(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189nindex.php?page=treesubj&link=28973يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) ، نزلت على سؤال قوم من المسلمين النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الهلال ، وما فائدة محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وقتادة ،
والربيع ، وغيرهم . وروي أن من سأل هو
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ،
وثعلبة بن غنم الأنصاري ، قالا : يا رسول الله ! ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلئ ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ ، لا يكون على حالة واحدة ؟ فنزلت .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، وهو أن ما قبلها من الآيات نزلت في الصيام ، وأن صيام رمضان مقرون برؤية الهلال ، وكذلك الإفطار في شهر شوال ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373916صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته " . وكان أيضا قد تقدم كلام في شيء من أعمال الحج ، وهو الطواف ، والحج أحد الأركان التي بني الإسلام عليها . وكان قد مضى الكلام في توحيد الله تعالى ، وفي الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، فأتى بالكلام على الركن الخامس وهو الحج ، ليكون قد كملت الأركان التي بني الإسلام عليها . روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : ما كان أمة أقل سؤالا من أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - سألوا عن أربعة عشر حرفا ، فأجيبوا ، منها في سورة البقرة : أولها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) ، والثاني : هذا ، وستة بعدها ، وفي غيرها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4يسألونك ماذا أحل لهم ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يسألونك عن الأنفال ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85ويسألونك عن الروح ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=83ويسألونك عن ذي القرنين ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105ويسألونك عن الجبال ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يسألونك عن الساعة ) ، قيل : اثنان من هذه الأسئلة في الأول في شرح المبدأ ، واثنان في الآخر في شرح المعاد ، ونظيره أنه افتتحت سورتان بـ ( يا أيها الناس ) ، الأولى وهي الرابعة من السور في النصف الأول ، تشتمل على شرح المبدأ ، والثانية وهي الرابعة أيضا من السور في النصف الآخر تشتمل على شرح المعاد .
والضمير في يسألونك ضمير جمع على أن السائلين جماعة ، وإن كان من سأل اثنين ، كما روي ، فيحتمل أن يكون من نسبة الشيء إلى جمع ، وإن كان ما صدر إلا من واحد منهم أو اثنين ، وهذا كثير في كلامهم ، قيل : أو لكون الاثنين جمعا على سبيل الاتساع والمجاز . و " الكاف " : خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - و " يسألونك " خبر ، فإن كانت الآية نزلت قبل السؤال كان ذلك من الإخبار بالمغيب ، وإن كانت نزلت بعد السؤال ، وهو المنقول في أسباب النزول ، فيكون ذلك حكاية عن حال مضت . و " عن " متعلقة بقوله : " يسألونك " يقال : سأل به وعنه ، بمعنى واحد ، ولا يراد بذلك السؤال عن ذات الأهلة ، بل عن حكمة اختلاف أحوالها ، وفائدة ذلك ، ولذلك أجاب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189قل هي مواقيت للناس ) ، فلو كانت على حالة واحدة ما حصل التوقيت بها .
والهلال هو مفرد وجمع باختلاف أزمانه ، قالوا : من حيث كونه هلالا في شهر ، غير كونه هلالا في آخر . وقرأ الجمهور "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189عن الأهلة " بكسر النون وإسكان لام الأهلة بعدها همزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17274وورش على أصله من نقل حركة الهمزة وحذف الهمزة ، وقرأ شاذا بإدغام نون " عن " في لام الأهلة بعد النقل والحذف . ( قل هي ) ، أي : الأهلة (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189مواقيت للناس ) ، هذه : الحكمة في زيادة القمر ونقصانه ، إذ هي كونها مواقيت في الآجال ، والمعاملات ، والأيمان ، والعدد ، والصوم ، والفطر ، ومدة الحمل والرضاع ، والنذور المعلقة بالأوقات ، وفضائل الصوم في الأيام التي لا تعرف إلا بالأهلة . وقد ذكر تعالى هذا المعنى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ) . وقال
الراغب : الوقت الزمان
[ ص: 62 ] المفروض للعمل ، ومعنى : مواقيت للناس أي ما يتعلق بهم من أمور معاملاتهم ومصالحهم ، انتهى . وقال
الرماني : الوقت مقدار من الزمان محدد في ذاته ، والتوقيت تقدير حده ، وكلما قدرت له غاية فهو موقت ، والميقات منتهى الوقت ، والآخرة منتهى الخلق ، والإهلال ميقات الشهر ، ومواضع الإحرام مواقيت الحج : لأنها مقادير ينتهي إليها ، والميقات مقدار جعل علما لما يقدر من العمل ، انتهى كلامه .
وفي تغيير الهلال بالنقص والنماء رد على الفلاسفة في قولهم : إن الأجرام الفلكية لا يمكن تطرق التغيير إلى أحوالها ، فأظهر تعالى الاختلاف في القمر ، ولم يظهره في الشمس ، ليعلم أن ذلك بقدرة منه تعالى . والحج : معطوف على قوله : " للناس " . قالوا : التقدير ومواقيت للحج ، فحذف الثاني اكتفاء بالأول ، والمعنى : لتعرفوا بها أشهر الحج ومواقيته . ولما كان الحج من أعظم ما يطلب ميقاته وأشهره بالأهلة ، أفرد بالذكر ، وكأنه تخصيص بعد تعميم ، إذ قوله : مواقيت للناس ، ليس المعنى مواقيت لذوات الناس ، وإنما المعنى : مواقيت لمقاصد الناس المحتاج فيها للتأقيت دينا ودنيا . فجاء قوله : " والحج " بعد ذلك تخصيصا بعد تعميم . ففي الحقيقة ليس معطوفا على الناس ، بل على المضاف المحذوف الذي ناب الناس منابه في الإعراب . ولما كانت تلك المقاصد يفضي تعدادها إلى الإطناب ، اقتصر على قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189مواقيت للناس " .
وقال
القفال : إفراد الحج بالذكر : لبيان أن الحج مقصور على الأشهر التي عينها الله تعالى لفرض الحج ، وأنه لا يجوز نقل الحج عن تلك الأشهر لأشهر أخر ، إنما كانت العرب تفعل ذلك في النسيء ، انتهى كلامه .
وقرأ الجمهور : " والحج " بفتح الحاء . وقرأ
الحسن وابن أبي إسحاق : " والحج " بكسرها في جميع القرآن في قوله : ( حج البيت ) ، فقيل : بالفتح المصدر ، وبالكسر الاسم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : الحج ، كالرد والسد ، والحج كالذكر ، فهما مصدران . والظاهر من قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189مواقيت للناس والحج " ، ما ذهب إليه
أبو حنيفة ،
ومالك من جواز الإحرام بالحج في جميع السنة لعموم الأهلة ، خلافا لمن قال : لا يصح إلا في أشهر الحج . قيل : وفيها دليل على أن من وجب عليها عدتان من رجل واحد ، اكتفت بمضي عدة واحدة للعدتين ، ولا تستأنف لكل واحدة منهما حيضا ، ولا شهورا : لعموم قوله : مواقيت للناس . ودليل على أن العدة إذا كان ابتداؤها بالهلال ، وكانت بالشهور ، وجب استيفاؤها بالأهلة لا بعدد الأيام ، ودليل على أن من آلى من امرأته من أول الشهر إلى أن مضى الأربعة الأشهر معتبر في اتباع الطلاق بالأهلة دون اعتبار الثلاثين ، وكذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373917آلى من نسائه شهرا ، وكذلك الإجارات ، والأيمان ، والديون ، متى كان ابتداؤها بالهلال ، كان جميعها كذلك ، وسقط اعتبار العدد ، وبذلك حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصوم ، وفيها رد على أهل الظاهر . ومن قال بقولهم : إن المساقات تجوز على الأجل المجهول سنين غير معلومة ، ودليل على من أجاز البيع إلى الحصاد ، أو الدراس أو للغطاس وشبهه ، وهو
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وأحمد : وكذلك إلى قدوم الغزاة . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس منعه ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ودليل على عدم اعتبار وصف الهلال بالكبر أو الصغر : لأنه يقال : ما فصل ، فسواء رئي كبيرا أو صغيرا ، فإنه لليلة التي رئي فيها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189nindex.php?page=treesubj&link=28973يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) ، نَزَلَتْ عَلَى سُؤَالِ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْهِلَالِ ، وَمَا فَائِدَةُ مِحَاقِهِ وَكَمَالِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِحَالِ الشَّمْسِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَالرَّبِيعُ ، وَغَيْرُهُمْ . وَرُوِيَ أَنَّ مَنْ سَأَلَ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ،
وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنْمٍ الْأَنْصَارِيُّ ، قَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو دَقِيقًا مِثْلَ الْخَيْطِ ثُمَّ يَزِيدُ حَتَّى يَمْتَلِئَ ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَنْقُصُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ ، لَا يَكُونُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ فَنَزَلَتْ .
وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرَةٌ ، وَهُوَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي الصِّيَامِ ، وَأَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ مَقْرُونٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ، وَكَذَلِكَ الْإِفْطَارُ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373916صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " . وَكَانَ أَيْضًا قَدْ تَقَدَّمَ كَلَامٌ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ ، وَهُوَ الطَّوَافُ ، وَالْحَجُّ أَحَدُ الْأَرْكَانِ الَّتِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا . وَكَانَ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِي الصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ ، فَأَتَى بِالْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الْخَامِسِ وَهُوَ الْحَجُّ ، لِيَكُونَ قَدْ كَمُلَتِ الْأَرْكَانُ الَّتِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا . رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا كَانَ أُمَّةٌ أَقَلَّ سُؤَالًا مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلُوا عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا ، فَأُجِيبُوا ، مِنْهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : أَوَّلُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) ، وَالثَّانِي : هَذَا ، وَسِتَّةٌ بَعْدَهَا ، وَفِي غَيْرِهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=83وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ ) ، قِيلَ : اثْنَانِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ فِي الْأَوَّلِ فِي شَرْحِ الْمَبْدَأِ ، وَاثْنَانِ فِي الْآخِرِ فِي شَرْحِ الْمَعَادِ ، وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ افْتُتِحَتْ سُورَتَانِ بِـ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ، الْأُولَى وَهِيَ الرَّابِعَةُ مِنَ السُّوَرِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ ، تَشْتَمِلُ عَلَى شَرْحِ الْمَبْدَأِ ، وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ الرَّابِعَةُ أَيْضًا مِنَ السُّوَرِ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ تَشْتَمِلُ عَلَى شَرْحِ الْمَعَادِ .
وَالضَّمِيرُ فِي يَسْأَلُونَكَ ضَمِيرُ جَمْعٍ عَلَى أَنَّ السَّائِلِينَ جَمَاعَةٌ ، وَإِنْ كَانَ مَنْ سَأَلَ اثْنَيْنِ ، كَمَا رُوِيَ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نِسْبَةِ الشَّيْءِ إِلَى جَمْعٍ ، وَإِنْ كَانَ مَا صَدَرَ إِلَّا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوِ اثْنَيْنِ ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ ، قِيلَ : أَوْ لِكَوْنِ الِاثْنَيْنِ جَمْعًا عَلَى سَبِيلِ الِاتِّسَاعِ وَالْمَجَازِ . وَ " الْكَافُ " : خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَ " يَسْأَلُونَكَ " خَبَرٌ ، فَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ السُّؤَالِ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبِ ، وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَ السُّؤَالِ ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حِكَايَةً عَنْ حَالٍ مَضَتْ . وَ " عَنْ " مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ : " يَسْأَلُونَكَ " يُقَالُ : سَأَلَ بِهِ وَعَنْهُ ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ السُّؤَالُ عَنْ ذَاتِ الْأَهِلَّةِ ، بَلْ عَنْ حِكْمَةِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا ، وَفَائِدَةِ ذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ) ، فَلَوْ كَانَتْ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مَا حَصَلَ التَّوْقِيتُ بِهَا .
وَالْهِلَالُ هُوَ مُفْرَدٌ وَجَمْعٌ بِاخْتِلَافِ أَزْمَانِهِ ، قَالُوا : مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ هِلَالًا فِي شَهْرٍ ، غَيْرَ كَوْنِهِ هِلَالًا فِي آخَرَ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189عَنِ الْأَهِلَّةِ " بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ لَامِ الْأَهِلَّةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَوَرْشٌ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ نَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ ، وَقَرَأَ شَاذًّا بِإِدْغَامِ نُونِ " عَنْ " فِي لَامِ الْأَهِلَّةِ بَعْدَ النَّقْلِ وَالْحَذْفِ . ( قُلْ هِيَ ) ، أَيِ : الْأَهِلَّةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ) ، هَذِهِ : الْحِكْمَةُ فِي زِيَادَةِ الْقَمَرِ وَنُقْصَانِهِ ، إِذْ هِيَ كَوْنُهَا مَوَاقِيتٌ فِي الْآجَالِ ، وَالْمُعَامَلَاتِ ، وَالْأَيْمَانِ ، وَالْعِدَدِ ، وَالصَّوْمِ ، وَالْفِطْرِ ، وَمُدَّةِ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ ، وَالنُّذُورِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْأَوْقَاتِ ، وَفَضَائِلِ الصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِالْأَهِلَّةِ . وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) . وَقَالَ
الرَّاغِبُ : الْوَقْتُ الزَّمَانُ
[ ص: 62 ] الْمَفْرُوضُ لِلْعَمَلِ ، وَمَعْنَى : مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنْ أُمُورِ مُعَامَلَاتِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ ، انْتَهَى . وَقَالَ
الرُّمَّانِيُّ : الْوَقْتُ مِقْدَارٌ مِنَ الزَّمَانِ مُحَدَّدٌ فِي ذَاتِهِ ، وَالتَّوْقِيتُ تَقْدِيرُ حَدِّهِ ، وَكُلَّمَا قَدَّرْتَ لَهُ غَايَةً فَهُوَ مُوَقَّتٌ ، وَالْمِيقَاتُ مُنْتَهَى الْوَقْتِ ، وَالْآخِرَةُ مُنْتَهَى الْخَلْقِ ، وَالْإِهْلَالُ مِيقَاتُ الشَّهْرِ ، وَمَوَاضِعُ الْإِحْرَامِ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ : لِأَنَّهَا مَقَادِيرُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا ، وَالْمِيقَاتُ مِقْدَارٌ جُعِلَ عَلَمًا لِمَا يُقَدَّرُ مِنَ الْعَمَلِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَفِي تَغْيِيرِ الْهِلَالِ بِالنَّقْصِ وَالنَّمَاءِ رَدٌّ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ فِي قَوْلِهِمْ : إِنَّ الْأَجْرَامَ الْفَلَكِيَّةَ لَا يُمْكِنُ تَطَرُّقُ التَّغْيِيرِ إِلَى أَحْوَالِهَا ، فَأَظْهَرَ تَعَالَى الِاخْتِلَافَ فِي الْقَمَرِ ، وَلَمْ يُظْهِرْهُ فِي الشَّمْسِ ، لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ بِقُدْرَةٍ مِنْهُ تَعَالَى . وَالْحَجُّ : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : " لِلنَّاسِ " . قَالُوا : التَّقْدِيرُ وَمَوَاقِيتُ لِلْحَجِّ ، فَحُذِفَ الثَّانِي اكْتِفَاءً بِالْأَوَّلِ ، وَالْمَعْنَى : لِتَعْرِفُوا بِهَا أَشْهُرَ الْحَجِّ وَمَوَاقِيتَهُ . وَلَمَّا كَانَ الْحَجُّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُطْلَبُ مِيقَاتُهُ وَأَشْهُرُهُ بِالْأَهِلَّةِ ، أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ ، وَكَأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ ، إِذْ قَوْلُهُ : مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ، لَيْسَ الْمَعْنَى مَوَاقِيتَ لِذَوَاتِ النَّاسِ ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : مَوَاقِيتُ لِمَقَاصِدِ النَّاسِ الْمُحْتَاجِ فِيهَا لِلتَّأْقِيتِ دِينًا وَدُنْيَا . فَجَاءَ قَوْلُهُ : " وَالْحَجِّ " بَعْدَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا بَعْدَ تَعْمِيمٍ . فَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى النَّاسِ ، بَلْ عَلَى الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي نَابَ النَّاسُ مَنَابَهُ فِي الْإِعْرَابِ . وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْمَقَاصِدُ يُفْضِي تَعْدَادُهَا إِلَى الْإِطْنَابِ ، اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ " .
وَقَالَ
الْقَفَّالُ : إِفْرَادُ الْحَجِّ بِالذِّكْرِ : لِبَيَانِ أَنَّ الْحَجَّ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْهُرِ الَّتِي عَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِفَرْضِ الْحَجِّ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْحَجِّ عَنْ تِلْكَ الْأَشْهُرِ لِأَشْهُرٍ أُخَرَ ، إِنَّمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي النَّسِيءِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : " وَالْحَجِّ " بِفَتْحِ الْحَاءِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ : " وَالْحِجِّ " بِكَسْرِهَا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ : ( حِجُّ الْبَيْتِ ) ، فَقِيلَ : بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ ، وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : الْحَجُّ ، كَالرَّدِّ وَالسَّدِّ ، وَالْحِجُّ كَالذِّكْرِ ، فَهُمَا مَصْدَرَانِ . وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ " ، مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
أَبُو حَنِيفَةَ ،
وَمَالِكٌ مِنْ جَوَازِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ لِعُمُومِ الْأَهِلَّةِ ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ . قِيلَ : وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، اكْتَفَتْ بِمُضِيِّ عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ لِلْعِدَّتَيْنِ ، وَلَا تَسْتَأْنِفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَيْضًا ، وَلَا شُهُورًا : لِعُمُومِ قَوْلِهِ : مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ . وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ إِذَا كَانَ ابْتِدَاؤُهَا بِالْهِلَالِ ، وَكَانَتْ بِالشُّهُورِ ، وَجَبَ اسْتِيفَاؤُهَا بِالْأَهِلَّةِ لَا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ آلَى مِنَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى أَنْ مَضَى الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ مُعْتَبَرٌ فِي اتِّبَاعِ الطَّلَاقِ بِالْأَهِلَّةِ دُونَ اعْتِبَارِ الثَّلَاثِينَ ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373917آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَاتُ ، وَالْأَيْمَانُ ، وَالدُّيُونُ ، مَتَى كَانَ ابْتِدَاؤُهَا بِالْهِلَالِ ، كَانَ جَمِيعُهَا كَذَلِكَ ، وَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ ، وَبِذَلِكَ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّوْمِ ، وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ . وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ : إِنَّ الْمُسَاقَاتِ تَجُوزُ عَلَى الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ سِنِينَ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ ، وَدَلِيلٌ عَلَى مَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ إِلَى الْحَصَادِ ، أَوِ الدِّرَاسِ أَوْ لِلْغِطَاسِ وَشِبْهِهِ ، وَهُوَ
مَالِكٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ ،
وَأَحْمَدُ : وَكَذَلِكَ إِلَى قُدُومِ الْغُزَاةِ . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْعُهُ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، وَدَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ وَصْفِ الْهِلَالِ بِالْكِبَرِ أَوِ الصِّغَرِ : لِأَنَّهُ يُقَالُ : مَا فُصِّلَ ، فَسَوَاءٌ رُئِيَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا ، فَإِنَّهُ لِلَّيْلَةِ الَّتِي رُئِيَ فِيهَا .