قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من
nindex.php?page=treesubj&link=32007حكم بعثه لأصحاب الكهف بعد هذه النومة الطويلة أن يبين للناس أي الحزبين المختلفين في مدة لبثهم أحصى لذلك وأضبط له ، ولم يبين هنا شيئا عن الحزبين المذكورين .
وأكثر المفسرين على أن أحد الحزبين هم
أصحاب الكهف ، والحزب الثاني هم
أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية ، وقيل : هما حزبان من
أهل المدينة المذكورة ، كان منهم مؤمنون وكافرون ، وقيل : هما حزبان من المؤمنين في زمن
أصحاب الكهف . اختلفوا في مدة لبثهم ، قاله
الفراء : وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب ،
وأصحاب الكهف حزب ، إلى غير ذلك من الأقوال .
والذي يدل عليه القرآن : أن الحزبين كليهما من
أصحاب الكهف ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن ، وذلك في
nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم [ 18 \ 19 ] ، وكأن الذين
[ ص: 209 ] قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول ، ولقائل أن يقول : قوله عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19ربكم أعلم بما لبثتم يدل على أنهم لم يحصوا مدة لبثهم ، والله تعالى أعلم .
وقد يجاب عن ذلك بأن رد العلم إلى الله لا ينافي العلم ، بدليل أن الله أعلم نبيه بمدة لبثهم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ولبثوا في كهفهم الآية [ 8 \ 25 ] ، ثم أمره برد العلم إليه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قل الله أعلم بما لبثوا الآية [ 18 \ 26 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12بعثناهم أي من نومتهم الطويلة ، والبعث : التحريك من سكون ، فيشمل بعث النائم والميت ، وغير ذلك .
وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28900من أنواع البيان التي تضمنها أن يذكر الله جل وعلا حكمة لشيء في موضع ، ويكون لذلك الشيء حكم أخر مذكورة في مواضع أخرى ، فإنا نبينها ، ومثلنا لذلك ، وذكرنا منه أشياء متعددة في هذا الكتاب المبارك .
وإذا علمت ذلك فاعلم أنه تعالى هنا في هذه الآية الكريمة بين من حكم بعثهم إظهاره للناس : أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ، وقد بين لذلك حكما أخر في غير هذا الموضع .
منها أن يتساءلوا عن مدة لبثهم ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم الآية [ 18 \ 19 ] .
ومنها
nindex.php?page=treesubj&link=32007_30336إعلام الناس أن البعث حق ، وأن الساعة حق لدلالة قصة
أصحاب الكهف على ذلك ، وذلك في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=21وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها الآية [ 18 \ 21 ] .
واعلم أن قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثم بعثناهم لنعلم الآية ، لا يدل على أنه لم يكن عالما بذلك قبل بعثهم ، وإنما علم بعد بعثهم ، كما زعمه بعض الكفرة الملاحدة ، بل هو جل وعلا عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، والآيات الدالة على ذلك لا تحصى كثرة .
وقد قدمنا أن من أصرح الأدلة على
nindex.php?page=treesubj&link=28781أنه جل وعلا لا يستفيد بالاختبار والابتلاء علما جديدا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، قوله تعالى في آل عمران :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور [ 3 \ 154 ] ، فقوله :
[ ص: 210 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154والله عليم بذات الصدور بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وليبتلي دليل واضح في ذلك .
وإذا حققت ذلك فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12لنعلم أي الحزبين أي نعلم ذلك علما يظهر الحقيقة للناس ، فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك دون خلقه .
واختلف العلماء في قوله : أحصى فذهب بعضهم إلى أنه فعل ماض و " أمدا " مفعوله ، و " ما " في قوله : " لما لبثوا " مصدرية ، وتقرير المعنى على هذا : لنعلم أي الحزبين ضبط أمدا للبثهم في الكهف .
وممن اختار أن أحصى فعل ماض :
الفارسي nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري وابن عطية ، وغيرهم .
وذهب بعضهم إلى أن أحصى صيغة تفضيل ، و " أمدا " تمييز ، وممن اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج والتبريزي ، وغيرهما . وجوز
الحوفي وأبو البقاء الوجهين .
والذين قالوا : إن أحصى فعل ماض ، قالوا : لا يصح فيه أن يكون صيغة تفضيل ، لأنها لا يصح بناؤها هي ولا صيغة فعل التعجب قياسا إلا من الثلاثي ، و " أحصى " رباعي فلا تصاغ منه صيغة التفضيل ولا التعجب قياسا ، قالوا : وقولهم : ما أعطاه وما أولاه للمعروف ، وأعدى من الجرب ، وأفلس من
ابن المذلق - شاذ لا يقاس عليه ، فلا يجوز حمل القرآن عليه .
واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف أيضا لأن أحصى ليست صيغة تفضيل بأن أمدا لا يخلو : إما أن ينتصب بـ " أفعل " فـ " أفعل " لا يعمل ، وإما أن ينتصب بـ لبثوا فلا يسد عليه المعنى أن لا يكون سديدا على ذلك القول ، وقال : فإن زعمت نصبه بإضمار فعل يدل عليه أحصى كما أضمر في قوله :
وأضرب منا بالسيوف القوانسا
أي نضرب القوانس - فقد أبعدت المتناول وهو قريب ؛ حيث أبيت أن يكون أحصى فعلا ، ثم رجعت مضطرا إلى تقديره وإضماره . انتهى كلام الزمخشري .
وأجيب من جهة المخالفين عن هذا كله ، قالوا : لا نسلم أن صيغة التفضيل لا تصاغ من غير الثلاثي ، ولا نسلم أيضا لأنها لا تعمل .
وحاصل تحرير المقام في ذلك أن في كون صيغة التفضيل تصاغ من " أفعل " كما
[ ص: 211 ] هنا ، أو لا تصاغ منه - ثلاثة مذاهب لعلماء النحو :
الأول : جواز بنائها من " أفعل " مطلقا ، وهو ظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وهو مذهب
أبي إسحاق كما نقله عنه
أبو حيان في البحر .
والثاني : لا يبنى منه مطلقا ، وما سمع منه فهو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه ، وهو الذي درج عليه
ابن مالك في الخلاصة بقوله :
وبالندور احكم لغير ما ذكر ولا تقس على الذي منه أثر
كما قدمناه في سورة "
بني إسرائيل " في الكلام على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=72فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا [ 17 \ 72 ] .
الثالث : تصاغ من " أفعل " إذا كانت همزتها لغير النقل خاصة ; كـ " أظلم الليل " و : " أشكل الأمر " لا إن كانت الهمزة للنقل فلا تصاغ منها ، وهذا هو اختيار
أبي الحسن بن عصفور ، وهذه المذاهب مذكورة بأدلتها في كتب النحو ، وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فأفعل لا يعمل ، فليس بصحيح ; لأن صيغة التفضيل تعمل في التمييز بلا خلاف ، وعليه درج في الخلاصة بقوله :
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلا كأنت أعلى منزلا
و أمدا تمييز كما تقدم ; فنصبه بصيغة التفضيل لا إشكال فيه .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري إلى أن : أمدا منصوب بـ لبثوا ، وقال
ابن عطية : إن ذلك غير متجه .
وقال
أبو حيان : قد يتجه ذلك ; لأن الأمد هو الغاية ، ويكون عبارة عن المدة من حيث إن المدة غاية . و ما بمعنى الذي ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12أمدا منتصب على إسقاط الحرف ; أي لما لبثوا من أمد ، أي مدة ، ويصير " من أمد " تفسيرا لما انبهم في لفظ ما لبثوا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ما ننسخ من آية [ 2 \ 106 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2ما يفتح الله للناس من رحمة [ 35 \ 2 ] ، ولما سقط الحرف وصل إليه الفعل .
قال مقيده عفا الله عنه :
nindex.php?page=treesubj&link=21272إطلاق الأمد على الغاية معروف في كلام العرب ، ومنه قول
نابغة ذبيان :
إلا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمد
[ ص: 212 ] وقد قدمنا في سورة " النساء " أن
nindex.php?page=showalam&ids=13676علي بن سليمان الأخفش الصغير أجاز النصب بنزع الخافض عند أمن اللبس مطلقا ، ولكن نصب قوله : أمدا بقوله : لبثوا غير سديد كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وابن عطية ، وكما لا يخفى . اهـ .
وأجاز
الكوفيون نصب المفعول بصيغة التفضيل ، وأعربوا قول
العباس بن مرداس السلمي :
فلم أر مثل الحي حيا مصبحا ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا
أكر وأحمى للحقيقة منهم وأضرب منا بالسيوف القوانسا
بأن " القوانس " مفعول به لصيغة التفضيل التي هي " أضرب " قالوا : ولا حاجة لتقدير فعل محذوف ، ومن هنا قال بعض النحويين : إن من في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله [ 6 \ 117 ] ، منصوب بصيغة التفضيل قبله نصب المفعول به .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : ومذهب
الكوفيين هذا أجرى عندي على المعنى المعقول ; لأن صيغة التفضيل فيها معنى المصدر الكامن فيها ، فلا مانع من عملها عمله ; ألا ترى أن قوله : وأضرب منا بالسيوف القوانسا ، معناه : يزيد ضربنا بالسيوف القوانس على ضرب غيرنا ، كما هو واضح . وعلى هذا الذي قررنا فلا مانع من كون أمدا منصوب بـ أحصى نصب المفعول به على أنه صيغة تفضيل ، وإن كان القائلون بأن أحصى صيغة تفضيل أعربوا أمدا بأنه تمييز .
تنبيه
فإن قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=28908_27837ما وجه رفع أي من قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12لنعلم أي الحزبين أحصى الآية ، مع أنه في محل نصب لأنه مفعول به ؟ فالجواب أن للعلماء في ذلك أجوبة ، منها ، أن أي فيها معنى الاستفهام ، والاستفهام يعلق الفعل عن مفعوليه كما قال
ابن مالك في الخلاصة عاطفا على ما يعلق الفعل القلبي عن مفعوليه :
وإن ولا لام ابتداء أو قسم كذا والاستفهام ذا له انحتم
ومنها ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي وغيره : من أن الجملة بمجموعها متعلق العلم ، ولذلك السبب لم يظهر عمل قوله : لنعلم في لفظة أي بل بقيت على ارتفاعها ، ولا يخفى عدم اتجاه هذا القول كما ترى .
[ ص: 213 ] قال مقيده عفا الله عنه وغفر له :
nindex.php?page=treesubj&link=27837_28908أظهر أوجه الأعاريب عندي في الآية : أن لفظة أي موصولة استفهامية . و أي مبنية لأنها مضافة ، وصدر صلتها محذوف على حد قوله في الخلاصة :
أي كما وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف
ولبنائها لم يظهر نصبها ، وتقدير المعنى على هذا : لنعلم الحزب الذي هو أحصى لما لبثوا أمدا ونميزه عن غيره ، و أحصى صيغة تفضيل كما قدمنا توجيهه ; نعم ، للمخالف أن يقول : إن صيغة التفضيل تقتضي بدلالة مطابقتها الاشتراك بين المفضل والمفضل عليه في أصل الفعل ، وأحد الحزبين لم يشارك الآخر في أصل الإحصاء لجهله بالمدة من أصلها ، وهذا مما يقوي قول من قال : إن أحصى فعل ، والعلم عند الله تعالى .
فإن قيل : أي فائدة مهمة في معرفة الناس للحزب المحصي أمد اللبث من غيره ، حتى يكون علة غائية لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثم بعثناهم لنعلم الآية ، وأي فائدة مهمة في مساءلة بعضهم بعضا ، حتى يكون علة غائية لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم ؟ .
فالجواب أنا لم نر من تعرض لهذا ، والذي يظهر لنا والله تعالى أعلم أن ما ذكر من إعلام الناس بالحزب الذي هو أحصى أمدا لما لبثوا ، ومساءلة بعضهم بعضا عن ذلك ، يلزمه أن يظهر للناس حقيقة أمر هؤلاء الفتية ، وأن الله ضرب على آذانهم في الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ، ثم بعثهم أحياء طرية أبدانهم ، لم يتغير لهم حال ، وهذا من غريب صنعه جل وعلا الدال على كمال قدرته ، وعلى البعث بعد الموت ، ولاعتبار هذا اللازم جعل ما ذكرنا علة غائية ، والله تعالى أعلم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا .
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : أَنَّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32007حِكَمِ بَعْثِهِ لِأَصْحَابِ الْكَهْفِ بَعْدَ هَذِهِ النَّوْمَةِ الطَّوِيلَةِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ أَحْصَى لِذَلِكَ وَأَضْبَطُ لَهُ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا شَيْئًا عَنِ الْحِزْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ .
وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْحِزْبَيْنِ هُمْ
أَصْحَابُ الْكَهْفِ ، وَالْحِزْبَ الثَّانِي هُمْ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ بُعِثَ الْفِتْيَةُ عَلَى عَهْدِهِمْ حِينَ كَانَ عِنْدَهُمُ التَّارِيخُ بِأَمْرِ الْفِتْيَةِ ، وَقِيلَ : هُمَا حِزْبَانِ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمَذْكُورَةِ ، كَانَ مِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ وَكَافِرُونَ ، وَقِيلَ : هُمَا حِزْبَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَنِ
أَصْحَابِ الْكَهْفِ . اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ ، قَالَهُ
الْفَرَّاءُ : وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : الْمُلُوكُ الَّذِينَ تَدَاوَلُوا مُلْكَ الْمَدِينَةِ حِزْبٌ ،
وَأَصْحَابُ الْكَهْفِ حِزْبٌ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ .
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ : أَنَّ الْحِزْبَيْنِ كِلَيْهِمَا مِنْ
أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ ، وَذَلِكَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007قَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ [ 18 \ 19 ] ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ
[ ص: 209 ] قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ هُمُ الَّذِينَ عَلِمُوا أَنَّ لُبْثَهُمْ قَدْ تَطَاوَلَ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : قَوْلُهُ عَنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُحْصُوا مُدَّةَ لُبْثِهِمْ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ رَدَّ الْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ لَا يُنَافِي الْعِلْمَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ الْآيَةَ [ 8 \ 25 ] ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِرَدِّ الْعِلْمِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا الْآيَةَ [ 18 \ 26 ] .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12بَعَثْنَاهُمْ أَيْ مِنْ نَوْمَتِهِمُ الطَّوِيلَةِ ، وَالْبَعْثُ : التَّحْرِيكُ مِنْ سُكُونٍ ، فَيَشْمَلُ بَعْثَ النَّائِمِ وَالْمَيِّتِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28900مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَذْكُرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا حِكْمَةً لِشَيْءٍ فِي مَوْضِعٍ ، وَيَكُونَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ حِكَمٌ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى ، فَإِنَّا نُبَيِّنُهَا ، وَمَثَّلْنَا لِذَلِكَ ، وَذَكَرْنَا مِنْهُ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ .
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى هُنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بَيَّنَ مِنْ حِكَمِ بَعْثِهِمْ إِظْهَارَهُ لِلنَّاسِ : أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ، وَقَدْ بَيَّنَ لِذَلِكَ حِكَمًا أُخَرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
مِنْهَا أَنْ يَتَسَاءَلُوا عَنْ مُدَّةِ لُبْثِهِمْ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ الْآيَةَ [ 18 \ 19 ] .
وَمِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=32007_30336إِعْلَامُ النَّاسِ أَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ حَقٌّ لِدَلَالَةِ قِصَّةِ
أَصْحَابِ الْكَهْفِ عَلَى ذَلِكَ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=21وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا الْآيَةَ [ 18 \ 21 ] .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ الْآيَةَ ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ قَبْلَ بَعْثِهِمْ ، وَإِنَّمَا عَلِمَ بَعْدَ بَعْثِهِمْ ، كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْكَفَرَةِ الْمَلَاحِدَةِ ، بَلْ هُوَ جَلَّ وَعَلَا عَالِمٌ بِكُلِّ مَا سَيَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ لَا تُحْصَى كَثْرَةً .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28781أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَا يَسْتَفِيدُ بِالِاخْتِبَارِ وَالِابْتِلَاءِ عِلْمًا جَدِيدًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آلِ عِمْرَانَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [ 3 \ 154 ] ، فَقَوْلُهُ :
[ ص: 210 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154وَلِيَبْتَلِيَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ فِي ذَلِكَ .
وَإِذَا حَقَّقْتَ ذَلِكَ فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَيْ نَعْلَمَ ذَلِكَ عِلْمًا يُظْهِرُ الْحَقِيقَةَ لِلنَّاسِ ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ دُونَ خَلْقِهِ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ : أَحْصَى فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ وَ " أَمَدًا " مَفْعُولُهُ ، وَ " مَا " فِي قَوْلِهِ : " لِمَا لَبِثُوا " مَصْدَرِيَّةٌ ، وَتَقْرِيرُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا : لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ضَبَطَ أَمَدًا لِلُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ .
وَمِمَّنِ اخْتَارَ أَنَّ أَحْصَى فِعْلٌ مَاضٍ :
الْفَارِسِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ أَحْصَى صِيغَةُ تَفْضِيلٍ ، وَ " أَمَدًا " تَمْيِيزٌ ، وَمِمَّنِ اخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ وَالتِّبْرِيزِيُّ ، وَغَيْرُهُمَا . وَجَوَّزَ
الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ الْوَجْهَيْنِ .
وَالَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ أَحْصَى فِعْلٌ مَاضٍ ، قَالُوا : لَا يَصِحُّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ صِيغَةَ تَفْضِيلٍ ، لِأَنَّهَا لَا يَصِحُّ بِنَاؤُهَا هِيَ وَلَا صِيغَةُ فِعْلِ التَّعَجُّبِ قِيَاسًا إِلَّا مِنَ الثُّلَاثِيِّ ، وَ " أَحْصَى " رُبَاعِيٌّ فَلَا تُصَاغُ مِنْهُ صِيغَةُ التَّفْضِيلِ وَلَا التَّعَجُّبِ قِيَاسًا ، قَالُوا : وَقَوْلُهُمْ : مَا أَعْطَاهُ وَمَا أَوْلَاهُ لِلْمَعْرُوفِ ، وَأَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ ، وَأَفْلَسَ مِنَ
ابْنِ الْمُذَلَّقِ - شَاذٌّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ .
وَاحْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ أَيْضًا لِأَنَّ أَحْصَى لَيْسَتْ صِيغَةَ تَفْضِيلٍ بِأَنَّ أَمَدًا لَا يَخْلُو : إِمَّا أَنْ يَنْتَصِبَ بِـ " أَفْعَلَ " فَـ " أَفْعَلُ " لَا يَعْمَلُ ، وَإِمَّا أَنْ يَنْتَصِبَ بِـ لَبِثُوا فَلَا يَسُدُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ سَدِيدًا عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ ، وَقَالَ : فَإِنْ زَعَمْتَ نَصْبَهُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحْصَى كَمَا أُضْمِرُ فِي قَوْلِهِ :
وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ الْقَوَانِسَا
أَيْ نَضْرِبُ الْقَوَانِسَ - فَقَدْ أَبْعَدْتَ الْمُتَنَاوَلَ وَهُوَ قَرِيبٌ ؛ حَيْثُ أَبَيْتَ أَنْ يَكُونَ أَحْصَى فِعْلًا ، ثُمَّ رَجَعْتَ مُضْطَرًّا إِلَى تَقْدِيرِهِ وَإِضْمَارِهِ . انْتَهَى كَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ .
وَأُجِيبُ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالِفِينَ عَنْ هَذَا كُلِّهِ ، قَالُوا : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صِيغَةَ التَّفْضِيلِ لَا تُصَاغُ مِنْ غَيْرِ الثُّلَاثِيِّ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ .
وَحَاصِلُ تَحْرِيرِ الْمَقَامِ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي كَوْنِ صِيغَةِ التَّفْضِيلِ تُصَاغُ مِنْ " أَفْعَلَ " كَمَا
[ ص: 211 ] هُنَا ، أَوْ لَا تُصَاغُ مِنْهُ - ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ لِعُلَمَاءِ النَّحْوِ :
الْأَوَّلُ : جَوَازُ بِنَائِهَا مِنْ " أَفْعَلَ " مُطْلَقًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ
أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ .
وَالثَّانِي : لَا يُبْنَى مِنْهُ مُطْلَقًا ، وَمَا سُمِعَ مِنْهُ فَهُوَ شَاذٌّ يُحْفَظُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ
ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
وَبِالنُّدُورِ احْكُمْ لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ وَلَا تَقِسْ عَلَى الَّذِي مِنْهُ أُثِرْ
كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي سُورَةِ "
بَنِي إِسْرَائِيلَ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=72فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا [ 17 \ 72 ] .
الثَّالِثُ : تُصَاغُ مِنْ " أَفْعَلَ " إِذَا كَانَتْ هَمْزَتُهَا لِغَيْرِ النَّقْلِ خَاصَّةً ; كَـ " أَظْلَمَ اللَّيْلُ " وَ : " أَشْكَلَ الْأَمْرُ " لَا إِنْ كَانَتِ الْهَمْزَةُ لِلنَّقْلِ فَلَا تُصَاغُ مِنْهَا ، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي الْحَسَنِ بْنِ عُصْفُورٍ ، وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ مَذْكُورَةٌ بِأَدِلَّتِهَا فِي كُتُبِ النَّحْوِ ، وَأَمَّا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ : فَأَفْعَلُ لَا يَعْمَلُ ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّ صِيغَةَ التَّفْضِيلِ تَعْمَلُ فِي التَّمْيِيزِ بِلَا خِلَافٍ ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
وَالْفَاعِلَ الْمَعْنَى انْصِبَنْ بِأَفْعَلَا مُفَضِّلًا كَأَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلَا
وَ أَمَدًا تَمْيِيزٌ كَمَا تَقَدَّمَ ; فَنَصْبُهُ بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ .
وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرَيُّ إِلَى أَنَّ : أَمَدًا مَنْصُوبٌ بِـ لَبِثُوا ، وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجِهٍ .
وَقَالَ
أَبُو حَيَّانَ : قَدْ يَتَّجِهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَمَدَ هُوَ الْغَايَةُ ، وَيَكُونُ عِبَارَةً عَنِ الْمُدَّةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمُدَّةَ غَايَةٌ . وَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12أَمَدًا مُنْتَصِبٌ عَلَى إِسْقَاطِ الْحَرْفِ ; أَيْ لِمَا لَبِثُوا مِنْ أَمَدٍ ، أَيْ مُدَّةٍ ، وَيَصِيرُ " مِنْ أَمَدٍ " تَفْسِيرًا لِمَا انْبَهَمَ فِي لَفْظِ مَا لَبِثُوا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ [ 2 \ 106 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ [ 35 \ 2 ] ، وَلَمَّا سَقَطَ الْحَرْفُ وَصَلَ إِلَيْهِ الْفِعْلُ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21272إِطْلَاقُ الْأَمَدِ عَلَى الْغَايَةِ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
نَابِغَةِ ذُبْيَانَ :
إِلَّا لِمِثْلِكَ أَوْ مَنْ أَنْتَ سَابِقُهُ سَبْقَ الْجَوَادِ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى الْأَمَدِ
[ ص: 212 ] وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ " النِّسَاءِ " أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13676عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ الْأَخْفَشَ الصَّغِيرَ أَجَازَ النَّصْبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ عِنْدَ أَمْنِ اللَّبْسِ مُطْلَقًا ، وَلَكِنْ نَصْبُ قَوْلِهِ : أَمَدًا بِقَوْلِهِ : لَبِثُوا غَيْرُ سَدِيدٍ كَمَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ ، وَكَمَا لَا يَخْفَى . اهـ .
وَأَجَازَ
الْكُوفِيُّونَ نَصْبَ الْمَفْعُولِ بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ ، وَأَعْرَبُوا قَوْلَ
الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ :
فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْحَيِّ حَيًّا مُصَبِّحًا وَلَا مِثْلَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا فَوَارِسَا
أَكَرَّ وَأَحْمَى لِلْحَقِيقَةِ مِنْهُمُ وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ الْقَوَانِسَا
بِأَنَّ " الْقَوَانِسَ " مَفْعُولٌ بِهِ لِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ الَّتِي هِيَ " أَضْرَبَ " قَالُوا : وَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ ، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ : إِنَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ [ 6 \ 117 ] ، مَنْصُوبٌ بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ قَبْلَهُ نَصْبَ الْمَفْعُولِ بِهِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ : وَمَذْهَبُ
الْكُوفِيِّينَ هَذَا أَجْرَى عِنْدِي عَلَى الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ ; لِأَنَّ صِيغَةَ التَّفْضِيلِ فِيهَا مَعْنَى الْمَصْدَرِ الْكَامِنِ فِيهَا ، فَلَا مَانِعَ مِنْ عَمَلِهَا عَمَلَهُ ; أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ : وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ الْقَوَانِسَا ، مَعْنَاهُ : يَزِيدُ ضَرْبُنَا بِالسُّيُوفِ الْقَوَانِسِ عَلَى ضَرْبِ غَيْرِنَا ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ . وَعَلَى هَذَا الَّذِي قَرَّرْنَا فَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ أَمَدًا مَنْصُوبٌ بِـ أَحْصَى نَصْبَ الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ صِيغَةُ تَفْضِيلٍ ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَحْصَى صِيغَةُ تَفْضِيلٍ أَعْرَبُوا أَمَدًا بِأَنَّهُ تَمْيِيزٌ .
تَنْبِيهٌ
فَإِنْ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28908_27837مَا وَجْهُ رَفْعِ أَيُّ مِنْ قَوْلِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى الْآيَةَ ، مَعَ أَنَّهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ لِلْعُلَمَاءَ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ ، مِنْهَا ، أَنَّ أَيُّ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ ، وَالِاسْتِفْهَامُ يُعَلِّقُ الْفِعْلَ عَنْ مَفْعُولَيْهِ كَمَا قَالَ
ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ عَاطِفًا عَلَى مَا يُعَلِّقُ الْفِعْلَ الْقَلْبِيَّ عَنْ مَفْعُولَيْهِ :
وَإِنْ وَلَا لَامُ ابْتِدَاءٍ أَوْ قَسَمْ كَذَا وَالِاسْتِفْهَامُ ذَا لَهُ انْحَتَمْ
وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ : مِنْ أَنَّ الْجُمْلَةَ بِمَجْمُوعِهَا مُتَعَلَّقُ الْعِلْمِ ، وَلِذَلِكَ السَّبَبِ لَمْ يَظْهَرْ عَمَلُ قَوْلِهِ : لِنَعْلَمَ فِي لَفْظَةِ أَيُّ بَلْ بَقِيَتْ عَلَى ارْتِفَاعِهَا ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ اتِّجَاهِ هَذَا الْقَوْلِ كَمَا تَرَى .
[ ص: 213 ] قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=27837_28908أَظْهَرُ أَوْجُهِ الْأَعَارِيبِ عِنْدِي فِي الْآيَةِ : أَنَّ لَفْظَةَ أَيُّ مَوْصُولَةٌ اسْتِفْهَامِيَّةٌ . وَ أَيُّ مَبْنِيَّةٌ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ ، وَصَدْرُ صِلَتِهَا مَحْذُوفٌ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ :
أَيُّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ
وَلِبِنَائِهَا لَمْ يَظْهَرْ نَصْبُهَا ، وَتَقْدِيرُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا : لِنَعْلَمَ الْحِزْبَ الَّذِي هُوَ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا وَنُمَيِّزَهُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَ أَحْصَى صِيغَةُ تَفْضِيلٍ كَمَا قَدَّمْنَا تَوْجِيهَهُ ; نَعَمْ ، لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ صِيغَةَ التَّفْضِيلِ تَقْتَضِي بِدَلَالَةِ مُطَابَقَتِهَا الِاشْتِرَاكَ بَيْنَ الْمُفَضَّلِ وَالْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ ، وَأَحَدُ الْحِزْبَيْنِ لَمْ يُشَارِكِ الْآخَرَ فِي أَصْلِ الْإِحْصَاءِ لِجَهْلِهِ بِالْمُدَّةِ مِنْ أَصْلِهَا ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ : إِنَّ أَحْصَى فِعْلٌ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
فَإِنْ قِيلَ : أَيُّ فَائِدَةٍ مُهِمَّةٍ فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِ لِلْحِزْبِ الْمُحْصِي أَمَدَ اللُّبْثِ مِنْ غَيْرِهِ ، حَتَّى يَكُونَ عِلَّةً غَائِيَّةً لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ الْآيَةَ ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ مُهِمَّةٍ فِي مُسَاءَلَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَكُونَ عِلَّةً غَائِيَّةً لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ؟ .
فَالْجَوَابُ أَنَّا لَمْ نَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لَنَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ إِعْلَامِ النَّاسِ بِالْحِزْبِ الَّذِي هُوَ أَحْصَى أَمَدًا لِمَا لَبِثُوا ، وَمُسَاءَلَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَنْ ذَلِكَ ، يَلْزَمُهُ أَنْ يَظْهَرَ لِلنَّاسِ حَقِيقَةُ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ ، وَأَنَّ اللَّهَ ضَرَبَ عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ ثَلَاثَمِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ، ثُمَّ بَعَثَهُمْ أَحْيَاءَ طَرِيَّةً أَبْدَانُهُمْ ، لَمْ يَتَغَيَّرْ لَهُمْ حَالٌ ، وَهَذَا مِنْ غَرِيبِ صُنْعِهِ جَلَّ وَعَلَا الدَّالِّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ ، وَعَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلِاعْتِبَارِ هَذَا اللَّازِمِ جَعَلَ مَا ذَكَرْنَا عِلَّةً غَائِيَّةً ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .