[ ص: 195 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=67وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68ولهديناهم صراطا مستقيما .
الكلام متصل بما سبق والسياق لم ينته ، والمروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد أن
nindex.php?page=treesubj&link=28975قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم عائد للمنافقين الذين سبق القول فيهم ، ومن كان مثلهم فله حكمهم ، إذ الأحكام ليست منوطة بذوات المكلفين وشخوصهم ، بل بصفاتهم وأعمالهم ، أي : لو أمرناهم بقتل أنفسهم أي بتعريضها للقتل المحقق أو المظنون ظنا راجحا ، وقيل : قتلها هو الانتحار ، كما قيل مثل هذا في أمر
بني إسرائيل بقتل أنفسهم توبة إلى ربهم من عبادة العجل ، أو قلنا لهم : اخرجوا من دياركم أي : أوطانكم وهاجروا إلى بلاد أخرى ما فعلوه أي : المأمور به من القتل والهجرة من الوطن إلا قليل منهم هذه قراءة الجمهور ، وقرأ
ابن عامر " قليلا " بالنصب ، قالوا : وكذا هو في مصاحف
أهل الشام ومصحف
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ، وهما لغتان للعرب ـ وإعرابهما ظاهر ـ بين الله تعالى لنا أن المؤمن الصادق هو من يطيع الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المنشط والمكره والسهل والشاق ، ولو قتل النفس والخروج من الدار ، وهما متقاربان ; لأن الجسم دار الروح ، والوطن دار الجسم ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28842المنافق هو من يعبد الله على حرف واحد ، وهو ما يوافق هواه وغرضه ، فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ، وأنه قلما يوجد في أولئك المنافقين من يصبر على نار الفتنة ـ رياء وتقية ـ فيطيع فيما يكتب عليه ، ولو كان التعرض للقتل ، والجلاء عن الوطن والأهل .
وقيل : إن الكلام في جملة المكلفين من الناس ، والمعنى أن الإنسان خلق ضعيفا كما تقدم في آية ( 28 ) من هذه السورة ، فلو كتبنا عليهم ما يشق احتماله كقتل الأنفس والخروج من الوطن لعصى الكثير منهم ، ولم يطع إلا القليل وهم أصحاب العزائم القوية الذين يؤثرون رضوان الله على حظوظهم وشهواتهم ، ولكننا لم نكتب عليه ذلك كما كتبناه على
بني إسرائيل من قبلهم ، بل أرسلنا خاتم رسلنا بالحنيفية السمحة التي تجمع لهم بين حسنة الدنيا وحسنة الآخرة
[ ص: 196 ] فلا عذر لهم بالضعف البشري أن عصوا الرسول ، واتبعوا الطاغوت ، وإنما ظلموا بذلك أنفسهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به من الأوامر والنواهي المقرونة بحكمها ، وبيان فائدتها ، والوعد والوعيد لمن عمل بها ومن صد عنها
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66لكان خيرا لهم في حفظ مصالحهم ، واعتزاز أنفسهم بارتقاء أمتهم ، وفي عاقبة أمرهم وآخرتهم
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66وأشد تثبيتا لهم في أمر دينهم ، التثبيت : التقوية بجعل الشيء ثابتا راسخا ، وإنما كان العمل وإتيان الأمور الموعوظ بها في الدين يزيد العامل قوة وثباتا ; لأن الأعمال هي التي يكون بها العلم الإجمالي المبهم تفصيليا جليا ، وهي التي تطبع الأخلاق والملكات في نفس العامل ، وتبدد المخاوف والأوهام من نفسه ، مثال ذلك : أن بذل المال في سبيل الله تعالى بأعمال البر آية من أقوى آيات الإيمان ، وقربة من أكبر أسباب السعادة والرضوان ، فمن آمن بذلك ولم يعمل به لا يكون علمه بمنافعه وفوائده له وللأمة والملة إلا ناقصا ، وكلما اعتن له سبب من أسباب البذل تحداه في نفسه طائفة من أسباب الإمساك والبخل ، كالخوف من الفقر والإملاق ، أو نقصان ماله عن مال بعض الأقران ، أو تعليل النفس بادخار ما احتيج إلى بذله الآن ليوضع فيما هو خير وأنفع في مستقبل الزمان ، فإذا هو اعتاد البذل صار السخاء خلقا له ، لا يثنيه وسواس ولا خوف ، واتسعت معرفته بطرق منافعه ، ووضع المال في خير مواضعه .
وقال الأستاذ الإمام : لكان خيرا لهم في مصالحهم ، وأشد تثبيتا لهم في إيمانهم ، فإن الامتثال إيمانا واحتسابا يتضمن الذكرى ، وتصور احترام أمر الله ، والشعور بسلطانه ، وإمرار هذه الذكرى على القلب عند كل عمل مشروع يقوي الإيمان ويثبته ، وكلما عمل المرء بالشريعة عملا صحيحا انفتح له باب المعرفة فيها ، بل ذلك مطرد في كل علم .
أقول : وذكر
الرازي في التثبيت ثلاثة أوجه :
1 - أن ذلك أقرب إلى ثباتهم واستمرارهم ; لأن الطاعة تدعو إلى مثلها .
2 - أن ذلك يكون أثبت في نفسه ؛ لأنه حق ، والحق ثابت والباطل زائل .
3 - أن الإنسان يطلب الخير أولا ، فإذا حصله طلب أن يكون الحاصل ثابتا باقيا ، فقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66لكان خيرا لهم إشارة إلى الحالة الأولى ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66 : وأشد تثبيتا إشارة إلى الحالة الثانية .
ومن مباحث اللفظ في كيفية الأداء اختلاف القراء في " أن " و " أو " من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا قرأ
أبو عمرو ،
ويعقوب بكسر نون " أن " وضم واو
[ ص: 197 ] " أو "
وعاصم وحمزة بكسرهما ، والباقون بضمها وهما لغتان ، فأما الكسر فهو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين عند النحاة ، وأما الضم فإجراؤهما مجرى الهمزة المتصلة بالفعل تنقل حركة ما بعدها إليها ، وأما قراءة
أبي عمرو فجمع بين طريقتي العرب في ذلك من قبيل التلفيق ، ومنها أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ما فعلوه يعود ضميره إلى القتل والخروج ، وأفرد الضمير لأن الفعل جنس واحد ، أو بتأويل ما ذكر .
[ ص: 195 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=67وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا .
الْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِمَا سَبَقَ وَالسِّيَاقُ لَمْ يَنْتَهِ ، وَالْمَرْوِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28975قَوْلَهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ عَائِدٌ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ سَبَقَ الْقَوْلُ فِيهِمْ ، وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ فَلَهُ حُكْمُهُمْ ، إِذِ الْأَحْكَامُ لَيْسَتْ مَنُوطَةً بِذَوَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَشُخُوصِهِمْ ، بَلْ بِصِفَاتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ، أَيْ : لَوْ أَمَرْنَاهُمْ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ أَيْ بِتَعْرِيضِهَا لِلْقَتْلِ الْمُحَقَّقِ أَوِ الْمَظْنُونِ ظَنًّا رَاجِحًا ، وَقِيلَ : قَتْلُهَا هُوَ الِانْتِحَارُ ، كَمَا قِيلَ مِثْلُ هَذَا فِي أَمْرِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ تَوْبَةً إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ ، أَوْ قُلْنَا لَهُمُ : اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ أَيْ : أَوْطَانِكُمْ وَهَاجِرُوا إِلَى بِلَادٍ أُخْرَى مَا فَعَلُوهُ أَيِ : الْمَأْمُورُ بِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْهِجْرَةِ مِنَ الْوَطَنِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ هَذِهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ ، وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ " قَلِيلًا " بِالنَّصْبِ ، قَالُوا : وَكَذَا هُوَ فِي مَصَاحِفِ
أَهْلِ الشَّامِ وَمُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَهُمَا لُغَتَانِ لِلْعَرَبِ ـ وَإِعْرَابُهُمَا ظَاهِرٌ ـ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ هُوَ مَنْ يُطِيعُ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَالسَّهْلِ وَالشَّاقِّ ، وَلَوْ قَتْلُ النَّفْسِ وَالْخُرُوجُ مِنَ الدَّارِ ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ ; لِأَنَّ الْجِسْمَ دَارُ الرُّوحِ ، وَالْوَطَنَ دَارُ الْجِسْمِ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28842الْمُنَافِقَ هُوَ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ وَغَرَضَهُ ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ، وَأَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ فِي أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ مَنْ يَصْبِرُ عَلَى نَارِ الْفِتْنَةِ ـ رِيَاءً وَتَقِيَّةً ـ فَيُطِيعُ فِيمَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ التَّعَرُّضُ لِلْقَتْلِ ، وَالْجَلَاءُ عَنِ الْوَطَنِ وَالْأَهْلِ .
وَقِيلَ : إِنَّ الْكَلَامَ فِي جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ النَّاسِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ ضَعِيفًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيَةِ ( 28 ) مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ ، فَلَوْ كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَشُقُّ احْتِمَالُهُ كَقَتْلِ الْأَنْفُسِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْوَطَنِ لَعَصَى الْكَثِيرُ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يُطِعْ إِلَّا الْقَلِيلُ وَهُمْ أَصْحَابُ الْعَزَائِمِ الْقَوِيَّةِ الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ رِضْوَانَ اللَّهِ عَلَى حُظُوظِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ ، وَلَكِنَّنَا لَمْ نَكْتُبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا كَتَبْنَاهُ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، بَلْ أَرْسَلْنَا خَاتَمَ رُسُلِنَا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ الَّتِي تَجْمَعُ لَهُمْ بَيْنَ حَسَنَةِ الدُّنْيَا وَحَسَنَةِ الْآخِرَةِ
[ ص: 196 ] فَلَا عُذْرَ لَهُمْ بِالضَّعْفِ الْبَشَرِيِّ أَنْ عَصَوُا الرَّسُولَ ، وَاتَّبَعُوا الطَّاغُوتِ ، وَإِنَّمَا ظَلَمُوا بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الْمَقْرُونَةِ بِحُكْمِهَا ، وَبَيَانِ فَائِدَتِهَا ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا وَمَنْ صَدَّ عَنْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ فِي حِفْظِ مَصَالِحِهِمْ ، وَاعْتِزَازِ أَنْفُسِهِمْ بِارْتِقَاءِ أُمَّتِهِمْ ، وَفِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ وَآخِرَتِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا لَهُمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ ، التَّثْبِيتُ : التَّقْوِيَةُ بِجَعْلِ الشَّيْءِ ثَابِتًا رَاسِخًا ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعَمَلُ وَإِتْيَانُ الْأُمُورِ الْمَوْعُوظُ بِهَا فِي الدِّينِ يَزِيدُ الْعَامِلَ قُوَّةً وَثَبَاتًا ; لِأَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْعِلْمُ الْإِجْمَالِيُّ الْمُبْهَمُ تَفْصِيلِيًّا جَلِيًّا ، وَهِيَ الَّتِي تَطْبَعُ الْأَخْلَاقَ وَالْمَلِكَاتِ فِي نَفْسِ الْعَامِلِ ، وَتُبَدِّدُ الْمَخَاوِفَ وَالْأَوْهَامَ مِنْ نَفْسِهِ ، مِثَالُ ذَلِكَ : أَنَّ بَذْلَ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَعْمَالِ الْبِرِّ آيَةٌ مِنْ أَقْوَى آيَاتِ الْإِيمَانِ ، وَقُرْبَةٌ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ وَالرِّضْوَانِ ، فَمَنْ آمَنَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لَا يَكُونُ عِلْمُهُ بِمَنَافِعِهِ وَفَوَائِدِهِ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ وَالْمِلَّةِ إِلَّا نَاقِصًا ، وَكُلَّمَا اعْتَنَّ لَهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْبَذْلِ تَحَدَّاهُ فِي نَفْسِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَسْبَابِ الْإِمْسَاكِ وَالْبُخْلِ ، كَالْخَوْفِ مِنَ الْفَقْرِ وَالْإِمْلَاقِ ، أَوْ نُقْصَانِ مَالِهِ عَنْ مَالِ بَعْضِ الْأَقْرَانِ ، أَوْ تَعْلِيلِ النَّفْسِ بِادِّخَارِ مَا احْتِيجَ إِلَى بَذْلِهِ الْآنَ لِيُوضَعَ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ وَأَنْفَعُ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ ، فَإِذَا هُوَ اعْتَادَ الْبَذْلَ صَارَ السَّخَاءُ خُلُقًا لَهُ ، لَا يُثْنِيهِ وَسْوَاسٌ وَلَا خَوْفٌ ، وَاتَّسَعَتْ مَعْرِفَتُهُ بِطُرُقِ مَنَافِعِهِ ، وَوُضِعَ الْمَالُ فِي خَيْرِ مَوَاضِعِهِ .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ فِي مَصَالِحِهِمْ ، وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا لَهُمْ فِي إِيمَانِهِمْ ، فَإِنَّ الِامْتِثَالَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا يَتَضَمَّنُ الذِّكْرَى ، وَتَصَوُّرَ احْتِرَامِ أَمْرِ اللَّهِ ، وَالشُّعُورَ بِسُلْطَانِهِ ، وَإِمْرَارَ هَذِهِ الذِّكْرَى عَلَى الْقَلْبِ عِنْدَ كُلِّ عَمَلٍ مَشْرُوعٍ يُقَوِّي الْإِيمَانَ وَيُثْبِتُهُ ، وَكُلَّمَا عَمِلَ الْمَرْءُ بِالشَّرِيعَةِ عَمَلًا صَحِيحًا انْفَتَحَ لَهُ بَابُ الْمَعْرِفَةِ فِيهَا ، بَلْ ذَلِكَ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ عِلْمٍ .
أَقُولُ : وَذَكَرَ
الرَّازِيُّ فِي التَّثْبِيتِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ :
1 - أَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى ثَبَاتِهِمْ وَاسْتِمْرَارِهِمْ ; لِأَنَّ الطَّاعَةَ تَدْعُو إِلَى مِثْلِهَا .
2 - أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَثْبَتَ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ، وَالْحَقُّ ثَابِتٌ وَالْبَاطِلُ زَائِلٌ .
3 - أَنَّ الْإِنْسَانَ يَطْلُبُ الْخَيْرَ أَوَّلًا ، فَإِذَا حَصَّلَهُ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ ثَابِتًا بَاقِيًا ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66 : وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا إِشَارَةٌ إِلَى الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ .
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَدَاءِ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي " أَنَّ " وَ " أَوْ " مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا قَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو ،
وَيَعْقُوبُ بِكَسْرِ نُونِ " أَنْ " وَضَمِّ وَاوِ
[ ص: 197 ] " أَوْ "
وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ بِكَسْرِهِمَا ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ ، فَأَمَّا الْكَسْرُ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عِنْدَ النُّحَاةِ ، وَأَمَّا الضَّمُّ فَإِجْرَاؤُهُمَا مَجْرَى الْهَمْزَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْفِعْلِ تُنْقَلُ حَرَكَةُ مَا بَعْدَهَا إِلَيْهَا ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ
أَبِي عَمْرٍو فَجَمَعَ بَيْنَ طَرِيقَتَيِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّلْفِيقِ ، وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66مَا فَعَلُوهُ يَعُودُ ضَمِيرُهُ إِلَى الْقَتْلِ وَالْخُرُوجِ ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْفِعْلَ جِنْسٌ وَاحِدٌ ، أَوْ بِتَأْوِيلِ مَا ذُكِرَ .