( الفائدة الثالثة من
nindex.php?page=treesubj&link=24774فوائد الطهارة الذاتية ) : تكريم المسلم نفسه في نفسه وفي أهله وقومه الذين يعيش معهم ، كما يكرمها ويزينها لأجل غشيان بيوت الله تعالى للعبادة ، بهداية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ( 7 : 31 ) ومن كان نظيف البدن والثياب كان أهلا لحضور كل اجتماع ، وللقاء فضلاء الناس وشرفائهم ، ويتبع ذلك أنه يرى نفسه أهلا لكل كرامة يكرم بها الناس ، وأما من يعتاد الوسخ والقذارة فإنه يكون محتقرا عند كرام الناس ، لا يعدونه أهلا لأن يلقاهم ويحضر مجالسهم ، ويشعر هو في نفسه بالضعة والهوان . ومن دقق النظر في طبائع النفوس وأخلاق البشر رأى بين طهارة الظاهر وطهارة الباطن ، أو طهارة الجسد واللباس ، وطهارة النفس وكرامتها ، ارتباطا وتلازما .
والطهارة في الآية تشمل الأمرين معا ، كما تقدم ، وكل منهما يكون عونا للآخر ، كما أن التنطع والإسراف في أي واحدة منهما يشغل عن الأخرى . وهذا هو سبب عدم عناية بعض الزهاد والعباد بنظافة الظاهر ، وعدم عناية الموسوسين المتنطعين في نظافة الظاهر بنظافة
[ ص: 218 ] الباطن ، والإسلام وسط بينهما ، يأمر بالجمع بين الأمرين منهما ، وإن اشتبه ذلك على بعض المحققين حتى هونوا أمر نظافة الظاهر في بعض كتبهم ، مع ذكرهم لأدلتها في تلك الكتب ، والله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ( 2 : 143 ) ولأجل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919399الطهور شطر الإيمان " رواه
أحمد ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث
أبي مالك الأشعري ، وله تتمة ، وذلك أن الإنسان مركب من جسد ونفس ، وكماله إنما يكون بنظافة بدنه ، وتزكية نفسه ; فالطهور الحسي هو الشطر الأول الخاص بالجسد ، وتزكية النفس بسائر العبادات هو الشطر الثاني ، وبكلتيهما يكمل الإيمان بالأعمال المترتبة عليه .
ويؤيد ذلك ما ورد من تأكيد
nindex.php?page=treesubj&link=283_969الأمر بالغسل يوم الجمعة والطيب ، ولبس الثياب النظيفة ; لأنه يوم عيد الأسبوع ، يجتمع الناس فيه على عبادة الله تعالى ، فيطلب فيه ما يطلب في عيدي السنة ، وورد في أسباب الأمر بالغسل فيه خاصة أن بعض الصحابة كانوا يتركون فيه أعمالهم قبيل وقت الصلاة ، فتشم رائحة العرق منهم ، ولا تكون أبدانهم نظيفة ، وفي بعض هذه الروايات أنهم كانوا يلبسون الصوف ، فإذا عرقوا علت رائحته حتى شمها النبي صلى الله عليه وسلم مرة وهو يخطب ، فكان يأمرهم بالغسل والطيب والثياب النظيفة لأجل هذا ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره . وقد روى
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري ومسلم وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من عدة طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919400غسل الجمعة واجب على كل محتلم " ؛ أي بالغ مكلف . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم القول بوجوب غسل الجمعة عن
عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وعمرو بن سليم وعطاء وكعب nindex.php?page=showalam&ids=15243والمسيب بن رافع nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد ، ولكن المالكية والشافعية على كونه سنة مؤكدة ، والوجوب قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم ، ورواية عنه في الجديد ، وعارض القائلون بأنه سنة حديث الوجوب بما يدل على أن المراد به التأكيد لصحة صلاة الجمعة ممن توضأ فقط ، وقال الظاهرية : إنه واجب لليوم ، وليس شرطا لصحة صلاتها ، وقال
ابن القيم : إن أدلة وجوبه أقوى من أدلة وجوب الوضوء من لمس المرأة ومس الفرج والقيء والدم .
( الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24774فَوَائِدِ الطَّهَارَةِ الذَّاتِيَّةِ ) : تَكْرِيمُ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ الَّذِينَ يَعِيشُ مَعَهُمْ ، كَمَا يُكْرِمُهَا وَيُزَيِّنُهَا لِأَجْلِ غَشَيَانِ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِبَادَةِ ، بِهِدَايَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) ( 7 : 31 ) وَمَنْ كَانَ نَظِيفَ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ كَانَ أَهْلًا لِحُضُورِ كُلِّ اجْتِمَاعٍ ، وَلِلِقَاءِ فُضَلَاءِ النَّاسِ وَشُرَفَائِهِمْ ، وَيَتْبَعُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِكُلِّ كَرَامَةٍ يُكْرَمُ بِهَا النَّاسُ ، وَأَمَّا مَنْ يَعْتَادُ الْوَسَخَ وَالْقَذَارَةَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُحْتَقَرًا عِنْدَ كِرَامِ النَّاسِ ، لَا يَعُدُّونَهُ أَهْلًا لِأَنْ يَلْقَاهُمْ وَيَحْضُرَ مَجَالِسَهُمْ ، وَيَشْعُرُ هُوَ فِي نَفْسِهِ بِالضَّعَةِ وَالْهَوَانِ . وَمَنْ دَقَّقَ النَّظَرَ فِي طَبَائِعِ النُّفُوسِ وَأَخْلَاقِ الْبَشَرِ رَأَى بَيْنَ طَهَارَةِ الظَّاهِرِ وَطَهَارَةِ الْبَاطِنِ ، أَوْ طَهَارَةِ الْجَسَدِ وَاللِّبَاسِ ، وَطَهَارَةِ النَّفْسِ وَكَرَامَتِهَا ، ارْتِبَاطًا وَتَلَازُمًا .
وَالطَّهَارَةُ فِي الْآيَةِ تَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ عَوْنًا لِلْآخَرِ ، كَمَا أَنَّ التَّنَطُّعَ وَالْإِسْرَافَ فِي أَيِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَشْغَلُ عَنِ الْأُخْرَى . وَهَذَا هُوَ سَبَبُ عَدَمِ عِنَايَةِ بَعْضِ الزُّهَّادِ وَالْعُبَّادِ بِنَظَافَةِ الظَّاهِرِ ، وَعَدَمِ عِنَايَةِ الْمُوَسْوَسِينَ الْمُتَنَطِّعِينَ فِي نَظَافَةِ الظَّاهِرِ بِنَظَافَةِ
[ ص: 218 ] الْبَاطِنِ ، وَالْإِسْلَامُ وَسَطٌ بَيْنَهُمَا ، يَأْمُرُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا ، وَإِنِ اشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ حَتَّى هَوَّنُوا أَمْرَ نَظَافَةِ الظَّاهِرِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ ، مَعَ ذِكْرِهِمْ لِأَدِلَّتِهَا فِي تِلْكَ الْكُتُبِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) ( 2 : 143 ) وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919399الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ ، وَلَهُ تَتِمَّةٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ جَسَدٍ وَنَفْسٍ ، وَكَمَالُهُ إِنَّمَا يَكُونُ بِنَظَافَةِ بَدَنِهِ ، وَتَزْكِيَةِ نَفْسِهِ ; فَالطَّهُورُ الْحِسِّيُّ هُوَ الشَّطْرُ الْأَوَّلُ الْخَاصُّ بِالْجَسَدِ ، وَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ هُوَ الشَّطْرُ الثَّانِي ، وَبِكِلْتَيْهِمَا يَكْمُلُ الْإِيمَانُ بِالْأَعْمَالِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ .
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ تَأْكِيدِ
nindex.php?page=treesubj&link=283_969الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالطِّيبِ ، وَلِبْسِ الثِّيَابِ النَّظِيفَةِ ; لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدِ الْأُسْبُوعِ ، يَجْتَمِعُ النَّاسُ فِيهِ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَيُطْلَبُ فِيهِ مَا يُطْلَبُ فِي عِيدَيِ السَّنَةِ ، وَوَرَدَ فِي أَسْبَابِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ فِيهِ خَاصَّةً أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَتْرُكُونَ فِيهِ أَعْمَالَهُمْ قُبَيْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ ، فَتُشَمُّ رَائِحَةُ الْعَرَقِ مِنْهُمْ ، وَلَا تَكُونُ أَبْدَانُهُمْ نَظِيفَةً ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ الصُّوفَ ، فَإِذَا عَرِقُوا عَلَتْ رَائِحَتُهُ حَتَّى شَمَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَهُوَ يَخْطُبُ ، فَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالْغُسْلِ وَالطِّيبِ وَالثِّيَابِ النَّظِيفَةِ لِأَجْلِ هَذَا ، رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ . وَقَدْ رَوَى
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919400غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " ؛ أَيْ بَالِغٍ مُكَلَّفٍ . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ عَنْ
عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=44وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=37وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ وَعَطَاءٍ وَكَعْبٍ nindex.php?page=showalam&ids=15243وَالْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، وَلَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ عَلَى كَوْنِهِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً ، وَالْوُجُوبُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ ، وَرِوَايَةٌ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ ، وَعَارَضَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ حَدِيثَ الْوُجُوبِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّأْكِيدَ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ تَوَضَّأَ فَقَطْ ، وَقَالَ الظَّاهِرِيَّةُ : إِنَّهُ وَاجِبٌ لِلْيَوْمِ ، وَلَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاتِهَا ، وَقَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ : إِنَّ أَدِلَّةَ وُجُوبِهِ أَقْوَى مِنْ أَدِلَّةِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ لَمْسِ الْمَرْأَةِ وَمَسِّ الْفَرْجِ وَالْقَيْءِ وَالدَّمِ .