مسألة
جعل بعض المفسرين هذه الآية دليلا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=22128شرع من قبلنا شرع لنا بدليل التأسي
بإبراهيم - عليه السلام - والذين معه ، وتحقيق هذه المسألة في كتب الأصول ، وهذه الآية وإن كانت دالة في الجملة على أن شرع من قبلنا شرع لنا ، إلا أنها ليست نصا في محل النزاع .
وقد قسم الشيخ - رحمة الله تعالى عليه - حكم المسألة إلى ثلاثة أقسام :
قسم هو شرع لنا قطعا ، وهو ما جاء في شرعنا أنه شرع لنا كآية الرجم ، وكهذه الآية في العداوة والموالاة ، وإما ليس بشرع لنا قطعا كتحريم العمل يوم السبت ، وتحريم بعض الشحوم ، إلخ .
وقسم ثالث : وهو محل النزاع ، وهو ما ذكر لنا في القرآن ، ولم نؤمر به ولم ننه عنه .
فالجمهور على أنه شرع لنا لذكره لنا ، لأنه لو لم يكن شرعا لنا لما كان لذكره لنا فائدة ، واستدلوا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه [ 42 \ 13 ] ، وبهذه الآية أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يعارض في هذا القسم ويقول : الآية في العقائد لا في الفروع ، ويستدل بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا [ 5 \ 48 ] ، وعلى هذا التقسيم
[ ص: 88 ] المذكور ، فالآية ليست نصا في محل النزاع ؛ لأننا أمرنا بالتأسي به في معين جاء في شرعنا الأمر به في أول السورة .
تنبيه
يظهر لي في هذه المسألة والله تعالى أعلم أن الخلاف بين
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والجمهور يكاد يكون شكليا ، وكل محجوج بما حج به الآخر ، وذلك كالآتي :
أولا : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ، يدل على وجود شرعة وعلى وجود منهاج ، فإذا جئنا لاستدلال الجمهور :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، لم نجد فيه ذكر المنهاج ، ونجد واقع التشريع ، أن منهاج ما شرع لنا يغاير منهاج ما شرع لمن قبلنا كما في مشروعية الصيام قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم [ 2 \ 183 ] ، وهذا يتفق في أصل الشرعة ، ولكن جاء ما يبين الاختلاف في المنهاج في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم [ 2 \ 187 ] ومعنى ذلك أنه كان محرما ، وهو ضمن منهاج من قبلنا وشرعتهم فاتفقنا معهم في الشرعة ، واختلف منهجنا عن منهجهم بإحلال ما كان منه حراما ، وهذا ملزم للجمهور ، وهكذا بقية أركان الإسلام في الصلاة فهي مشروعة للجميع ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود [ 2 \ 125 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم [ 14 \ 37 ] وقوله عن
عيسى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا [ 19 \ 31 ] ، وغير ذلك .
وفي الحج :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ولله على الناس حج البيت [ 3 \ 97 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=27وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا الآية [ 22 \ 27 ] ، فجميع الأركان ، وهي فروع لا عقائد مشروعة في جميع الأديان على جميع الأمم ، فاشتركنا معهم في المشروعية ، ولكن هل كانت كلها كمنهجها عندنا في أوقاتها وأعدادها وكيفياتها ، لقد وجدنا المغايرة في الصوم واضحة ، وهكذا في غيرها ، فالشرعة عامة للجميع والمنهاج خاص كما يقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والعلم عند الله تعالى .
مَسْأَلَةٌ
جَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22128شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا بِدَلِيلِ التَّأَسِّي
بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالَّذِينَ مَعَهُ ، وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ دَالَّةً فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا ، إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ نَصًّا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ .
وَقَدْ قَسَّمَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :
قِسْمٌ هُوَ شَرْعٌ لَنَا قَطْعًا ، وَهُوَ مَا جَاءَ فِي شَرْعِنَا أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا كَآيَةِ الرَّجْمِ ، وَكَهَذِهِ الْآيَةِ فِي الْعَدَاوَةِ وَالْمُوَالَاةِ ، وَإِمَّا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا قَطْعًا كَتَحْرِيمِ الْعَمَلِ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَتَحْرِيمِ بَعْضِ الشُّحُومِ ، إِلَخْ .
وَقِسْمٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ ، وَلَمْ نُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ نَنْهَ عَنْهُ .
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا لِذِكْرِهِ لَنَا ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْعًا لَنَا لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ لَنَا فَائِدَةٌ ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [ 42 \ 13 ] ، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ يُعَارِضُ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَيَقُولُ : الْآيَةُ فِي الْعَقَائِدِ لَا فِي الْفُرُوعِ ، وَيَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [ 5 \ 48 ] ، وَعَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ
[ ص: 88 ] الْمَذْكُورِ ، فَالْآيَةُ لَيْسَتْ نَصًّا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ؛ لِأَنَّنَا أُمِرْنَا بِالتَّأَسِّي بِهِ فِي مُعَيَّنٍ جَاءَ فِي شَرْعِنَا الْأَمْرُ بِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ .
تَنْبِيهٌ
يَظْهَرُ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَالْجُمْهُورِ يَكَادُ يَكُونُ شَكْلِيًّا ، وَكُلٌّ مَحْجُوجٌ بِمَا حَجَّ بِهِ الْآخَرَ ، وَذَلِكَ كَالْآتِي :
أَوَّلًا : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ، يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ شِرْعَةٍ وَعَلَى وُجُودِ مِنْهَاجٍ ، فَإِذَا جِئْنَا لِاسْتِدْلَالِ الْجُمْهُورِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ، لَمْ نَجِدْ فِيهِ ذِكْرَ الْمِنْهَاجِ ، وَنَجِدْ وَاقِعَ التَّشْرِيعِ ، أَنَّ مِنْهَاجَ مَا شَرَعَ لَنَا يُغَايِرُ مِنْهَاجَ مَا شَرَعَ لِمَنْ قَبْلَنَا كَمَا فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [ 2 \ 183 ] ، وَهَذَا يَتَّفِقُ فِي أَصْلِ الشِّرْعَةِ ، وَلَكِنْ جَاءَ مَا يُبَيِّنُ الِاخْتِلَافَ فِي الْمِنْهَاجِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [ 2 \ 187 ] وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا ، وَهُوَ ضِمْنُ مِنْهَاجِ مَنْ قَبْلَنَا وَشِرْعَتِهِمْ فَاتَّفَقْنَا مَعَهُمْ فِي الشِّرْعَةِ ، وَاخْتَلَفَ مَنْهَجُنَا عَنْ مَنْهَجِهِمْ بِإِحْلَالِ مَا كَانَ مِنْهُ حَرَامًا ، وَهَذَا مُلْزِمٌ لِلْجُمْهُورِ ، وَهَكَذَا بَقِيَّةُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِلْجَمِيعِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [ 2 \ 125 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ [ 14 \ 37 ] وَقَوْلِهِ عَنْ
عِيسَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [ 19 \ 31 ] ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَفِي الْحَجِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [ 3 \ 97 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=27وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا الْآيَةَ [ 22 \ 27 ] ، فَجَمِيعُ الْأَرْكَانِ ، وَهِيَ فُرُوعٌ لَا عَقَائِدُ مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ ، فَاشْتَرَكْنَا مَعَهُمْ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ ، وَلَكِنْ هَلْ كَانَتْ كُلُّهَا كَمَنْهَجِهَا عِنْدَنَا فِي أَوْقَاتِهَا وَأَعْدَادِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا ، لَقَدْ وَجَدْنَا الْمُغَايَرَةَ فِي الصَّوْمِ وَاضِحَةً ، وَهَكَذَا فِي غَيْرِهَا ، فَالشِّرْعَةُ عَامَّةٌ لِلْجَمِيعِ وَالْمِنْهَاجُ خَاصٌّ كَمَا يَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .