شَنْبُوذَ .
وَذُكِرَ فِي حِكْمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لِمَنْ اسْتَحَقَّ الْعَذَابَ إِلَّا مَنْ لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ حُكْمَهُ فَهُوَ الْعَزِيزُ : أَيِ : الْغَالِبُ وَالْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي يَضَعُ الشَّيْءَ فِي مَحَلِّهِ ، وَقَدْ يَخْفَى وَجْهُ الْحِكْمَةِ عَلَى بَعْضِ الضُّعَفَاءِ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ فَيَتَوَهَّمُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا وَلَيْسَ
[ ص: 202 ] كَذَلِكَ فَكَانَ فِي الْوَصْفِ بِالْحَكِيمِ احْتِرَاسٌ حَسَنٌ أَيْ : وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِمُ الْعَذَابَ فَلَا مُعْتَرَضَ عَلَيْكَ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ ، وَالْحِكْمَةُ فِيمَا فَعَلْتَهُ .
وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ [ 71 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَفِي سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ [ 5 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=5وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَفِي غَافِرٍ [ 8 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَفِي النُّورِ [ 10 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=10وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ فَإِنَّ بَادِئَ الرَّأْيِ يَقْتَضِي : تَوَّابٌ رَحِيمٌ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلتَّوْبَةِ : لَكِنْ عَبَّرَ بِهِ إِشَارَةً إِلَى فَائِدَةِ مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ وَحِكْمَتِهِ ، وَهِيَ السِّتْرُ عَنْ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْعَظِيمَةِ .
وَمِنْ خَفِيِّ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : [ 29 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَفِي آلِ عِمْرَانَ [ 29 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=29قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ إِلَى الذِّهْنِ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ الْخَتْمُ بِالْقُدْرَةِ وَفِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ الْخَتْمُ بِالْعِلْمِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ لَمَّا تَضَمَّنَتِ الْإِخْبَارَ عَنْ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا عَلَى حَسَبِ حَاجَاتِ أَهْلِهَا وَمَنَافِعِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ وَخَلْقِ السَّمَاوَاتِ خَلْقًا مُسْتَوِيًّا مُحْكَمًا مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَالْخَالِقُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا فَعَلَهُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا ، مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا ، نَاسَبَ خَتْمَهَا بِصِفَةِ الْعِلْمِ ، وَآيَةَ آلِ عِمْرَانَ لَمَّا كَانَتْ فِي سِيَاقِ الْوَعِيدِ عَلَى مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ ، وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْعِلْمِ فِيهَا كِنَايَةً عَنِ الْمُجَازَاةِ بِالْعِقَابِ وَالثَّوَابِ نَاسَبَ خَتْمَهَا بِصِفَةِ الْقُدْرَةِ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [ الْإِسْرَاءِ : 44 ] . فَالْخَتْمُ بِالْحِلْمِ وَالْمَغْفِرَةِ عَقِبَ تَسَابِيحِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ وَذُكِرَ فِي حِكْمَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا تُسَبِّحُ وَلَا عِصْيَانَ فِي حَقِّهَا وَأَنْتُمْ تَعْصُونَ ، خَتَمَ بِهِ مُرَاعَاةً لِلْمُقَدَّرِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ الْعِصْيَانُ ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :
لَوْلَا بَهَائِمُ رُتَّعٌ ، وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ ، وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ ، لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا ، وَلَرُصَّ رَصًّا [ ص: 203 ] وَقِيلَ : التَّقْدِيرُ حَلِيمًا عَنْ تَفْرِيطِ الْمُسَبِّحِينَ غَفُورًا لِذُنُوبِهِمْ . وَقِيلَ : حَلِيمًا عَنِ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ التَّسْبِيحَ ، بِإِهْمَالِهِمُ النَّظَرَ فِي الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ ، لِيَعْرِفُوا حَقَّهُ بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا أَوْدَعَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّا يُوجِبُ تَنْزِيهَهُ .
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ فِي الْفَوَاصِلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28914مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ ، كَقَوْلِهِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْغَضِّ فِي سُورَةِ النُّورِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقَوْلِهِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِجَابَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [ الْبَقَرَةِ : 186 ] . وَقِيلَ : فِيهِ تَعْرِيضٌ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، حَيْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِبَ ذِكْرِ رَمَضَانَ : أَيْ : لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا .