nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28975_28666_19806واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما .
[ ص: 67 ] قال
البقاعي في وجه اتصال الآية الأولى من هذه الآيات بما قبلها ما نصه : ولما كثرت في هذه السورة الوصايا من أولها إلى هنا نتيجة التقوى ( كذا ) العدل والفضل والترغيب في نواله ، والترهيب من نكاله ، إلى أن ختم ذلك بإرشاد الزوجين إلى المعاملة بالحسنى ، وختم الآية بما هو في الذروة من حسن الختام من صفتي العلم والخير ، وكان ذلك في معنى ما ختم به الآية الآمرة بالتقوى من الوصف بالرقيب ، اقتضى ذلك تكرير التذكير بالتقوى التي افتتحت السورة بالأمر بها فكان التقدير حتما فاتقوه ، عطف عليه أو على نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32واسألوا الله من فضله ( 4 : 32 ) ، أو على :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1اتقوا ربكم ( 4 : 1 ) ، الخلق المقصود من الخلق المبثوثين على تلك الصفة وهو العبادة الخالصة التي هي
nindex.php?page=treesubj&link=19801الإحسان في معاملة الخالق ، وأتبعها
nindex.php?page=treesubj&link=19805الإحسان في معاملة الخلائق ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله إلخ ، وأقول : إنه أبعد في العطف ، وأحسن في الترتيب والوصف .
الأستاذ الإمام : كل ما تقدم من الأحكام كان خاصا بنظام القرابة والمصاهرة ، وحال البيوت التي تتكون منها الأمة ، ثم إنه تعالى بعد بيان تلك الأحكام الخصوصية أراد أن ينبهنا على بعض الحقوق العمومية ، وهي العناية بكل من يستحق العناية ، وحسن المعاملة من الناس ، فبدأ ذلك بالأمر بعبادته تعالى ، وعبادته ملاك حفظ الأحكام والعمل بها ، وهي الخضوع له تعالى ، وتمكين هيبته وخشيته من النفس ، والخشوع لسلطانه في السر والجهر ، فمتى كان الإنسان على هذا فإنه يقيم هذه الأحكام وغيرها حتى تصلح جميع أعماله ، ولذلك كانت النية عندنا تجعل الأعمال العادية عبادات ، كالزارع ليقيم أمر بيته ويعول من يمونه ، ويفيض من فضل كسبه على الفقراء والمساكين ، ويساعد على الأعمال ذات المنافع العامة ، فعمله بهذه النية يجعل حرثه من أفضل العبادات فليست العبادة في قوله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله خاصة بالتوحيد كما قال المفسر "
الجلال " ، بل هي عامة كما قلنا تشمل التوحيد وجميع ما يمده من الأعمال .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36ولا تشركوا به شيئا من الأشياء ، أو شيئا من الإشراك ( قال ) : اختلف تعبيرهم والمعنى واحد ، والإشراك بالله يستلزم الإيمان به ، والنهي عنه يستلزم النهي عن التعطيل بالأولى ، أقول : يعني أن الشرك هو الخضوع لسلطة غيبية وراء الأسباب والسنن المعروفة في الخلق بأن يرجى صاحبها ويخشى منه ما تعجز المخلوقات عن مثله ، وهذه السلطة لا تكون لغيره تعالى فلا يرجى غيره ، ولا يخشى سواه في أمر من الأمور التي هي وراء الأسباب المقدورة للمخلوقين عادة ; لأن هذا خاص به تعالى فمن اعتقد أن غيره يشركه فيه كان مؤمنا مشركا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=106وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ( 12 : 106 ) ، وأما التعطيل فهو إنكار الألوهية ألبتة ، أي إنكار تلك السلطة الغيبية التي هي مبدأ كل قوة وتصرف ، وفوق كل قوة وتصرف ، فإذا نهى تعالى أن يشرك به غيره فيما استأثر به من السلطة والقدرة والتصرف ، ولم يجعله
[ ص: 68 ] من الهبات التي منحها خلقه وعرفت من سننه فيهم ، فلأن ينهى عن إنكار وجوده وجحد ألوهيته يكون أولى .
قال : والإشراك قد ذكر في القرآن بعض ضروبه عند مشركي العرب ، وهو عبادة الأصنام باتخاذهم أولياء وشفعاء ووسطاء عند الله تعالى ، يقربون المتوسل بهم إليه ، ويقضون الحاجات عنده كما هو المعهود من معنى الولاية والشفاعة عندهم ، والآيات في ذلك كثيرة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ( 10 : 18 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ( 39 : 3 ) .
وذكر أن أهل الكتاب دخل عليهم الشرك ، فالنصارى عبدوا
المسيح عليه السلام ، وبعضهم عبد أمه السيدة
مريم رضي الله عنها ، وقال الله في الفريقين :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا الله إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ( 9 : 31 ) ، وقد ورد في تفسيره بالحديث الصحيح المرفوع : أنه كانوا يضعون لهم أحكام الحلال والحرام فيتبعونهم فيها ، وسبق ذكر ذلك في التفسير غير مرة ، ( قال ) :
nindex.php?page=treesubj&link=29436فالشرك أنواع وضروب ، أدناها ما يتبادر إلى أذهان عامة المسلمين أنه العبادة لغير الله كالركوع والسجود له ، وأشدها وأقواها ما سماه الله دعاء واستشفاعا ، وهو التوسل بهم إلى الله وتوسيطهم بينهم وبينه تعالى ، فالقرآن ناطق بهذا ، وهو المشهور في كتب السير والتاريخ ، فهذا المعنى هو أشد أنواع الشرك ، وأقوى مظاهره التي يتجلى فيها معناه أتم التجلي ، وهو الذي لا ينفع معه صلاة ولا صيام ولا عبادة أخرى .
ثم ذكر أن هذا الشرك قد فشا في المسلمين اليوم ، وأورد شواهد على ذلك عن المعتقدين الغالين في
البدوي " شيخ العرب " و "
الدسوقي " وغيرهما لا تحتمل التأويل ، وبين أن الذين يؤولون لأمثال هؤلاء إنما يتكلفون الاعتذار لهم لزحزحتهم عن شرك جلي واضح إلى شرك أقل منه جلاء ووضوحا ، ولكنه شرك ظاهر على كل حال ، وليس هو من الشرك الخفي الذي وردت الأحاديث بالاستعاذة منه ، الذي لا يكاد يسلم منه إلا الصديقون ، ومنه أن يعمل المؤمن العمل الصالح من العبادة لله تعالى ويحب أن يمدح عليه أو يتلذذ بالمدح عليه ( مثلا ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28975_28666_19806وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا .
[ ص: 67 ] قَالَ
الْبَقَاعِيُّ فِي وَجْهِ اتِّصَالِ الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ بِمَا قَبْلَهَا مَا نَصُّهُ : وَلَمَّا كَثُرَتْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْوَصَايَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى هُنَا نَتِيجَةَ التَّقْوَى ( كَذَا ) الْعَدْلُ وَالْفَضْلُ وَالتَّرْغِيبُ فِي نُوَالِهِ ، وَالتَّرْهِيبُ مِنْ نَكَالِهِ ، إِلَى أَنْ خَتَمَ ذَلِكَ بِإِرْشَادِ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الْمُعَامَلَةِ بِالْحُسْنَى ، وَخَتَمَ الْآيَةَ بِمَا هُوَ فِي الذُّرْوَةِ مِنْ حُسْنِ الْخِتَامِ مِنْ صِفَتَيِ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى مَا خَتَمَ بِهِ الْآيَةَ الْآمِرَةَ بِالتَّقْوَى مِنَ الْوَصْفِ بِالرَّقِيبِ ، اقْتَضَى ذَلِكَ تَكْرِيرَ التَّذْكِيرِ بِالتَّقْوَى الَّتِي افْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِالْأَمْرِ بِهَا فَكَانَ التَّقْدِيرُ حَتْمًا فَاتَّقُوهُ ، عُطِفَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى نَحْوِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ( 4 : 32 ) ، أَوْ عَلَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1اتَّقُوا رَبَّكُمْ ( 4 : 1 ) ، الْخَلْقُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَلْقِ الْمَبْثُوثِينَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ الْعِبَادَةُ الْخَالِصَةُ الَّتِي هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=19801الْإِحْسَانُ فِي مُعَامَلَةِ الْخَالِقِ ، وَأَتْبَعَهَا
nindex.php?page=treesubj&link=19805الْإِحْسَانَ فِي مُعَامَلَةِ الْخَلَائِقِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ إِلَخْ ، وَأَقُولُ : إِنَّهُ أَبْعَدُ فِي الْعَطْفِ ، وَأَحْسَنُ فِي التَّرْتِيبِ وَالْوَصْفِ .
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : كُلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحْكَامِ كَانَ خَاصًّا بِنِظَامِ الْقَرَابَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ ، وَحَالِ الْبُيُوتِ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْهَا الْأُمَّةُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ بَيَانِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْخُصُوصِيَّةِ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَنَا عَلَى بَعْضِ الْحُقُوقِ الْعُمُومِيَّةِ ، وَهِيَ الْعِنَايَةُ بِكُلِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِنَايَةَ ، وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ مِنَ النَّاسِ ، فَبَدَأَ ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ تَعَالَى ، وَعِبَادَتُهُ مِلَاكُ حِفْظِ الْأَحْكَامِ وَالْعَمَلِ بِهَا ، وَهِيَ الْخُضُوعُ لَهُ تَعَالَى ، وَتَمْكِينُ هَيْبَتِهِ وَخَشْيَتِهِ مِنَ النَّفْسِ ، وَالْخُشُوعُ لِسُلْطَانِهِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ ، فَمَتَى كَانَ الْإِنْسَانُ عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ يُقِيمُ هَذِهِ الْأَحْكَامَ وَغَيْرَهَا حَتَّى تَصْلُحَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ ، وَلِذَلِكَ كَانَتِ النِّيَّةُ عِنْدَنَا تَجْعَلُ الْأَعْمَالَ الْعَادِيَّةَ عِبَادَاتٍ ، كَالزَّارِعِ لِيُقِيمَ أَمْرَ بَيْتِهِ وَيَعُولَ مَنْ يُمَوِّنُهُ ، وَيُفِيضَ مِنْ فَضْلِ كَسْبِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ، وَيُسَاعِدَ عَلَى الْأَعْمَالِ ذَاتِ الْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ ، فَعَمَلُهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ يَجْعَلُ حَرْثَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ فَلَيْسَتِ الْعِبَادَةُ فِي قَوْلِهِ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ خَاصَّةً بِالتَّوْحِيدِ كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُ "
الْجَلَالُ " ، بَلْ هِيَ عَامَّةٌ كَمَا قُلْنَا تَشْمَلُ التَّوْحِيدَ وَجَمِيعَ مَا يَمُدُّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْإِشْرَاكِ ( قَالَ ) : اخْتَلَفَ تَعْبِيرُهُمْ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، وَالْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِهِ ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنِ التَّعْطِيلِ بِالْأَوْلَى ، أَقُولُ : يَعْنِي أَنَّ الشِّرْكَ هُوَ الْخُضُوعُ لِسُلْطَةٍ غَيْبِيَّةٍ وَرَاءَ الْأَسْبَابِ وَالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْخَلْقِ بِأَنْ يُرْجَى صَاحِبُهَا وَيُخْشَى مِنْهُ مَا تَعْجِزُ الْمَخْلُوقَاتُ عَنْ مِثْلِهِ ، وَهَذِهِ السُّلْطَةُ لَا تَكُونُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى فَلَا يُرْجَى غَيْرُهُ ، وَلَا يُخْشَى سِوَاهُ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ وَرَاءَ الْأَسْبَابِ الْمَقْدُورَةِ لِلْمَخْلُوقِينَ عَادَةً ; لِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِهِ تَعَالَى فَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ غَيْرَهُ يُشْرِكُهُ فِيهِ كَانَ مُؤْمِنًا مُشْرِكًا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=106وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ( 12 : 106 ) ، وَأَمَّا التَّعْطِيلُ فَهُوَ إِنْكَارُ الْأُلُوهِيَّةِ أَلْبَتَّةَ ، أَيْ إِنْكَارُ تِلْكَ السُّلْطَةِ الْغَيْبِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَبْدَأُ كُلِّ قُوَّةٍ وَتَصَرُّفٍ ، وَفَوْقَ كُلِّ قُوَّةٍ وَتَصَرُّفٍ ، فَإِذَا نَهَى تَعَالَى أَنْ يُشْرَكَ بِهِ غَيْرُهُ فِيمَا اسْتَأْثَرَ بِهِ مِنَ السُّلْطَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالتَّصَرُّفِ ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ
[ ص: 68 ] مِنَ الْهِبَاتِ الَّتِي مَنَحَهَا خَلْقَهُ وَعُرِفَتْ مِنْ سُنَنِهِ فِيهِمْ ، فَلَأَنْ يَنْهَى عَنْ إِنْكَارِ وَجُودِهِ وَجَحْدِ أُلُوهِيَّتِهِ يَكُونُ أَوْلَى .
قَالَ : وَالْإِشْرَاكُ قَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ بَعْضُ ضُرُوبِهِ عِنْدَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَهُوَ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ بِاتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ وَشُفَعَاءَ وَوُسَطَاءَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، يُقَرِّبُونَ الْمُتَوَسِّلَ بِهِمْ إِلَيْهِ ، وَيَقْضُونَ الْحَاجَاتِ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ مَعْنَى الْوِلَايَةِ وَالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُمْ ، وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 10 : 18 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ( 39 : 3 ) .
وَذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الشِّرْكُ ، فَالنَّصَارَى عَبَدُوا
الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَبَعْضُهُمْ عَبَدَ أُمَّهُ السَّيِّدَةَ
مَرْيَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَقَالَ اللَّهُ فِي الْفَرِيقَيْنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 9 : 31 ) ، وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِيرِهِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ : أَنَّهُ كَانُوا يَضَعُونَ لَهُمْ أَحْكَامَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَيَتْبَعُونَهُمْ فِيهَا ، وَسَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ غَيْرَ مَرَّةٍ ، ( قَالَ ) :
nindex.php?page=treesubj&link=29436فَالشِّرْكُ أَنْوَاعٌ وَضُرُوبٌ ، أَدْنَاهَا مَا يَتَبَادَرُ إِلَى أَذْهَانِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ الْعِبَادَةُ لِغَيْرِ اللَّهِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَهُ ، وَأَشَدُّهَا وَأَقْوَاهَا مَا سَمَّاهُ اللَّهُ دُعَاءً وَاسْتِشْفَاعًا ، وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِهِمْ إِلَى اللَّهِ وَتَوْسِيطُهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَعَالَى ، فَالْقُرْآنُ نَاطِقٌ بِهَذَا ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالتَّارِيخِ ، فَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ ، وَأَقْوَى مَظَاهِرِهِ الَّتِي يَتَجَلَّى فِيهَا مَعْنَاهُ أَتَمَّ التَّجَلِّي ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْفَعُ مَعَهُ صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا عِبَادَةٌ أُخْرَى .
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الشِّرْكَ قَدْ فَشَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ ، وَأَوْرَدَ شَوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ عَنِ الْمُعْتَقِدِينَ الْغَالِينَ فِي
الْبَدَوِيِّ " شَيْخِ الْعَرَبِ " وَ "
الدُّسُوقِيِّ " وَغَيْرِهِمَا لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ، وَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ يُؤَوِّلُونَ لِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا يَتَكَلَّفُونَ الِاعْتِذَارَ لَهُمْ لَزَحْزَحَتِهُمْ عَنْ شِرْكٍ جَلِيٍّ وَاضِحٍ إِلَى شِرْكٍ أَقَلَّ مِنْهُ جَلَاءً وَوُضُوحًا ، وَلَكِنَّهُ شِرْكٌ ظَاهِرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ ، الَّذِي لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَّا الصِّدِّيقُونَ ، وَمِنْهُ أَنْ يَعْمَلَ الْمُؤْمِنُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مِنَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُحِبُّ أَنْ يُمْدَحَ عَلَيْهِ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِالْمَدْحِ عَلَيْهِ ( مَثَلًا ) .