nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=29009قل هو نبأ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أنتم عنه معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين إعادة الأمر بالقول هنا مستأنفا . والعدول عن الإتيان بحرف يعطف المقول أعني
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67هو نبأ عظيم على المقول السابق ؛ أعني : أنا منذر ، عدول يشعر بالاهتمام بمقول هنا كي لا يؤتى به تابعا لمقول آخر فيضعف تصدي السامعين لوعيه .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قل هو نبأ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أنتم عنه معرضون يجوز أن تكون في موقع الاستئناف الابتدائي انتقالا من غرض وصف أحوال أهل المحشر إلى غرض قصة
[ ص: 296 ] خلق آدم وشقاء الشيطان ، فيكون ضمير " هو " ضمير شأن يفسره ما بعده وما يبين به ما بعده من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين جعل هذا كالمقدمة للقصة تشويقا لتلقيها فيكون المراد بالنبأ
nindex.php?page=treesubj&link=31808نبأ خلق آدم وما جرى بعده ، ويكون ضمير " يختصمون " عائدا إلى الملأ الأعلى لأن الملأ جماعة . ويراد بالاختصام : الاختلاف الذي جرى بين الشيطان وبين من بلغ إليه من الملائكة
nindex.php?page=treesubj&link=31770أمر الله بالسجود لآدم ، فالملائكة هم الملأ الأعلى وكان الشيطان بينهم فعد منهم قبل أن يطرد من السماء .
ويجوز أن تكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قل هو نبأ عظيم إلخ ؛ تذييلا للذي سبق من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=49وإن للمتقين لحسن مآب إلى هنا ، تذييلا يشعر بالتنويه به وبطلب الإقبال على التدبر فيه والاعتبار به .
وعليه يكون ضمير " هو " ضميرا عائدا إلى الكلام السابق على تأويله بالمذكور فلذلك أتي لتعريفه بضمير المفرد .
والمراد بالنبأ : خبر الحشر وما أعد فيه للمتقين من حسن مآب ، وللطاغين من شر مآب ، ومن سوء صحبة بعضهم لبعض ، وتراشقهم بالتأنيب والخصام بينهم وهم في العذاب ، وترددهم في سبب أن لم يجدوا معهم المؤمنين الذين كانوا يعدونهم من الأشرار .
ووصف النبأ بـ عظيم تهويلا على نحو قوله تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وعظمة هذا النبأ بين الأنباء من نوعه من أنباء الشر مثل قوله : " فساد كبير " فتم الكلام عند قوله تعالى " أنتم عنه معرضون " .
فتكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إلى قوله " نذير مبين " استئنافا للاستدلال على صدق النبأ بأنه وحي من الله ولولا أنه وحي لما كان للرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل بمعرفة هذه الأحوال على حد قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=44وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ونظائر هذا الاستدلال كثيرة في القرآن .
[ ص: 297 ] وتكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا إلى آخره استئنافا ابتدائيا .
وعلى هذا فضمير يختصمون عائد إلى أهل النار من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=64تخاصم أهل النار إذ لا تخاصم بين أهل الملأ الأعلى .
والمعنى : ما كان لي من علم
nindex.php?page=treesubj&link=30175_29692بعالم الغيب وما يجري فيه من الإخبار بما سيكون إذ يختصم أهل النار في النار يوم القيامة .
وعلى كلا التفسيرين فمعنى " أنتم عنه معرضون " : أنهم غافلون عن العلم به فقد أعلموا بالنبأ بمعناه الأول وسيعلمون قريبا بالنبأ بمعناه الثاني .
وجيء بالجملة الاسمية في قوله أنتم عنه معرضون لإفادة إثبات إعراضهم وتمكنه منهم ، فأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الأول فظاهر تمكنه من نفوسهم لأنه طالما أنذرهم بعذاب الآخرة ووصفه فلم يكترثوا بذلك ولا ارعووا عن كفرهم .
وأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الثاني ، فتأويل تمكنه من نفوسهم عدم استعدادهم للاعتبار بمغزاه من تحقق أن ما هم فيه هو وسوسة من الشيطان قصدا للشر بهم .
ولعل هذه الآية من هذه السورة هي أول ما نزل على النبيء - صلى الله عليه وسلم - من ذكر قصة خلق
آدم وسجود الملائكة
nindex.php?page=treesubj&link=31771وإباء إبليس من السجود ، فإن هذه السورة في ترتيب نزول سور القرآن لا يوجد ذكر قصة آدم في سورة نزلت قبلها .
فذلك وجه التوطئة للقصة بأساليب العناية والاهتمام مما خلا غيرها عن مثله وبأنها نبأ كانوا معرضين عنه .
وأيا ما كان فقوله أنتم عنه معرضون توبيخ لهم وتحميق .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون اعتراض إبلاغ في التوبيخ على الإعراض عن النبأ العظيم ، وحجة على تحقق النبأ بسبب أنه موحى به من الله وليس للرسول - صلى الله عليه وسلم - سبيل إلى علمه لولا وحي الله إليه به . وذكر فعل كان دال على أن المنفي علمه بذلك فيما مضى من الزمن قبل أن يوحى إليه بذلك كما
[ ص: 298 ] قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=44وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين .
والباء في قوله " بالملأ الأعلى " على كلا المعنيين للنبأ ، لتعدية علم لتضمينه معنى الإحاطة ، وهو استعمال شائع في تعدية العلم . ومنه ما في حديث سؤال الملكين في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002246فيقال له : ما علمك بهذا الرجل .
ويجوز على المعنى الثاني في النبأ أن تكون الباء ظرفية ، أي : ما كان لي علم كائن في الملأ الأعلى ، أي : ما كنت حاضرا في الملأ الأعلى ؛ فهي كالباء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر .
والملأ : الجماعة ذات الشأن ، ووصفه بـ الأعلى لأن المراد ملأ السماوات وهم الملائكة ولهم علو حقيقي وعلو مجازي بمعنى الشرف .
و " إذ يختصمون " ظرف متعلق بفعل ما كان لي من علم أي حين يختصم أهل الملأ الأعلى على أحد التأويلين ، أي : في حين تنازع الملائكة وإبليس في السماء .
والتعبير بالمضارع في موضع المضي لقصد استحضار الحالة ، أو حين يختصم الطاغون وأتباعهم في النار بين يدي الملأ الأعلى ، أي : ملائكة النار أو ملائكة المحشر ، والمضارع على أصله من الاستقبال .
والاختصام : افتعال من خصمه ، إذا نازعه وخالفه ؛ فهو مبالغة في " خصم " .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين مبينة لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون أي : ما علمت بذلك النبأ إلا بوحي من الله وإنما أوحى الله إلي ذلك لأكون نذيرا مبينا .
وقد ركبت هذه الجملة من طريقين للقصر : أحدهما طريق النفي والاستثناء ، والآخر طريق أنما المفتوحة الهمزة وهي أخت إنما المكسورة الهمزة في معانيها التي منها إفادة الحصر ، ولا التفات إلى قول من نفوا إفادتها الحصر فإنها مركبة من
[ ص: 299 ] ( أن ) المفتوحة الهمزة وما الكافة وليست ( أن ) المفتوحة الهمزة إلا ( إن ) المكسورة تغير كسرة همزتها إلى فتحة لتفيد معنى مصدريا مشربا بـ ( أن ) المصدرية إشرابا بديعا جعل شعاره فتح همزتها لتشابه ( أن ) المصدرية في فتح الهمزة وتشابه ( إن ) في تشديد النون ، وهذا من دقيق الوضع في اللغة العربية .
وتكون ( أنما ) مفتوحة الهمزة إذا جعلت معمولة لعامل في الكلام . والذي يقتضيه مقام الكلام هنا أن فتح همزة ( أنما ) لأجل لام تعليل مقدرة مجرور بها ( أنما ) ، والتقدير : إلا لأنما أنا نذير ، أي : إلا لعلة الإنذار ، أي : ما أوحي إلي نبأ الملأ الأعلى إلا لأنذركم به ، أي : ليس لمجرد القصص .
فالاستثناء من علل ، وقد نزل فعل ( يوحى ) منزلة اللازم ، أي : ما يوحى إلي وحي فلا يقدر له مفعول لقلة جدواه وإيثار جدوى تعليل الوحي .
وبهذا التقدير تكمل المناسبة بين موقع هذه الجملة وموقع جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون المبينة بها جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون إذ لا مناسبة لو جعل " إنما أنا نذير مبين " مستثنى من نائب فاعل الوحي بأن يقدر : إن يوحى إلي شيء إلا أنما أنا نذير مبين ، أي : ما يوحى إلي شيء إلا كوني نذيرا ، وإن كان ذلك التقدير قد يسبق إلى الوهم لكنه بالتأمل يتضح رجحان تقدير العلة عليه .
فأفادت جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين حصر حكمة ما يأتيه من الوحي في حصول الإنذار وحصر صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صفة النذارة ، ويستلزم هذان الحصران حصرا ثالثا ، وهو أن إخبار القرآن وحيا من الله وليست أساطير الأولين كما زعموا .
فحصل في هذه الجملة ثلاثة حصور : اثنان منها بصريح اللفظ ، والثالث بكناية الكلام ، وإلى هذا المعنى أشار قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك وهذه الحصور : اثنان منها إضافيان ، وهما قصر ما يوحى إليه على علة النذارة وقصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على صفة النذارة ، وكلاهما قلب لاعتقادهم أنهم يسمعون القرآن ليتخذوه لعبا
[ ص: 300 ] واعتقادهم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ساحر أو مجنون . وعلم من هذا أن
nindex.php?page=treesubj&link=30469_28798ذكر نبأ خلق آدم قصد به الإنذار من كيد الشيطان .
وقرأ
أبو جعفر " إلا إنما " بكسر همزة " إنما " على تقدير القول ، أي : ما يوحى إلا هذا الكلام .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=29009قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ إِعَادَةُ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ هُنَا مُسْتَأْنَفًا . وَالْعُدُولُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِحَرْفٍ يَعْطِفُ الْمَقُولَ أَعْنِي
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمَقُولِ السَّابِقِ ؛ أَعْنِي : أَنَا مُنْذِرٌ ، عُدُولٌ يُشْعِرُ بِالِاهْتِمَامِ بِمَقُولٍ هُنَا كَيْ لَا يُؤْتَى بِهِ تَابِعًا لِمَقُولٍ آخَرَ فَيَضْعُفُ تَصَدِّي السَّامِعِينَ لِوَعْيِهِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=68أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْقِعِ الِاسْتِئْنَافِ الِابْتِدَائِيِّ انْتِقَالًا مِنْ غَرَضِ وَصْفِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْمَحْشَرِ إِلَى غَرَضِ قِصَّةِ
[ ص: 296 ] خَلْقِ آدَمَ وَشَقَاءِ الشَّيْطَانِ ، فَيَكُونُ ضَمِيرُ " هُوَ " ضَمِيرَ شَأْنٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ وَمَا يَبِينُ بِهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ جُعِلَ هَذَا كَالْمُقَدِّمَةِ لِلْقِصَّةِ تَشْوِيقًا لِتَلَقِّيهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّبَأِ
nindex.php?page=treesubj&link=31808نَبَأَ خَلْقِ آدَمَ وَمَا جَرَى بَعْدَهُ ، وَيَكُونُ ضَمِيرُ " يَخْتَصِمُونَ " عَائِدًا إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى لِأَنَّ الْمَلَأَ جَمَاعَةٌ . وَيُرَادُ بِالِاخْتِصَامِ : الِاخْتِلَافُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ الشَّيْطَانِ وَبَيْنَ مَنْ بَلَغَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=31770أَمْرُ اللَّهِ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ ، فَالْمَلَائِكَةُ هُمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى وَكَانَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمْ فَعُدَّ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُطْرَدَ مِنَ السَّمَاءِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ إِلَخْ ؛ تَذْيِيلًا لِلَّذِي سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=49وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ إِلَى هُنَا ، تَذْيِيلًا يُشْعِرُ بِالتَّنْوِيهِ بِهِ وَبِطَلَبِ الْإِقْبَالِ عَلَى التَّدَبُّرِ فِيهِ وَالِاعْتِبَارِ بِهِ .
وَعَلَيْهِ يَكُونُ ضَمِيرُ " هُوَ " ضَمِيرًا عَائِدًا إِلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ أُتِيَ لِتَعْرِيفِهِ بِضَمِيرِ الْمُفْرَدِ .
وَالْمُرَادُ بِالنَّبَأِ : خَبَرُ الْحَشْرِ وَمَا أُعِدَّ فِيهِ لِلْمُتَّقِينَ مِنْ حُسْنِ مَآبٍ ، وَلِلطَّاغِينَ مِنْ شَرِّ مَآبٍ ، وَمِنْ سُوءِ صُحْبَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، وَتَرَاشُقِهِمْ بِالتَّأْنِيبِ وَالْخِصَامِ بَيْنَهُمْ وَهُمْ فِي الْعَذَابِ ، وَتَرَدُّدِهِمْ فِي سَبَبِ أَنْ لَمْ يَجِدُوا مَعَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعُدُّونَهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ .
وَوَصْفُ النَّبَأِ بِـ عَظِيمٍ تَهْوِيلًا عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ وَعَظَمَةُ هَذَا النَّبَأِ بَيْنَ الْأَنْبَاءِ مِنْ نَوْعِهِ مِنْ أَنْبَاءِ الشَّرِّ مِثْلَ قَوْلِهِ : " فَسَادٌ كَبِيرٌ " فَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى " أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ " .
فَتَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِلَى قَوْلِهِ " نَذِيرٌ مُبِينٌ " اسْتِئْنَافًا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِدْقِ النَّبَأِ بِأَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ وَلَوْلَا أَنَّهُ وَحْيٌ لَمَا كَانَ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلٌ بِمَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=44وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ وَنَظَائِرُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ .
[ ص: 297 ] وَتَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا إِلَى آخِرِهِ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا .
وَعَلَى هَذَا فَضَمِيرُ يَخْتَصِمُونَ عَائِدٌ إِلَى أَهْلِ النَّارِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=64تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ إِذْ لَا تَخَاصُمَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى .
وَالْمَعْنَى : مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ
nindex.php?page=treesubj&link=30175_29692بِعَالَمِ الْغَيْبِ وَمَا يَجْرِي فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِمَا سَيَكُونُ إِذْ يَخْتَصِمُ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَعَلَى كِلَا التَّفْسِيرَيْنِ فَمَعْنَى " أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ " : أَنَّهُمْ غَافِلُونَ عَنِ الْعِلْمِ بِهِ فَقَدْ أُعْلِمُوا بِالنَّبَأِ بِمَعْنَاهُ الْأَوَّلِ وَسَيَعْلَمُونَ قَرِيبًا بِالنَّبَأِ بِمَعْنَاهُ الثَّانِي .
وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ لِإِفَادَةِ إِثْبَاتِ إِعْرَاضِهِمْ وَتَمَكُّنُهُ مِنْهُمْ ، فَأَمَّا إِعْرَاضُهُمْ عَنِ النَّبَأِ بِمَعْنَاهُ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ تَمَكُّنُهُ مِنْ نُفُوسِهِمْ لِأَنَّهُ طَالَمَا أَنْذَرَهُمْ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ وَوَصَفَهُ فَلَمْ يَكْتَرِثُوا بِذَلِكَ وَلَا ارْعَوَوْا عَنْ كُفْرِهِمْ .
وَأَمَّا إِعْرَاضُهُمْ عَنِ النَّبَأِ بِمَعْنَاهُ الثَّانِي ، فَتَأْوِيلُ تُمَكُّنِهِ مِنْ نُفُوسِهِمْ عَدَمُ اسْتِعْدَادِهِمْ لِلِاعْتِبَارِ بِمَغْزَاهُ مِنْ تَحَقُّقَ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ هُوَ وَسْوَسَةٌ مِنَ الشَّيْطَانَ قَصْدًا لِلشَّرِّ بِهِمْ .
وَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ هِيَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذِكْرِ قِصَّةِ خَلْقِ
آدَمَ وَسُجُودِ الْمَلَائِكَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=31771وَإِبَاءِ إِبْلِيسَ مِنَ السُّجُودِ ، فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ سُوَرِ الْقُرْآنِ لَا يُوجَدُ ذِكْرُ قِصَّةِ آدَمَ فِي سُورَةٍ نَزَلَتْ قَبْلَهَا .
فَذَلِكَ وَجْهُ التَّوْطِئَةِ لِلْقِصَّةِ بِأَسَالِيبِ الْعِنَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ مِمَّا خَلَا غَيْرُهَا عَنْ مِثْلِهِ وَبِأَنَّهَا نَبَأٌ كَانُوا مُعْرِضِينَ عَنْهُ .
وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَوْلُهُ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ تَوْبِيخٌ لَهُمْ وَتَحْمِيقٌ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ اعْتِرَاضُ إِبْلَاغٍ فِي التَّوْبِيخِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ ، وَحُجَّةٌ عَلَى تَحَقُّقِ النَّبَأِ بِسَبَبِ أَنَّهُ مُوحًى بِهِ مِنَ اللَّهِ وَلَيْسَ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبِيلٌ إِلَى عِلْمِهِ لَوْلَا وَحْيُ اللَّهِ إِلَيْهِ بِهِ . وَذِكْرُ فِعْلِ كَانَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ عِلْمُهُ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ كَمَا
[ ص: 298 ] قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=44وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ .
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ " بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى " عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ لِلنَّبَأِ ، لِتَعْدِيَةِ عِلْمٍ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الْإِحَاطَةِ ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ فِي تَعْدِيَةِ الْعِلْمِ . وَمِنْهُ مَا فِي حَدِيثِ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ فِي الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002246فَيُقَالُ لَهُ : مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ .
وَيَجُوزُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فِي النَّبَأِ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ ظَرْفِيَّةً ، أَيْ : مَا كَانَ لِي عِلْمٌ كَائِنٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى ، أَيْ : مَا كُنْتَ حَاضِرًا فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى ؛ فَهِيَ كَالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ .
وَالْمَلَأُ : الْجَمَاعَةُ ذَاتُ الشَّأْنِ ، وَوَصْفُهُ بِـ الْأَعْلَى لِأَنَّ الْمُرَادَ مَلَأُ السَّمَاوَاتِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَلَهُمْ عُلُوٌّ حَقِيقِيٌّ وَعُلُوٌّ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى الشَّرَفِ .
وَ " إِذْ يَخْتَصِمُونَ " ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ أَيْ حِينَ يَخْتَصِمُ أَهْلُ الْمَلَأِ الْأَعْلَى عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ ، أَيْ : فِي حِينِ تَنَازُعِ الْمَلَائِكَةِ وَإِبْلِيسَ فِي السَّمَاءِ .
وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي مَوْضِعِ الْمُضِيِّ لِقَصْدِ اسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ ، أَوْ حِينَ يَخْتَصِمُ الطَّاغُونَ وَأَتْبَاعُهُمْ فِي النَّارِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى ، أَيْ : مَلَائِكَةِ النَّارِ أَوْ مَلَائِكَةُ الْمَحْشَرِ ، وَالْمُضَارِعُ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ .
وَالِاخْتِصَامُ : افْتِعَالٌ مِنْ خَصَمَهُ ، إِذَا نَازَعَهُ وَخَالَفَهُ ؛ فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي " خَصَمَ " .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ أَيْ : مَا عَلِمْتُ بِذَلِكَ النَّبَأِ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ ذَلِكَ لِأَكُونَ نَذِيرًا مُبِينًا .
وَقَدْ رُكِّبَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ طَرِيقَيْنِ لِلْقَصْرِ : أَحَدُهُمَا طَرِيقُ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ، وَالْآخَرُ طَرِيقُ أَنَمَا الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ أُخْتُ إِنَّمَا الْمَكْسُورَةِ الْهَمْزَةِ فِي مَعَانِيهَا الَّتِي مِنْهَا إِفَادَةُ الْحَصْرِ ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى قَوْلِ مَنْ نَفَوْا إِفَادَتَهَا الْحَصْرَ فَإِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ
[ ص: 299 ] ( أَنَّ ) الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ وَمَا الْكَافَّةِ وَلَيْسَتْ ( أَنَّ ) الْمَفْتُوحَةَ الْهَمْزَةِ إِلَّا ( إِنَّ ) الْمَكْسُورَةَ تُغَيَّرُ كَسْرَةُ هَمْزَتِهَا إِلَى فَتْحَةٍ لِتُفِيدَ مَعْنًى مَصْدَرِيًّا مُشْرَبًا بِـ ( أَنِ ) الْمَصْدَرِيَّةِ إِشْرَابًا بَدِيعًا جُعِلَ شِعَارُهُ فَتْحَ هَمْزَتِهَا لِتُشَابِهَ ( أَنِ ) الْمَصْدَرِيَّةَ فِي فَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتُشَابِهَ ( إِنَّ ) فِي تَشْدِيدِ النُّونِ ، وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ الْوَضْعِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ .
وَتَكُونُ ( أَنَمَا ) مَفْتُوحَةَ الْهَمْزَةِ إِذَا جُعِلَتْ مَعْمُولَةً لِعَامِلٍ فِي الْكَلَامِ . وَالَّذِي يَقْتَضِيهُ مَقَامُ الْكَلَامِ هُنَا أَنَّ فَتْحَ هَمْزَةِ ( أَنَمَا ) لِأَجْلِ لَامِ تَعْلِيلٍ مَقْدِرَةٍ مَجْرُورٍ بِهَا ( أَنَّمَا ) ، وَالتَّقْدِيرُ : إِلَّا لِأَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ ، أَيْ : إِلَّا لِعِلَّةِ الْإِنْذَارِ ، أَيْ : مَا أُوحِيَ إِلَيَّ نَبَأُ الْمَلَأِ الْأَعْلَى إِلَّا لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ، أَيْ : لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الْقَصَصِ .
فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عِلَلٍ ، وَقَدْ نُزِّلَ فِعْلُ ( يُوحَى ) مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ ، أَيْ : مَا يُوحَى إِلَيَّ وَحْيٌ فَلَا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ لِقِلَّةِ جَدْوَاهُ وَإِيثَارِ جَدْوَى تَعْلِيلِ الْوَحْيِ .
وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ تَكْمُلُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ مَوْقِعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَمَوْقِعِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=69مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ الْمُبَيَّنَةِ بِهَا جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=67قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ إِذْ لَا مُنَاسَبَةَ لَوْ جُعِلَ " إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ " مُسْتَثْنًى مِنْ نَائِبِ فَاعِلِ الْوَحْيِ بِأَنْ يُقَدَّرَ : إِنْ يُوحَى إِلَيَّ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ، أَيْ : مَا يُوحَى إِلَيَّ شَيْءٌ إِلَّا كَوْنِي نَذِيرًا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ قَدْ يَسْبِقُ إِلَى الْوَهْمِ لَكِنَّهُ بِالتَّأَمُّلِ يَتَّضِحُ رُجْحَانُ تَقْدِيرِ الْعِلَّةِ عَلَيْهِ .
فَأَفَادَتْ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=70إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ حَصْرَ حِكْمَةِ مَا يَأْتِيهُ مِنَ الْوَحْيِ فِي حُصُولِ الْإِنْذَارِ وَحَصْرَ صِفَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَةِ النِّذَارَةِ ، وَيَسْتَلْزِمُ هَذَانِ الْحَصْرَانِ حَصْرًا ثَالثًا ، وَهُوَ أَنَّ إِخْبَارَ الْقُرْآنِ وَحْيًا مِنَ اللَّهِ وَلَيْسَتْ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ كَمَا زَعَمُوا .
فَحَصَلَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ ثَلَاثَةُ حُصُورٍ : اثْنَانِ مِنْهَا بِصَرِيحِ اللَّفْظِ ، وَالثَّالثُ بِكِنَايَةِ الْكَلَامِ ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ وَهَذِهِ الْحُصُورُ : اثْنَانِ مِنْهَا إِضَافِيَّانِ ، وَهُمَا قَصَرُ مَا يُوحَى إِلَيْهِ عَلَى عِلَّةِ النِّذَارَةِ وَقَصْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صِفَةِ النِّذَارَةِ ، وَكِلَاهُمَا قَلْبٌ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ لِيَتَّخِذُوهُ لَعِبًا
[ ص: 300 ] وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الرَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30469_28798ذِكْرَ نَبَأِ خَلْقِ آدَمَ قُصِدَ بِهِ الْإِنْذَارُ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ .
وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ " إِلَّا إِنَّمَا " بِكَسْرِ هَمْزَةِ " إِنَّمَا " عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ ، أَيْ : مَا يُوحَى إِلَّا هَذَا الْكَلَامُ .