(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=19وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ) تقدم في هذه السياق من أول السورة إلى هنا ، أن
أهل مكة لم يكن دأبهم في تكذيبهم للوحي المحمدي إلا كدأب من قبلهم من الأقوام الذين كذبوا رسلهم ، ولم يكونوا في استعجال نبيهم العذاب إلا كالذين استعجلوا رسلهم العذاب أيضا ، وتقدم فيه بيان بعض طباع البشر ولا سيما الكفار في الرعونة والعجلة ، وفي الضراعة إلى الله والإخلاص له عند الشدة ونسيانه عند الرخاء ، وفي الإشراك بالله بدعوى أن لهم شفعاء عند الله يدفعون عنهم الضر ويجلبون لهم النفع بوجاهتهم عنده ، ثم جاءت هذه الآية في بيان ما كان عليه الناس من الوحدة ، وما صاروا عليه من الاختلاف والفرقة ، فالتناسب بينها وبين ما قبلها في غاية القوة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28981وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ) قيل : إن المراد بالناس هنا العرب ؛ فإنهم كانوا حنفاء على ملة
إبراهيم إلى أن ظهر فيهم
عمرو بن لحي الذي ابتدع لهم عبادة غير الله وصنع لهم الأصنام - كما ثبت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - فاختلفوا بأن أشرك بعضهم وثبت على الحنيفية آخرون .
وقيل : وهو المختار ، إن المراد الجنس البشري في جملته ، فإنهم كانوا أمة واحدة على الفطرة ، إذ كانوا يعيشون عيشة السذاجة والوحدة كأسرة واحدة ، حتى كثروا وتفرقوا فصاروا عشائر فقبائل فشعوبا تختلف حاجاتها وتتعارض منافعها ، فتتعادى وتتقاتل في التنازع فيها ، فبعث الله فيهم النبيين والمرسلين لهدايتهم ، وإزالة الاختلاف بكتاب الله ووحيه ، ثم اختلفوا في الكتاب نفسه أيضا بغيا بينهم واتباعا لأهوائهم ، وتقدم تفصيل هذا في تفسير ( 2 : 213 ) وأقوال المفسرين في المسألة والترجيح بينها .
[ ص: 269 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=19ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ) أي ولولا كلمة حق فاصلة سبقت من ربك في جعل جزاء الناس العام في الآخرة ، لعجله لهم في الدنيا بإهلاك المبطلين الباغين منهم ، فالمراد من الكلمة قوله تعالى في هذه السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=93إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) ( 93 ) ومثله في سور أخرى .
والآية تتضمن الوعيد على اختلاف الناس المفضي إلى الشقاق والعدوان ، ولا سيما الاختلاف في كتاب الله الذي أنزله لإزالة الشقاق بحكمه ، وإدالة الوحدة والوفاق منه ، وتقدم بيانه وحكمته في تفسير آية البقرة ( 213 ) وفي غيرها ، وسنعود إلى بيان حكمته وحكمة خلق الإنسان مستعدا للاختلاف في تفسير آية سورة هود (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) ( 11 : 118 ) إلخ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=19وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السِّيَاقِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا ، أَنَّ
أَهْلَ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ دَأْبُهُمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ لِلْوَحْيِ الْمُحَمَّدِيِّ إِلَّا كَدَأْبِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأَقْوَامِ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ ، وَلَمْ يَكُونُوا فِي اسْتِعْجَالِ نَبِيِّهِمُ الْعَذَابَ إِلَّا كَالَّذِينِ اسْتَعْجَلُوا رُسُلَهُمُ الْعَذَابَ أَيْضًا ، وَتَقَدَّمَ فِيهِ بَيَانُ بَعْضِ طِبَاعِ الْبَشَرِ وَلَا سِيَّمَا الْكُفَّارِ فِي الرُّعُونَةِ وَالْعَجَلَةِ ، وَفِي الضَّرَاعَةِ إِلَى اللَّهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ وَنِسْيَانِهِ عِنْدَ الرَّخَاءِ ، وَفِي الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ بِدَعْوَى أَنَّ لَهُمْ شُفَعَاءَ عِنْدَ اللَّهِ يَدْفَعُونَ عَنْهُمُ الضُّرَّ وَيَجْلِبُونَ لَهُمُ النَّفْعَ بِوَجَاهَتِهِمْ عِنْدَهُ ، ثُمَّ جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَيَانِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْوَحْدَةِ ، وَمَا صَارُوا عَلَيْهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ ، فَالتَّنَاسُبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28981وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ) قِيلَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ هُنَا الْعَرَبُ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا حُنَفَاءَ عَلَى مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنْ ظَهَرَ فِيهِمْ
عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ الَّذِي ابْتَدَعَ لَهُمْ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ وَصَنَعَ لَهُمُ الْأَصْنَامَ - كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ - فَاخْتَلَفُوا بِأَنْ أَشْرَكَ بَعْضُهُمْ وَثَبَتَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ آخَرُونَ .
وَقِيلَ : وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، إِنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ الْبَشَرِيُّ فِي جُمْلَتِهِ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْفِطْرَةِ ، إِذْ كَانُوا يَعِيشُونَ عِيشَةَ السَّذَاجَةِ وَالْوَحْدَةِ كَأُسْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، حَتَّى كَثُرُوا وَتَفَرَّقُوا فَصَارُوا عَشَائِرَ فَقَبَائِلَ فَشُعُوبًا تَخْتَلِفُ حَاجَاتُهَا وَتَتَعَارَضُ مَنَافِعُهَا ، فَتَتَعَادَى وَتَتَقَاتَلُ فِي التَّنَازُعِ فِيهَا ، فَبَعَثَ اللَّهُ فِيهِمُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ لِهِدَايَتِهِمْ ، وَإِزَالَةِ الِاخْتِلَافِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ نَفْسِهِ أَيْضًا بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَاتِّبَاعًا لِأَهْوَائِهِمْ ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ هَذَا فِي تَفْسِيرِ ( 2 : 213 ) وَأَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا .
[ ص: 269 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=19وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) أَيْ وَلَوْلَا كَلِمَةُ حَقٍّ فَاصِلَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ فِي جَعْلِ جَزَاءِ النَّاسِ الْعَامِّ فِي الْآخِرَةِ ، لَعَجَّلَهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِإِهْلَاكِ الْمُبْطِلِينَ الْبَاغِينَ مِنْهُمْ ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْكَلِمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=93إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( 93 ) وَمِثْلُهُ فِي سُوَرٍ أُخْرَى .
وَالْآيَةُ تَتَضَمَّنُ الْوَعِيدَ عَلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ الْمُفْضِي إِلَى الشِّقَاقِ وَالْعُدْوَانِ ، وَلَا سِيَّمَا الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ لِإِزَالَةِ الشِّقَاقِ بِحُكْمِهِ ، وَإِدَالَةِ الْوَحْدَةِ وَالْوِفَاقِ مِنْهُ ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَحِكْمَتُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْبَقَرَةِ ( 213 ) وَفِي غَيْرِهَا ، وَسَنَعُودُ إِلَى بَيَانِ حِكْمَتِهِ وَحِكْمَةِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مُسْتَعِدًّا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ هُودٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ) ( 11 : 118 ) إِلَخْ .