(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا )
قال مشركو قريش للرسول : اجعل بيننا وبينك حكما من أحبار اليهود ، وإن شئت من أساقفة النصارى ، ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك ، فنزلت . ووجه نظمها بما قبلها أنه لما حكى حلف الكفار ، وأجاب بأنه لا فائدة في إظهار الآيات المقترحة لهم أنهم لا يبقون مصرين على الكفر بين الدليل على نبوته بإنزال القرآن عليه ، وقد عجز الخلق عن معارضته ، وحكم فيه بنبوته ، وباشتمال التوراة والإنجيل على أنه رسول حق ، وأن القرآن كتاب من عند الله حق . ووجه آخر وهو أنه لما ذكر العداوة وتهددهم قالوا ما ذكرناه في سبب النزول . وكان من عادتهم إذا التبس عليهم أمر واختلفوا فيه جعلوا بينهم كاهنا حكما ، فأمره الله أن يقول : (
[ ص: 209 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أفغير الله أبتغي حكما ) ، وهذا استفهام معناه النفي ، أي : لا أبتغي حكما غير الله . قال
الكرماني : والحكم أبلغ من الحاكم لأنه من عرف منه الحكم مرة بعد أخرى ، والحاكم اسم فاعل يصدق على المرة الواحدة . وقال
إسماعيل الضرير : الفرق بينهما أن الحكم لا يحكم إلا بالحق ، والحاكم يحكم بالحق وبغير الحق . وقال
ابن عطية نحوه ، قال : الحكم أبلغ من الحاكم ، إذ هي صيغة للعدل من الحكام ، والحاكم جار على الفعل ، وقد يقال للجائر . انتهى . وكأنه إشارة إلى حكم الله عليهم بأنهم لا يؤمنون ولو بعث إليهم كل الآيات ، أو حكمه بأن جعل للأنبياء أعداء ، وحكما أي فاصلا بين الحق والباطل ، وجوزوا في إعراب ( غير ) أن يكون مفعولا بـ ( أبتغي ) وحكما حال ، وعكسه ، وأجاز الحوفي
وابن عطية أن ينتصب على التمييز عن غيرهم ، كقولهم : إن لنا غيرها إبلا ، وهو متجه ، وحكاه أبو البقاء ، فالكتاب القرآن ، ومفصلا موضحا مزال الإشكال ، أو مفضلا بالوعد والوعيد ، أو مفصلا مفرقا على حسب المصالح أي لم ينزله مجموعا أو مفصلا فيه الأحكام من النهي والأمر والحلال والحرام والواجب والمندوب والضلال والهدى ، أو مفصلا مبينا فيه الفصل بين الحق والباطل والشهادة لي بالصدق وعليكم بالافتراء ، أقوال خمسة ، وبهذه الآية خاصمت
الخوارج عليا في تكفيره بالتحكيم ، وهذه الجملة حالية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ) أي : والذين أعطيناهم علم التوراة والإنجيل والزبور والصحف ، والمراد علماء أهل الكتاب ، فهو عام بمعنى الخصوص ، وهذه الجملة تكون استئنافا ، وتتضمن الاستشهاد بمؤمني أهل الكتاب والطعن على مشركيهم وحسدتهم ، والعضد في الدلالة بأن القرآن حق ، يعلم أهل الكتاب أنه حق لتصديقه كتبهم وموافقته لها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114فلا تكونن من الممترين ) قيل : الخطاب للرسول خطاب لأمته . وقيل : لكل سامع ، أي إذا ظهرت الدلالة فلا ينبغي أن يمترى فيه . وقيل : هو من باب التهييج والإلهاب كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14ولا تكونن من المشركين ) . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114فلا تكونن من الممترين ) في أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ، ولا يريبك جحود أكثرهم وكفرهم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وحفص : ( منزل ) بالتشديد ، والباقون بالتخفيف .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) لما تقدم من أول السورة إلى هنا دلائل التوحيد والنبوة والبعث والطعن على مخالفي ذلك ، وكان من هنا إلى آخر السورة أحكام وقصص ناسب ذكر هذه الآيات هنا ، أي : تمت أقضيته وأقداره ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال
قتادة : كلماته هو القرآن ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : كل ما أخبر به وأمر ونهى ووعد وأوعد . وقال
الحسن : صدقا في الوعد وعدلا في الوعيد . وقيل : في ما تضمن من خبر وحكم ، أو فيما كان وما يكون ، أو فيما أمر وما نهى ، أو في الترغيب والترهيب ، أو فيما قال : هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار ، أو في الثواب والعقاب ، أو في نصرة أوليائه وخذلان أعدائه ، أو في نصرة الرسول ببدر وإهلاك أعدائه ، أو في الإرشاد والإضلال ، أو في الغفران والتعذيب ، أو في الفضل والمنع ، أو في توسيع الرزق وتقتيره ، أو في إعطائه وبلائه . وهذه الأقوال أول القول فسر به الصدق والمعطوف فسر به العدل ، وأعرب
الحوفي nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري وابن عطية وأبو البقاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115صدقا وعدلا ) مصدرين في موضع الحال ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري تمييزا ، وجوزه
أبو البقاء . وقال
ابن عطية : هو غير صواب ، وزاد
أبو البقاء مفعولا من أجله ، وليس المعنى في ( تمت ) أنها كان بها نقص فكملت ، وإنما المعنى استمرت وصحت ، كما جاء في الحديث : "
وتم حمزة على إسلامه " ، وكقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم ) أي : استمرت ، وهي عبارة عن نفوذ أقضيته . وقرأ الكوفيون هنا ( كلمة ) بالإفراد ،
ونافع جميع ذلك ( كلمات ) بالجمع ، تابعه
أبو عمرو وابن كثير هنا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115لا مبدل لكلماته ) أي : لا مغير
[ ص: 210 ] لأقضيته ولا مبدل لكلمات القرآن ، فلا يلحقها تغيير لا في المعنى ولا في اللفظ ، وفي حرف
أبي : لا مبدل لكلمات الله .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وهو السميع العليم ) أي : السميع لأقوالكم العليم بالضمائر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) أي : وإن توافق فيما هم عليه من عبادة غير الله وشرع ما شرعوه بغير إذن الله أكثر ، لأن الأكثر إذ ذاك كانوا كفارا ، والأرض هنا الدنيا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقيل : أكثر من في الأرض رؤساء
مكة ، والأرض خاص بأرض
مكة ، وكثيرا ما ذم الأكثر في كتابه ، والغالب أنه لا يقال الأكثر إلا للذين يتبعون أهواءهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116إن يتبعون إلا الظن ) أي : ليسوا راجعين في عقائدهم إلى علم ولا فيما شرعوه إلى حكم الله .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116وإن هم إلا يخرصون ) أي : يقدرون ويحزرون ، وهذا تأكيد لما قبله . ومن المفسرين من خص هذه الطاعة واتباعهم الظن وتخرصهم بأمر الذبائح ، وحكي أن سبب النزول مجادلة المشركين الرسول في أمر الذبائح ، وقولهم : نأكل ما نقتل ولا نأكل ما قتل الله ، فنزلت مخبرة أنهم يقدرون بظنونهم وبخرصهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) لما ذكر تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116يضلوك عن سبيل الله ) أخبر أنه أعلم العالمين بالضال والمهتدي ، والمعنى أنه أعلم بهم وبك ، فإنهم الضالون وأنت المهتدي ، و ( من ) قيل : في موضع جر على إسقاط حرف الجر وإبقاء عمله ، وهذا ليس بجيد لأن مثل هذا لا يجوز إلا في الشعر ، نحو : زيد أضرب السيف ، أي : بالسيف . وقال
أبو الفتح : في موضع نصب بـ ( أعلم ) بعد حذف حرف الجر ، وهذا ليس بجيد ; لأن أفعل التفضيل لا يعمل النصب في المفعول به ، وقال
أبو علي : في موضع نصب بفعل محذوف ، أي : يعلم من يضل ، ودل على حذفه ( أعلم ) ومثله ما أنشده
أبو زيد .
وأضرب منا بالسيوف القوانسا
أي : تضرب القوانس ، وهي إذ ذاك موصولة ، وصلتها ( يضل ) وجوز
أبو البقاء أن تكون موصوفة بالفعل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج ومكي : في موضع رفع ، وهي استفهامية مبتدأ ، والخبر ( يضل ) ، والجملة في موضع نصب بأعلم ، أي : أعلم أي الناس يضل ، كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12لنعلم أي الحزبين ) ، وهذا ضعيف لأن التعليق فرع عن جواز العمل ، وأفعل التفضيل لا يعمل في المفعول به ، فلا يعلق عنه ،
والكوفيون يجيزون إعمال أفعل التفضيل في المفعول به ، والرد عليهم في كتب النحو . وقرأ
الحسن وأحمد بن أبي شريح : ( يضل ) بضم الياء ، وفاعل ( يضل ) ضمير ( من ) ، ومفعوله محذوف ، أي : من يضل الناس ، أو ضمير الله على معنى يجده ضالا أو يخلق فيه الضلال ، وهذه الجملة خبرية تتضمن الوعيد والوعد لأن كونه تعالى عالما بالضال والمهتدي كناية عن مجازاتهما .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا )
قَالَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ لِلرَّسُولِ : اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ حَكَمًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ ، وَإِنْ شِئْتَ مِنْ أَسَاقِفَةِ النَّصَارَى ، لِيُخْبِرَنَا عَنْكَ بِمَا فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِكَ ، فَنَزَلَتْ . وَوَجْهُ نَظْمِهَا بِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا حَكَى حَلِفَ الْكُفَّارِ ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إِظْهَارِ الْآيَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَبْقُونَ مُصِرِّينَ عَلَى الْكُفْرِ بَيَّنَ الدَّلِيلُ عَلَى نُبُوَّتِهِ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ عَجَزَ الْخَلْقُ عَنْ مُعَارَضَتِهِ ، وَحَكَمَ فِيهِ بِنُبُوَّتِهِ ، وَبِاشْتِمَالِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَى أَنَّهُ رَسُولٌ حَقٌّ ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقٌّ . وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْعَدَاوَةَ وَتَهَدَّدَهُمْ قَالُوا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ . وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِذَا الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ جَعَلُوا بَيْنَهُمْ كَاهِنًا حَكَمًا ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ : (
[ ص: 209 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا ) ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ النَّفْيُ ، أَيْ : لَا أَبْتَغِي حَكَمًا غَيْرَ اللَّهِ . قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ : وَالْحَكَمُ أَبْلَغُ مِنَ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ الْحُكْمُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَالْحَاكِمُ اسْمُ فَاعِلٍ يَصْدُقُ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ . وَقَالَ
إِسْمَاعِيلُ الضَّرِيرُ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَكَمَ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَالْحَاكِمُ يَحْكُمُ بِالْحَقِّ وَبِغَيْرِ الْحَقِّ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ نَحْوَهُ ، قَالَ : الْحَكَمُ أَبْلَغُ مِنَ الْحَاكِمِ ، إِذْ هِيَ صِيغَةٌ لِلْعَدْلِ مِنَ الْحُكَّامِ ، وَالْحَاكِمُ جَارٍ عَلَى الْفِعْلِ ، وَقَدْ يُقَالُ لِلْجَائِرِ . انْتَهَى . وَكَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ كُلَّ الْآيَاتِ ، أَوْ حُكْمِهِ بِأَنْ جَعَلَ لِلْأَنْبِيَاءِ أَعْدَاءً ، وَحَكَمًا أَيْ فَاصِلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَجَوَّزُوا فِي إِعْرَابِ ( غَيْرَ ) أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِـ ( أَبْتَغِي ) وَحَكَمًا حَالٌ ، وَعَكْسُهُ ، وَأَجَازَ الْحَوْفِيُّ
وَابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ عَنْ غَيْرِهِمْ ، كَقَوْلِهِمْ : إِنَّ لَنَا غَيْرَهَا إِبِلًا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، وَحَكَاهُ أَبُو الْبَقَاءِ ، فَالْكِتَابُ الْقُرْآنُ ، وَمَفَصَّلًا مُوَضَّحًا مُزَالَ الْإِشْكَالِ ، أَوْ مُفَضَّلًا بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، أَوْ مُفَصَّلًا مُفَرَّقًا عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ أَيْ لَمْ يُنْزِلْهُ مَجْمُوعًا أَوْ مُفَصَّلًا فِيهِ الْأَحْكَامُ مِنَ النَّهْيِ وَالْأَمْرِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالضَّلَالِ وَالْهُدَى ، أَوْ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا فِيهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالشَّهَادَةُ لِي بِالصِّدْقِ وَعَلَيْكُمْ بِالِافْتِرَاءِ ، أَقْوَالٌ خَمْسَةٌ ، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ خَاصَمَتِ
الْخَوَارِجُ عَلِيًّا فِي تَكْفِيرِهِ بِالتَّحْكِيمِ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) أَيْ : وَالَّذِينَ أَعْطَيْنَاهُمْ عِلْمَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالصُّحُفِ ، وَالْمُرَادُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَهُوَ عَامٌّ بِمَعْنَى الْخُصُوصِ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَكُونُ اسْتِئْنَافًا ، وَتَتَضَمَّنُ الِاسْتِشْهَادَ بِمُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَالطَّعْنَ عَلَى مُشْرِكِيهِمْ وَحَسَدَتِهِمْ ، وَالْعَضُدُ فِي الدِّلَالَةِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ ، يَعْلَمُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ حَقٌّ لِتَصْدِيقِهِ كُتُبَهُمْ وَمُوَافَقَتِهِ لَهَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) قِيلَ : الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ . وَقِيلَ : لِكُلِّ سَامِعٍ ، أَيْ إِذَا ظَهَرَتِ الدِّلَالَةُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْتَرَى فِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ بَابِ التَّهْيِيجِ وَالْإِلْهَابِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) فِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ، وَلَا يَرِيبُكَ جُحُودُ أَكْثَرَهِمْ وَكَفْرُهُمْ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَحَفْصٌ : ( مُنَزَّلٌ ) بِالتَّشْدِيدِ ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ) لَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا دَلَائِلُ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ وَالطَّعْنِ عَلَى مُخَالِفِي ذَلِكَ ، وَكَانَ مِنْ هُنَا إِلَى آخَرِ السُّورَةِ أَحْكَامٌ وَقَصَصٌ نَاسَبَ ذِكْرُ هَذِهِ الْآيَاتِ هُنَا ، أَيْ : تَمَّتْ أَقْضِيَتُهُ وَأَقْدَارُهُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : كَلِمَاتُهُ هُوَ الْقُرْآنُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : كُلُّ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَأَمَرَ وَنَهَى وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : صِدْقًا فِي الْوَعْدِ وَعَدْلًا فِي الْوَعِيدِ . وَقِيلَ : فِي مَا تَضَمَّنَ مِنْ خَبَرٍ وَحُكْمٍ ، أَوْ فِيمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ ، أَوْ فِيمَا أَمَرَ وَمَا نَهَى ، أَوْ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ، أَوْ فِيمَا قَالَ : هَؤُلَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ وَهَؤُلَاءِ إِلَى النَّارِ ، أَوْ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، أَوْ فِي نُصْرَةِ أَوْلِيَائِهِ وَخِذْلَانِ أَعْدَائِهِ ، أَوْ فِي نُصْرَةِ الرَّسُولِ بِبَدْرٍ وَإِهْلَاكِ أَعْدَائِهِ ، أَوْ فِي الْإِرْشَادِ وَالْإِضْلَالِ ، أَوْ فِي الْغُفْرَانِ وَالتَّعْذِيبِ ، أَوْ فِي الْفَضْلِ وَالْمَنْعِ ، أَوْ فِي تَوْسِيعِ الرِّزْقِ وَتَقْتِيرِهِ ، أَوْ فِي إِعْطَائِهِ وَبَلَائِهِ . وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ أَوَّلُ الْقَوْلِ فُسِّرَ بِهِ الصِّدْقُ وَالْمَعْطُوفُ فُسِّرَ بِهِ الْعَدْلُ ، وَأَعْرَبَ
الْحَوْفِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْبَقَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115صِدْقًا وَعَدْلًا ) مَصْدَرَيْنِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرِيُّ تَمْيِيزًا ، وَجَوَّزَهُ
أَبُو الْبَقَاءِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هُوَ غَيْرُ صَوَابٍ ، وَزَادَ
أَبُو الْبَقَاءِ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى فِي ( تَمَّتْ ) أَنَّهَا كَانَ بِهَا نَقْصٌ فَكَمَلَتْ ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى اسْتَمَرَّتْ وَصَحَّتْ ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : "
وَتَمَّ حَمْزَةُ عَلَى إِسْلَامِهِ " ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ) أَيِ : اسْتَمَرَّتْ ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ نُفُوذِ أَقْضِيَتِهِ . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ هُنَا ( كَلِمَةُ ) بِالْإِفْرَادِ ،
وَنَافِعٌ جَمِيعَ ذَلِكَ ( كَلِمَاتُ ) بِالْجَمْعِ ، تَابَعَهُ
أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ هُنَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) أَيْ : لَا مُغَيِّرَ
[ ص: 210 ] لِأَقْضِيَتِهِ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الْقُرْآنِ ، فَلَا يَلْحَقُهَا تَغْيِيرٌ لَا فِي الْمَعْنَى وَلَا فِي اللَّفْظِ ، وَفِي حَرْفِ
أُبَيٍّ : لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) أَيِ : السَّمِيعُ لِأَقْوَالِكُمُ الْعَلِيمُ بِالضَّمَائِرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) أَيْ : وَإِنْ تُوَافِقْ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَشَرْعِ مَا شَرَعُوهُ بِغَيْرِ إِذَنِ اللَّهِ أَكْثَرَ ، لِأَنَّ الْأَكْثَرَ إِذْ ذَاكَ كَانُوا كُفَّارًا ، وَالْأَرْضُ هُنَا الدُّنْيَا ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقِيلَ : أَكْثَرُ مَنْ فِي الْأَرْضِ رُؤَسَاءُ
مَكَّةَ ، وَالْأَرْضُ خَاصٌّ بِأَرْضِ
مَكَّةَ ، وَكَثِيرًا مَا ذَمَّ الْأَكْثَرَ فِي كِتَابِهِ ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ الْأَكْثَرُ إِلَّا لِلَّذِينِ يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ) أَيْ : لَيْسُوا رَاجِعِينَ فِي عَقَائِدِهِمْ إِلَى عِلْمٍ وَلَا فِيمَا شَرَعُوهُ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) أَيْ : يُقَدِّرُونَ وَيَحْزُرُونَ ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ . وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ خَصَّ هَذِهِ الطَّاعَةَ وَاتِّبَاعَهُمُ الظَّنَّ وَتَخَرُّصَهُمْ بِأَمْرِ الذَّبَائِحِ ، وَحُكِيَ أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ مُجَادَلَةُ الْمُشْرِكِينَ الرَّسُولَ فِي أَمْرِ الذَّبَائِحِ ، وَقَوْلُهُمْ : نَأْكُلُ مَا نَقْتُلُ وَلَا نَأْكُلُ مَا قَتَلَ اللَّهُ ، فَنَزَلَتْ مُخْبِرَةً أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ بِظُنُونِهِمْ وَبِخَرْصِهِمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْلَمُ الْعَالَمِينَ بِالضَّالِّ وَالْمُهْتَدِي ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ وَبِكَ ، فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ وَأَنْتَ الْمُهْتَدِي ، وَ ( مَنْ ) قِيلَ : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ ، نَحْوَ : زَيْدٌ أَضْرَبُ السَّيْفِ ، أَيْ : بِالسَّيْفِ . وَقَالَ
أَبُو الْفَتْحِ : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ ( أَعْلَمُ ) بَعْدَ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ ، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ ; لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُعْمِلُ النَّصْبَ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ ، وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ : يَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ ، وَدَلَّ عَلَى حَذْفِهِ ( أَعْلَمُ ) وَمِثْلُهُ مَا أَنْشَدَهُ
أَبُو زَيْدٍ .
وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ الْقَوَانِسَا
أَيْ : تَضْرِبُ الْقَوَانِسَ ، وَهِيَ إِذْ ذَاكَ مَوْصُولَةٌ ، وَصِلَتُهَا ( يَضِلُّ ) وَجَوَّزَ
أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً بِالْفِعْلِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدُ nindex.php?page=showalam&ids=14416وَالزَّجَّاجُ وَمَكِّيٌّ : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، وَهِيَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ ، وَالْخَبَرُ ( يَضِلُّ ) ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَعْلَمَ ، أَيْ : أَعْلَمُ أَيُّ النَّاسِ يَضِلُّ ، كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ) ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فَرْعٌ عَنْ جَوَازِ الْعَمَلِ ، وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ ، فَلَا يُعَلَّقُ عَنْهُ ،
وَالْكُوفِيُّونَ يُجِيزُونَ إِعْمَالَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ ، وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي كُتُبِ النَّحْوِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ : ( يُضِلُّ ) بِضَمِّ الْيَاءِ ، وَفَاعِلُ ( يُضِلُّ ) ضَمِيرُ ( مَنْ ) ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ ، أَيْ : مَنْ يُضِلُّ النَّاسَ ، أَوْ ضَمِيرُ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى يَجِدُهُ ضَالًّا أَوْ يَخْلُقُ فِيهِ الضَّلَالَ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ تَتَضَمَّنُ الْوَعِيدَ وَالْوَعْدَ لِأَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى عَالِمًا بِالضَّالِّ وَالْمُهْتَدِي كِنَايَةٌ عَنْ مُجَازَاتِهِمَا .