(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140nindex.php?page=treesubj&link=28973أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ) ؟
قال الأستاذ الإمام : إن ( أم ) هنا معادلة لما قبلها خلافا ( للجلال ) ومن على رأيه القائلين : إنها بمعنى بل ، كأنه قال : أتقولون : إن هذا الامتياز لكم علينا والاختصاص بالقرب من الله دوننا هو من الله ، والحال أنه ربنا وربكم . . . إلخ ؟ أم تقولون : إن امتياز اليهودية أو النصرانية التي أنتم عليها بأن
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا عليها ؟ إن كنتم تقولون هذا فإن الله يكذبكم فيه ، وأنتم تعلمون أيضا أن اسمي اليهودية والنصرانية حدثا بعد هؤلاء ، بل حدث اسم اليهودية بعد
موسى ، واسم النصرانية بعد
عيسى ، كما حدث
لليهود تقاليد كثيرة صار مجموعها مميزا لهم . وأما
النصارى فجميع تقاليدهم الخاصة بهم المميزة للنصرانية حادثة ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=31980عيسى - عليه السلام - كان عدو التقاليد ، ولهذا كان
النصارى على كثرة ما أحدثوا أقرب إلى الإسلام ؛ لأنهم لم ينسوا جميعا كيف زلزل ( روح الله ) تقاليد
اليهود الظاهرة ما كان منها في التوراة وما لم يكن ، ولكن الذين ادعوا اتباعه زادوا عليهم من بعده في ابتداع التقاليد والرسوم .
وزعم بعض المفسرين أن هذه الآية نزلت في الرد على
اليهود ، إذ كانوا يقولون : إن
إبراهيم كان يهوديا ، وعلى
النصارى إذ كانوا يقولون : إنه كان نصرانيا ، قال الأستاذ الإمام : وهذا غير صحيح . كلا إن الآية نزلت في إقامة الحجة عليهم بأنهم يعتقدون أن
إبراهيم كان على الحق وأن ملته هي الملة الإلهية المرضية عند الله - تعالى - وإذا كان الأمر كذلك وكانت هذه التقاليد التي تقلدوها غير معروفة على عهد
إبراهيم فما بالهم صاروا ينوطون النجاة بها ، ويزعمون أن ما عداها كفر وضلال ؟ فهو لا يثبت لهم القول بأن
إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا ، وإنما يقول : إنهم لا يقدرون على القول بذلك لأن البداهة قاضية بكذبهم فيه ، ولذلك قال
[ ص: 403 ] لنبيه (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140قل أأنتم أعلم أم الله ) أي إذا كان الله قد ارتضى للناس ملة
إبراهيم باعترافكم وتصديق كتبكم ، وذلك قبل وجود اليهودية والنصرانية ، فلماذا لا ترضون أنتم تلك الملة لأنفسكم ؟ أأنتم أعلم بالمرضي عند الله أم الله أعلم بما يرضيه وما لا يرضيه ؟ لا شك أن الله يعلم وأنتم لا تعلمون .
وقد صرح
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري بأن قراءة ( أم يقولون ) بالتحتية شاذة ، وعلى القول بأنها سبعية يكون في الكلام التفات . ( وأقول ) : قراءة التاء هي
لابن عامر وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص ، وهي للخطاب ، وقراءة الياء للباقين ، فلا عبرة بعد
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير إياها شاذة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140nindex.php?page=treesubj&link=28973ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ) ؟ في هذا الاستفهام وجهان :
أحدهما : أنه متمم لما قبله من إقامة الحجة بملة
إبراهيم ، يقول : إن عندكم شهادة من الله بأن
إبراهيم كان على حق ، وكان مرضيا عند الله - تعالى - فإذا كتمتم ذلك لأجل الطعن بالإسلام ، فقد كتمتم شهادة الله ، وكنتم أظلم الظالمين ، وإذا اعترفتم به فإما أن تقولوا : إنكم أنتم أعلم من الله بما يرضيه ، وإما أن تقوم عليكم الحجة وتحق عليكم الكلمة إن لم تؤمنوا بما تدعون إليه من ملة
إبراهيم ، وأحد الأمرين ثابت ، لا يقبل مراوغة مباهت .
والوجه الثاني - وهو أظهر - أن الشهادة المكتومة هي شهادة الكتاب المبشرة بأن الله يبعث فيهم نبيا من بني إخوتهم ، وهم العرب أبناء
إسماعيل ، وكانوا - ولا يزالون - يكتمونها بالإنكار على غير المطلع على التوراة وبالتحريف على المطلع ، فهو يبين هنا - بعد إقامة الحجة بإبراهيم على أن زعمهم حصر الوحي في بني إسرائيل باطل - أن هناك شهادة صريحة بأن الله سيبعث فيهم نبيا من العرب ، فكان هذا دليلا ثالثا وراء الدليل العقلي المشار إليه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=139وهو ربنا وربكم ) والدليل الإلزامي المشار إليه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل ) . . . إلخ ، فكأنه يقول : إن هؤلاء إلا
nindex.php?page=treesubj&link=32424_32428مجادلون في الحق بعدما تبين ، مباهتون للنبي مع العلم بأنه نبي ، إذ ما كان لهم أن يشتبهوا في أمره بعد شهادة كتابهم له ؛ فإذا كان ظلمهم أنفسهم قد انتهى بهم إلى آخر حدود الظلم - وهو كتمان شهادة الله - تعالى - تعصبا لجنسيتهم الدينية ، التي ارتبط بها الرؤساء بالمرءوسين بروابط المنافع الدنيوية من مال وجاه - فكيف ينتظر منهم أن يصغوا إلى بيان ، أو يخضعوا لبرهان ؟ والاستفهام هنا يتضمن التوبيخ والتقريع المؤكدين بالوعيد في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140وما الله بغافل عما تعملون ) ، وإنما الجزاء على الأعمال ، ثم ختم المحاجة بتأكيد أمر العمل ، وعدم فائدة النسب فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=141nindex.php?page=treesubj&link=28973تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون ) وإنما تسئلون عن أعمالكم وتجازون عليها ، فلا ينفعكم ولا يضركم سواها ، وهذه قاعدة يثبتها كل دين قويم ، وكل عقل سليم ، ولكن قاعدة الوثنية القاضية باعتماد الناس في طلب سعادة الآخرة ، وبعض مصالح الدنيا على كرامات الصالحين تغلب مع الجهل كل دين وكل عقل ،
[ ص: 404 ] ومنع الجهل التقليد المانع من النظر في الأدلة العقلية والدينية جميعا ، اللهم إلا مكابرة الحس والعقل ، وتأويل نصوص الشرع ، تطبيقا لهما على ما يقول المقلدون المتبعون ( بفتح اللام والباء ) وقد أول المؤولون نصوص أديانهم تقريرا لاتباع رؤسائهم والاعتماد على جاههم في الآخرة ؛ لذلك جاء
nindex.php?page=treesubj&link=21404_30456القرآن يبالغ في تقرير قاعدة ارتباط السعادة بالعمل والكسب وتبيينها ، ونفي الانتفاع بالأنبياء والصالحين لمن لم يتأس بهم في العمل الصالح ؛ ولذلك أعاد هذه الآية بنصها في مقام محاجة
أهل الكتاب المفتخرين بسلفهم من الأنبياء العظام ، المعتمدين على شفاعتهم وجاههم وإن قصروا عن غيرهم في الأعمال . وفائدة الإعادة تأكيد تقرير قاعدة بناء السعادة على العمل دون الآباء والشفعاء ، بحيث لا يطمع في تأويل القول طامع ، والإشعار بمعنى يعطيه السياق هنا وهو : أن أعمال هؤلاء المجادلين المشاغبين من
أهل الكتاب مخالفة لأعمال سلفهم من الأنبياء ، فهم في الحقيقة على غير دينهم .
وقد سبق القول بأن الآية أفادت في وضعها الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=34021_30513إبراهيم وبنيه وحفدته ، قد مضوا إلى ربهم بسلامة قلوبهم وإخلاصهم في أعمالهم ، وانقطعت النسبة بينهم وبين من جاء بعدهم فتنكب طريقهم ، وانحرف عن صراطهم ، وإن أدلى إليهم بالنسب ، فكل واحد من السلف والخلف مجزي بعمله ، لا ينفع أحدا منهم عمل غيره من حيث هو عمل ذلك الغير ولا شخصه بالأولى ، وذلك أنها جاءت عقب بيان ملة
إبراهيم وإيصاء بعضهم بعضا بها ، وبيان دروجهم عليها ، ثم جاء بعد ذلك الاحتجاج على القوم بمن يعتقدون فيهم الخير والكمال ، وكونهم لم يكونوا على هذه اليهودية ولا هذه النصرانية اللتين حدثتا بعدهم ، فجاءت قاعدة الأعمال في هذا الموضع تبين أن المتخالفين في الأعمال والمقاصد لا يكونون متحدين في الدين ولا متساوين في الجزاء ، فأفادت هنا ما لم تفده هناك . وللمسلمين أن يحاسبوا أنفسهم ، ويحكموا قاعدة العمل والجزاء بينهم وبين سلفهم ، ولا يغتروا بالتسمية إن كانوا يعقلون .
وأزيد على ما تقدم أن انتفاع الناس بعضهم ببعض في الدنيا إنما يكون بمقتضى سنن الله - تعالى - في الأسباب والمسببات ، ومن المعلوم شرعا وعقلا : أن الميت ينقطع عمله بخروجه من عالم الأسباب إلى البرزخ من عالم الغيب ، وأما الآخرة فلا كسب فيها ، وأمرها إلى الله وحده ظاهرا وباطنا ، كما قال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=19يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) ( 82 : 19 )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140nindex.php?page=treesubj&link=28973أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى ) ؟
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّ ( أَمْ ) هُنَا مُعَادِلَةٌ لِمَا قَبْلَهَا خِلَافًا ( لِلْجَلَالِ ) وَمَنْ عَلَى رَأْيِهِ الْقَائِلِينَ : إِنَّهَا بِمَعْنَى بَلْ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَتَقُولُونَ : إِنَّ هَذَا الِامْتِيَازَ لَكُمْ عَلَيْنَا وَالِاخْتِصَاصَ بِالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ دُونَنَا هُوَ مِنَ اللَّهِ ، وَالْحَالُ أَنَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ . . . إِلَخْ ؟ أَمْ تَقُولُونَ : إِنَّ امْتِيَازَ الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا بِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا عَلَيْهَا ؟ إِنْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ يُكَذِّبُكُمْ فِيهِ ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْضًا أَنَّ اسْمَيِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ حَدَثَا بَعْدَ هَؤُلَاءِ ، بَلْ حَدَثَ اسْمُ الْيَهُودِيَّةِ بَعْدَ
مُوسَى ، وَاسْمُ النَّصْرَانِيَّةِ بَعْدَ
عِيسَى ، كَمَا حَدَثَ
لِلْيَهُودِ تَقَالِيدُ كَثِيرَةٌ صَارَ مَجْمُوعُهَا مُمَيِّزًا لَهُمْ . وَأَمَّا
النَّصَارَى فَجَمِيعُ تَقَالِيدِهِمُ الْخَاصَّةِ بِهِمُ الْمُمَيِّزَةِ لِلنَّصْرَانِيَّةِ حَادِثَةٌ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31980عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ عَدُوَّ التَّقَالِيدِ ، وَلِهَذَا كَانَ
النَّصَارَى عَلَى كَثْرَةِ مَا أَحْدَثُوا أَقْرَبَ إِلَى الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْسُوا جَمِيعًا كَيْفَ زَلْزَلَ ( رُوحُ اللَّهِ ) تَقَالِيدَ
الْيَهُودِ الظَّاهِرَةِ مَا كَانَ مِنْهَا فِي التَّوْرَاةِ وَمَا لَمْ يَكُنْ ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ ادَّعَوُا اتِّبَاعَهُ زَادُوا عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ فِي ابْتِدَاعِ التَّقَالِيدِ وَالرُّسُومِ .
وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الرَّدِّ عَلَى
الْيَهُودِ ، إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا ، وَعَلَى
النَّصَارَى إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ . كَلَّا إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّ مِلَّتَهُ هِيَ الْمِلَّةُ الْإِلَهِيَّةُ الْمَرْضِيَّةُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَكَانَتْ هَذِهِ التَّقَالِيدُ الَّتِي تَقَلَّدُوهَا غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ عَلَى عَهْدِ
إِبْرَاهِيمَ فَمَا بَالُهُمْ صَارُوا يَنُوطُونَ النَّجَاةَ بِهَا ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَا عَدَاهَا كُفْرٌ وَضَلَالٌ ؟ فَهُوَ لَا يُثْبِتُ لَهُمُ الْقَوْلَ بِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ، وَإِنَّمَا يَقُولُ : إِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْبَدَاهَةَ قَاضِيَةٌ بِكَذِبِهِمْ فِيهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
[ ص: 403 ] لِنَبِيِّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ) أَيْ إِذَا كَانَ اللَّهُ قَدِ ارْتَضَى لِلنَّاسِ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ بِاعْتِرَافِكُمْ وَتَصْدِيقِ كُتُبِكُمْ ، وَذَلِكَ قَبْلَ وُجُودِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ ، فَلِمَاذَا لَا تَرْضُونَ أَنْتُمْ تِلْكَ الْمِلَّةَ لِأَنْفُسِكُمْ ؟ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْمَرْضِيِّ عِنْدَ اللَّهِ أَمِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُرْضِيهِ وَمَا لَا يُرْضِيهِ ؟ لَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .
وَقَدْ صَرَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ قِرَاءَةَ ( أَمْ يَقُولُونَ ) بِالتَّحْتِيَّةِ شَاذَّةٌ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سَبْعِيَّةٌ يَكُونُ فِي الْكَلَامِ الْتِفَاتٌ . ( وَأَقُولُ ) : قِرَاءَةُ التَّاءِ هِيَ
لِابْنِ عَامِرٍ وَحَمْزَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ وَحَفْصٍ ، وَهِيَ لِلْخِطَابِ ، وَقِرَاءَةُ الْيَاءِ لِلْبَاقِينَ ، فَلَا عِبْرَةَ بِعَدِّ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ إِيَّاهَا شَاذَّةً .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140nindex.php?page=treesubj&link=28973وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ) ؟ فِي هَذَا الِاسْتِفْهَامِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مُتَمِّمٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِمِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، يَقُولُ : إِنَّ عِنْدَكُمْ شَهَادَةً مِنَ اللَّهِ بِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى حَقٍّ ، وَكَانَ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِذَا كَتَمْتُمْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الطَّعْنِ بِالْإِسْلَامِ ، فَقَدْ كَتَمْتُمْ شَهَادَةَ اللَّهِ ، وَكُنْتُمْ أَظْلَمَ الظَّالِمِينَ ، وَإِذَا اعْتَرَفْتُمْ بِهِ فَإِمَّا أَنْ تَقُولُوا : إِنَّكُمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ بِمَا يُرْضِيهِ ، وَإِمَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةُ وَتَحِقَّ عَلَيْكُمُ الْكَلِمَةُ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِمَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ مِنْ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ ثَابِتٌ ، لَا يَقْبَلُ مُرَاوَغَةَ مُبَاهِتٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ أَظْهَرُ - أَنَّ الشَّهَادَةَ الْمَكْتُومَةَ هِيَ شَهَادَةُ الْكِتَابِ الْمُبَشِّرَةِ بِأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ فِيهِمْ نَبِيًّا مِنْ بَنِي إِخْوَتِهِمْ ، وَهُمُ الْعَرَبُ أَبْنَاءُ
إِسْمَاعِيلَ ، وَكَانُوا - وَلَا يَزَالُونَ - يَكْتُمُونَهَا بِالْإِنْكَارِ عَلَى غَيْرِ الْمُطَّلِعِ عَلَى التَّوْرَاةِ وَبِالتَّحْرِيفِ عَلَى الْمُطَّلِعِ ، فَهُوَ يُبَيِّنُ هُنَا - بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَى أَنَّ زَعْمَهُمْ حَصْرَ الْوَحْيِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَاطِلٌ - أَنَّ هُنَاكَ شَهَادَةً صَرِيحَةً بِأَنَّ اللَّهَ سَيَبْعَثُ فِيهِمْ نَبِيًّا مِنَ الْعَرَبِ ، فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا ثَالِثًا وَرَاءَ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=139وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ) وَالدَّلِيلِ الْإِلْزَامِيِّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ) . . . إِلَخْ ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : إِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا
nindex.php?page=treesubj&link=32424_32428مُجَادِلُونَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ ، مُبَاهِتُونَ لِلنَّبِيِّ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ ، إِذْ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَشْتَبِهُوا فِي أَمْرِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ كِتَابِهِمْ لَهُ ؛ فَإِذَا كَانَ ظُلْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ قَدِ انْتَهَى بِهِمْ إِلَى آخِرِ حُدُودِ الظُّلْمِ - وَهُوَ كِتْمَانُ شَهَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - تَعَصُّبًا لِجِنْسِيَّتِهِمُ الدِّينِيَّةِ ، الَّتِي ارْتَبَطَ بِهَا الرُّؤَسَاءُ بِالْمَرْءُوسِينَ بِرَوَابِطِ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ مَالٍ وَجَاهٍ - فَكَيْفَ يُنْتَظَرُ مِنْهُمْ أَنْ يُصْغُوا إِلَى بَيَانٍ ، أَوْ يَخْضَعُوا لِبُرْهَانٍ ؟ وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا يَتَضَمَّنُ التَّوْبِيخَ وَالتَّقْرِيعَ الْمُؤَكَّدَيْنِ بِالْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ، وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ ، ثُمَّ خَتَمَ الْمُحَاجَّةَ بِتَأْكِيدِ أَمْرِ الْعَمَلِ ، وَعَدَمِ فَائِدَةِ النَّسَبِ فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=141nindex.php?page=treesubj&link=28973تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وَإِنَّمَا تُسْئَلُونَ عَنْ أَعْمَالِكُمْ وَتُجَازَوْنَ عَلَيْهَا ، فَلَا يَنْفَعُكُمْ وَلَا يَضُرُّكُمْ سِوَاهَا ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يُثْبِتُهَا كُلُّ دِينٍ قَوِيمٍ ، وَكُلُّ عَقْلٍ سَلِيمٍ ، وَلَكِنَّ قَاعِدَةَ الْوَثَنِيَّةِ الْقَاضِيَةَ بِاعْتِمَادِ النَّاسِ فِي طَلَبِ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ ، وَبَعْضِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا عَلَى كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ تَغْلِبُ مَعَ الْجَهْلِ كُلَّ دِينٍ وَكُلَّ عَقْلٍ ،
[ ص: 404 ] وَمَنَعَ الْجَهْلُ التَّقْلِيدَ الْمَانِعَ مِنَ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ جَمِيعًا ، اللَّهُمَّ إِلَّا مُكَابَرَةَ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ ، وَتَأْوِيلَ نُصُوصِ الشَّرْعِ ، تَطْبِيقًا لَهُمَا عَلَى مَا يَقُولُ الْمُقَلَّدُونَ الْمُتَّبَعُونَ ( بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْبَاءِ ) وَقَدْ أَوَّلَ الْمُؤَوِّلُونَ نُصُوصَ أَدْيَانِهِمْ تَقْرِيرًا لِاتِّبَاعِ رُؤَسَائِهِمْ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى جَاهِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ؛ لِذَلِكَ جَاءَ
nindex.php?page=treesubj&link=21404_30456الْقُرْآنُ يُبَالِغُ فِي تَقْرِيرِ قَاعِدَةِ ارْتِبَاطِ السَّعَادَةِ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ وَتَبْيِينِهَا ، وَنَفْيِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَنْ لَمْ يَتَأَسَّ بِهِمْ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ ؛ وَلِذَلِكَ أَعَادَ هَذِهِ الْآيَةَ بِنَصِّهَا فِي مَقَامِ مُحَاجَّةِ
أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُفْتَخِرِينَ بِسَلَفِهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْعِظَامِ ، الْمُعْتَمِدِينَ عَلَى شَفَاعَتِهِمْ وَجَاهِهِمْ وَإِنْ قَصَّرُوا عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الْأَعْمَالِ . وَفَائِدَةُ الْإِعَادَةِ تَأْكِيدُ تَقْرِيرِ قَاعِدَةِ بِنَاءِ السَّعَادَةِ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْآبَاءِ وَالشُّفَعَاءِ ، بِحَيْثُ لَا يَطْمَعُ فِي تَأْوِيلِ الْقَوْلِ طَامِعٌ ، وَالْإِشْعَارُ بِمَعْنًى يُعْطِيهِ السِّيَاقُ هُنَا وَهُوَ : أَنَّ أَعْمَالَ هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلِينَ الْمُشَاغِبِينَ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ مُخَالِفَةٌ لِأَعْمَالِ سَلَفِهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ .
وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْآيَةَ أَفَادَتْ فِي وَضْعِهَا الْأَوَّلِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34021_30513إِبْرَاهِيمَ وَبَنِيهِ وَحَفَدَتَهُ ، قَدْ مَضَوْا إِلَى رَبِّهِمْ بِسَلَامَةِ قُلُوبِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَانْقَطَعَتِ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ فَتَنَكَّبَ طَرِيقَهُمْ ، وَانْحَرَفَ عَنْ صِرَاطِهِمْ ، وَإِنْ أَدْلَى إِلَيْهِمْ بِالنَّسَبِ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَجْزِيٌّ بِعَمَلِهِ ، لَا يَنْفَعُ أَحَدًا مِنْهُمْ عَمَلُ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَمَلُ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَا شَخْصُهُ بِالْأَوْلَى ، وَذَلِكَ أَنَّهَا جَاءَتْ عَقِبَ بَيَانِ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ وَإِيصَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِهَا ، وَبَيَانِ دُرُوجِهِمْ عَلَيْهَا ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الِاحْتِجَاجُ عَلَى الْقَوْمِ بِمَنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِمُ الْخَيْرَ وَالْكَمَالَ ، وَكَوْنُهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى هَذِهِ الْيَهُودِيَّةِ وَلَا هَذِهِ النَّصْرَانِيَّةِ اللَّتَيْنِ حَدَثَتَا بَعْدَهُمْ ، فَجَاءَتْ قَاعِدَةُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُتَخَالِفِينَ فِي الْأَعْمَالِ وَالْمَقَاصِدِ لَا يَكُونُونَ مُتَّحِدِينَ فِي الدِّينِ وَلَا مُتَسَاوِينَ فِي الْجَزَاءِ ، فَأَفَادَتْ هُنَا مَا لَمْ تُفِدْهُ هُنَاكَ . وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَيُحَكِّمُوا قَاعِدَةَ الْعَمَلِ وَالْجَزَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَلَفِهِمْ ، وَلَا يَغْتَرُّوا بِالتَّسْمِيَةِ إِنْ كَانُوا يَعْقِلُونَ .
وَأَزِيدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ انْتِفَاعَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا يَكُونُ بِمُقْتَضَى سُنَنِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ شَرْعًا وَعَقْلًا : أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ عَالَمِ الْأَسْبَابِ إِلَى الْبَرْزَخِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَلَا كَسْبَ فِيهَا ، وَأَمْرُهَا إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=19يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) ( 82 : 19 )