nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=153إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=155إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم [ ص: 149 ] روى
الواحدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب قال : لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
المدينة - وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم
أحد - قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر ؟ فأنزل الله هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152nindex.php?page=treesubj&link=28974_29677_32266_30794ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه الآية . ونقول : نعم إن الناس قالوا ذلك كما يعلم من قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا [ 3 : 165 ] وسيأتي . ولكن هذا القول ليس سببا لنزول هذه الآية وحدها ، وإنما نزلت مع هذه الآيات الكثيرة بعد تلك الواقعة وما قيل فيها .
الوعد المشار إليه في الآية يحتمل أن يكون المراد به ما تكرر كثيرا في القرآن من نصر الله المؤمنين ونصر من ينصره وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد به ما دل عليه قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=125بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم وقال بعضهم : إن المراد به وعد النبي لهم عند تعبئتهم ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وروي فيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أنه قال : "
لما برز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين بأحد أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين ، وقال : لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم ، وأمر عليهم nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير أخا nindex.php?page=showalam&ids=188خوات بن جبير ، ثم إن طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام فقال : يا معشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة ، فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار ؟ فقام إليه nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب فقال : والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار أو يعجلني بسيفك إلى الجنة ، فضربه علي فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته فقال : أنشدك الله والرحم يا ابن عم . فتركه . فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لعلي أصحابه : ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه ، ثم شد nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=53والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم ، وحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فهزموا أبا سفيان ، فلما رأى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد - وهو على خيل المشركين - حمل فرمته الرماة فانقمع ، فلما نظر الرماة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه بادروا الغنيمة ، فقال بعضهم : لا نترك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر ، فلما رأى خالد قلة الرماة صاح في خيله ثم حمل على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل تنادوا فشدوا [ ص: 150 ] على المسلمين فهزموهم وقتلوهم " اهـ . أي قتلوا منهم سبعين كما هو معلوم من الروايات المفصلة ، وإنما ذكرنا هنا رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي بطولها لما فيها من التصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للرماة :
فإنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم والتفصيل الذي يعين على فهم الآية وغيرها ، ومنها أن الرماة لم يعصوا كلهم وإنما أولئك بعض عامتهم ، وأما الخاصة الراسخون في الإيمان العارفون بالواجب فقد ثبتوا ، والمختار عندنا أن المراد بوعد الله هنا ما تكرر في القرآن ، وإنما قال النبي ما قال للرماة عملا بالقرآن وتأويلا له ; فإنه - تعالى - قرن الوعد فيه بشروط لا تتم إلا بالطاعة والثبات .
فملخص تفسير الآية هكذا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد صدقكم الله وعده إياكم بالنصر حتى في هذه الوقعة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152إذ تحسونهم أي المشركين أي تقتلوهم قتلا ذريعا بإذنه - تعالى - أي بعنايته وتأييده لكم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حتى إذا فشلتم ضعفتم في الرأي والعمل ، فلم تقووا على حبس أنفسكم عن الغنيمة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وتنازعتم في الأمر فقال بعضكم ما بقاؤنا هنا وقد انهزم المشركون ؟ ، وقال الآخرون : لا نخالف أمر الرسول وعصيتم رسولكم وقائدكم بترك أكثر الرماة للمكان الذي أقامهم فيه يحمون ظهوركم بنضح المشركين بالنبل
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152من بعد ما أراكم ما تحبون من النصر والظفر فصبرتم على الضراء ولم تصبروا في السراء
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152منكم من يريد الدنيا كالذين تركوا مكانهم وذهبوا وراء الغنيمة ليصيبوا منها
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ومنكم من يريد الآخرة كالذين ثبتوا من الرماة مع أميرهم
nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير ، وهم نحو عشرة وكان الرماة خمسين رجلا ، والذين ثبتوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم ثلاثون رجلا ، أي صدقكم وعده ونصركم على قلتكم وكثرة المشركين ، واستمر هذا النصر إلى أن فشلتم وتنازعتم وعصيتم ، فعندما وصلتم إلى هذه الغاية لم تعودوا مستحقين لهذه العناية لمخالفتكم لسنته في استحقاق النصر الذي وعد به أهل الثبات والصبر ; فعلى هذا تكون حتى للغاية و إذا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حتى إذا فشلتم ليست للشرط وإنما هي بمعنى الحين والوقت . هذا هو المختار . والوجه الثاني :أنها للشرط وجوابها محذوف تقديره عند البصريين " منعكم نصره " أو نحوه ، وقال الأستاذ الإمام : إن الحكمة في حذف الجواب هنا على القول به هي أن تذهب النفس في تقديره كل مذهب ، ومثل هذا الحذف لا يأتي في الكلام البليغ إلا حيث ينتظر الجواب بكل شغف ولهف ، ولك أن تجعل تقديره : امتحنكم بالإدالة منكم ليمحصكم ويميز المخلصين والصادقين منكم . أقول : وهذا هو صريح قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ثم صرفكم عنهم ليبتليكم وأبو مسلم قد قال : إن هذه الجملة هي جواب " إذا " ولكن اقتران جواب الشرط بثم غير معروف لنا في كلام العرب .
وحاصل المعنى أنه بعد أن صدقكم وعده فكنتم تقتلونهم بإذنه ومعونته قتل حس واستئصال صرفكم عنهم بفشلكم وتنازعكم وعصيانكم ، وحال بينكم وبين تمام النصر
[ ص: 151 ] ليمتحنكم بذلك ، أي ليعاملكم معاملة من يمتحن ويختبر ، أو لأجل أن يكون ذلك ابتلاء واختبارا لكم يمحصكم به ويميز بين الصادقين والمنافقين ويزيل بين الأقوياء والضعفاء ، كما علم من الآيات السابقة ، وقد أسند الله - تعالى - صرف المؤمنين عن المشركين إلى نفسه هنا باعتبار غايته الحميدة في تربيتهم وتمحيصهم الذي يعدهم للنصر الكامل والظفر الشامل في المستقبل ، وأضاف ما أصابهم إليهم في قوله الذي سيأتي في السياق :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165قل هو من عند أنفسكم [ 3 : 165 ] ، باعتبار سببه وهو ما كان منهم من الفشل والتنازع والعصيان ، وقد عد بعضهم إسناد الصرف إليه هنا مشكلا لا سيما على مذهب
المعتزلة الذين تكلف علماؤهم في تخريجه تكلفا لا حاجة إليه ، إذ لا إشكال فيه ولكن المذاهب والاصطلاحات هي التي تولد لأصحابها المشكلات .
قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد عفا عنكم بذلك التمحيص الذي محا أثر الذنب من نفوسكم فصرتم كأنكم لم تفشلوا ولم تتنازعوا ولم تعصوا وقد ظهر أثر هذا العفو في
حمراء الأسد كما علم مما مر وما يأتي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152والله ذو فضل على المؤمنين فلا يذرهم على ما هم عليه من ضعف يلم ببعضهم ، أو تقصير يهبط بنفوس غير الراسخين منهم ، حتى يبتلي ما في قلوبهم ، ويمحص ما في صدورهم ، فيكونوا من المخلصين .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=153إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=155إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [ ص: 149 ] رَوَى
الْوَاحِدِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : لِمَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى
الْمَدِينَةِ - وَقَدْ أُصِيبُوا بِمَا أُصِيبُوا يَوْمَ
أُحُدٍ - قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : مِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا وَقَدْ وَعَدَنَا اللَّهُ النَّصْرَ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152nindex.php?page=treesubj&link=28974_29677_32266_30794وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ الْآيَةَ . وَنَقُولُ : نَعَمْ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا ذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا [ 3 : 165 ] وَسَيَأْتِي . وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَحْدَهَا ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ مَعَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ بَعْدَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ وَمَا قِيلَ فِيهَا .
الْوَعْدُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي الْآيَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا تَكَرَّرَ كَثِيرًا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَنَصْرِ مَنْ يَنْصُرُهُ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=125بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَعْدُ النَّبِيِّ لَهُمْ عِنْدَ تَعْبِئَتِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، وَرُوِيَ فِيهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ : "
لَمَّا بَرَزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ أَمَرَ الرُّمَاةَ فَقَامُوا بِأَصْلِ الْجَبَلِ فِي وُجُوهِ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ ، وَقَالَ : لَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ فَإِنَّا لَنْ نَزَالَ غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانَكُمْ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ nindex.php?page=showalam&ids=4700عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا nindex.php?page=showalam&ids=188خُوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ ، ثُمَّ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُثْمَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَامَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُنَا بِسُيُوفِكُمْ إِلَى النَّارِ وَيُعَجِّلُكُمْ بِسُيُوفِنَا إِلَى الْجَنَّةِ ، فَهَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يُعَجِّلُهُ اللَّهُ بِسَيْفِي إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ يُعَجِّلُنِي بِسَيْفِهِ إِلَى النَّارِ ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى يُعَجِّلَكَ اللَّهُ بِسَيْفِي إِلَى النَّارِ أَوْ يُعَجِّلُنِي بِسَيْفِكَ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَسَقَطَ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ يَا ابْنَ عَمٍّ . فَتَرَكَهُ . فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَعَلِيٍّ أَصْحَابُهُ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجْهِزَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : إِنَّ ابْنَ عَمِّي نَاشَدَنِي حِينَ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ، ثُمَّ شَدَّ nindex.php?page=showalam&ids=15الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ nindex.php?page=showalam&ids=53وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَهَزَمَاهُمْ ، وَحَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَهَزَمُوا أَبَا سُفْيَانَ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - وَهُوَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ - حَمَلَ فَرَمَتْهُ الرُّمَاةُ فَانْقَمَعَ ، فَلَمَّا نَظَرَ الرُّمَاةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فِي جَوْفِ عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ يَنْتَهِبُونَهُ بَادَرُوا الْغَنِيمَةَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا نَتْرُكُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْطَلَقَ عَامَّتُهُمْ فَلَحِقُوا بِالْعَسْكَرِ ، فَلَمَّا رَأَى خَالِدٌ قِلَّةَ الرُّمَاةِ صَاحَ فِي خَيْلِهِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّ خَيْلَهُمْ تُقَاتِلُ تَنَادَوْا فَشَدُّوا [ ص: 150 ] عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ " اهـ . أَيْ قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُفَصَّلَةِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هُنَا رِوَايَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ بِطُولِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلرُّمَاةِ :
فَإِنَّا لَا نَزَالُ غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانَكُمْ وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا ، وَمِنْهَا أَنَّ الرُّمَاةَ لَمْ يَعْصُوا كُلُّهُمْ وَإِنَّمَا أُولَئِكَ بَعْضُ عَامَّتِهِمْ ، وَأَمَّا الْخَاصَّةُ الرَّاسِخُونَ فِي الْإِيمَانِ الْعَارِفُونَ بِالْوَاجِبِ فَقَدْ ثَبَتُوا ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِوَعْدِ اللَّهِ هُنَا مَا تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ مَا قَالَ لِلرُّمَاةِ عَمَلًا بِالْقُرْآنِ وَتَأْوِيلًا لَهُ ; فَإِنَّهُ - تَعَالَى - قَرَنَ الْوَعْدَ فِيهِ بِشُرُوطٍ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالطَّاعَةِ وَالثَّبَاتِ .
فَمُلَخَّصُ تَفْسِيرِ الْآيَةِ هَكَذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِيَّاكُمْ بِالنَّصْرِ حَتَّى فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152إِذْ تَحُسُّونَهُمْ أَيِ الْمُشْرِكِينَ أَيْ تَقْتُلُوهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا بِإِذْنِهِ - تَعَالَى - أَيْ بِعِنَايَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ لَكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ ضَعُفْتُمْ فِي الرَّأْيِ وَالْعَمَلِ ، فَلَمْ تَقْوَوْا عَلَى حَبْسِ أَنْفُسِكُمْ عَنِ الْغَنِيمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ فَقَالَ بَعْضُكُمْ مَا بَقَاؤُنَا هُنَا وَقَدِ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ ؟ ، وَقَالَ الْآخَرُونَ : لَا نُخَالِفُ أَمْرَ الرَّسُولِ وَعَصَيْتُمْ رَسُولَكُمْ وَقَائِدَكُمْ بِتَرْكِ أَكْثَرِ الرُّمَاةِ لِلْمَكَانِ الَّذِي أَقَامَهُمْ فِيهِ يَحْمُونَ ظُهُورَكُمْ بِنَضْحِ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّبْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ فَصَبَرْتُمْ عَلَى الضَّرَّاءِ وَلَمْ تَصْبِرُوا فِي السَّرَّاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا كَالَّذِينَ تَرَكُوا مَكَانَهُمْ وَذَهَبُوا وَرَاءَ الْغَنِيمَةِ لِيُصِيبُوا مِنْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ كَالَّذِينَ ثَبَتُوا مِنَ الرُّمَاةِ مَعَ أَمِيرِهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=4700عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَهُمْ نَحْوُ عَشَرَةٍ وَكَانَ الرُّمَاةُ خَمْسِينَ رَجُلًا ، وَالَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ ثَلَاثُونَ رَجُلًا ، أَيْ صَدَقَكُمْ وَعْدَهُ وَنَصَرَكُمْ عَلَى قِلَّتِكُمْ وَكَثْرَةِ الْمُشْرِكِينَ ، وَاسْتَمَرَّ هَذَا النَّصْرُ إِلَى أَنْ فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ وَعَصَيْتُمْ ، فَعِنْدَمَا وَصَلْتُمْ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ لَمْ تَعُودُوا مُسْتَحِقِّينَ لِهَذِهِ الْعِنَايَةِ لِمُخَالَفَتِكُمْ لِسُنَّتِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّصْرِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ أَهْلَ الثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ ; فَعَلَى هَذَا تَكُونُ حَتَّى لِلْغَايَةِ وَ إِذَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ لَيْسَتْ لِلشَّرْطِ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْحِينِ وَالْوَقْتِ . هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي :أَنَّهَا لِلشَّرْطِ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ " مَنَعَكُمْ نَصْرَهُ " أَوْ نَحْوَهُ ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّ الْحِكْمَةَ فِي حَذْفِ الْجَوَابِ هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ هِيَ أَنْ تَذْهَبَ النَّفْسُ فِي تَقْدِيرِهِ كُلَّ مَذْهَبٍ ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ لَا يَأْتِي فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ إِلَّا حَيْثُ يُنْتَظَرُ الْجَوَابُ بِكُلِّ شَغَفٍ وَلَهَفٍ ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَقْدِيرَهُ : امْتَحَنَكُمْ بِالْإِدَالَةِ مِنْكُمْ لِيُمَحِّصَكُمْ وَيُمَيِّزُ الْمُخْلِصِينَ وَالصَّادِقِينَ مِنْكُمْ . أَقُولُ : وَهَذَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَأَبُو مُسْلِمٍ قَدْ قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هِيَ جَوَابُ " إِذَا " وَلَكِنَّ اقْتِرَانَ جَوَابِ الشَّرْطِ بِثُمَّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لَنَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ .
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ صَدَقَكُمْ وَعْدَهُ فَكُنْتُمْ تَقْتُلُونَهُمْ بِإِذْنِهِ وَمَعُونَتِهِ قَتْلَ حَسٍّ وَاسْتِئْصَالٍ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ بِفَشَلِكُمْ وَتَنَازُعِكُمْ وَعِصْيَانِكُمْ ، وَحَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ تَمَامِ النَّصْرِ
[ ص: 151 ] لِيَمْتَحِنَكُمْ بِذَلِكَ ، أَيْ لِيُعَامِلَكُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ يَمْتَحِنُ وَيَخْتَبِرُ ، أَوْ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا لَكُمْ يُمَحِّصُكُمْ بِهِ وَيُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّادِقِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَيُزِيلُ بَيْنَ الْأَقْوِيَاءِ وَالضُّعَفَاءِ ، كَمَا عُلِمَ مِنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ ، وَقَدْ أَسْنَدَ اللَّهُ - تَعَالَى - صَرْفَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى نَفْسِهِ هُنَا بِاعْتِبَارِ غَايَتِهِ الْحَمِيدَةِ فِي تَرْبِيَتِهِمْ وَتَمْحِيصِهِمُ الَّذِي يُعِدُّهُمْ لِلنَّصْرِ الْكَامِلِ وَالظَّفَرِ الشَّامِلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَأَضَافَ مَا أَصَابَهُمْ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ الَّذِي سَيَأْتِي فِي السِّيَاقِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [ 3 : 165 ] ، بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهُمْ مَنِ الْفَشَلِ وَالتَّنَازُعِ وَالْعِصْيَانِ ، وَقَدْ عَدَّ بَعْضُهُمْ إِسْنَادَ الصَّرْفِ إِلَيْهِ هُنَا مُشْكِلًا لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ
الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ تَكَلَّفَ عُلَمَاؤُهُمْ فِي تَخْرِيجِهِ تَكَلُّفًا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ، إِذْ لَا إِشْكَالَ فِيهِ وَلَكِنَّ الْمَذَاهِبَ وَالِاصْطِلَاحَاتِ هِيَ الَّتِي تُوَلِّدُ لِأَصْحَابِهَا الْمُشْكِلَاتِ .
قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ بِذَلِكَ التَّمْحِيصِ الَّذِي مَحَا أَثَرَ الذَّنْبِ مِنْ نُفُوسِكُمْ فَصِرْتُمْ كَأَنَّكُمْ لَمْ تَفْشَلُوا وَلَمْ تَتَنَازَعُوا وَلَمْ تَعْصُوا وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الْعَفْوِ فِي
حَمْرَاءِ الْأَسَدِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمَا يَأْتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَذَرُهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ضَعْفٍ يُلِمُّ بِبَعْضِهِمْ ، أَوْ تَقْصِيرٍ يَهْبِطُ بِنُفُوسِ غَيْرِ الرَّاسِخِينَ مِنْهُمْ ، حَتَّى يَبْتَلِيَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ، وَيُمَحِّصَ مَا فِي صُدُورِهِمْ ، فَيَكُونُوا مِنَ الْمُخْلِصِينَ .