ثم
nindex.php?page=treesubj&link=19627_19626_19577وصف الصابرين المستحقين للبشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) أي : قالوا هذا القول معبرين به عن حالهم ومقتضى إيمانهم ، وليس المراد بالقول مجرد النطق بهذه الكلمة على أن يحفظوها حفظا ، أو يلفظوها لفظا ، وإن كانوا لا يعقلون لها معنى ، وإنما المراد التلبس بمعناها والتحقق في الإيمان بأنهم من خلق الله وملك الله وإلى الله يرجعون ، فهو الذي بيده ملكوت كل شيء ، ولا يفعل إلا ما سبقت به الحكمة ، وارتضاه النظام الإلهي المعبر عنه بالسنة ، بحيث ينطلق اللسان بالكلمة بدافع الشعور بهذا المعنى وتمكنه من النفس ، فأصحاب هذا الاعتقاد والشعور هم الجديرون بالصبر إيمانا وتسليما بحيث لا يملك الجزع نفوسهم ، ولا تقعد المصائب هممهم ، بل تزيدهم ثباتا ومثابرة فيكونون هم الفائزين .
nindex.php?page=treesubj&link=19577_19604_29480ولا ينافي الصبر والتثبت ما يكون من حزن الإنسان عند نزول المصيبة ; بل ذلك من الرحمة ورقة القلب ، ولو فقد الإنسان هذه الرحمة لكان قاسيا لا يرجى خيره ولا يؤمن شره ، وإنما الجزع المذموم هو الذي يحمل صاحبه على ترك الأعمال المشروعة لأجل المصيبة والأخذ بعادات وأعمال مذمومة ضارة ينهى عنها الشرع ويستقبحها العقل ، كما نشاهد من جماهير الناس في المصائب والنوائب . وقد ورد في الصحيحين ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=918650أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى عندما حضر ولده إبراهيم عليه السلام الموت ، وقيل له : أليس قد نهيتنا عن ذلك ؟ فأخبر أنها الرحمة ، وقال : إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) ) رواه الشيخان من حديث
أنس . وفائدة الإخبار بالبلاء
[ ص: 34 ] قبل وقوعه توطين النفس عليه واستعدادها لتحمله والاستفادة منه ( ( ما من دهي بالأمر كالمعتد ) ) هذا إن لم يقترن بالخبر إرشاد وتعليم ، فكيف إذا اقترنت به هداية العزيز العليم ؟
ذكر البلاء وبشر الصابرين عليه ، وذكر الوصف الذي يستحقون به البشارة ، وختم القول ببيان الجزاء المبشر به بالإجمال فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157nindex.php?page=treesubj&link=19572_28973_19577أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ) أي أولئك الصابرون المحتسبون عليهم من ربهم الرءوف الرحيم ما يحول دون تبريح المصائب بهم من أنواع صلواته العامة ورحمته الخاصة ، فأما الصلوات فالمراد بها أنواع التكريم والنجاح ، وإعلاء المنزلة عند الله والناس ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ( ( أنها المغفرة لذنوبهم ) ) وأما الرحمة فهي ما يكون لهم في نفس المصيبة من حسن العزاء ، وبرد الرضى والتسليم للقضاء ، فهي رحمة خاصة يحسد الملحدون عليها المؤمنين ، فإن الكافر المحروم من هذه الرحمة في المصيبة تضيق عليه الدنيا بما رحبت ، حتى إنه ليبخع نفسه إذا لم يعد له رجاء في الأسباب التي يعرفها وينتحر بيده ويكون من الهالكين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157وأولئك هم المهتدون ) أي : إلى ما ينبغي عمله في أوقات المصائب والشدائد إذ لا يستحوذ الجزع على نفوسهم ، ولا يذهب البلاء بالأمل من قلوبهم ، فيكونون هم الفائزين بخير الدنيا والراحة فيها ، المستعدين لسعادة الآخرة بعلو النفس وتزكيتها بمكارم الأخلاق وصالح الأعمال ، دون أهل الجزع وضعف الإيمان ، كما تدل عليه الجملة الإسمية المعرفة الطرفين المؤكدة بضمير الفصل .
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19627_19626_19577وَصَفَ الصَّابِرِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْبِشَارَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) أَيْ : قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ مُعَبِّرِينَ بِهِ عَنْ حَالِهِمْ وَمُقْتَضَى إِيمَانِهِمْ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ مُجَرَّدَ النُّطْقِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوهَا حِفْظًا ، أَوْ يَلْفِظُوهَا لَفْظًا ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ لَهَا مَعْنًى ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّلَبُّسُ بِمَعْنَاهَا وَالتَّحَقُّقُ فِي الْإِيمَانِ بِأَنَّهُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَمُلْكِ اللَّهِ وَإِلَى اللَّهِ يَرْجِعُونَ ، فَهُوَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا سَبَقَتْ بِهِ الْحِكْمَةُ ، وَارْتَضَاهُ النِّظَامُ الْإِلَهِيُّ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسُّنَّةِ ، بِحَيْثُ يَنْطَلِقُ اللِّسَانُ بِالْكَلِمَةِ بِدَافِعِ الشُّعُورِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَتَمَكُّنِهِ مِنَ النَّفْسِ ، فَأَصْحَابُ هَذَا الِاعْتِقَادِ وَالشُّعُورِ هُمُ الْجَدِيرُونَ بِالصَّبْرِ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ الْجَزَعُ نُفُوسَهُمْ ، وَلَا تُقْعِدُ الْمَصَائِبُ هِمَمَهُمْ ، بَلْ تَزِيدُهُمْ ثَبَاتًا وَمُثَابَرَةً فَيَكُونُونَ هُمُ الْفَائِزِينَ .
nindex.php?page=treesubj&link=19577_19604_29480وَلَا يُنَافِي الصَّبْرَ وَالتَّثَبُّتَ مَا يَكُونُ مِنْ حُزْنِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ نُزُولِ الْمُصِيبَةِ ; بَلْ ذَلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَرِقَّةِ الْقَلْبِ ، وَلَوْ فَقَدَ الْإِنْسَانُ هَذِهِ الرَّحْمَةَ لَكَانَ قَاسِيًا لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ ، وَإِنَّمَا الْجَزَعُ الْمَذْمُومُ هُوَ الَّذِي يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى تَرْكِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوعَةِ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ وَالْأَخْذِ بِعَادَاتٍ وَأَعْمَالٍ مَذْمُومَةٍ ضَارَّةٍ يَنْهَى عَنْهَا الشَّرْعُ وَيَسْتَقْبِحُهَا الْعَقْلُ ، كَمَا نُشَاهِدُ مِنْ جَمَاهِيرِ النَّاسِ فِي الْمَصَائِبِ وَالنَّوَائِبِ . وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=918650أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَى عِنْدَمَا حَضَرَ وَلَدَهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَوْتُ ، وَقِيلَ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ نَهَيْتَنَا عَنْ ذَلِكَ ؟ فَأَخْبَرَ أَنَّهَا الرَّحْمَةُ ، وَقَالَ : إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ) ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ . وَفَائِدَةُ الْإِخْبَارِ بِالْبَلَاءِ
[ ص: 34 ] قَبْلَ وُقُوعِهِ تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَيْهِ وَاسْتِعْدَادُهَا لِتَحَمُّلِهِ وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ ( ( مَا مَنْ دُهِّيَ بِالْأَمْرِ كَالْمُعْتَدِّ ) ) هَذَا إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْخَبَرِ إِرْشَادٌ وَتَعْلِيمٌ ، فَكَيْفَ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ هِدَايَةُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ؟
ذَكَرَ الْبَلَاءَ وَبَشَّرَ الصَّابِرِينَ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الْوَصْفَ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْبِشَارَةَ ، وَخَتَمَ الْقَوْلَ بِبَيَانِ الْجَزَاءِ الْمُبَشَّرِ بِهِ بِالْإِجْمَالِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157nindex.php?page=treesubj&link=19572_28973_19577أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) أَيْ أُولَئِكَ الصَّابِرُونَ الْمُحْتَسِبُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمِ الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ مَا يَحُولُ دُونَ تَبْرِيحِ الْمَصَائِبِ بِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ صَلَوَاتِهِ الْعَامَّةِ وَرَحْمَتِهِ الْخَاصَّةِ ، فَأَمَّا الصَّلَوَاتُ فَالْمُرَادُ بِهَا أَنْوَاعُ التَّكْرِيمِ وَالنَّجَاحِ ، وَإِعْلَاءُ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَالنَّاسِ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : ( ( أَنَّهَا الْمَغْفِرَةُ لِذُنُوبِهِمْ ) ) وَأَمَّا الرَّحْمَةُ فَهِيَ مَا يَكُونُ لَهُمْ فِي نَفْسِ الْمُصِيبَةِ مِنْ حُسْنِ الْعَزَاءِ ، وَبَرَدِ الرِّضَى وَالتَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ ، فَهِيَ رَحْمَةٌ خَاصَّةٌ يَحْسُدُ الْمُلْحِدُونَ عَلَيْهَا الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّ الْكَافِرَ الْمَحْرُومَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ فِي الْمُصِيبَةِ تَضِيقُ عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِمَا رَحُبَتْ ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَبْخَعُ نَفْسَهُ إِذَا لَمْ يَعُدْ لَهُ رَجَاءٌ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي يَعْرِفُهَا وَيَنْتَحِرُ بِيَدِهِ وَيَكُونُ مِنَ الْهَالِكِينَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) أَيْ : إِلَى مَا يَنْبَغِي عَمَلُهُ فِي أَوْقَاتِ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ إِذْ لَا يَسْتَحْوِذُ الْجَزَعُ عَلَى نُفُوسِهِمْ ، وَلَا يَذْهَبُ الْبَلَاءُ بِالْأَمَلِ مِنْ قُلُوبِهِمْ ، فَيَكُونُونَ هُمُ الْفَائِزِينَ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالرَّاحَةِ فِيهَا ، الْمُسْتَعِدِّينَ لِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ بِعُلُوِّ النَّفْسِ وَتَزْكِيَتِهَا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ ، دُونَ أَهْلِ الْجَزَعِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْإِسْمِيَّةُ الْمُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ الْمُؤَكَّدَةُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ .