(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146nindex.php?page=treesubj&link=28973الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) ذكر في الآية السابقة أن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أن ما جاء به النبي في أمر القبلة هو الحق من ربهم ولكنهم ينكرون ويمكرون ، وذكر في هذه ما هو الأصل والعلة في ذلك العلم وذلك الإنكار ، وهو أنهم يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم - بما في كتبهم من البشارة به ومن نعوته وصفاته التي لا تنطبق على غيره ، وبما يظهر من آياته وآثار هدايته ، كما يعرفون أبناءهم الذين يتولون تربيتهم وحياطتهم حتى لا يفوتهم من أمرهم شيء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام رضي الله عنه - وكان من علماء
اليهود وأحبارهم : - أنا أعلم به مني بابني ، فقال له
عمر رضي الله عنه : لم ؟ قال : لأني لست أشك في
محمد أنه نبي ، فأما ولدي فلعل والدته خانت . فقد اعترف من هداه الله من أحبارهم كهذا العالم الجليل ،
nindex.php?page=showalam&ids=155وتميم الداري من علماء
النصارى أنهم عرفوه - صلى الله عليه وسلم - معرفة لا يتطرق إليها الشك (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) أنه الحق الذي لا مرية فيه ، فماذا يرجى منهم بعد هذا ؟ وذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير في ( يعرفونه ) لما ذكر من أمر القبلة ، واستبعدوا عوده إلى الرسول مع تقدم ذكره في الآيات ، ومع ما يعهد من الاكتفاء بالقرائن في مثل هذا التعبير . وقد أسند هذا الكتمان إلى فريق منهم إذ لم يكونوا كلهم كذلك ; فإن منهم من اعترف بالحق وآمن واهتدى به ، ومنهم من كان يجحده عن جهل ولو علم به لجاز أن يقبله ، وهذا من دقة حكم القرآن على الأمم بالعدل . ثم قال عز شأنه :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=147الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) الامتراء : الشك والتردد ، وإنما يعرض لمن لا يعرفون الحق ، والمعنى أن هذا الذي أنت عليه أيها الرسول هو الحق ، أو أن جنس الحق في الدين هو الوحي من عند ربك المعتني بشأنك ، فلا تلتفت إلى أوهام هؤلاء الجاحدين فإنها لا تصلح شبهة على الحق الصريح الذي علمك الله فتمتري به ، والنهي في هذه الآية كالوعيد في الآية السابقة وجه الخطاب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمراد أمته من كان منهم غير
[ ص: 18 ] راسخ في الإيمان ، وخشي عليه الاغترار بمظاهر أولئك المخادعين الذين يغتر بأمثالهم الأغرار في كل زمان ومكان ; ولذلك ارتد بفتنة القبلة بعض ضعفاء الإيمان .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146nindex.php?page=treesubj&link=28973الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ) ذَكَرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَلَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ وَيَمْكُرُونَ ، وَذَكَرَ فِي هَذِهِ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ وَذَلِكَ الْإِنْكَارِ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا فِي كُتُبِهِمْ مِنَ الْبِشَارَةِ بِهِ وَمِنْ نُعُوتِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي لَا تَنْطَبِقُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَبِمَا يَظْهَرُ مِنْ آيَاتِهِ وَآثَارِ هِدَايَتِهِ ، كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ تَرْبِيَتَهُمْ وَحِيَاطَتَهُمْ حَتَّى لَا يَفُوتَهُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ
الْيَهُودِ وَأَحْبَارِهِمْ : - أَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي بِابْنِي ، فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لِمَ ؟ قَالَ : لِأَنِّي لَسْتُ أَشُكُّ فِي
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَأَمَّا وَلَدِي فَلَعَلَّ وَالِدَتَهُ خَانَتْ . فَقَدِ اعْتَرَفَ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ مِنْ أَحْبَارِهِمْ كَهَذَا الْعَالِمِ الْجَلِيلِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=155وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ مِنْ عُلَمَاءِ
النَّصَارَى أَنَّهُمْ عَرَفُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْرِفَةً لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الشَّكُّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أَنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ ، فَمَاذَا يُرْجَى مِنْهُمْ بَعْدَ هَذَا ؟ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( يَعْرِفُونَهُ ) لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ الْقِبْلَةِ ، وَاسْتَبْعَدُوا عَوْدَهُ إِلَى الرَّسُولِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي الْآيَاتِ ، وَمَعَ مَا يُعْهَدُ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالْقَرَائِنِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ . وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْكِتْمَانَ إِلَى فَرِيقٍ مِنْهُمْ إِذْ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنِ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ وَآمَنَ وَاهْتَدَى بِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَجْحَدُهُ عَنْ جَهْلٍ وَلَوْ عَلِمَ بِهِ لَجَازَ أَنْ يَقْبَلَهُ ، وَهَذَا مِنْ دِقَّةِ حُكْمِ الْقُرْآنِ عَلَى الْأُمَمِ بِالْعَدْلِ . ثُمَّ قَالَ عَزَّ شَأْنُهُ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=147الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) الِامْتِرَاءُ : الشَّكُّ وَالتَّرَدُّدُ ، وَإِنَّمَا يَعْرِضُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ أَيُّهَا الرَّسُولُ هُوَ الْحَقُّ ، أَوْ أَنَّ جِنْسَ الْحَقِّ فِي الدِّينِ هُوَ الْوَحْيُ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ الْمُعْتَنِي بِشَأْنِكَ ، فَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى أَوْهَامِ هَؤُلَاءِ الْجَاحِدِينَ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ شُبْهَةً عَلَى الْحَقِّ الصَّرِيحِ الَّذِي عَلَّمَكَ اللَّهُ فَتَمْتَرِيَ بِهِ ، وَالنَّهْيُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَالْوَعِيدِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَجَّهَ الْخِطَابَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالْمُرَادُ أَمَّتُهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ
[ ص: 18 ] رَاسِخٍ فِي الْإِيمَانِ ، وَخُشِيَ عَلَيْهِ الِاغْتِرَارُ بِمَظَاهِرِ أُولَئِكَ الْمُخَادِعِينَ الَّذِينَ يَغْتَرُّ بِأَمْثَالِهِمُ الْأَغْرَارُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ; وَلِذَلِكَ ارْتَدَّ بِفِتْنَةِ الْقِبْلَةِ بَعْضُ ضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ .