nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29030ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون .
بعد أن أمر المؤمنين بتقوى الله وإعداد العدة للآخرة أعقبه بهذا النهي تحذيرا عن الإعراض عن الدين والتغافل عن التقوى ، وذلك يفضي إلى الفسوق . وجيء
[ ص: 113 ] في النهي بنهيهم عن حالة قوم تحققت فيهم هذه الصلة ليكون
nindex.php?page=treesubj&link=19860النهي عن إضاعة التقوى مصورا في صورة محسوسة هي صورة قوم تحققت فيهم تلك الصلة وهم الذين أعرضوا عن التقوى .
وهذا الإعراض مراتب قد تنتهي إلى الكفر الذي تلبس به
اليهود وإلى النفاق الذي تلبس به فريق ممن أظهروا الإسلام في أول سني الهجرة ، وظاهر الموصول أنه لطائفة معهودة فيحتمل أن يراد بـ (
nindex.php?page=treesubj&link=30565_30563_32424_31931الذين نسوا الله ) المنافقين لأنهم كانوا مشركين ولم يهتدوا للتوحيد بهدى الإسلام فعبر عن النفاق بنسيان الله لأنه جهل بصفات الله من التوحيد والكمال . وعبر عنهم بالفاسقين قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=67نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون في سورة براءة ، فتكون هذه الآية ناظرة إلى تلك .
ويحتمل أن يكون المراد بهم
اليهود لأنهم أضاعوا دينهم ولم يقبلوا رسالة
عيسى عليه السلام وكفروا
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
فالمعنى : نسوا دين الله وميثاقه الذي واثقهم به ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم .
وقد أطلق نسيانهم على الترك والإعراض عن عمد أي فنسوا دلائل توحيد الله ودلائل صفاته ودلائل صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفهم كتابه فالكلام بتقدير حذف مضاف أو مضافين .
nindex.php?page=treesubj&link=30454_30531ومعنى أنساهم أنفسهم أن الله لم يخلق في مداركهم التفطن لفهم الهدي الإسلامي فيعملوا بما ينجيهم من عذاب الآخرة ولما فيه صلاحهم في الدنيا ، إذ خذلهم بذبذبة آرائهم فأصبح
اليهود في قبضة المسلمين يخرجونهم من ديارهم ، وأصبح المنافقون ملموزين بين
اليهود بالغدر ونقض العهد وبين المسلمين بالاحتقار واللعن .
وأشعر فاء التسبب بأن إنساء الله إياهم أنفسهم مسبب على نسيانهم دين الله ، أي لما أعرضوا عن الهدى بكسبهم وإرادتهم عاقبهم الله بأن خلق فيهم نسيان أنفسهم .
[ ص: 114 ] وإظهار اسم الجلالة في قوله تعالى كالذين نسوا الله دون أن يقال : نسوه لاستفظاع هذا النسيان فعلق باسم الله الذين خلقهم وأرشدهم .
والقصر المستفاد من ضمير الفصل في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19أولئك هم الفاسقون قصر ادعائي للمبالغة في وصفهم بشدة الفسق حتى كأن فسق غيرهم ليس بفسق في جانب فسقهم .
واسم الإشارة للتشهير بهم بهذا الوصف .
والفسق : الخروج من المكان الموضوع للشيء فهو صفة ذم غالبا لأنه مفارقة للمكان اللائق بالشيء ، ومنه قيل : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها ، فالفاسقون هم الآتون بفواحش السيئات ومساوي الأعمال وأعظمها الإشراك .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19أولئك هم الفاسقون مستأنفة استئنافا بيانيا لبيان الإبهام الذي أفاده قوله فأنساهم أنفسهم كأن السامع سأل : ماذا كان إثر إنساء الله إياهم أنفسهم ؟ فأجيب بأنهم بلغوا بسبب ذلك منتهى الفسق في الأعمال السيئة حتى حق عليهم أن يقال : إنه لا فسق بعد فسقهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29030وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
بَعْدَ أَنْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِعْدَادِ الْعُدَّةِ لِلْآخِرَةِ أَعْقَبَهُ بِهَذَا النَّهْيِ تَحْذِيرًا عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدِّينِ وَالتَّغَافُلِ عَنِ التَّقْوَى ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الْفُسُوقِ . وَجِيءَ
[ ص: 113 ] فِي النَّهْيِ بِنَهْيِهِمْ عَنْ حَالَةِ قَوْمٍ تَحَقَّقَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الصِّلَةُ لَيَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=19860النَّهْيُ عَنْ إِضَاعَةِ التَّقْوَى مُصَوَّرًا فِي صُورَةٍ مَحْسُوسَةٍ هِيَ صُورَةُ قَوْمٍ تَحَقَّقَتْ فِيهِمْ تِلْكَ الصِّلَةُ وَهُمُ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ التَّقْوَى .
وَهَذَا الْإِعْرَاضُ مَرَاتِبُ قَدْ تَنْتَهِي إِلَى الْكُفْرِ الَّذِي تَلَبَّسَ بِهِ
الْيَهُودُ وَإِلَى النِّفَاقِ الَّذِي تَلَبَّسَ بِهِ فَرِيقٌ مِمَّنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ فِي أَوَّلِ سِنِيِّ الْهِجْرَةِ ، وَظَاهَرُ الْمَوْصُولِ أَنَّهُ لِطَائِفَةٍ مَعْهُودَةٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِـ (
nindex.php?page=treesubj&link=30565_30563_32424_31931الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ ) الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُشْرِكِينَ وَلَمْ يَهْتَدُوا لِلتَّوْحِيدِ بِهَدْىِ الْإِسْلَامِ فَعَبَّرَ عَنِ النِّفَاقِ بِنِسْيَانِ اللَّهِ لِأَنَّهُ جَهْلٌ بِصِفَاتِ اللَّهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْكَمَالِ . وَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْفَاسِقِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=67نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَاظِرَةً إِلَى تِلْكَ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِمُ
الْيَهُودُ لِأَنَّهُمْ أَضَاعُوا دِينَهُمْ وَلَمْ يَقْبَلُوا رِسَالَةَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَفَرُوا
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
فَالْمَعْنَى : نَسُوا دِينَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ .
وَقَدْ أَطْلَقَ نِسْيَانَهُمْ عَلَى التَّرْكِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ عَمْدٍ أَيْ فَنَسُوا دَلَائِلَ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَدَلَائِلَ صِفَاتِهِ وَدَلَائِلَ صِدْقِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَهْمِ كِتَابِهِ فَالْكَلَامُ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ مُضَافَيْنِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30454_30531وَمَعْنَى أَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ فِي مَدَارِكِهِمُ التَّفَطُّنَ لِفَهْمِ الْهَدْيِ الْإِسْلَامِيِّ فَيَعْمَلُوا بِمَا يُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَلِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ فِي الدُّنْيَا ، إِذْ خَذَلَهُمْ بِذَبْذَبَةِ آرَائِهِمْ فَأَصْبَحَ
الْيَهُودُ فِي قَبْضَةِ الْمُسْلِمِينَ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ، وَأَصْبَحَ الْمُنَافِقُونَ مَلْمُوزِينَ بَيْنَ
الْيَهُودِ بِالْغَدْرِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِالِاحْتِقَارِ وَاللَّعْنِ .
وَأَشْعَرَ فَاءُ التَّسَبُّبِ بِأَنَّ إِنْسَاءَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ أَنْفُسَهُمْ مُسَبَّبٌ عَلَى نِسْيَانِهِمْ دِينَ اللَّهِ ، أَيْ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنِ الْهُدَى بِكَسْبِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ عَاقَبَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ خَلَقَ فِيهِمْ نِسْيَانَ أَنْفُسِهِمْ .
[ ص: 114 ] وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ دُونَ أَنْ يُقَالَ : نَسُوهُ لِاسْتِفْظَاعِ هَذَا النِّسْيَانِ فَعَلَّقَ بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِينَ خَلَقَهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ .
وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ضَمِيرِ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِمْ بِشِدَّةِ الْفِسْقِ حَتَّى كَأَنَّ فِسْقَ غَيْرِهِمْ لَيْسَ بِفِسْقٍ فِي جَانِبِ فِسْقِهِمْ .
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلتَّشْهِيرِ بِهِمْ بِهَذَا الْوَصْفِ .
وَالْفِسْقُ : الْخُرُوجُ مِنَ الْمَكَانِ الْمَوْضُوعِ لِلشَّيْءِ فَهُوَ صِفَةُ ذَمٍّ غَالِبًا لِأَنَّهُ مُفَارَقَةٌ لِلْمَكَانِ اللَّائِقِ بِالشَّيْءِ ، وَمِنْهُ قِيلَ : فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرِهَا ، فَالْفَاسِقُونَ هُمُ الْآتُونَ بِفَوَاحِشِ السَّيِّئَاتِ وَمُسَاوِيِ الْأَعْمَالِ وَأَعْظَمُهَا الْإِشْرَاكُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِبَيَانِ الْإِبْهَامِ الَّذِي أَفَادَهُ قَوْلُهُ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ كَأَنَّ السَّامِعَ سَأَلَ : مَاذَا كَانَ إِثْرَ إِنْسَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ؟ فَأُجِيبُ بِأَنَّهُمْ بَلَغُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ مُنْتَهَى الْفِسْقِ فِي الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ حَتَّى حَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَا فِسْقَ بَعْدَ فِسْقِهِمْ .