[ ص: 155 ] [
nindex.php?page=treesubj&link=28914الالتفات ]
الالتفات : نقل الكلام من أسلوب إلى آخر ، أعني : من المتكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى آخر منها بعد التعبير بالأول . وهذا هو المشهور . وقال
السكاكي : إما ذلك أو التعبير بأحدهما فيما حقه التعبير بغيره .
وله فوائد :
منها تطرية الكلام ، وصيانة السمع عن الضجر والملال ، لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات ، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد ، وهذه فائدته العامة . ويختص كل موضع بنكت ولطائف باختلاف محله كما سنبينه .
مثاله - من التكلم إلى الخطاب - : ووجهه حث السامع وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه ، وأعطاه فضل عناية تخصيص بالمواجهة ، قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون [ يس : 22 ] ، والأصل : ( وإليه أرجع ) ، فالتفت من التكلم إلى الخطاب ، ونكتته : أنه أخرج الكلام في معرض مناصحته لنفسه وهو يريد نصح قومه ، تلطفا وإعلاما أنه يريد لهم ما يريد لنفسه ، ثم التفت إليهم لكونه في مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله تعالى . كذا جعلوا هذه الآية من الالتفات ، وفيه نظر ؛ لأنه إنما يكون منه إذا قصد الإخبار عن نفسه في كلتا الجملتين ، وهنا ليس كذلك لجواز أن يريد بقوله ( ترجعون ) المخاطبين لا نفسه .
وأجيب : بأنه لو كان المراد ذلك لما صح الاستفهام الإنكاري ؛ لأن رجوع العبد إلى
[ ص: 156 ] مولاه ليس بمستلزم أن يعيده غير ذلك الراجع . فالمعنى : كيف لا أعبد من إليه رجوعي ، وإنما عدل عن : ( وإليه أرجع ) إلى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وإليه ترجعون ؛ لأنه داخل فيهم ، ومع ذلك أفاد فائدة حسنة ، وهي تنبيههم على أنه مثلهم في وجوب عبادة من إليه الرجوع .
من أمثلته أيضا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=71وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة [ الأنعام : 71 ، 72 ] . ومثاله - من التكلم إلى الغيبة - : ووجهه أن يفهم السامع أن هذا نمط المتكلم وقصده من السامع ؛ حضر أو غاب ، وأنه ليس في كلامه ممن يتلون ويتوجه ، ويبدي في الغيبة خلاف ما يبديه في الحضور - قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله [ الفتح : 1 ، 2 ] ، والأصل : ( لنغفر لك ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك [ الكوثر : 1 ، 2 ] ، والأصل : ( لنا ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك [ الدخان : 158 ] ، والأصل : ( منا ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158إني رسول الله إليكم جميعا [ الأعراف : 158 ] ، إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158فآمنوا بالله ورسوله [ الأعراف : 158 ] ، والأصل : ( وبي ) ، وعدل عنه لنكتتين : إحداهما دفع التهمة عن نفسه بالعصبية لها ، والأخرى : تنبيههم على استحقاقه الاتباع بما اتصف به من الصفات المذكورة والخصائص المتلوة .
ومثاله من الخطاب إلى التكلم لم يقع في القرآن ، ومثل له بعضهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=72فاقض ما أنت قاض [ طه : 72 ] ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=73إنا آمنا بربنا [ طه : 73 ] ، وهذا المثال لا يصح ؛ لأن شرط الالتفات أن يكون المراد به واحدا .
ومثاله من الخطاب إلى الغيبة :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم [ يونس : 22 ] ، والأصل : ( بكم ) ، ونكتة العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم ، التعجب من كفرهم وفعلهم ؛ إذ لو استمر على خطابهم لفاتت تلك الفائدة .
وقيل : لأن الخطاب أولا كان مع الناس مؤمنهم وكافرهم بدليل :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22هو الذي يسيركم في البر والبحر [ يونس : 22 ] ، فلو كان ( وجرين بكم ) للزم الذم للجميع ، فالتفت عن الأول
[ ص: 157 ] للإشارة إلى اختصاصه بهؤلاء الذين شأنهم ما ذكره عنهم في آخر الآية ، عدولا من الخطاب العام إلى الخاص .
قلت : ورأيت عن بعض السلف في توجيهه عكس ذلك ؛ وهو أن الخطاب أوله خاص وآخره عام . فأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16327عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، أنه قال في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم [ يونس : 22 ] ، قال : ذكر الحديث عنهم ثم حدث عن غيرهم ، ولم يقل : ( وجرين بكم ) ؛ لأنه قصد أن يجمعهم وغيرهم ، وجرين بهؤلاء وغيرهم من الخلق . هذه عبارته ، فلله در السلف ما كان أوقفهم على المعاني اللطيفة التي يدأب المتأخرون فيها زمانا طويلا ، ويفنون فيها أعمارهم ، ثم غايتهم أن يحوموا حول الحمى .
ومما ذكر في توجيهه أيضا أنهم وقت الركوب حضروا ، إلا أنهم خافوا الهلاك وغلبة الرياح فخاطبهم خطاب الحاضرين ، ثم لما جرت الرياح بما تشتهي السفن ، وأمنوا الهلاك لم يبق حضورهم كما كان ، على عادة الإنسان أنه إذا أمن غاب قلبه عن ربه ، فلما غابوا ذكرهم الله بصيغة الغيبة ، وهذه إشارة صوفية .
ومن أمثلته أيضا :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون [ الروم : 39 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون [ الحجرات : 7 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=70ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم ، والأصل : ( عليكم ) ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=71وأنتم فيها خالدون [ الزخرف : 70 ، 71 ] ، فكرر الالتفات .
ومثاله من الغيبة إلى التكلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=9والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه [ فاطر : 9 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وأوحى في كل سماء أمرها وزينا [ فصلت : 12 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1باركنا حوله لنريه من آياتنا ، ثم التفت ثانيا إلى الغيبة ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1إنه هو السميع البصير [ الإسراء : 1 ] ، وعلى قراءة
الحسن : ( ليريه ) بالغيبة يكون التفاتا ثانيا من ( باركنا ) ، وفي ( آياتنا ) التفات ثالث ، وفي ( إنه ) التفات رابع .
[ ص: 158 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وفائدته في هذه الآيات وأمثالها التنبيه على التخصيص بالقدرة ، وأنه لا يدخل تحت قدرة أحد .
ومثاله - من الغيبة إلى الخطاب - :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا [ مريم : 88 ، 89 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=6ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم [ الأنعام : 6 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء [ الإنسان : 21 ، 22 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك [ الأحزاب : 50 ] .
ومن محاسنه ما وقع في سورة الفاتحة : فإن العبد إذا ذكر الله وحده ثم ذكر صفاته ألقى كل صفة منها تبعث على شدة الإقبال ، وآخرها :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين المفيد أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء ، يجد من نفسه حاملا لا يقدر على دفعه على خطاب من هذه صفاته بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات .
وقيل : إنما اختير لفظ الغيبة للحمد ، وللعبادة الخطاب ، للإشارة إلى أن الحمد دون العبادة في الرتبة ؛ لأنك تحمد نظيره ولا تعبده ، فاستعمل لفظ ( الحمد ) مع الغيبة ، ولفظ ( العبادة ) مع الخطاب ، لينسب إلى العظيم حال المخاطبة والمواجهة ما هو أعلى رتبة ، وذلك على طريقة التأدب .
وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الذين أنعمت عليهم مصرحا بذكر المنعم وإسناد الإنعام إليه لفظا ، ولم يقل : ( صراط المنعم عليهم ) ، فلما صار إلى ذكر الغضب ذوى عنه لفظه ، فلم ينسبه إليه لفظا ، وجاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فلم يقل : ( غير الذين غضبت عليهم ) ؛ تفاديا عن نسبة الغضب إليه في اللفظ حال المواجهة .
وقيل : لأنه لما ذكر الحقيق بالحمد ، وأجرى عليه الصفات العظيمة من كونه ربا للعالمين ورحمانا ورحيما ومالكا ليوم الدين ، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن ، حقيق بأن يكون معبودا دون غيره ، مستعانا به ، فخوطب بذلك لتميزه بالصفات المذكورة تعظيما لشأنه ، حتى كأنه قيل : إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة لا غيرك .
قيل : ومن لطائفه التنبيه عن أن مبتدأ الخلق الغيبة منهم عنه سبحانه وتعالى ، وقصورهم عن محاضرته ومخاطبته ، وقيام حجاب العظمة عليهم ، فإذا عرفوه بما هو لهم ، وتوسلوا للقرب بالثناء عليه ، وأقروا بالمحامد له ، تعبدوا له بما يليق بهم ، وتأهلوا لمخاطبته
[ ص: 159 ] ومناجاته ، فقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين
[ ص: 155 ] [
nindex.php?page=treesubj&link=28914الِالْتِفَاتُ ]
الِالْتِفَاتُ : نَقْلُ الْكَلَامِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى آخَرَ ، أَعْنِي : مِنَ الْمُتَكَلِّمِ أَوِ الْخِطَابِ أَوِ الْغَيْبَةِ إِلَى آخَرَ مِنْهَا بَعْدَ التَّعْبِيرِ بِالْأَوَّلِ . وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ . وَقَالَ
السَّكَّاكِيُّ : إِمَّا ذَلِكَ أَوِ التَّعْبِيرُ بِأَحَدِهِمَا فِيمَا حَقُّهُ التَّعْبِيرُ بِغَيْرِهِ .
وَلَهُ فَوَائِدُ :
مِنْهَا تَطْرِيَةُ الْكَلَامِ ، وَصِيَانَةُ السَّمْعِ عَنِ الضَّجَرِ وَالْمَلَالِ ، لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ حُبِّ التَّنَقُّلَاتِ ، وَالسَّآمَةِ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ ، وَهَذِهِ فَائِدَتُهُ الْعَامَّةُ . وَيَخْتَصُّ كُلُّ مَوْضِعٍ بِنُكَتٍ وَلِطَائِفَ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّهِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ .
مِثَالُهُ - مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْخِطَابِ - : وَوَجْهُهُ حَثُّ السَّامِعِ وَبَعْثُهُ عَلَى الِاسْتِمَاعِ حَيْثُ أَقْبَلَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَيْهِ ، وَأَعْطَاهُ فَضْلَ عِنَايَةِ تَخْصِيصٍ بِالْمُوَاجَهَةِ ، قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ يس : 22 ] ، وَالْأَصْلُ : ( وَإِلَيْهِ أَرْجِعُ ) ، فَالْتَفَتَ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْخِطَابِ ، وَنُكْتَتُهُ : أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ فِي مَعْرِضِ مُنَاصَحَتِهِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يُرِيدُ نُصْحَ قَوْمِهِ ، تَلَطُّفًا وَإِعْلَامًا أَنَّهُ يُرِيدُ لَهُمْ مَا يُرِيدُ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِ فِي مَقَامِ تَخْوِيفِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . كَذَا جَعَلُوا هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الِالْتِفَاتِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ إِذَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ نَفْسِهِ فِي كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ ( تُرْجَعُونَ ) الْمُخَاطَبِينَ لَا نَفْسَهُ .
وَأُجِيبُ : بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَمَا صَحَّ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ ؛ لَأَنَّ رُجُوعَ الْعَبْدِ إِلَى
[ ص: 156 ] مَوْلَاهُ لَيْسَ بِمُسْتَلْزِمٍ أَنْ يُعِيدَهُ غَيْرُ ذَلِكَ الرَّاجِعِ . فَالْمَعْنَى : كَيْفَ لَا أَعْبُدُ مَنْ إِلَيْهِ رُجُوعِي ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ : ( وَإِلَيْهِ أَرْجِعُ ) إِلَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِمْ ، وَمَعَ ذَلِكَ أَفَادَ فَائِدَةً حَسَنَةً ، وَهِيَ تَنْبِيهُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِثْلَهُمْ فِي وُجُوبِ عِبَادَةِ مَنْ إِلَيْهِ الرُّجُوعُ .
مِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=71وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ [ الْأَنْعَامِ : 71 ، 72 ] . وَمِثَالُهُ - مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ - : وَوَجْهُهُ أَنْ يَفْهَمَ السَّامِعُ أَنَّ هَذَا نَمَطُ الْمُتَكَلِّمِ وَقَصْدُهُ مِنَ السَّامِعِ ؛ حَضَرَ أَوْ غَابَ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مِمَّنْ يَتَلَوَّنُ وَيَتَوَجَّهُ ، وَيُبْدِي فِي الْغَيْبَةِ خِلَافَ مَا يُبْدِيهِ فِي الْحُضُورِ - قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ [ الْفَتْحِ : 1 ، 2 ] ، وَالْأَصْلُ : ( لِنَغْفِرَ لَكَ ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ [ الْكَوْثَرِ : 1 ، 2 ] ، وَالْأَصْلُ : ( لَنَا ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [ الدُّخَانِ : 158 ] ، وَالْأَصْلُ : ( مِنَّا ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [ الْأَعْرَافِ : 158 ] ، إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ الْأَعْرَافِ : 158 ] ، وَالْأَصْلُ : ( وَبِي ) ، وَعَدَلَ عَنْهُ لِنُكْتَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا دَفْعُ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَصَبِيَّةِ لَهَا ، وَالْأُخْرَى : تَنْبِيهُهُمْ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الِاتِّبَاعَ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَالْخَصَائِصِ الْمَتْلُوَّةِ .
وَمِثَالُهُ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى التَّكَلُّمِ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ ، وَمَثَّلَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=72فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [ طَه : 72 ] ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=73إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا [ طَه : 73 ] ، وَهَذَا الْمِثَالُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِالْتِفَاتِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ وَاحِدًا .
وَمِثَالُهُ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [ يُونُسَ : 22 ] ، وَالْأَصْلُ : ( بِكُمْ ) ، وَنُكْتَةُ الْعُدُولِ عَنْ خِطَابِهِمْ إِلَى حِكَايَةِ حَالِهِمْ لِغَيْرِهِمْ ، التَّعَجُّبُ مِنْ كُفْرِهِمْ وَفِعْلِهِمْ ؛ إِذْ لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى خِطَابِهِمْ لَفَاتَتْ تِلْكَ الْفَائِدَةُ .
وَقِيلَ : لِأَنَّ الْخِطَابَ أَوَّلًا كَانَ مَعَ النَّاسِ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ بِدَلِيلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [ يُونُسَ : 22 ] ، فَلَوْ كَانَ ( وَجَرَيْنَ بِكُمْ ) لَلَزِمَ الذَّمُّ لِلْجَمِيعِ ، فَالْتَفَتَ عَنِ الْأَوَّلِ
[ ص: 157 ] لِلْإِشَارَةِ إِلَى اخْتِصَاصِهِ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَأْنُهُمْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُمْ فِي آخِرِ الْآيَةِ ، عُدُولًا مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ إِلَى الْخَاصِّ .
قُلْتُ : وَرَأَيْتُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي تَوْجِيهِهِ عَكْسَ ذَلِكَ ؛ وَهُوَ أَنَّ الْخِطَابَ أَوَّلُهُ خَاصٌّ وَآخِرُهُ عَامٌّ . فَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16327عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [ يُونُسَ : 22 ] ، قَالَ : ذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ غَيْرِهِمْ ، وَلَمْ يَقُلْ : ( وَجَرَيْنَ بِكُمْ ) ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْمَعَهُمْ وَغَيْرَهُمْ ، وَجَرَيْنَ بِهَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْخُلُقِ . هَذِهِ عِبَارَتُهُ ، فَلِلَّهِ دَرُّ السَّلَفِ مَا كَانَ أَوْقَفَهُمْ عَلَى الْمَعَانِي اللَّطِيفَةِ الَّتِي يَدْأَبُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهَا زَمَانًا طَوِيلًا ، وَيَفْنُونَ فِيهَا أَعْمَارَهُمْ ، ثُمَّ غَايَتُهُمْ أَنْ يَحُومُوا حَوْلَ الْحِمَى .
وَمِمَّا ذُكِرَ فِي تَوْجِيهِهِ أَيْضًا أَنَّهُمْ وَقْتَ الرُّكُوبِ حَضَرُوا ، إِلَّا أَنَّهُمْ خَافُوا الْهَلَاكَ وَغَلَبَةَ الرِّيَاحِ فَخَاطَبَهُمْ خِطَابَ الْحَاضِرِينَ ، ثُمَّ لَمَّا جَرَتِ الرِّيَاحُ بِمَا تَشْتَهِي السُّفُنُ ، وَأَمِنُوا الْهَلَاكَ لَمْ يَبْقَ حُضُورُهُمْ كَمَا كَانَ ، عَلَى عَادَةِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ إِذَا أَمِنَ غَابَ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ ، فَلَمَّا غَابُوا ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِصِيغَةِ الْغَيْبَةِ ، وَهَذِهِ إِشَارَةٌ صُوفِيَّةٌ .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [ الرُّومِ : 39 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [ الْحُجُرَاتِ : 7 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=70ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ ، وَالْأَصْلُ : ( عَلَيْكُمْ ) ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=71وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ الزُّخْرُفِ : 70 ، 71 ] ، فَكَرَّرَ الِالْتِفَاتَ .
وَمِثَالُهُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=9وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ [ فَاطِرٍ : 9 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا [ فُصِّلَتْ : 12 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ، ثُمَّ الْتَفَتَ ثَانِيًا إِلَى الْغَيْبَةِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ الْإِسْرَاءِ : 1 ] ، وَعَلَى قِرَاءَةِ
الْحَسَنِ : ( لِيُرِيَهُ ) بِالْغِيبَةِ يَكُونُ الْتِفَاتًا ثَانِيًا مَنْ ( بَارَكْنَا ) ، وَفِي ( آيَاتِنَا ) الْتِفَاتٌ ثَالِثٌ ، وَفِي ( إِنَّهُ ) الْتِفَاتٌ رَابِعٌ .
[ ص: 158 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَفَائِدَتُهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَأَمْثَالِهَا التَّنْبِيهُ عَلَى التَّخْصِيصِ بِالْقُدْرَةِ ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ أَحَدٍ .
وَمِثَالُهُ - مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا [ مَرْيَمَ : 88 ، 89 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=6أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ [ الْأَنْعَامِ : 6 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً [ الْإِنْسَانِ : 21 ، 22 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ [ الْأَحْزَابِ : 50 ] .
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ مَا وَقَعَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ : فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ وَحْدَهُ ثُمَّ ذَكَرَ صِفَاتَهُ أَلْقَى كُلَّ صِفَةٍ مِنْهَا تَبْعَثُ عَلَى شِدَّةِ الْإِقْبَالِ ، وَآخِرُهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الْمُفِيدُ أَنَّهُ مَالِكُ الْأَمْرِ كُلِّهِ فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ ، يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ حَامِلًا لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عَلَى خِطَابِ مَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ بِتَخْصِيصِهِ بِغَايَةِ الْخُضُوعِ وَالِاسْتِعَانَةِ فِي الْمُهِمَّاتِ .
وَقِيلَ : إِنَّمَا اخْتِيرَ لَفْظُ الْغِيبَةِ لِلْحَمْدِ ، وَلِلْعِبَادَةِ الْخِطَابُ ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْحَمْدَ دُونَ الْعِبَادَةِ فِي الرُّتْبَةِ ؛ لِأَنَّكَ تَحْمَدُ نَظِيرَهُ وَلَا تَعْبُدُهُ ، فَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ ( الْحَمْدِ ) مَعَ الْغَيْبَةِ ، وَلَفْظَ ( الْعِبَادَةِ ) مَعَ الْخِطَابِ ، لِيَنْسِبَ إِلَى الْعَظِيمِ حَالَ الْمُخَاطَبَةِ وَالْمُوَاجِهَةِ مَا هُوَ أَعْلَى رُتْبَةً ، وَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّأَدُّبِ .
وَعَلَى نَحْوٍ مَنْ ذَلِكَ جَاءَ آخِرُ السُّورَةِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مُصَرِّحًا بِذِكْرِ الْمُنْعِمِ وَإِسْنَادِ الْإِنْعَامِ إِلَيْهِ لَفْظًا ، وَلَمْ يُقَلْ : ( صِرَاطَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ ) ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى ذِكْرِ الْغَضَبِ ذَوَى عَنْهُ لَفْظَهُ ، فَلَمْ يَنْسِبْهُ إِلَيْهِ لَفْظًا ، وَجَاءَ بِاللَّفْظِ مُنْحَرِفًا عَنْ ذِكْرِ الْغَاضِبِ فَلَمْ يَقُلْ : ( غَيْرِ الَّذِينَ غَضِبْتَ عَلَيْهِمْ ) ؛ تَفَادِيًا عَنْ نِسْبَةِ الْغَضَبِ إِلَيْهِ فِي اللَّفْظِ حَالَ الْمُوَاجَهَةِ .
وَقِيلَ : لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْحَقِيقَ بِالْحَمْدِ ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ الصِّفَاتِ الْعَظِيمَةَ مِنْ كَوْنِهِ رَبًّا لِلْعَالِمِينَ وَرَحْمَانًا وَرَحِيمًا وَمَالِكًا لِيَوْمِ الدِّينِ ، تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِمَعْلُومٍ عَظِيمِ الشَّأْنِ ، حَقِيقٍ بِأَنْ يَكُونَ مَعْبُودًا دُونَ غَيْرِهِ ، مُسْتَعَانًا بِهِ ، فَخُوطِبَ بِذَلِكَ لِتَمَيُّزِهِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ : إِيَّاكَ يَا مَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ نَخُصُّ بِالْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ لَا غَيْرَكَ .
قِيلَ : وَمِنْ لِطَائِفِهِ التَّنْبِيهُ عَنْ أَنَّ مُبْتَدَأَ الْخَلْقِ الْغَيْبَةُ مِنْهُمْ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَقُصُورُهُمْ عَنْ مُحَاضَرَتِهِ وَمُخَاطَبَتِهِ ، وَقَيَامُ حِجَابِ الْعَظَمَةِ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا عَرَفُوهُ بِمَا هُوَ لَهُمْ ، وَتَوَسَّلُوا لِلْقُرْبِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَأَقَرُّوا بِالْمَحَامِدِ لَهُ ، تَعَبَّدُوا لَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ ، وَتَأَهَّلُوا لِمُخَاطَبَتِهِ
[ ص: 159 ] وَمُنَاجَاتِهِ ، فَقَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ