(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28978ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=81إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=83فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=84وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) .
[ ص: 453 ] nindex.php?page=treesubj&link=31878قصة لوط عليه السلام
خير ما يعرف به
لوط عليه السلام أنه ابن أخي
إبراهيم خليل الرحمن ( صلى الله على نبينا وعليهما وسلم ) كما في كتب الأنساب وسفر التكوين ، وفيه أن اسم والده (
حاران ) وأنه ولد في (
أور الكلدانيين ) وهي في طرف الجانب الشرقي من جنوب
العراق الغربي من ولاية
البصرة - وكانت تلك البقعة تسمى أرض
بابل . وأنه بعد موت والده سافر مع عمه
إبراهيم صلى الله عليهما وسلم إلى ما بين النهرين الذي كان يسمى جزيرة
قورا ، ومنه ما يسمى الآن
بجزيرة nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وهو مكان تحيط به
دجلة فقط ( وهنالك كانت مملكة
أشور ) فإلى أرض
كنعان من
سورية . ثم أسكنه
إبراهيم في شرق
الأردن باختياره لها لجودة مراعيها ، وكان في ذلك المكان - المسمى
بعمق السديم بقرب
البحر الميت الذي سمي
ببحر لوط أيضا - القرى أو المدن الخمس :
سدوم وعمورة وأدمة وصبوبيم وبالع التي سميت بعد ذلك
صوغر لصغرها ، فسكن
لوط عليه السلام في عاصمتها
سدوم التي كانت تعمل الخبائث ، ولا يعلم أحد الآن أين كانت تلك القرى من جوار
بحر لوط إذ لو لم يوجد من الآثار ما يدل عليها ، فمن المؤرخين من يظن أن البحر غمر موضعها ولا دليل على ذلك . وكانت
عمورة تلي
سدوم في الكبر وفي الفساد ، وهما اللتان يحفظ اسمهما الناس إلى الآن .
واسم
لوط مصروف وإن كان أعجميا لكونه ثلاثيا ساكن الوسط
كنوح ، وقال بعض المفسرين : إنه عربي من مادة لاط الشيء بالشيء لوطا أي لصق به ، ولكن بعض
أهل الكتاب يقول : إن معنى كلمة
لوط بالعبرانية " ستر " فهي من الكلمات التي تختلف معنى مادتها العربية عن مادتها العبرية والسريانية أختي العربية الصغريين ، على أنه يقرب منه فإن اللصوق ضرب من الستر . ويراجع ما ذكرناه في لغة
إبراهيم في تفسير الآية ( 74 س 6 ) [ ص 445 وما بعدها ج 7 ط الهيئة ] قال تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=80ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ) النسق الذي قبل هذا يقتضي أن يكون المعنى : وأرسلنا
لوطا - ولكن حذف هنا متعلق الإرسال وركنه الأول وهو توحيد العبادة للعلم به مما قبله ومما ذكر في غير هذه السورة ، أي أرسلناه في الوقت الذي أنكر على قومه
nindex.php?page=treesubj&link=31880فعل الفاحشة فيما بلغهم من دعوى الرسالة ، وقيل : إن
لوطا منصوب بفعل مقدر ، أي واذكر
لوطا إذ قال لقومه موبخا لهم : أتفعلون الفعلة البالغة منتهى القبح والفحش ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=80ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) بل هي من مبتدعاتكم في الفساد ، فأنتم فيها قدوة سوء ، فعليكم وزرها ومثل أوزار من يتبعكم فيها إلى يوم القيامة . فالجملة استئناف نحوي أو بياني يؤكد التوبيخ ببيان أنه فساد مخالف لمقتضى الفطرة ولهداية الدين معا ، و " الباء " في قوله : ( بها ) للتعدية أو الملابسة أو الظرفية - أقوال . وقوله : ( من أحد ) يفيد تأكيد النفي وعمومه المستغرق
[ ص: 454 ] لكل البشر على الظاهر المتبادر وإن كان اللفظ يصدق بعالمي زمانهم ، ولكونهم هم المبتدعين لها اشتق العرب لها اسما من لوط فقالوا لاط به لواطة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=81nindex.php?page=treesubj&link=28978إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ) استئناف بياني مفسر للإتيان المجمل الذي قبله . والإتيان كناية عن الاستمتاع الذي عهد بمقتضى الفطرة بين الزوجين تدعو إليه الشهوة ويقصد به النسل ، وتعليله هنا بالشهوة وتجنب النساء بيان لخروجهم عن مقتضى الفطرة ، وما اشتملت عليه هذه الغريزة من الحكمة التي يقصدها الإنسان العاقل والحيوان الأعجم . فسجل عليهم بابتغاء الشهوة وحدها أنهم أخس من العجماوات وأضل سبيلا ، فإن ذكورها تطلب إناثها بسائق الشهوة لأجل النسل الذي يحفظ به نوع كل منها ، ألا ترى أن الطير والحشرات تبدأ حياتها الزوجية ببناء المساكن الصالحة لنسلها في راحته وحفظه مما يعدو عليه - من عش في أعلى شجرة أو وكنة في قلة جبل أو جحر في باطن الأرض أو غيل في داخل أجمة أو حرجة ؟ - وهؤلاء المجرمون لا غرض لهم إلا إرضاء حس الشهوة وقضاء وطر اللذة . ومن قصد الشهوات لذاتها ، تمتعا بلذاتها ، دون الفائدة التي خلقها الله تعالى لأجلها ، جنى على نفسه غائلة الإسراف فيها ، فانقلب نفعها ضرا ، وصار خيرها شرا ، يجعل الوسيلة مقصدا ، وصيرورة الإسراف فيه خلقا ؛ إذ الفعل يكون حينئذ عن داعية ثابتة لا عن علة عارضة ، فلا يزال صاحبه يعاوده حتى يكون ملكة راسخة له ، فتكرار العمل يكون الملكة ، والملكة تدعو إلى تكرار العمل والإصرار عليه ، وهذا وجه إضراب الانتقال من إسناد إتيان الفاحشة إليهم بفعل المضارع المفيد للتكرار والاستمرار إلى إسناد صفة الإسراف إليهم بقوله :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=81بل أنتم قوم مسرفون ) أي لستم تأتون هذه الفاحشة المرة بعد المرة بعد ندم وتوبة عقب كل مرة ، بل أنتم مسرفون فيها وفي سائر أعمالكم لا تقفون عند حد الاعتدال في عمل من الأعمال ، ففي سورة العنكبوت مكان هذه الآية - وما قبلها عين ما قبلها - (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=29أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ) ( 29 : 29 ) وفي سورة الشعراء مكان هذا الإضراب هنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=166بل أنتم قوم عادون ) ( 26 : 166 ) أي متجاوزون لحدود الفطرة وحدود الشريعة ، فهو بمعنى الإسراف ، وفي سورة النمل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=55بل أنتم قوم تجهلون ) ( 55 :27 ) وهو يشمل الجهل الذي هو ضد العلم ، والجهل الذي هو بمعنى السفه والطيش . ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مرزئين بفساد العقل والنفس ، بجمعهم بين الإسراف والعدوان
[ ص: 455 ] والجهل ، فلا هم يعقلون
nindex.php?page=treesubj&link=31880ضرر هذه الفاحشة في الجناية على النسل وعلى الصحة وعلى الفضيلة والآداب العامة ولا غيرها من منكراتهم - فيجتنبوها أو يجتنبوا الإسراف فيها - ولا هم على شيء من الحياء وحسن الخلق يصرفهم عن ذلك .
وما كان العلم بالضرر وحده ليصرف عن السوء والفساد ، إذا حرم صاحبه الفضائل ومكارم الأخلاق ، بل الفضائل الموهوبة بسلامة الفطرة ، عرضة للفساد بسوء القدوة ، إلا إذا رسخت بالفضائل المكسوبة بتربية الدين ، فإننا نعلم أن هذه الفاحشة فاشية بين أعرف الناس بمفاسدها ومضارها في الأبدان والأنفس ونظام الاجتماع من المتعلمين على الطريقة المدنية العصرية ، حتى الباحثين في الفلسفة منهم ، فقد بلغني عن بعضهم أنه قال لأخدانه : إن هذه الفعلة لا تحدث نقصا في النفس الناطقة ! ! ونقول : يا لها من فلسفة فاسقة أليسوا يستخفون بها من الناس حتى أشدهم استباحة للشهوات كالإفرنج لكي لا ينتقصوهم ويمتهنوهم ؟ أو ليسوا بذلك يشعرون بنقص أنفسهم الناطقة ودنسها ، فإن لم يشعر الفاعل ، أفلا يشعر القابل ؟ بلى ولكن قد يجهل كثير من الأحداث الذين يخدعون عن أنفسهم بهذه الفاحشة أنهم يصابون بداء الأبنة ، حتى إذا كبر أحدهم وصار لا يجد من الفساق من يرغب في إتيانه للاستمتاع به يبحث هو في الخفاء عمن يؤجر نفسه لهذا العمل من تحوت الفقراء وأراذل الخدم ، فيجعل له جعلا أو راتبا على إتيانه ، وهو لا يلبث أن يعاف هذا المنكر أو يعجز عن إرضاء صاحبه ( المهين عنده المحترم عند من لا يعرف حاله ) فينشد المأبون غيره ، ولا يزال يذل ويخزى في مساومة أفراد هذه الطبقة السفلى على نفسه حتى يفتضح أمره في البلد ، ويشتهر بل يشهر بين سائر طبقات الناس ، فإن أكثر التحوت الذين يعلونه لا يخجلون من إفشاء سرهم معه ؛ ولأنه كثيرا ما يعرض نفسه على من ليس منهم ويراودهم بالتصريح ، إذا لم يعرضوا عنه عندما يبدأ به من التعريض والتلويح ، أفنسي من ذكرنا من فلاسفة الفسق هذا الخزي ؟ أم يرون أنه لا يدنس النفس الناطقة بنقص ؟ فقبح
nindex.php?page=treesubj&link=31880اللواطة وفحشها ليس بكونها لذة بهيمية كما قيل ، إذ اللذة البهيمية لا قبح فيها لذاتها لأنها مقتضى الفطرة ومبدأ حكمة بقاء النسل ، بل فحشها باستعمالها بما يخالف مقتضى الفطرة وحكمتها ، وبما يترتب عليها من المضار البدنية والاجتماعية والأدبية الكثيرة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28978وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=81إِنَّكُمْ لَتَأْتُونِ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=83فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=84وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) .
[ ص: 453 ] nindex.php?page=treesubj&link=31878قِصَّةُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ
خَيْرُ مَا يُعْرَفُ بِهِ
لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ ابْنُ أَخِي
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ ) كَمَا فِي كُتُبِ الْأَنْسَابِ وَسِفْرِ التَّكْوِينِ ، وَفِيهِ أَنَّ اسْمَ وَالِدِهِ (
حَارَانُ ) وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي (
أُوَرِ الْكَلْدَانِيِّينَ ) وَهِيَ فِي طَرْفِ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ جَنُوبِ
الْعِرَاقِ الْغَرْبِيِّ مِنْ وِلَايَةِ
الْبَصْرَةِ - وَكَانَتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ تُسَمَّى أَرْضَ
بَابِلَ . وَأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ سَافَرَ مَعَ عَمِّهِ
إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ إِلَى مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى جَزِيرَةَ
قُورَا ، وَمِنْهُ مَا يُسَمَّى الْآنَ
بِجَزِيرَةِ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَكَانٌ تُحِيطُ بِهِ
دِجْلَةُ فَقَطْ ( وَهُنَالِكَ كَانَتْ مَمْلَكَةُ
أَشُورَ ) فَإِلَى أَرْضِ
كَنْعَانَ مِنْ
سُورِيَّةَ . ثُمَّ أَسْكَنَهُ
إِبْرَاهِيمُ فِي شَرْقِ
الْأُرْدُنِ بِاخْتِيَارِهِ لَهَا لِجَوْدَةِ مَرَاعِيهَا ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ - الْمُسَمَّى
بِعُمْقِ السَّدِيمِ بِقُرْبِ
الْبَحْرِ الْمَيِّتِ الَّذِي سُمِّيَ
بِبَحْرِ لُوطٍ أَيْضًا - الْقُرَى أَوِ الْمُدُنُ الْخَمْسُ :
سَدُومُ وَعَمُورَةُ وَأَدْمَةُ وَصَبُوبِيمُ وَبَالِعُ الَّتِي سُمِّيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ
صُوغَرَ لِصِغَرِهَا ، فَسَكنَ
لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَاصِمَتِهَا
سَدُومَ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ الْآنَ أَيْنَ كَانَتْ تِلْكَ الْقُرَى مِنْ جِوَارِ
بَحْرِ لُوطٍ إِذْ لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ، فَمِنَ الْمُؤَرِّخِينَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْبَحْرَ غَمَرَ مَوْضِعَهَا وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ . وَكَانَتْ
عَمُورَةُ تَلِي
سَدُومَ فِي الْكِبَرِ وَفِي الْفَسَادِ ، وَهُمَا اللَّتَانِ يَحْفَظُ اسْمَهُمَا النَّاسُ إِلَى الْآنِ .
وَاسْمُ
لُوطٍ مَصْرُوفٌ وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا لِكَوْنِهِ ثُلَاثِيًّا سَاكِنَ الْوَسَطِ
كَنُوحٍ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّهُ عَرَبِيٌّ مِنْ مَادَّةِ لَاطَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ لَوْطًا أَيْ لَصَقَ بِهِ ، وَلَكِنَّ بَعْضَ
أَهْلِ الْكِتَابِ يَقُولُ : إِنَّ مَعْنَى كَلِمَةِ
لُوطٍ بِالْعِبْرَانِيَّةِ " سَتْرٌ " فَهِيَ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ مَعْنَى مَادَّتِهَا الْعَرَبِيَّةِ عَنْ مَادَّتِهَا الْعِبْرِيَّةِ وَالسِّرْيَانِيَّةِ أُخْتَيِ الْعَرَبِيَّةِ الصُّغْرَيَيْنِ ، عَلَى أَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْهُ فَإِنَّ اللُّصُوقَ ضَرْبٌ مِنَ السَّتْرِ . وَيُرَاجَعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي لُغَةِ
إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ( 74 س 6 ) [ ص 445 وَمَا بَعْدَهَا ج 7 ط الْهَيْئَةِ ] قَالَ تَعَالَى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=80وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ) النَّسَقُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : وَأَرْسَلْنَا
لُوطًا - وَلَكِنْ حُذِفَ هُنَا مُتَعَلِّقُ الْإِرْسَالِ وَرُكْنُهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْعِبَادَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ ، أَيْ أَرْسَلْنَاهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَنْكَرَ عَلَى قَوْمِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=31880فِعْلَ الْفَاحِشَةِ فِيمَا بَلَغَهُمْ مِنْ دَعْوَى الرِّسَالَةِ ، وَقِيلَ : إِنَّ
لُوطًا مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ ، أَيْ وَاذْكُرْ
لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ مُوَبِّخًا لَهُمْ : أَتَفْعَلُونَ الْفِعْلَةَ الْبَالِغَةَ مُنْتَهَى الْقُبْحِ وَالْفُحْشِ ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=80مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ) بَلْ هِيَ مِنْ مُبْتَدَعَاتِكُمْ فِي الْفَسَادِ ، فَأَنْتُمْ فِيهَا قُدْوَةُ سُوءٍ ، فَعَلَيْكُمْ وِزْرُهَا وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ يَتْبَعَكُمْ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ نَحْوِيٌّ أَوْ بَيَانِيٌّ يُؤَكِّدُ التَّوْبِيخَ بِبَيَانِ أَنَّهُ فَسَادٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَلِهِدَايَةِ الدِّينِ مَعًا ، وَ " الْبَاءُ " فِي قَوْلِهِ : ( بِهَا ) لِلتَّعْدِيَةِ أَوِ الْمُلَابَسَةِ أَوِ الظَّرْفِيَّةِ - أَقْوَالٌ . وَقَوْلُهُ : ( مِنْ أَحَدٍ ) يُفِيدُ تَأْكِيدَ النَّفْيِ وَعُمُومَهُ الْمُسْتَغْرِقَ
[ ص: 454 ] لِكُلِّ الْبَشَرِ عَلَى الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يَصْدُقُ بِعَالِمِي زَمَانِهِمْ ، وَلِكَوْنِهِمْ هُمُ الْمُبْتَدِعِينَ لَهَا اشْتَقَّ الْعَرَبُ لَهَا اسْمًا مِنْ لُوطٍ فَقَالُوا لَاطَ بِهِ لِوَاطَةً .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=81nindex.php?page=treesubj&link=28978إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ) اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ مُفَسِّرٌ لِلْإِتْيَانِ الْمُجْمَلِ الَّذِي قَبْلَهُ . وَالْإِتْيَانُ كِنَايَةٌ عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي عُهِدَ بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَدْعُو إِلَيْهِ الشَّهْوَةُ وَيَقْصِدُ بِهِ النَّسْلَ ، وَتَعْلِيلُهُ هُنَا بِالشَّهْوَةِ وَتَجَنُّبِ النِّسَاءِ بَيَانٌ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ ، وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْغَرِيزَةُ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي يَقْصِدُهَا الْإِنْسَانُ الْعَاقِلُ وَالْحَيَوَانُ الْأَعْجَمُ . فَسَجَّلَ عَلَيْهِمْ بِابْتِغَاءِ الشَّهْوَةِ وَحْدَهَا أَنَّهُمْ أَخَسُّ مِنَ الْعَجْمَاوَاتِ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ، فَإِنَّ ذُكُورَهَا تَطْلُبُ إِنَاثَهَا بِسَائِقِ الشَّهْوَةِ لِأَجْلِ النَّسْلِ الَّذِي يُحْفَظُ بِهِ نَوْعُ كَلٍّ مِنْهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّيْرَ وَالْحَشَرَاتِ تَبْدَأُ حَيَاتَهَا الزَّوْجِيَّةَ بِبِنَاءِ الْمَسَاكِنِ الصَّالِحَةِ لِنَسْلِهَا فِي رَاحَتِهِ وَحِفْظِهِ مِمَّا يَعْدُو عَلَيْهِ - مِنْ عُشٍّ فِي أَعْلَى شَجَرَةٍ أَوْ وُكْنَةٍ فِي قُلَّةِ جَبَلٍ أَوْ جُحْرٍ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ أَوْ غِيلٍ فِي دَاخِلِ أَجَمَةٍ أَوْ حَرَجَةٍ ؟ - وَهَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ لَا غَرَضَ لَهُمْ إِلَّا إِرْضَاءُ حِسِّ الشَّهْوَةِ وَقَضَاءُ وَطَرِ اللَّذَّةِ . وَمَنْ قَصَدَ الشَّهَوَاتِ لِذَاتِهَا ، تَمَتُّعًا بِلَذَّاتِهَا ، دُونَ الْفَائِدَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَجْلِهَا ، جَنَى عَلَى نَفْسِهِ غَائِلَةَ الْإِسْرَافِ فِيهَا ، فَانْقَلَبَ نَفْعُهَا ضُرًّا ، وَصَارَ خَيْرُهَا شَرًّا ، يَجْعَلُ الْوَسِيلَةَ مَقْصِدًا ، وَصَيْرُورَةَ الْإِسْرَافِ فِيهِ خُلُقًا ؛ إِذِ الْفِعْلُ يَكُونُ حِينَئِذٍ عَنْ دَاعِيَةٍ ثَابِتَةٍ لَا عَنْ عِلَّةٍ عَارِضَةٍ ، فَلَا يَزَالُ صَاحِبُهُ يُعَاوِدُهُ حَتَّى يَكُونَ مَلَكَةً رَاسِخَةً لَهُ ، فَتَكْرَارُ الْعَمَلِ يُكَوِّنُ الْمَلَكَةَ ، وَالْمَلَكَةُ تَدْعُو إِلَى تَكْرَارِ الْعَمَلِ وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا وَجْهُ إِضْرَابِ الِانْتِقَالِ مِنْ إِسْنَادِ إِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ إِلَيْهِمْ بِفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُفِيدِ لِلتَّكْرَارِ وَالِاسْتِمْرَارِ إِلَى إِسْنَادِ صِفَةِ الْإِسْرَافِ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=81بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) أَيْ لَسْتُمْ تَأْتُونَ هَذِهِ الْفَاحِشَةَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ بَعْدَ نَدَمٍ وَتَوْبَةٍ عَقِبَ كُلِّ مَرَّةٍ ، بَلْ أَنْتُمْ مُسْرِفُونَ فِيهَا وَفِي سَائِرِ أَعْمَالِكُمْ لَا تَقِفُونَ عِنْدَ حَدِّ الِاعْتِدَالِ فِي عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ ، فَفِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ مَكَانُ هَذِهِ الْآيَةِ - وَمَا قَبْلَهَا عَيْنُ مَا قَبْلَهَا - (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=29أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونِ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) ( 29 : 29 ) وَفِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ مَكَانُ هَذَا الْإِضْرَابِ هُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=166بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ) ( 26 : 166 ) أَيْ مُتَجَاوِزُونَ لِحُدُودِ الْفِطْرَةِ وَحُدُودِ الشَّرِيعَةِ ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِسْرَافِ ، وَفِي سُورَةِ النَّمْلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=55بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) ( 55 :27 ) وَهُوَ يَشْمَلُ الْجَهْلَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعِلْمِ ، وَالْجَهْلَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى السَّفَهِ وَالطَّيْشِ . وَمَجْمُوعُ الْآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُرْزَئِينَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ ، بِجَمْعِهِمْ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْعُدْوَانِ
[ ص: 455 ] وَالْجَهْلِ ، فَلَا هُمْ يَعْقِلُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=31880ضَرَرَ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّسْلِ وَعَلَى الصِّحَّةِ وَعَلَى الْفَضِيلَةِ وَالْآدَابِ الْعَامَّةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ مُنْكَرَاتِهِمْ - فَيَجْتَنِبُوهَا أَوْ يَجْتَنِبُوا الْإِسْرَافَ فِيهَا - وَلَا هُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَيَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ يَصْرِفُهُمْ عَنْ ذَلِكَ .
وَمَا كَانَ الْعِلْمُ بِالضَّرَرِ وَحْدَهُ لِيَصْرِفَ عَنِ السُّوءِ وَالْفَسَادِ ، إِذَا حُرِمَ صَاحِبُهُ الْفَضَائِلَ وَمَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ ، بَلِ الْفَضَائِلُ الْمَوْهُوبَةُ بِسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ ، عُرْضَةٌ لِلْفَسَادِ بِسُوءِ الْقُدْوَةِ ، إِلَّا إِذَا رَسَخَتْ بِالْفَضَائِلِ الْمَكْسُوبَةِ بِتَرْبِيَةِ الدِّينِ ، فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْفَاحِشَةَ فَاشِيَةٌ بَيْنَ أَعْرَفِ النَّاسِ بِمَفَاسِدِهَا وَمَضَارِّهَا فِي الْأَبْدَانِ وَالْأَنْفُسِ وَنِظَامِ الِاجْتِمَاعِ مِنَ الْمُتَعَلِّمِينَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَدَنِيَّةِ الْعَصْرِيَّةِ ، حَتَّى الْبَاحِثِينَ فِي الْفَلْسَفَةِ مِنْهُمْ ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ لِأَخْدَانِهِ : إِنَّ هَذِهِ الْفِعْلَةَ لَا تُحْدِثُ نَقْصًا فِي النَّفْسِ النَّاطِقَةِ ! ! وَنَقُولُ : يَا لَهَا مِنْ فَلْسَفَةٍ فَاسِقَةٍ أَلَيْسُوا يَسْتَخِفُّونَ بِهَا مِنَ النَّاسِ حَتَّى أَشَدِّهِمُ اسْتِبَاحَةً لِلشَّهَوَاتِ كَالْإِفْرِنْجِ لِكَيْ لَا يَنْتَقِصُوهُمْ وَيَمْتَهِنُوهُمْ ؟ أَوَ لَيْسُوا بِذَلِكَ يَشْعُرُونَ بِنَقْصِ أَنْفُسِهِمُ النَّاطِقَةِ وَدَنَسِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَشْعُرِ الْفَاعِلُ ، أَفَلَا يَشْعُرُ الْقَابِلُ ؟ بَلَى وَلَكِنْ قَدْ يَجْهَلُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْدَاثِ الَّذِينَ يَخْدَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِهَذِهِ الْفَاحِشَةِ أَنَّهُمْ يُصَابُونَ بِدَاءِ الْأُبْنَةِ ، حَتَّى إِذَا كَبُرَ أَحَدُهُمْ وَصَارَ لَا يَجِدُ مِنَ الْفُسَّاقِ مَنْ يَرْغَبُ فِي إِتْيَانِهِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهِ يَبْحَثُ هُوَ فِي الْخَفَاءِ عَمَّنْ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ مِنْ تُحُوتِ الْفُقَرَاءِ وَأَرَاذِلِ الْخَدَمِ ، فَيَجْعَلُ لَهُ جَعْلًا أَوْ رَاتِبًا عَلَى إِتْيَانِهِ ، وَهُوَ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَعَافَ هَذَا الْمُنْكَرَ أَوْ يَعْجِزُ عَنْ إِرْضَاءِ صَاحِبِهِ ( الْمَهِينِ عِنْدَهُ الْمُحْتَرَمِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَالَهُ ) فَيَنْشُدُ الْمَأْبُونَ غَيْرَهُ ، وَلَا يَزَالُ يُذَلُّ وَيَخْزَى فِي مُسَاوَمَةِ أَفْرَادِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ السُّفْلَى عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَفْتَضِحَ أَمْرُهُ فِي الْبَلَدِ ، وَيَشْتَهِرَ بَلْ يُشْهَرُ بَيْنَ سَائِرِ طَبَقَاتِ النَّاسِ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ التُّحُوتِ الَّذِينَ يَعْلُونَهُ لَا يَخْجَلُونَ مِنْ إِفْشَاءِ سِرِّهِمْ مَعَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ وَيُرَاوِدُهُمْ بِالتَّصْرِيحِ ، إِذَا لَمْ يُعْرِضُوا عَنْهُ عِنْدَمَا يَبْدَأُ بِهِ مِنَ التَّعْرِيضِ وَالتَّلْوِيحِ ، أَفَنَسِيَ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ فَلَاسِفَةِ الْفِسْقِ هَذَا الْخِزْيَ ؟ أَمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يُدَنِّسُ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ بِنَقْصٍ ؟ فَقُبْحُ
nindex.php?page=treesubj&link=31880اللُّوَاطَةِ وَفُحْشُهَا لَيْسَ بِكَوْنِهَا لَذَّةً بَهِيمِيَّةً كَمَا قِيلَ ، إِذِ اللَّذَّةُ الْبَهِيمِيَّةُ لَا قُبْحَ فِيهَا لِذَاتِهَا لِأَنَّهَا مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَمَبْدَأُ حِكْمَةِ بَقَاءِ النَّسْلِ ، بَلْ فُحْشُهَا بِاسْتِعْمَالِهَا بِمَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَحِكْمَتَهَا ، وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَضَارِّ الْبَدَنِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْأَدَبِيَّةِ الْكَثِيرَةِ .