قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=109إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=110فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون . قد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه ، أن إن المكسورة المشددة من حروف التعليل ، كقولك : عاقبه إنه مسئ ، أي : لأجل إساءته ، وقوله في هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=109إنه كان فريق من عبادي ، يدل فيه لفظ إن المكسورة المشددة ، على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30437_19039_19043الأسباب التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم ، وسخريتهم من الفريق المؤمن الذي يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=109ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ، فالكفار يسخرون من ضعفاء المؤمنين في الدنيا حتى ينسيهم ذلك ذكر الله ، والإيمان به فيدخلون بذلك النار .
وما ذكره تعالى في هاتين الآيتين الكريمتين أشار له في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=29إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون [ 83 \ 29 - 30 ] وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا الآية [ 6 \ 53 ] وكل ذلك احتقار منهم لهم ، وإنكارهم أن الله يمن عليهم بخير ، وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=49أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة الآية [ 7 \ 49 ] ، وقوله تعالى عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11لو كان خيرا ما سبقونا إليه [ 46 \ 11 ] وكل ذلك احتقار منهم لهم ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=110فاتخذتموهم سخريا [ 23 \ 110 ] والسخري بالضم والكسر : مصدر سخر منه ، إذا استهزأ به على سبيل الاحتقار ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في ياء النسب : زيادة في الفعل ، كما قيل في الخصوصية بمعنى الخصوص ، ومعناه : أن الياء المشددة في آخره تدل على زيادة سخرهم منهم ومبالغتهم في ذلك ، وقرأ
نافع وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : سخريا بضم السين ، والباقون بكسرها ومعنى القراءتين واحد ، وهو سخرية الكفار واستهزاؤهم بضعفاء المؤمنين ، كما بينا ، وممن قال بأن معناهما واحد :
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه ، وهو الحق إن شاء الله تعالى . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء : أن السخري بكسر السين من قبيل ما ذكرنا من الاستهزاء ، وأن السخري بضم السين من التسخير ، الذي هو التذليل والعبودية .
[ ص: 361 ] والمعنى : أن الكفار يسخرون ضعفاء المؤمنين ، ويستعبدونهم كما كان يفعله
أمية بن خلف ببلال ، ولا يخفى أن الصواب هو ما ذكرنا إن شاء الله تعالى ، وحتى في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=110حتى أنسوكم ذكري حرف غاية ; لاتخاذهم إياهم سخريا ، أي : لم يزالوا كذلك ، حتى أنساهم ذلك ذكر الله والإيمان به ، فكان مأواهم النار ، والعياذ بالله .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=109إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=110فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فِي مَسْلَكِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ ، أَنَّ إِنَّ الْمَكْسُورَةَ الْمُشَدَّدَةَ مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيلِ ، كَقَوْلِكَ : عَاقِبْهُ إِنَّهُ مُسِئٌ ، أَيْ : لِأَجْلِ إِسَاءَتِهِ ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=109إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي ، يَدُلُّ فِيهِ لَفْظُ إِنَّ الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ ، عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30437_19039_19043الْأَسْبَابَ الَّتِي أَدْخَلَتْهُمُ النَّارَ هُوَ اسْتِهْزَاؤُهُمْ ، وَسُخْرِيَتُهُمْ مِنَ الْفَرِيقِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=109رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ، فَالْكُفَّارُ يَسْخَرُونَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُنْسِيَهُمْ ذَلِكَ ذِكْرَ اللَّهِ ، وَالْإِيمَانَ بِهِ فَيَدْخُلُونَ بِذَلِكَ النَّارَ .
وَمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ أَشَارَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=29إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [ 83 \ 29 - 30 ] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا الْآيَةَ [ 6 \ 53 ] وَكُلُّ ذَلِكَ احْتِقَارٌ مِنْهُمْ لَهُمْ ، وَإِنْكَارُهُمْ أَنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِخَيْرٍ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=49أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ الْآيَةَ [ 7 \ 49 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ [ 46 \ 11 ] وَكُلُّ ذَلِكَ احْتِقَارٌ مِنْهُمْ لَهُمْ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=110فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا [ 23 \ 110 ] وَالسُّخْرِيُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ : مَصْدَرُ سَخِرَ مِنْهُ ، إِذَا اسْتَهْزَأَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِقَارِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي يَاءِ النَّسَبِ : زِيَادَةٌ فِي الْفِعْلِ ، كَمَا قِيلَ فِي الْخُصُوصِيَّةِ بِمَعْنَى الْخُصُوصِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْيَاءَ الْمُشَدَّدَةَ فِي آخِرِهِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ سُخْرِهِمْ مِنْهُمْ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي ذَلِكَ ، وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : سُخْرِيًّا بِضَمِّ السِّينِ ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ سُخْرِيَةُ الْكُفَّارِ وَاسْتِهْزَاؤُهُمْ بِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ، كَمَا بَيَّنَّا ، وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ :
الْخَلِيلُ nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ ، وَهُوَ الْحَقُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءِ : أَنَّ السِّخْرِيَّ بِكَسْرِ السِّينِ مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ ، وَأَنَّ السُّخْرِيَّ بِضَمِّ السِّينِ مِنَ التَّسْخِيرِ ، الَّذِي هُوَ التَّذْلِيلُ وَالْعُبُودِيَّةُ .
[ ص: 361 ] وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْكُفَّارَ يُسَخِّرُونَ ضُعَفَاءَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَسْتَعْبِدُونَهُمْ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ
أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بِبِلَالٍ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ مَا ذَكَرْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَحَتَّى فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=110حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي حَرْفُ غَايَةٍ ; لِاتِّخَاذِهِمْ إِيَّاهُمْ سِخْرِيًّا ، أَيْ : لَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ ، حَتَّى أَنْسَاهُمْ ذَلِكَ ذِكْرَ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِهِ ، فَكَانَ مَأْوَاهُمُ النَّارَ ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ .