( الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=33217لحم الخنزير ) وحكمة تحريمه ما فيه من الضرر ، وكونه مما يستقذر أيضا ، وإن كان استقذاره ليس لذاته كالميتة والدم ، بل هو خاص بمن يتذكر ملازمته للقاذورات ورغبته فيها ; ولهذا المعنى ورد النهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=16873_16874_16871أكل الجلالة وشرب لبنها ، وهي التي تأكل العذرة والجلة ، أي البعر ( والجلالة صيغة مبالغة ، وهي كالجلة بفتح الجيم وتشديد اللام ) فروى
أحمد وأصحاب السنن الثلاثة ، وصححه
الترمذي منهم ، كما صححه
البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919279نهى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة " وروي بلفظ : " وعن أكل الجلالة وشرب ألبانها " وصححه
ابن دقيق العيد ، وروى
أحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مثله ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919280نهى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها . وقد اختلف في وصله وإرساله ، واختلف العلماء في النهي عن الجلالة من الأنعام وغيرها ; كالدجاج والأوز ، هل العبرة بعلفها قلة وكثرة ، أم العبرة برائحة لحمها ؟ وهل النهي للتحريم أم للكراهة ؟ وقال بعض أئمة الفقه : لا تؤكل حتى تحبس عن أكل القذر أياما ، واختلفوا في مدة الحبس ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يحبس الدجاجة ثلاثا ، ولم ير بأكلها بأسا ، والغرض من هذا ، أن الإسلام طيب أحل الطيبات ، وحرم الخبائث ، وبالغ في أمر النظافة ، فلا غرو إذا عد أكل الخنزير للقاذورات علة أو حكمة من علل تحريم لحمه أو حكمها وإن لم يترتب عليه ضرر ، فكيف إذا ترتب عليه ضرر عظيم ؟
[ ص: 113 ] وأما كون أكل لحم الخنزير ضارا فهو مما يثبته الطب الحديث . وجل ضرره ناشئ من أكله للقاذورات ، فمنه أنه يولد الديدان الشريطية ، كالدودة الوحيدة نعوذ بالله منها ، وسبب سريان ذلك إليه أكل العذرة ، ومنه أنه يولد دودة أخرى يسميها الأطباء الشعرة الحلزونية ، وهي تسري إلى الخنزير من أكل الفيران الميتة ; ومنه أن لحمه أعسر اللحوم هضما لكثرة الشحم في أليافه العضلية ، وقد تحول الأنسجة الدهنية التي فيه دون عصير المعدة ، فيعسر هضم المواد الزلالية للعضلات ، فتتعب معدة آكله ، ويشعر بثقل في بطنه واضطراب في قلبه ، فإن ذرعه القيء فقذف هذه المواد الخبيثة ، وإلا تهيجت الأمعاء وأصيب بالإسهال ، ولولا العادة التي تسهل على كثير من الناس تناول السموم أكلا وشربا وتدخينا ، ولولا ما يعالجون به لحم الخنزير ; لتخفيف ضرره - لما أمكن الناس أن يأكلوه ، ولا سيما أهل البلاد الحارة ، ومن أراد أن يعرف كنه الضرر الذي ذكرناه مفصلا بعض التفصيل فليراجع المجلد السادس من المنار ( ص 302 - 308 ) .
فإن قلت : إن آية الأنعام عللت تحريم أكل لحم الخنزير بكونه رجسا ، فهل معنى ذلك أكله للقذر ، أم ما فيه من الضرر ؟ فاعلم أن لفظ " الرجس " يطلق على كل ضار مستقبح حسا أو معنى ، فيسمى النجس رجسا ، ويسمى الضار رجسا ، ومن الأخير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ( 5 : 90 ) فتعليل آية الأنعام يشمل الأمرين اللذين ذكرناهما معا ، فهي من إيجاز القرآن الذي لا يصل الناس إلى شرحه وتفصيله ، إلا باتساع دائرة علومهم وتجاربهم .
( الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=33217لَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) وَحِكْمَةُ تَحْرِيمِهِ مَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يُسْتَقْذَرُ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ اسْتِقْذَارُهُ لَيْسَ لِذَاتِهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ، بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِمَنْ يَتَذَكَّرُ مُلَازَمَتَهُ لِلْقَاذُورَاتِ وَرَغْبَتَهُ فِيهَا ; وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16873_16874_16871أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبِ لَبَنِهَا ، وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَالْجُلَّةَ ، أَيِ الْبَعْرَ ( وَالْجَلَّالَةُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ ، وَهِيَ كَالْجُلَّةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ ) فَرَوَى
أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ ، وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ مِنْهُمْ ، كَمَا صَحَّحَهُ
الْبَيْهَقِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919279نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُرْبِ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ " وَرُوِيَ بِلَفْظِ : " وَعَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبِ أَلْبَانِهَا " وَصَحَّحَهُ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ، وَرَوَى
أَحْمَدُ ،
وَأَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ ، قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919280نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْجَلَّالَةِ مِنَ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا ; كَالدَّجَاجِ وَالْأَوِزِّ ، هَلِ الْعِبْرَةُ بِعَلَفِهَا قِلَّةً وَكَثْرَةً ، أَمِ الْعِبْرَةُ بِرَائِحَةِ لَحْمِهَا ؟ وَهَلِ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ أَمْ لِلْكَرَاهَةِ ؟ وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ : لَا تُؤْكَلُ حَتَّى تُحْبَسَ عَنْ أَكْلِ الْقَذَرِ أَيَّامًا ، وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ ثَلَاثًا ، وَلَمْ يَرَ بِأَكْلِهَا بَأْسًا ، وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا ، أَنَّ الْإِسْلَامَ طَيِّبٌ أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ ، وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ ، وَبَالَغَ فِي أَمْرِ النَّظَافَةِ ، فَلَا غَرْوَ إِذَا عَدَّ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ لِلْقَاذُورَاتِ عِلَّةً أَوْ حِكْمَةً مِنْ عِلَلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ أَوْ حِكَمِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ ، فَكَيْفَ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ ؟
[ ص: 113 ] وَأَمَّا كَوْنُ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ ضَارًّا فَهُوَ مِمَّا يُثْبِتُهُ الطِّبُّ الْحَدِيثُ . وَجُلُّ ضَرَرِهِ نَاشِئٌ مِنْ أَكْلِهِ لِلْقَاذُورَاتِ ، فَمِنْهُ أَنَّهُ يُوَلِّدُ الدِّيدَانَ الشَّرِيطِيَّةِ ، كَالدُّودَةِ الْوَحِيدَةِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا ، وَسَبَبُ سَرَيَانِ ذَلِكَ إِلَيْهِ أَكْلُ الْعَذِرَةِ ، وَمِنْهُ أَنَّهُ يُوَلِّدُ دُودَةً أُخْرَى يُسَمِّيهَا الْأَطِبَّاءُ الشَّعْرَةَ الْحَلَزُونِيَّةَ ، وَهِيَ تَسْرِي إِلَى الْخِنْزِيرِ مِنْ أَكْلِ الْفِيرَانِ الْمَيِّتَةِ ; وَمِنْهُ أَنَّ لَحْمَهُ أَعْسَرُ اللُّحُومِ هَضْمًا لِكَثْرَةِ الشَّحْمِ فِي أَلْيَافِهِ الْعَضَلِيَّةِ ، وَقَدْ تَحُولُ الْأَنْسِجَةُ الدُّهْنِيَّةُ الَّتِي فِيهِ دُونَ عَصِيرِ الْمَعِدَةِ ، فَيَعْسُرُ هَضْمُ الْمَوَادِّ الزُّلَالِيَّةِ لِلْعَضَلَاتِ ، فَتَتْعَبُ مَعِدَةُ آكِلِهِ ، وَيَشْعُرُ بِثِقَلٍ فِي بَطْنِهِ وَاضْطِرَابٍ فِي قَلْبِهِ ، فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَقَذَفَ هَذِهِ الْمَوَادَّ الْخَبِيثَةَ ، وَإِلَّا تَهَيَّجَتِ الْأَمْعَاءُ وَأُصِيبَ بِالْإِسْهَالِ ، وَلَوْلَا الْعَادَةُ الَّتِي تُسَهِّلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ تَنَاوُلَ السُّمُومِ أَكْلًا وَشُرْبًا وَتَدْخِينًا ، وَلَوْلَا مَا يُعَالِجُونَ بِهِ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ ; لِتَخْفِيفِ ضَرَرِهِ - لَمَا أَمْكَنَ النَّاسَ أَنْ يَأْكُلُوهُ ، وَلَا سِيَّمَا أَهْلُ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ كُنْهَ الضَّرَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُفَصَّلًا بَعْضَ التَّفْصِيلِ فَلْيُرَاجِعِ الْمُجَلَّدَ السَّادِسَ مِنَ الْمَنَارِ ( ص 302 - 308 ) .
فَإِنْ قُلْتَ : إِنْ آيَةَ الْأَنْعَامِ عَلَّلَتْ تَحْرِيمَ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ بِكَوْنِهِ رِجْسًا ، فَهَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَكْلُهُ لِلْقَذَرِ ، أَمْ مَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ " الرِّجْسِ " يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ ضَارِّ مُسْتَقْبَحٍ حِسًّا أَوْ مَعْنًى ، فَيُسَمَّى النَّجَسُ رِجْسًا ، وَيُسَمَّى الضَّارُّ رِجْسًا ، وَمِنَ الْأَخِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ( 5 : 90 ) فَتَعْلِيلُ آيَةِ الْأَنْعَامِ يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا مَعًا ، فَهِيَ مِنْ إِيجَازِ الْقُرْآنِ الَّذِي لَا يَصِلُ النَّاسُ إِلَى شَرْحِهِ وَتَفْصِيلِهِ ، إِلَّا بِاتِّسَاعِ دَائِرَةِ عُلُومِهِمْ وَتَجَارِبِهِمْ .