nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=29010أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قرأ
نافع وابن كثير وحمزة وحدهم " أمن " بتخفيف الميم على أن الهمزة دخلت على " من " الموصولة فيجوز أن تكون الهمزة همزة استفهام ؛ و " من " مبتدأ والخبر محذوف دل عليه الكلام قبله من ذكر الكافر في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8وجعل لله أندادا إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8من أصحاب النار والاستفهام إنكاري والقرينة على إرادة الإنكار تعقيبه بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون لظهور أن " هل " فيه للاستفهام الإنكاري وبقرينة صلة الموصول . تقديره : أمن هو قانت أفضل أم من هو كافر ؟ والاستفهام حينئذ تقريري ويقدر له معادل محذوف دل عليه قوله عقبه
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون .
وجعل
الفراء الهمزة للنداء و من هو قانت : النبيء - صلى الله عليه وسلم - ناداه الله بالأوصاف العظيمة الأربعة لأنها أوصاف له ونداء لمن هم من أصحاب هذه الأوصاف ، يعني المؤمنين أن يقولوا : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وعليه فإفراد " قل " مراعاة للفظ " من " المنادى .
وقرأ الجمهور
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أمن هو قانت بتشديد ميم " من " على أنه لفظ مركب من كلمتين " أم " و " من " فأدغمت ميم " أم " في ميم " من " . وفي معناه وجهان : أحدهما : أن تكون " أم " معادلة لهمزة استفهام محذوفة مع جملتها دلت عليها " أم " لاقتضائها معادلا . ودل عليها تعقيبه بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون لأن التسوية لا تكون إلا بين شيئين . فالتقدير : أهذا الجاعل لله أندادا
[ ص: 346 ] الكافر خير أمن هو قانت ، والاستفهام حقيقي والمقصود لازمه ، وهو التنبيه على الخطأ عند التأمل .
والوجه الثاني : أن تكون " أم " منقطعة لمجرد الإضراب الانتقالي . و " أم " تقتضي استفهاما مقدرا بعدها . ومعنى الكلام : دع تهديدهم بعذاب النار وانتقل بهم إلى هذا السؤال : الذي هو قانت ، وقائم ، ويحذر الله ويرجو رحمته . والمعنى : أذلك الإنسان الذي جعل لله أندادا هو قانت إلخ ؛ والاستفهام مستعمل في التهكم لظهور أنه لا تتلاقى تلك الصفات الأربع مع صفة " جعله لله أندادا " .
والقانت : العابد . وقد تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وقوموا لله قانتين في سورة البقرة .
والآناء : جمع أنى ؛ مثل أمعاء ومعى ، وأقفاء وقفى ، والأنى : الساعة ، ويقال أيضا : إنى ، بكسر الهمزة ، كما تقدم في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=53غير ناظرين إناه في سورة الأحزاب .
وانتصب " آناء " على الظرف لـ " قانت " ، وتخصيص الليل بقنوتهم لأن العبادة بالليل أعون على تمحض القلب لذكر الله ، وأبعد عن مداخلة الرياء وأدل على
nindex.php?page=treesubj&link=27927_1252إيثار عبادة الله على حظ النفس من الراحة والنوم ، فإن الليل أدعى إلى طلب الراحة فإذا آثر المرء العبادة فيه استنار قلبه بحب التقرب إلى الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا فلا جرم كان تخصيص الليل بالذكر دالا على أن هذا القانت لا يخلو من السجود والقيام أناء النهار بدلالة فحوى الخطاب قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=7إن لك في النهار سبحا وبذلك يتم انطباق هذه الصلة على حال النبيء - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9ساجدا وقائما حالان مبينان لـ " قانت " ومؤكدان لمعناه . وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه حالان ، فالحال الأول والثاني لوصف عمله الظاهر والجملتان اللتان هما ثالث ورابع لوصف عمل قلبه وهو أنه بين الخوف من سيئاته وفلتاته وبين الرجاء لرحمة ربه أن يثيبه على حسناته .
وفي هذا تمام المقابلة بين حال المؤمنين الجارية على وفق حال نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وحال
[ ص: 347 ] أهل الشرك الذين لا يدعون الله إلا في نادر الأوقات ، وهي أوقات الاضطرار ، ثم يشركون به بعد ذلك ، فلا اهتمام لهم إلا بعاجل الدنيا لا يحذرون الآخرة ولا يرجون ثوابها .
والرجاء : الخوف من مقامات السالكين ، أي : أوصافهم الثابتة التي لا تتحول .
والرجاء : انتظار ما فيه نعيم وملاءمة للنفس . والخوف : انتظار ما هو مكروه للنفس . والمراد هنا : الملاءمة الأخروية لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9يحذر الآخرة أي : يحذر عقاب الآخرة ؛ فتعين أن الرجاء أيضا : المأمول في الآخرة .
وللخوف مزيته من زجر النفس عما لا يرضي الله ، وللرجاء مزيته من حثها على ما يرضي الله وكلاهما أنيس السالكين .
وإنما ينشأ الرجاء على وجود أسبابه لأن المرء لا يرجو إلا ما يظنه حاصلا ولا يظن المرء أمرا إلا إذا لاحت له دلائله ولوازمه ، لأن الظن ليس بمغالطة ، والمرء لا يغالط نفسه ،
nindex.php?page=treesubj&link=20008فالرجاء يتبع السعي لتحصيل المرجو ؛ قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا فإن ترقب المرء المنفعة من غير أسبابها فذلك الترقب يسمى غرورا .
وإنما يكون الرجاء أو الخوف ظنا مع تردد في المظنون ، أما المقطوع به فهو اليقين واليأس وكلاهما مذموم ؛ قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=99فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
وقد بسط ذلك حجة الإسلام
أبو حامد في كتاب الرجاء والخوف من كتاب الإحياء . ولله در
أبي الحسن التهامي إذ يقول :
وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار
وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال : هذا تمن وإنما الرجاء ، قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه .
وقال بعض المفسرين أريد بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9من هو قانت أبو بكر ، وقيل
عمار بن [ ص: 348 ] ياسر ، وقيل :
أبو ذر ، وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وهي روايات ضعيفة ولا جرم أن هؤلاء المعدودين هم من أحق من تصدق عليه هذه الصلة فهي شاملة لهم ولكن محمل الموصول في الآية على تعميم كل من يصدق عليه معنى الصلة .
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=29010أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَحْدَهُمْ " أَمَنْ " بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ دَخَلَتْ عَلَى " مَنِ " الْمَوْصُولَةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ هَمْزَةَ اسْتِفْهَامٍ ؛ وَ " مَنْ " مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ قَبْلَهُ مِنْ ذِكْرِ الْكَافِرِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ وَالْقَرِينَةُ عَلَى إِرَادَةِ الْإِنْكَارِ تَعْقِيبُهُ بِقَولِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لِظُهُورِ أَنَّ " هَلْ " فِيهِ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ وَبِقَرِينَةِ صِلَةِ الْمَوْصُولِ . تَقْدِيرُهُ : أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ أَفْضَلُ أَمْ مَنْ هُوَ كَافِرٌ ؟ وَالِاسْتِفْهَامُ حِينَئِذٍ تَقْرِيرِيٌّ وَيُقَدَّرُ لَهُ مُعَادِلٌ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ .
وَجَعَلَ
الْفَرَّاءُ الْهَمْزَةَ لِلنِّدَاءِ وَ مَنْ هُوَ قَانِتٌ : النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَاهُ اللَّهُ بِالْأَوْصَافِ الْعَظِيمَةِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّهَا أَوْصَافٌ لَهُ وَنِدَاءٌ لِمَنْ هُمْ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ ، يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا : هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، وَعَلَيْهِ فَإِفْرَادُ " قُلْ " مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ " مِنَ " الْمُنَادَى .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ بِتَشْدِيدِ مِيمِ " مَنْ " عَلَى أَنَّهُ لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ " أَمْ " وَ " مَنْ " فَأُدْغِمَتْ مِيمُ " أَمْ " فِي مِيمِ " مَنْ " . وَفِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ " أَمْ " مُعَادِلَةً لِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ مَحْذُوفَةٍ مَعَ جُمْلَتِهَا دَلَّتْ عَلَيْهَا " أَمْ " لِاقْتِضَائِهَا مُعَادِلًا . وَدَلَّ عَلَيْهَا تَعْقِيبُهُ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ . فَالتَّقْدِيرُ : أَهَذَا الْجَاعِلُ لِلَّهِ أَنْدَادًا
[ ص: 346 ] الْكَافِرُ خَيْرٌ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ، وَالِاسْتِفْهَامُ حَقِيقِيٌّ وَالْمَقْصُودُ لَازِمُهُ ، وَهُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْخَطَأِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ " أَمْ " مُنْقَطِعَةً لِمُجَرَّدِ الْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ . و " أَمْ " تَقْتَضِي اسْتِفْهَامًا مُقَدَّرًا بَعْدَهَا . وَمَعْنَى الْكَلَامِ : دَعْ تَهْدِيدَهُمْ بِعَذَابِ النَّارِ وَانْتَقِلْ بِهِمْ إِلَى هَذَا السُّؤَالِ : الَّذِي هُوَ قَانِتٌ ، وَقَائِمٌ ، وَيَحْذَرُ اللَّهَ وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ . وَالْمَعْنَى : أَذَلِكَ الْإِنْسَانُ الَّذِي جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا هُوَ قَانِتٌ إِلَخْ ؛ وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا تَتَلَاقَى تِلْكَ الصِّفَاتُ الْأَرْبَعُ مَعَ صِفَةِ " جَعْلِهِ لِلَّهِ أَنْدَادًا " .
وَالْقَانِتُ : الْعَابِدُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالْآنَاءُ : جَمْعُ أَنًى ؛ مِثْلُ أَمْعَاءٍ وَمَعًى ، وَأَقْفَاءٍ وَقَفًى ، وَالْأَنَى : السَّاعَةُ ، وَيُقَالُ أَيْضًا : إِنَى ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=53غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ .
وَانْتَصَبَ " آنَاءَ " عَلَى الظَّرْفِ لِـ " قَانِتٌ " ، وَتَخْصِيصُ اللَّيْلِ بِقُنُوتِهِمْ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ بِاللَّيْلِ أَعْوَنُ عَلَى تَمَحُّضِ الْقَلْبِ لِذِكْرِ اللَّهِ ، وَأَبْعَدُ عَنْ مُدَاخَلَةِ الرِّيَاءِ وَأَدَلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=27927_1252إِيثَارِ عِبَادَةِ اللَّهِ عَلَى حَظِّ النَّفْسِ مِنَ الرَّاحَةِ وَالنَّوْمِ ، فَإِنَّ اللَّيْلَ أَدْعَى إِلَى طَلَبِ الرَّاحَةِ فَإِذَا آثَرَ الْمَرْءُ الْعِبَادَةَ فِيهِ اسْتَنَارَ قَلْبُهُ بِحُبِّ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا فَلَا جَرَمَ كَانَ تَخْصِيصُ اللَّيْلِ بِالذِّكْرِ دَالًّا عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَانِتَ لَا يَخْلُوَ مِنَ السُّجُودِ وَالْقِيَامِ أَنَاءَ النَّهَارِ بِدَلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=7إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا وَبِذَلِكَ يَتِمُّ انْطِبَاقُ هَذِهِ الصِّلَةِ عَلَى حَالِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9سَاجِدًا وَقَائِمًا حَالَانِ مُبَيِّنَانِ لِـ " قَانِتٌ " وَمُؤَكِّدَانِ لِمَعْنَاهُ . وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ حَالَانِ ، فَالْحَالُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِوَصْفِ عَمَلِهِ الظَّاهِرِ وَالْجُمْلَتَانِ اللَّتَانِ هُمَا ثَالِثٌ وَرَابِعٌ لِوَصْفِ عَمَلِ قَلْبِهِ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْنَ الْخَوْفِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَفَلَتَاتِهِ وَبَيْنَ الرَّجَاءِ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ .
وَفِي هَذَا تَمَامُ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَارِيَةِ عَلَى وَفْقِ حَالِ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَالِ
[ ص: 347 ] أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ اللَّهَ إِلَّا فِي نَادِرِ الْأَوْقَاتِ ، وَهِيَ أَوْقَاتُ الِاضْطِرَارِ ، ثُمَّ يُشْرِكُونَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَلَا اهْتِمَامَ لَهُمْ إِلَّا بِعَاجِلِ الدُّنْيَا لَا يَحْذَرُونَ الْآخِرَةَ وَلَا يَرْجُونَ ثَوَابَهَا .
وَالرَّجَاءُ : الْخَوْفُ مِنْ مَقَامَاتِ السَّالِكِينَ ، أَيْ : أَوْصَافِهِمُ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تَتَحَوَّلُ .
وَالرَّجَاءُ : انْتِظَارُ مَا فِيهِ نَعِيمٌ وَمُلَاءَمَةٌ لِلنَّفْسِ . وَالْخَوْفُ : انْتِظَارُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ لِلنَّفْسِ . وَالْمُرَادُ هُنَا : الْمُلَاءَمَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9يَحْذَرُ الْآخِرَةَ أَيْ : يَحْذَرُ عِقَابَ الْآخِرَةِ ؛ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الرَّجَاءَ أَيْضًا : الْمَأْمُولَ فِي الْآخِرَةِ .
وَلِلْخَوْفِ مَزِيَّتُهُ مِنْ زَجْرِ النَّفْسِ عَمَّا لَا يُرْضِي اللَّهَ ، وَلِلرَّجَاءِ مَزِيَّتُهُ مِنْ حَثِّهَا عَلَى مَا يُرْضِي اللَّهَ وَكِلَاهُمَا أَنِيسُ السَّالِكِينَ .
وَإِنَّمَا يَنْشَأُ الرَّجَاءُ عَلَى وُجُودِ أَسْبَابِهِ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَرْجُو إِلَّا مَا يَظُنُّهُ حَاصِلًا وَلَا يَظُنُّ الْمَرْءُ أَمْرًا إِلَّا إِذَا لَاحَتْ لَهُ دَلَائِلُهُ وَلَوَازِمُهُ ، لِأَنَّ الظَّنَّ لَيْسَ بِمُغَالَطَةٍ ، وَالْمَرْءُ لَا يُغَالِطُ نَفْسَهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20008فَالرَّجَاءُ يَتْبَعُ السَّعْيَ لِتَحْصِيلِ الْمَرْجُوِّ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا فَإِنَّ تَرَقُّبَ الْمَرْءِ الْمَنْفَعَةَ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِهَا فَذَلِكَ التَّرَقُّبُ يُسَمَّى غُرُورًا .
وَإِنَّمَا يَكُونُ الرَّجَاءُ أَوِ الْخَوْفُ ظَنًّا مَعَ تَرَدُّدٍ فِي الْمَظْنُونِ ، أَمَّا الْمَقْطُوعُ بِهِ فَهُوَ الْيَقِينُ وَالْيَأْسُ وَكِلَاهُمَا مَذْمُومٌ ؛ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=99فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ .
وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ
أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ مِنْ كِتَابِ الْإِحْيَاءِ . وَلِلَّهِ دَرُّ
أَبِي الْحَسَنِ التِّهَامِيِّ إِذْ يَقُولُ :
وَإِذَا رَجَوْتَ الْمُسْتَحِيلَ فَإِنَّمَا تَبْنِي الرَّجَاءَ عَلَى شَفِيرٍ هَارِ
وَسُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ يَتَمَادَى فِي الْمَعَاصِي وَيَرْجُو فَقَالَ : هَذَا تَمَنٍّ وَإِنَّمَا الرَّجَاءُ ، قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أُرِيدَ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9مَنْ هُوَ قَانِتٌ أَبُو بَكْرٍ ، وَقِيلَ
عَمَّارُ بْنُ [ ص: 348 ] يَاسِرٍ ، وَقِيلَ :
أَبُو ذَرٍّ ، وَقِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَهِيَ رِوَايَاتٌ ضَعِيفَةٌ وَلَا جَرَمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَعْدُودِينَ هُمْ مِنْ أَحَقِّ مَنْ تَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصِّلَةُ فَهِيَ شَامِلَةٌ لَهُمْ وَلَكِنَّ مَحْمَلَ الْمَوْصُولِ فِي الْآيَةِ عَلَى تَعْمِيمِ كُلِّ مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَى الصِّلَةِ .