( الفصل الثالث )
( في فضله - صلى الله عليه وسلم - على أمته ، وحقوقه الواجبة عليها ، وحكم إخلالها بها وتقصيرها فيها )
( وهي ثلاثة أقسام )
( القسم الأول في
nindex.php?page=treesubj&link=11467_29397صفاته الخاصة وفيه بضع مزايا وفضائل )
( الأول ) وصف الله تعالى إياه بأنه صلوات الله وسلامه عليه في الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61أذن خير ) ( 9 : 61 ) في الرد الحكيم على قول بعض المنافقين (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61هو أذن ) ( 9 : 61 ) يعنون أنه يصدق كل ما يقال له فيسهل عليهم خداعه ، وقد فسر وصفه بأنه أذن خير بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) ( 9 : 61 ) ووجه الرد عليهم بهذا أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما يؤمن بالله : ويصدق ما يوجبه إليه في شأن المنافقين وغيرهم ، وهو التصديق القطعي اليقيني ، ويليه أنه يصدق المؤمنين بالله تعالى وبرسالته تصديق ثقة بهم وائتمان لهم فيما هو خير في نفسه ، وخير للناس حتى المنافقين منهم ; لأنه لا يسمع سماع قبول إلا ما كان حقا وخيرا ، دون الكذب والغيبة والنميمة . راجع تفسيرها في ص 445 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) .
( الثانية ) وصفه تعالى إياه بعد ما ذكر بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ورحمة للذين آمنوا منكم ) ( 9 : 61 ) أي بما كان سببا لهدايتهم وإسباغ الله عليهم سعادة الدنيا والآخرة ، بإيمانهم به وعملهم بما دعاهم إليه من أسبابها ، دون المنافقين المكذبين أو المرتابين فيها ، وأما قوله تعالى في سورة الأنبياء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ( 21 : 107 ) فهو في معنى إرساله للناس كافة بما هو سبب الرحمة والسعادة . وما يأتي قريبا من وصفه بأنه رحيم بالمؤمنين فهو معنى آخر وستعرف الفرق بينهما .
( الثالثة ) وصفه في آية ( 103 ) بتطهير المؤمنين وتزكيتهم بما يأخذه منهم من الصدقات ،
[ ص: 91 ] وذلك أنه صلوات الله وسلامه عليه لم يكن مثله في تبليغه لفرض الصدقات والنفقات ، وفي أخذه لها وقسمتها على مستحقيها - كمثل الملوك والحكام الذين يجعلون المفروض على الناس من الأموال إتاوات وضرائب قهرية يؤدونها كما يؤدون سائر المغارم ، ويعتقدون أنها تنفق بحسب أهواء الملوك والحكام ، ويكون لهم منها أكبر نصيب بغير استحقاق ، وإنما كان - صلى الله عليه وسلم - يبين للمؤمنين حكمة ما فرضه الله تعالى ، وأن فيه خير الدنيا وسعادة الآخرة في أفرادهم وجماعتهم ، وكان يقسمه بين مستحقيه بالعدل ، ويحرم بإذن الله على نفسه وعلى أهل بيته أخذ شيء منه ، فبهذا وذاك أسند الله تعالى إليه فعل التطهير والتزكية لهم ، وهو داخل في حكمة بعثته في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) ( 62 : 2 ) وتجد التفصيل في تفسير الآية ( بأول هذا الجزء ) .
( الرابعة ) وصف دعائه للمتصدقين بعد ما ذكر بأنه : ( سكن لهم ) ( 9 : 103 ) تطمئن به قلوبهم ، وترتاح إليه أنفسهم ، ويثقون بقبول الله لصدقاتهم ، ونقول : إن كل مؤمن متصدق مخلص يناله حظ من دعائه - صلى الله عليه وسلم - للمتصدقين إلى يوم القيامة ، ولكن لم يرد في القرآن ولا في السنة ولا في سيرة الصحابة والتابعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلب منه بعد وفاته الدعاء لأحد .
( الخامسة ) وصفه تعالى إياه بما امتن به على قومه من قوله في خاتمة السورة (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم ) ( 9 : 128 ) فأثبت له شدة الحب لهم والحرص على هدايتهم وسعادتهم ، وأنه يعز ويشق عليه أن يصيبهم العنت والإرهاق في دينهم أو دنياهم .
( السادسة ) وصفه بعد ما تقدم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بالمؤمنين رءوف رحيم ) ( 9 : 128 ) وهاتان الصفتان من أعظم صفات الربوبية غير الخاصة بالله عز وجل إلا في كمالهما .
nindex.php?page=treesubj&link=30984_31052ورأفته ورحمته - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمنين غير إرسال الله تعالى إياه رحمة لهم خاصة ، وغير إرساله رحمة للناس كافة ، فإن رحمته بهم من صفات نفسه الشريفة القدسية التي ظهر أثرها في سياسته ومعاشرته لهم ، وتأديبه إياهم ، وتنفيذ حكم الله تعالى فيهم ، كما ترى في هذه السورة كغيرها ، وشواهد سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تفسيرها ، فتأمل خطبته - صلى الله عليه وسلم - في
الأنصار في أثر إنكار بعض شبانهم وعوامهم حرمانه إياهم من غنائم
حنين ( ص 229 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) فهي العجب العجاب ، والكمال الذي لم يتم لبشر كما تم له - عليه الصلاة والسلام - .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=30984_31052إرساله رحمة للعالمين وللمؤمنين فهو بيان لحكمة رسالته وفوائدها فيما اشتملت عليه
[ ص: 92 ] من الحق والعدل والخير التي هي أسباب رحمة الله ومثوبته ورضوانه لمن اهتدى بها كما تقدم بيانه في محله .
( القسم الثاني فيما يجب له على أمته وفيه خمس واجبات )
( الأول )
nindex.php?page=treesubj&link=28750وجوب حبه - صلى الله عليه وسلم - بالتبع لحب الله تعالى وفي الدرجة التي تلي درجته في ثمرة الإيمان ، وتفضيل نوع حبها على كل ما يجب بمقتضى الفطرة ومصالح الدنيا ، فراجع بيان ذلك في تفسير الآية ( 24 ) تجد فيه ما لا تجد مثله في تفسير آخر ( ص 202 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) .
( الثاني ) وجوب تحري مرضاته بالتبع لمرضاة الله عز وجل في الآية ( 62 ) .
( الثالث ) وجوب طاعته بالتبع لطاعة الله في صفات المؤمنين من الآية ( 71 ) .
( الرابع ) وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=18275النصح له بالتبع للنصح لله عز وجل في صفات المعذورين في التخلف عن القتال من الآية ( 91 ) .
وهذه الواجبات له قد ذكرت في الفصل الأول من هذا الباب في سياق آخر .
( الخامس )
nindex.php?page=treesubj&link=25031وجوب نصره كما يؤخذ من آية (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه فقد نصره الله ) ( 9 : 40 ) ويؤيدها ما يأتي في القسم الثالث من حظر التخلف عنه .
( القسم الثالث فيما يحظر عليهم من إيذاء وتقصير في حقه وهو خمسة محظورات ) :
( الأول ) حظر إيذائه - فداؤه أبي وأمي ونفسي - والوعيد عليه في الآية ( 61 ) .
( الثاني ) حظر محادته أي معاداته ، والوعيد عليها في الآية ( 63 ) .
( الثالث ) الكفر الصريح بالاستهزاء به في الآية ( 65 ) .
( الرابع ) حظر القعود عن الخروج معه للجهاد في الآيتين ( 81 و 90 ) .
( الخامس ) حظر تخلفهم عنه والرغبة بأنفسهم عن نفسه في الآية ( 120 ) . وهذا تعبير بليغ جدا يتضمن أن كل من يصون نفسه عن جهاد وعمل ، بذل الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه فيه ، فهو مفضل لنفسه على نفسه الكريمة في عهده ، ويمكن أن يقال ذلك فيمن بعده وإن كان الفرق بين الحالين ظاهرا من ناحية ملاحظة ذلك وعدمها ، ومن ناحية قيام الحجة على من كان معه بما لا تقوم به على من لم يكن معه فضلا عمن بعده ، وإنما نعني بالإمكان أنه ينبغي لكل مؤمن أن يتأسى به - صلى الله عليه وسلم - في بذله ماله ونفسه لله والجهاد في سبيل الله بقدر إمكانه (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=21لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) ( 33 : 21 ) فراجع تفسير الآية ( في أول هذا الجزء ) .
( الْفَصْلُ الثَّالِثُ )
( فِي فَضْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ ، وَحُقُوقِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا ، وَحُكْمِ إِخْلَالِهَا بِهَا وَتَقْصِيرِهَا فِيهَا )
( وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ )
( الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=11467_29397صِفَاتِهِ الْخَاصَّةِ وَفِيهِ بِضْعُ مَزَايَا وَفَضَائِلَ )
( الْأَوَّلُ ) وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِأَنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61أُذُنُ خَيْرٍ ) ( 9 : 61 ) فِي الرَّدِّ الْحَكِيمِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61هُوَ أُذُنٌ ) ( 9 : 61 ) يَعْنُونَ أَنَّهُ يُصَدِّقُ كُلَّ مَا يُقَالُ لَهُ فَيَسْهُلُ عَلَيْهِمْ خِدَاعُهُ ، وَقَدْ فَسَّرَ وَصْفَهُ بِأَنَّهُ أُذُنُ خَيْرٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( 9 : 61 ) وَوَجْهُ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ : وَيُصَدِّقُ مَا يُوجِبُهُ إِلَيْهِ فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْقَطْعِيُّ الْيَقِينِيُّ ، وَيَلِيهِ أَنَّهُ يُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَتِهِ تَصْدِيقَ ثِقَةٍ بِهِمْ وَائْتِمَانٍ لَهُمْ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ ، وَخَيْرٌ لِلنَّاسِ حَتَّى الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ سَمَاعَ قَبُولٍ إِلَّا مَا كَانَ حَقًّا وَخَيْرًا ، دُونَ الْكَذِبِ وَالْغَيْبَةِ وَالنَّمِيمَةِ . رَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي ص 445 وَمَا بَعْدَهَا ج 10 ط الْهَيْئَةِ ) .
( الثَّانِيَةُ ) وَصْفُهُ تَعَالَى إِيَّاهُ بَعْدَ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) ( 9 : 61 ) أَيْ بِمَا كَانَ سَبَبًا لِهِدَايَتِهِمْ وَإِسْبَاغِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، بِإِيمَانِهِمْ بِهِ وَعَمَلِهِمْ بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِهَا ، دُونَ الْمُنَافِقِينَ الْمُكَذِّبِينَ أَوِ الْمُرْتَابِينَ فِيهَا ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ( 21 : 107 ) فَهُوَ فِي مَعْنَى إِرْسَالِهِ لِلنَّاسِ كَافَّةً بِمَا هُوَ سَبَبُ الرَّحْمَةِ وَالسَّعَادَةِ . وَمَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مَعْنَى آخَرُ وَسَتَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا .
( الثَّالِثَةُ ) وَصْفُهُ فِي آيَةِ ( 103 ) بِتَطْهِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَزْكِيَتِهِمْ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ ،
[ ص: 91 ] وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي تَبْلِيغِهِ لِفَرْضِ الصَّدَقَاتِ وَالنَّفَقَاتِ ، وَفِي أَخْذِهِ لَهَا وَقِسْمَتِهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا - كَمِثْلِ الْمُلُوكِ وَالْحُكَّامِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْمَفْرُوضَ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْأَمْوَالِ إِتَاوَاتٍ وَضَرَائِبَ قَهْرِيَّةً يُؤَدُّونَهَا كَمَا يُؤَدُّونَ سَائِرَ الْمَغَارِمِ ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تُنْفَقُ بِحَسَبِ أَهْوَاءِ الْمُلُوكِ وَالْحُكَّامِ ، وَيَكُونُ لَهُمْ مِنْهَا أَكْبَرُ نَصِيبٍ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ ، وَإِنَّمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُ لِلْمُؤْمِنِينَ حِكْمَةَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَنَّ فِيهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَسَعَادَةَ الْآخِرَةِ فِي أَفْرَادِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ ، وَكَانَ يُقَسِّمُهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ بِالْعَدْلِ ، وَيَحْرُمُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَبِهَذَا وَذَاكَ أَسْنَدَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ فِعْلَ التَّطْهِيرِ وَالتَّزْكِيَةِ لَهُمْ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي حِكْمَةِ بَعْثَتِهِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ( 62 : 2 ) وَتَجِدُ التَّفْصِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ( بِأَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ ) .
( الرَّابِعَةُ ) وَصْفُ دُعَائِهِ لِلْمُتَصَدِّقِينَ بَعْدَ مَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ : ( سَكَنٌ لَهُمْ ) ( 9 : 103 ) تَطْمَئِنُّ بِهِ قُلُوبُهُمْ ، وَتَرْتَاحُ إِلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ ، وَيَثِقُونَ بِقَبُولِ اللَّهِ لِصَدَقَاتِهِمْ ، وَنَقُولُ : إِنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُتَصَدِّقٍ مُخْلِصٍ يَنَالُهُ حَظٌّ مِنْ دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُتَصَدِّقِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي سِيرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْلُبُ مِنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ الدُّعَاءَ لِأَحَدٍ .
( الْخَامِسَةُ ) وَصْفُهُ تَعَالَى إِيَّاهُ بِمَا امْتَنَّ بِهِ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ فِي خَاتِمَةِ السُّورَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) ( 9 : 128 ) فَأَثْبَتَ لَهُ شِدَّةَ الْحُبِّ لَهُمْ وَالْحِرْصِ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ ، وَأَنَّهُ يَعِزُّ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُصِيبَهُمُ الْعَنَتُ وَالْإِرْهَاقُ فِي دِينِهِمْ أَوْ دُنْيَاهُمْ .
( السَّادِسَةُ ) وَصْفُهُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ( 9 : 128 ) وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ غَيْرِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا فِي كَمَالِهِمَا .
nindex.php?page=treesubj&link=30984_31052وَرَأْفَتُهُ وَرَحْمَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ إِرْسَالِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ رَحْمَةً لَهُمْ خَاصَّةً ، وَغَيْرُ إِرْسَالِهِ رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً ، فَإِنَّ رَحْمَتَهُ بِهِمْ مِنْ صِفَاتِ نَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ الْقُدْسِيَّةِ الَّتِي ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي سِيَاسَتِهِ وَمُعَاشَرَتِهِ لَهُمْ ، وَتَأْدِيبِهِ إِيَّاهُمْ ، وَتَنْفِيذِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ ، كَمَا تَرَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ كَغَيْرِهَا ، وَشَوَاهِدِ سِيرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَفْسِيرِهَا ، فَتَأَمَّلْ خُطْبَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
الْأَنْصَارِ فِي أَثَرِ إِنْكَارِ بَعْضِ شُبَّانِهِمْ وَعَوَامِّهِمْ حِرْمَانَهُ إِيَّاهُمْ مِنْ غَنَائِمِ
حُنَيْنٍ ( ص 229 وَمَا بَعْدَهَا ج 10 ط الْهَيْئَةِ ) فَهِيَ الْعَجَبُ الْعُجَابُ ، وَالْكَمَالُ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ لِبَشَرٍ كَمَا تَمَّ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30984_31052إِرْسَالُهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ بَيَانٌ لِحِكْمَةِ رِسَالَتِهِ وَفَوَائِدِهَا فِيمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ
[ ص: 92 ] مِنَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْخَيْرِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُ رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَثُوبَتِهِ وَرِضْوَانِهِ لِمَنِ اهْتَدَى بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ .
( الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا يَجِبُ لَهُ عَلَى أُمَّتِهِ وَفِيهِ خَمْسُ وَاجِبَاتٍ )
( الْأَوَّلُ )
nindex.php?page=treesubj&link=28750وُجُوبُ حُبِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّبَعِ لِحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي دَرَجَتَهُ فِي ثَمَرَةِ الْإِيمَانِ ، وَتَفْضِيلِ نَوْعِ حُبِّهَا عَلَى كُلِّ مَا يَجِبُ بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَمَصَالِحِ الدُّنْيَا ، فَرَاجِعْ بَيَانَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ( 24 ) تَجِدْ فِيهِ مَا لَا تَجِدُ مَثَلَهُ فِي تَفْسِيرٍ آخَرَ ( ص 202 وَمَا بَعْدَهَا ج 10 ط الْهَيْئَةِ ) .
( الثَّانِي ) وُجُوبُ تَحَرِّي مَرْضَاتِهِ بِالتَّبَعِ لِمَرْضَاةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ ( 62 ) .
( الثَّالِثُ ) وُجُوبُ طَاعَتِهِ بِالتَّبَعِ لِطَاعَةِ اللَّهِ فِي صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْآيَةِ ( 71 ) .
( الرَّابِعُ ) وُجُوبُ
nindex.php?page=treesubj&link=18275النُّصْحِ لَهُ بِالتَّبَعِ لِلنُّصْحِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي صِفَاتِ الْمَعْذُورِينَ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْقِتَالِ مِنَ الْآيَةِ ( 91 ) .
وَهَذِهِ الْوَاجِبَاتُ لَهُ قَدْ ذُكِرَتْ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي سِيَاقٍ آخَرَ .
( الْخَامِسُ )
nindex.php?page=treesubj&link=25031وُجُوبُ نَصْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ آيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) ( 9 : 40 ) وَيُؤَيِّدُهَا مَا يَأْتِي فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ حَظْرِ التَّخَلُّفِ عَنْهُ .
( الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِيمَا يَحْظُرُ عَلَيْهِمْ مِنْ إِيذَاءٍ وَتَقْصِيرٍ فِي حَقِّهِ وَهُوَ خَمْسَةُ مَحْظُورَاتٍ ) :
( الْأَوَّلُ ) حَظْرُ إِيذَائِهِ - فِدَاؤُهُ أَبِي وَأُمِّي وَنَفْسِي - وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ ( 61 ) .
( الثَّانِي ) حَظْرُ مُحَادَّتِهِ أَيْ مُعَادَاتِهِ ، وَالْوَعِيدُ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ ( 63 ) .
( الثَّالِثُ ) الْكُفْرُ الصَّرِيحُ بِالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ فِي الْآيَةِ ( 65 ) .
( الرَّابِعُ ) حَظْرُ الْقُعُودِ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ لِلْجِهَادِ فِي الْآيَتَيْنِ ( 81 و 90 ) .
( الْخَامِسُ ) حَظْرُ تَخَلُّفِهِمْ عَنْهُ وَالرَّغْبَةُ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْآيَةِ ( 120 ) . وَهَذَا تَعْبِيرٌ بَلِيغٌ جِدًّا يَتَضَمَّنُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصُونُ نَفْسَهُ عَنْ جِهَادٍ وَعَمَلٍ ، بَذَلَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسَهُ فِيهِ ، فَهُوَ مُفَضِّلٌ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ فِي عَهْدِهِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِيمَنْ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ ظَاهِرًا مِنْ نَاحِيَةِ مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ وَعَدَمِهَا ، وَمِنْ نَاحِيَةِ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ بِمَا لَا تَقُومُ بِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَضْلًا عَمَّنْ بَعْدَهُ ، وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالْإِمْكَانِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَتَأَسَّى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَذْلِهِ مَالَهُ وَنَفْسَهُ لِلَّهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِقَدْرِ إِمْكَانِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=21لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) ( 33 : 21 ) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ ( فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ ) .