(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194nindex.php?page=treesubj&link=28973_8195_8197الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )
[ ص: 171 ] لما خرج المؤمنون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - للنسك عام
الحديبية صدهم المشركون وقاتلوهم رميا بالسهام والحجارة ، وكان ذلك في ذي القعدة من الأشهر الحرم سنة ست ، ولو قابلهم المسلمون عامئذ بالمثل ولم يرض النبي بالصلح لاحتدم القتال ، ولما خرجوا في العام الآخر لعمرة القضاء ، وكرهوا قتال المشركين وإن اعتدوا ونكثوا العهد في الشهر الحرام - بين لهم أن المحظور في الأشهر الحرم إنما هو الاعتداء بالقتال دون المدافعة ، وأن ما عليه المشركون من الإصرار على الفتنة وإيذاء المؤمنين - لأنهم مؤمنون - هو أشد قبحا من القتل لإزالة الضرر العام وهو منعهم الحق وتأييدهم الشرك . ثم بين قاعدة عظيمة وهي أن الحرمات - أي : ما يجب احترامه والمحافظة عليه - يجب أن يجري فيه القصاص والمساواة فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ) ذكر هذه القاعدة حجة لوجوب مقاصة المشركين على انتهاك الشهر الحرام بمقابلتهم بالمثل ، ليكون شهر بشهر جزاء وفاقا .
وفي جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194والحرمات قصاص ) من الإيجاز ما ترى حسنه وإبداعه . ثم صرح بالأمر بالاعتداء على المعتدي مع مراعاة المماثلة - وإن كان يفهم مما قبله - لمكان كراهتهم للقتال في الحرم والشهر الحرام فقال تفريعا على القاعدة وتأييدا للحكم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وإنما يتحقق هذا فيما تتأتى فيه المماثلة ، وسمى الجزاء اعتداء للمشاكلة ، وقد استدل الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بالآية على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=9234قتل القاتل بمثل ما قتل به بأن يذبح إذا ذبح ، ويخنق إذا خنق ، ويغرق إذا أغرق ، وهكذا . وقال مثل ذلك في الغصب والإتلاف . والقصد أن يكون الجزاء على قدر الاعتداء بلا حيف ولا ظلم ، وأزيد على هذا ما هو أولى بالمقام وهو المماثلة في قتال الأعداء كقتل المجرمين بلا ضعف ولا تقصير ، فالمقاتل بالمدافع والقذائف النارية أو الغازية السامة يجب أن يقاتل بها ، وإلا فاتت
nindex.php?page=treesubj&link=7923_7921_7922_7924الحكمة لشرعية القتال وهي منع الظلم والعدوان ، والفتنة والاضطهاد ، وتقرير الحرية والأمان ، والعدل والإحسان . وهذه الشروط والآداب لا توجد إلا في الإسلام ; ولذلك قال تعالى بعد شرح القصاص والمماثلة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189واتقوا الله ) فلا تعتدوا على أحد ولا تبغوا ولا تظلموا في القصاص بأن تزيدوا في الإيذاء . وأكد الأمر بالتقوى بما بين من مزيتها وفائدتها فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194واعلموا أن الله مع المتقين ) بالمعونة والتأييد ، فإن المتقي هو صاحب الحق وبقاؤه هو الأصلح ، والعاقبة له في كل ما ينازعه به الباطل ; لأن من أصول التقوى اتقاء جميع أسباب الفشل والخذلان .
ولما كان الجهاد بالنفس - وهو القتال - يتوقف على
nindex.php?page=treesubj&link=27390الجهاد بالمال ، أمرهم به فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وأنفقوا في سبيل الله ) وهو عطف على ( قاتلوا ) رابط لأحكام القتال والحج بحكم الأموال السابق ، فهناك ذكر ما يحرم من أكل المال مجملا ، وهاهنا ذكر ما يجب من إنفاقه منه
[ ص: 172 ] كذلك . وسبيل الله هو طريق الخير والبر والدفاع عن الحق . ثم ذكر علة هذا الأمر وحكمته على ما هي سنته في ضمن حكم آخر . فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) بالإمساك عن الإنفاق في الاستعداد للقتال ; فإن ذلك يضعفكم ويمكن الأعداء من نواصيكم فتهلكون .
ويدخل في النهي التطوع في الحرب بغير علم بالطرق الحربية التي يعرفها العدو ، كما يدخل فيه كل مخاطرة غير مشروعة ، بأن تكون لاتباع الهوى لا لنصر الحق وتأييد حزبه .
وقال بعضهم : يدخل فيه الإسراف الذي يوقع صاحبه في الفقر المدقع ، فهو من قبيل (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) ( 7 : 31 ) .
وفسر (
الجلال ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195سبيل الله ) بطاعته : الجهاد وغيره . و ( التهلكة ) بالإمساك عن النفقة وترك الجهاد . قال : لأنه يقوي العدو عليكم . قال الأستاذ الإمام : أصاب مفسرنا وأجاد في تفسير هذه الآية ، وقال بعضهم في تفسير النهي عن التهلكة ; أي : لا تقاتلوا إلا حيث يغلب على ظنكم النصر وعدم الهزيمة . وهذا لا معنى له إذ لا يلتئم مع ما سبقه ، وقال بعضهم : إنه نهى عن الإسراف ، ولا يلتئم مع الأسلوب قبله وبعده ، وإنما الذي يلتئم ويناسب هو ما قاله (
الجلال ) وآخرون ، فالمعنى : إذا لم تبذلوا في سبيل الله وتأييد دينه كل ما تستطيعون من مال واستعداد فقد أهلكتم أنفسكم . وفي أسباب النزول عن
nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب الأنصاري قال : نزلت هذه الآية فينا معشر
الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا : إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ؟ فأنزل الله يرد علينا ما قلنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وأنفقوا ) الآية ، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو . رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي - وصححه -
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان والحاكم وغيرهم .
وروي أنه قاله لما خاطر رجل من المسلمين في
القسطنطينية فدخل في صف
الروم فقال الناس : ألقى بيديه إلى التهلكة . فقال
أبو أيوب : أيها الناس إنكم تؤولون هذه الآية ، وذكره .
أقول : وبيانه أن المشركين كانوا بالمرصاد للمؤمنين وهم كثيرون فلو انصرفوا عن الاستعداد للجهاد إلى تثمير الأموال لاغتالوهم ، وإصلاح الأموال واستثمارها في هذا الزمان هو أساس القوة ، فقوى الدول على قدر ثروتها ، فالأمة التي تقصر في توفير الثروة هي التي تلقي بأيديها إلى التهلكة ، والتي تقصر في الإنفاق في سبيل الله للاستعداد لقتال من يعتدي عليها تكون أدنى إلى التهلكة ، ولا ثروة مع الظلم ، ولا عدل مع الحكم المطلق الاستبدادي .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195nindex.php?page=treesubj&link=28973_19801_19803_19804وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) الأمر بالإحسان على عمومه ; أي : أحسنوا كل أعمالكم وأتقنوها فلا تهملوا إتقان شيء منها ، ويدخل فيه التطوع بالإنفاق .
وقد زعم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة بآية سورة براءة ( التوبة ) التي يسمونها آية السيف . وهاك ما قاله الأستاذ الإمام : محصل تفسير الآيات ينطبق على ما ورد من سبب
[ ص: 173 ] نزولها ، وهو إباحة القتال للمسلمين في الإحرام بالبلد الحرام والشهر الحرام إذا بدأهم المشركون بذلك ، وألا يبقوا عليهم إذا نكثوا عهدهم واعتدوا في هذه المرة ، وحكمها باق مستمر لا ناسخ ولا منسوخ ; فالكلام فيها متصل بعضه ببعض في واقعة واحدة فلا حاجة إلى تمزيقه ، ولا إلى إدخال آية براءة فيه ، وقد نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه لا نسخ فيها ، ومن حمل الأمر بالقتال فيها على عمومه - ولو مع انتفاء الشرط - فقد أخرجها عن أسلوبها وحملها ما لا تحمل .
وآيات سورة آل عمران نزلت في غزوة
أحد وكان المشركون هم المعتدين . وآيات الأنفال نزلت في غزوة
بدر الكبرى وكان المشركون هم المعتدين أيضا . وكذلك آيات سورة براءة نزلت في ناكثي العهد من المشركين ولذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=7فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) ( 9 : 7 ) وقال بعد ذكر نكثهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=13ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة ) ( 9 : 13 ) الآيات .
كان المشركون يبدءون المسلمين بالقتال لأجل إرجاعهم عن دينهم ، ولو لم يبدءوا في كل واقعة لكان اعتداؤهم بإخراج الرسول من بلده وفتنة المؤمنين وإيذاؤهم ومنع الدعوة - كل ذلك كافيا في اعتبارهم معتدين ، فقتال النبي - صلى الله عليه وسلم - كله كان مدافعة عن الحق وأهله وحماية لدعوة الحق ; ولذلك كان تقديم الدعوة شرطا لجواز القتال ; وإنما تكون الدعوة بالحجة والبرهان لا بالسيف والسنان ، فإذا منعنا من الدعوة بالقوة بأن هدد الداعي أو قتل فعلينا أن نقاتل لحماية الدعاة ونشر الدعوة لا للإكراه على الدين ; فالله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) ( 2 : 256 ) ويقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ( 10 : 99 ) وإذا لم يوجد من يمنع الدعوة ويؤذي الدعاة أو يقتلهم أو يهدد الأمن ويعتدي على المؤمنين ، فالله تعالى لا يفرض علينا القتال ; لأجل سفك الدماء وإزهاق الأرواح ، ولا لأجل الطمع في الكسب .
ولقد كانت
nindex.php?page=treesubj&link=7919حروب الصحابة في الصدر الأول لأجل حماية الدعوة ومنع المسلمين من تغلب الظالمين لا لأجل العدوان ،
فالروم كانوا يعتدون على حدود البلاد العربية التي دخلت حوزة الإسلام ويؤذونهم ، وأولياؤهم من العرب المتنصرة يؤذون من يظن به من المسلمين .
وكان
الفرس أشد إيذاء للمؤمنين فقد مزقوا كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورفضوا دعوته وهددوا رسوله وكذلك كانوا يفعلون ، وما كان بعد ذلك من الفتوحات الإسلامية اقتضته طبيعة الملك ولم يكن كله موافقا لأحكام الدين ، فإن من طبيعة الكون أن يبسط القوي
[ ص: 174 ] يده على جاره الضعيف ، ولم تعرف أمة قوية أرحم في فتوحاتها بالضعفاء من الأمة العربية ، شهد لها علماء الإفرنج بذلك .
وجملة القول في القتال أنه شرع للدفاع عن الحق وأهله وحماية الدعوة ونشرها ، فعلى من يدعي من الملوك والأمراء أنه يحارب للدين أن يحيي الدعوة الإسلامية ، ويعد لها عدتها من العلم والحجة بحسب حال العصر وعلومه ، ويقرن ذلك بالاستعداد التام لحمايتها من العدوان ، ومن عرف حال الدعاة إلى الدين عند الأمم الحية وطرق الاستعداد لحمايتهم يعرف ما يجب في ذلك وما ينبغي له في هذا العصر .
وبما قررناه بطل ما يهذي به أعداء الإسلام - حتى من المنتمين إليه - من زعمهم أن الإسلام قام بالسيف ، وقول الجاهلين المتعصبين : إنه ليس دينا إلهيا ; لأن الإله الرحيم لا يأمر بسفك الدماء ، وأن العقائد الإسلامية خطر على المدنية ; فكل ذلك باطل ، والإسلام هو الرحمة العامة للعالمين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194nindex.php?page=treesubj&link=28973_8195_8197الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
[ ص: 171 ] لَمَّا خَرَجَ الْمُؤْمِنُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنُّسُكِ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَقَاتَلُوهُمْ رَمْيًا بِالسِّهَامِ وَالْحِجَارَةِ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ سَنَةَ سِتٍّ ، وَلَوْ قَابَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَامَئِذٍ بِالْمِثْلِ وَلَمْ يَرْضَ النَّبِيُّ بِالصُّلْحِ لَاحْتَدَمَ الْقِتَالُ ، وَلَمَّا خَرَجُوا فِي الْعَامِ الْآخَرِ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ، وَكَرِهُوا قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ وَإِنِ اعْتَدَوْا وَنَكَثُوا الْعَهْدَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ - بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْمَحْظُورَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِنَّمَا هُوَ الِاعْتِدَاءُ بِالْقِتَالِ دُونَ الْمُدَافَعَةِ ، وَأَنَّ مَا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْفِتْنَةِ وَإِيذَاءِ الْمُؤْمِنِينَ - لِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ - هُوَ أَشَدُّ قُبْحًا مِنَ الْقَتْلِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَهُوَ مَنْعُهُمُ الْحَقَّ وَتَأْيِيدُهُمُ الشِّرْكَ . ثُمَّ بَيَّنَ قَاعِدَةً عَظِيمَةً وَهِيَ أَنَّ الْحُرُمَاتِ - أَيْ : مَا يَجِبُ احْتِرَامُهُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ - يَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْقِصَاصِ وَالْمُسَاوَاةُ فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ) ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ حُجَّةً لِوُجُوبِ مُقَاصَّةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى انْتِهَاكِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِمُقَابَلَتِهِمْ بِالْمَثْلِ ، لِيَكُونَ شَهْرٌ بِشَهْرٍ جَزَاءً وِفَاقًا .
وَفِي جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ) مِنَ الْإِيجَازِ مَا تَرَى حُسْنَهُ وَإِبْدَاعَهُ . ثُمَّ صَرَّحَ بِالْأَمْرِ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَى الْمُعْتَدِي مَعَ مُرَاعَاةِ الْمُمَاثَلَةِ - وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ مِمَّا قَبْلَهُ - لِمَكَانِ كَرَاهَتِهِمْ لِلْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَالَ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَاعِدَةِ وَتَأْيِيدًا لِلْحُكْمِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فِيمَا تَتَأَتَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ ، وَسَمَّى الْجَزَاءَ اعْتِدَاءً لِلْمُشَاكَلَةِ ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=9234قَتْلِ الْقَاتِلِ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ بِأَنْ يُذْبَحَ إِذَا ذَبَحَ ، وَيُخْنَقَ إِذَا خَنَقَ ، وَيُغْرَقَ إِذَا أَغْرَقَ ، وَهَكَذَا . وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ . وَالْقَصْدُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ عَلَى قَدْرِ الِاعْتِدَاءِ بِلَا حَيْفٍ وَلَا ظُلْمٍ ، وَأَزْيَدُ عَلَى هَذَا مَا هُوَ أَوْلَى بِالْمَقَامِ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ فِي قِتَالِ الْأَعْدَاءِ كَقَتْلِ الْمُجْرِمِينَ بِلَا ضَعْفٍ وَلَا تَقْصِيرٍ ، فَالْمُقَاتِلُ بِالْمَدَافِعِ وَالْقَذَائِفِ النَّارِيَّةِ أَوِ الْغَازِيَةِ السَّامَّةِ يَجِبُ أَنْ يُقَاتَلَ بِهَا ، وَإِلَّا فَاتَتِ
nindex.php?page=treesubj&link=7923_7921_7922_7924الْحِكْمَةُ لِشَرْعِيَّةِ الْقِتَالِ وَهِيَ مَنْعُ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَالْفِتْنَةِ وَالِاضْطِهَادِ ، وَتَقْرِيرُ الْحُرِّيَّةِ وَالْأَمَانِ ، وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ . وَهَذِهِ الشُّرُوطُ وَالْآدَابُ لَا تُوجَدُ إِلَّا فِي الْإِسْلَامِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ شَرْحِ الْقِصَاصِ وَالْمُمَاثَلَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وَاتَّقُوا اللَّهَ ) فَلَا تَعْتَدُوا عَلَى أَحَدٍ وَلَا تَبْغُوا وَلَا تَظْلِمُوا فِي الْقِصَاصِ بِأَنْ تَزِيدُوا فِي الْإِيذَاءِ . وَأَكَّدَ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى بِمَا بَيَّنَ مِنْ مَزِيَّتِهَا وَفَائِدَتِهَا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) بِالْمَعُونَةِ وَالتَّأْيِيدِ ، فَإِنَّ الْمُتَّقِيَ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَبَقَاؤُهُ هُوَ الْأَصْلَحُ ، وَالْعَاقِبَةُ لَهُ فِي كُلِّ مَا يُنَازِعُهُ بِهِ الْبَاطِلُ ; لِأَنَّ مِنْ أُصُولِ التَّقْوَى اتِّقَاءَ جَمِيعِ أَسْبَابِ الْفَشَلِ وَالْخِذْلَانِ .
وَلَمَّا كَانَ الْجِهَادُ بِالنَّفْسِ - وَهُوَ الْقِتَالُ - يَتَوَقَّفُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=27390الْجِهَادِ بِالْمَالِ ، أَمَرَهُمْ بِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى ( قَاتِلُوا ) رَابِطٌ لِأَحْكَامِ الْقِتَالِ وَالْحَجِّ بِحُكْمِ الْأَمْوَالِ السَّابِقِ ، فَهُنَاكَ ذَكَرَ مَا يَحْرُمُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ مُجْمَلًا ، وَهَاهُنَا ذَكَرَ مَا يَجِبُ مِنْ إِنْفَاقِهِ مِنْهُ
[ ص: 172 ] كَذَلِكَ . وَسَبِيلُ اللَّهِ هُوَ طَرِيقُ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ وَالدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ . ثُمَّ ذَكَرَ عِلَّةَ هَذَا الْأَمْرِ وَحِكْمَتَهُ عَلَى مَا هِيَ سُنَّتُهُ فِي ضِمْنِ حُكْمٍ آخَرَ . فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) بِالْإِمْسَاكِ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي الِاسْتِعْدَادِ لِلْقِتَالِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُكُمْ وَيُمَكِّنُ الْأَعْدَاءَ مِنْ نَوَاصِيكُمْ فَتَهْلِكُونَ .
وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ التَّطَوُّعُ فِي الْحَرْبِ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِالطُّرُقِ الْحَرْبِيَّةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْعَدُوُّ ، كَمَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مُخَاطَرَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ ، بِأَنْ تَكُونَ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى لَا لِنَصْرِ الْحَقِّ وَتَأْيِيدِ حِزْبِهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَدْخُلُ فِيهِ الْإِسْرَافُ الَّذِي يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ) ( 7 : 31 ) .
وَفَسَّرَ (
الْجَلَالُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195سَبِيلِ اللَّهِ ) بِطَاعَتِهِ : الْجِهَادُ وَغَيْرُهُ . وَ ( التَّهْلُكَةِ ) بِالْإِمْسَاكِ عَنِ النَّفَقَةِ وَتَرْكِ الْجِهَادِ . قَالَ : لِأَنَّهُ يُقَوِّي الْعَدُوَّ عَلَيْكُمْ . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : أَصَابَ مُفَسِّرُنَا وَأَجَادَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَفْسِيرِ النَّهْيِ عَنِ التَّهْلُكَةِ ; أَيْ : لَا تُقَاتِلُوا إِلَّا حَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّكُمُ النَّصْرُ وَعَدَمُ الْهَزِيمَةِ . وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ إِذْ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ مَا سَبَقَهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ نَهَى عَنِ الْإِسْرَافِ ، وَلَا يَلْتَئِمُ مَعَ الْأُسْلُوبِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْتَئِمُ وَيُنَاسِبُ هُوَ مَا قَالَهُ (
الْجَلَالُ ) وَآخَرُونَ ، فَالْمَعْنَى : إِذَا لَمْ تَبْذُلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِ دِينِهِ كُلَّ مَا تَسْتَطِيعُونَ مِنْ مَالٍ وَاسْتِعْدَادٍ فَقَدْ أَهْلَكْتُمْ أَنْفُسَكُمْ . وَفِي أَسْبَابِ النُّزُولِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=50أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا : إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَأَنْفِقُوا ) الْآيَةَ ، فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الْإِقَامَةَ عَلَى الْأَمْوَالِ وَإِصْلَاحِهَا وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ - وَصَحَّحَهُ -
nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَهُ لَمَّا خَاطَرَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي
الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَدَخَلَ فِي صَفِّ
الرُّومِ فَقَالَ النَّاسُ : أَلْقَى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ . فَقَالَ
أَبُو أَيُّوبَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تُؤَوِّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ ، وَذَكَرَهُ .
أَقُولُ : وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا بِالْمِرْصَادِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ كَثِيرُونَ فَلَوِ انْصَرَفُوا عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ إِلَى تَثْمِيرِ الْأَمْوَالِ لَاغْتَالُوهُمْ ، وَإِصْلَاحُ الْأَمْوَالِ وَاسْتِثْمَارُهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ هُوَ أَسَاسُ الْقُوَّةِ ، فَقُوى الدُّوَلِ عَلَى قَدْرِ ثَرْوَتِهَا ، فَالْأُمَّةُ الَّتِي تُقَصِّرُ فِي تَوْفِيرِ الثَّرْوَةِ هِيَ الَّتِي تُلْقِي بِأَيْدِيهَا إِلَى التَّهْلُكَةِ ، وَالَّتِي تُقَصِّرُ فِي الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِلِاسْتِعْدَادِ لِقِتَالِ مَنْ يَعْتَدِي عَلَيْهَا تَكُونُ أَدْنَى إِلَى التَّهْلُكَةِ ، وَلَا ثَرْوَةَ مَعَ الظُّلْمِ ، وَلَا عَدْلَ مَعَ الْحُكْمِ الْمُطْلَقِ الِاسْتِبْدَادِيِّ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195nindex.php?page=treesubj&link=28973_19801_19803_19804وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) الْأَمْرُ بِالْإِحْسَانِ عَلَى عُمُومِهِ ; أَيْ : أَحْسِنُوا كُلَّ أَعْمَالِكُمْ وَأَتْقِنُوهَا فَلَا تُهْمِلُوا إِتْقَانَ شَيْءٍ مِنْهَا ، وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّطَوُّعُ بِالْإِنْفَاقِ .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ ( التَّوْبَةِ ) الَّتِي يُسَمُّونَهَا آيَةَ السَّيْفِ . وَهَاكَ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : مُحَصِّلُ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ يَنْطَبِقُ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ سَبَبِ
[ ص: 173 ] نُزُولِهَا ، وَهُوَ إِبَاحَةُ الْقِتَالِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ إِذَا بَدَأَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ ، وَأَلَّا يُبْقُوا عَلَيْهِمْ إِذَا نَكَثُوا عَهْدَهُمْ وَاعْتَدَوْا فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ ، وَحُكْمُهَا بَاقٍ مُسْتَمِرٌّ لَا نَاسِخَ وَلَا مَنْسُوخَ ; فَالْكَلَامُ فِيهَا مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَمْزِيقِهِ ، وَلَا إِلَى إِدْخَالِ آيَةِ بَرَاءَةٌ فِيهِ ، وَقَدْ نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّهُ لَا نَسْخَ فِيهَا ، وَمَنْ حَمَلَ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ فِيهَا عَلَى عُمُومِهِ - وَلَوْ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ - فَقَدْ أَخْرَجَهَا عَنْ أُسْلُوبِهَا وَحَمَّلَهَا مَا لَا تَحْمِلُ .
وَآيَاتُ سُورَةِ آلَ عِمْرَانَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ
أُحُدٍ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ هُمُ الْمُعْتَدِينَ . وَآيَاتُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ
بَدْرٍ الْكُبْرَى وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ هُمُ الْمُعْتَدِينَ أَيْضًا . وَكَذَلِكَ آيَاتُ سُورَةِ بَرَاءَةٌ نَزَلَتْ فِي نَاكِثِي الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلِذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=7فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) ( 9 : 7 ) وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ نِكْثِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=13أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) ( 9 : 13 ) الْآيَاتِ .
كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْدَءُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ لِأَجْلِ إِرْجَاعِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَلَوْ لَمْ يَبْدَءُوا فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ لَكَانَ اعْتِدَاؤُهُمْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مِنْ بَلَدِهِ وَفِتْنَةُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِيذَاؤُهُمْ وَمَنْعُ الدَّعْوَةِ - كُلُّ ذَلِكَ كَافِيًا فِي اعْتِبَارِهِمْ مُعْتَدِينَ ، فَقِتَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُ كَانَ مُدَافَعَةً عَنِ الْحَقِّ وَأَهْلِهِ وَحِمَايَةً لِدَعْوَةِ الْحَقِّ ; وَلِذَلِكَ كَانَ تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ شَرْطًا لِجَوَازِ الْقِتَالِ ; وَإِنَّمَا تَكُونُ الدَّعْوَةُ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ لَا بِالسَّيْفِ وَالسِّنَّانِ ، فَإِذَا مُنِعْنَا مِنَ الدَّعْوَةِ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ هُدِّدَ الدَاعِي أَوْ قُتِلَ فَعَلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَ لِحِمَايَةِ الدُّعَاةِ وَنَشْرِ الدَّعْوَةِ لَا لِلْإِكْرَاهِ عَلَى الدِّينِ ; فَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ( 2 : 256 ) وَيَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ( 10 : 99 ) وَإِذَا لَمْ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ الدَّعْوَةَ وَيُؤْذِي الدُّعَاةَ أَوْ يَقْتُلُهُمْ أَوْ يُهَدِّدُ الْأَمْنَ وَيَعْتَدِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَفْرِضُ عَلَيْنَا الْقِتَالَ ; لِأَجْلِ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَإِزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ ، وَلَا لِأَجْلِ الطَّمَعِ فِي الْكَسْبِ .
وَلِقَدْ كَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=7919حُرُوبُ الصَّحَابَةِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لِأَجْلِ حِمَايَةِ الدَّعْوَةِ وَمَنْعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَغَلُّبِ الظَّالِمِينَ لَا لِأَجْلِ الْعُدْوَانِ ،
فَالرُّومُ كَانُوا يَعْتَدُونَ عَلَى حُدُودِ الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي دَخَلَتْ حَوْزَةَ الْإِسْلَامِ وَيُؤْذُونَهُمْ ، وَأَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الْمُتَنَصِّرَةِ يُؤْذُونَ مَنْ يُظَنُّ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
وَكَانَ
الْفُرْسُ أَشَدَّ إِيذَاءً لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ مَزَّقُوا كِتَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَفَضُوا دَعْوَتَهُ وَهَدَّدُوا رَسُولَهُ وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفُتُوحَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ اقْتَضَتْهُ طَبِيعَةُ الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُ مُوَافِقًا لِأَحْكَامِ الدِّينِ ، فَإِنَّ مِنْ طَبِيعَةِ الْكَوْنِ أَنْ يَبْسُطَ الْقَوِيُّ
[ ص: 174 ] يَدَهُ عَلَى جَارِهِ الضَّعِيفِ ، وَلَمْ تُعْرَفْ أُمَّةٌ قَوِيَّةٌ أَرْحَمَ فِي فُتُوحَاتِهَا بِالضُّعَفَاءِ مِنَ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ ، شَهِدَ لَهَا عُلَمَاءُ الْإِفْرِنْجِ بِذَلِكَ .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي الْقِتَالِ أَنَّهُ شُرِعَ لِلدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ وَأَهْلِهِ وَحِمَايَةِ الدَّعْوَةِ وَنَشْرِهَا ، فَعَلَى مَنْ يَدَّعِي مِنَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ أَنَّهُ يُحَارِبُ لِلدِّينِ أَنْ يُحْيِيَ الدَّعْوَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ ، وَيُعِدَّ لَهَا عُدَّتَهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْحُجَّةِ بِحَسَبِ حَالِ الْعَصْرِ وَعُلُومِهِ ، وَيَقْرِنُ ذَلِكَ بِالِاسْتِعْدَادِ التَّامِّ لِحِمَايَتِهَا مِنَ الْعُدْوَانِ ، وَمَنْ عَرَفَ حَالَ الدُّعَاةِ إِلَى الدِّينِ عِنْدَ الْأُمَمِ الْحَيَّةِ وَطُرُقَ الِاسْتِعْدَادِ لِحِمَايَتِهِمْ يَعْرِفُ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ فِي هَذَا الْعَصْرِ .
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ بَطَلَ مَا يَهْذِي بِهِ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ - حَتَّى مِنَ الْمُنْتَمِينَ إِلَيْهِ - مِنْ زَعْمِهِمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ قَامَ بِالسَّيْفِ ، وَقَوْلُ الْجَاهِلِينَ الْمُتَعَصِّبِينَ : إِنَّهُ لَيْسَ دِينًا إِلَهِيًّا ; لِأَنَّ الْإِلَهَ الرَّحِيمَ لَا يَأْمُرُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ ، وَأَنَّ الْعَقَائِدَ الْإِسْلَامِيَّةَ خَطَرٌ عَلَى الْمَدَنِيَّةِ ; فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ ، وَالْإِسْلَامُ هُوَ الرَّحْمَةُ الْعَامَّةُ لِلْعَالَمِينَ .