nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=29007_30554يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون تذييل وهو من كلام الله تعالى واقع موقع الرثاء للأمم المكذبة الرسل شامل للأمة المقصودة بسوق الأمثال السابقة من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=13واضرب لهم مثلا أصحاب القرية ، واطراد هذا السنن القبيح فيهم .
فالتعريف في العباد تعريف الجنس المستعمل في الاستغراق وهو استغراق ادعائي روعي فيه حال الأغلب على الأمم التي يأتيها رسول لعدم الاعتداء في هذا المقام بقلة الذين صدقوا الرسل ونصروهم فكأنهم كلهم قد كذبوا .
والعباد : اسم للبشر وهو جمع " عبد " . والعبد : المملوك وجميع الناس عبيد الله تعالى لأنه خالقهم والمتصرف فيهم قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رزقا للعباد وقال
المغيرة بن حبناء :
أمسى العباد بشر لا غياث لهم إلا المهلب بعد الله والمطـر
ويجمع على عبيد وعباد وغلب الجمع الأول على عبد بمعنى مملوك ، والجمع الثاني على عبد بمعنى آدمي ، وهو تخصيص حسن من الاستعمال العربي .
والحسرة : شدة الندم مشوبا بتلهف على نفع فائت .
[ ص: 8 ] وحرف النداء هنا لمجرد التنبيه على خطر ما بعده ليصغي إليه السامع وكثر دخوله في الجمل المقصود منها إنشاء معنى في نفس المتكلم دون الإخبار فيكون اقتران ذلك الإنشاء بحرف التنبيه إعلانا بما في نفس المتكلم من مدلول الإنشاء كقولهم : يا خيبة ، ويا لعنة ، ويا ويلي ، ويا فرحي ، ويا ليتني ، ونحو ذلك ، قالت امرأة من
طيء من أبيات الحماسة :
فيا ضيعة الفتيان إذ يعتلونه ببطن الشرا مثل الفنيق المسدم
وبيت الكتاب :
يا لعنة الله والأقـوام كـلـهـم والصالحين على سمعان من جار
وقد يقع النداء في مثل ذلك بالهمزة كقول
جعفر بن علبة الحارثي :
ألهفى بقرى سحبل حين أجلبت علينا الولايا والعدو المباسـل
وأصل هذا النداء أنه على تنزيل المعنى المثير للإنشاء منزلة العاقل فيقصد اسمه بالنداء لطلب حضوره فكان المتكلم يقول : هذا مقامك فاحضر ، كما ينادى من يقصد في أمر عظيم ، وينتقل من ذلك إلى الكتابة عما لحق المتكلم من حاجة إلى ذلك المنادي ثم كثر ذلك وشاع حتى تنوسي ما فيه من الاستعارة والكناية وصار لمجرد التنبيه على ما يجيء بعده ، والاهتمام حاصل في الحالين .
وتقدم ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73يا ليتني كنت معهم في سورة النساء ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=28يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا في سورة الفرقان .
وموقع مثله في كلام الله تعالى تمثيل لحال عباد الله تعالى في تكذيبهم رسل الله بحال من يرثي له أهله وقوعه في هلاك أرادوا منه تجنبه .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30ما يأتيهم من رسول بيان لوجه التحسر عليهم لأن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30يا حسرة على العباد وإن كان قد وقع بعد ذكر أهل القرية فإنه لما عمم على جميع العباد حدث إيهام في وجه العموم . فوقع بيانه بأن جميع العباد مساوون لمن ضرب بهم المثل ومن ضرب لهم في تلك الحالة الممثل بها ولم تنفعهم المواعظ والنذر البالغة إليهم من الرسول المرسل إلى كل أمة منهم ومن مشاهدة القرون الذين كذبوا
[ ص: 9 ] الرسل فهلكوا ، فعلم وجه الحسرة عليهم إجمالا من هذه الآية ثم تفصيلا من قوله بعد
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31ألم يروا كم أهلكنا إلخ .
والاستثناء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30إلا كانوا به يستهزئون مفرغ من أحوال عامة من الضمير في يأتيهم أي لا يأتيهم رسول في حال من أحوالهم إلا في حالة استهزائهم به .
وتقديم المجرور على يستهزئون للاهتمام بالرسول المشعر باستفظاع الاستهزاء به مع تأتي الفاصلة بهذا التقديم فحصل منه غرضان من المعاني ومن البديع .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=29007_30554يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ تَذْيِيلٌ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَاقِعٌ مَوْقِعَ الرَّثَاءِ لِلْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ الرُّسُلَ شَامِلٌ لِلْأُمَّةِ الْمَقْصُودَةِ بِسَوْقِ الْأَمْثَالِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=13وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ ، وَاطِّرَادِ هَذَا السَنَنِ الْقَبِيحِ فِيهِمْ .
فَالتَّعْرِيفُ فِي الْعِبَادِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ اسْتِغْرَاقٌ ادِّعَائِيٌّ رُوعِيَ فِيهِ حَالُ الْأَغْلَبِ عَلَى الْأُمَمِ الَّتِي يَأْتِيهَا رَسُولٌ لِعَدَمِ الِاعْتِدَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِقِلَّةِ الَّذِينَ صَدَّقُوا الرُّسُلَ وَنَصَرُوهُمْ فَكَأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا .
وَالْعِبَادُ : اسْمٌ لِلْبَشَرِ وَهُوَ جَمْعُ " عَبْدٍ " . وَالْعَبْدُ : الْمَمْلُوكُ وَجَمِيعُ النَّاسِ عَبِيدُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَقَالَ
الْمُغِيرَةُ بْنُ حَبْنَاءَ :
أَمْسَى الْعِبَادُ بِشَرٍّ لَا غِيَاثَ لَهُمْ إِلَّا الْمُهَلَّبُ بَعْدَ اللَّهِ وَالْمَطَـرُ
وَيُجْمَعُ عَلَى عَبِيدٍ وَعِبَادٍ وَغَلَبَ الْجَمْعُ الْأَوَّلُ عَلَى عَبْدٍ بِمَعْنَى مَمْلُوكٍ ، وَالْجَمْعُ الثَّانِي عَلَى عَبْدٍ بِمَعْنَى آدَمِيِّ ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ حَسَنٌ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ .
وَالْحَسْرَةُ : شِدَّةُ النَّدَمِ مَشُوبًا بِتَلَهُّفٍ عَلَى نَفْعٍ فَائِتٍ .
[ ص: 8 ] وَحَرْفُ النِّدَاءِ هُنَا لِمُجَرَّدِ التَّنْبِيهِ عَلَى خَطَرِ مَا بَعْدَهُ لِيُصْغِيَ إِلَيْهِ السَّامِعُ وَكَثُرَ دُخُولُهُ فِي الْجُمَلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا إِنْشَاءُ مَعْنًى فِي نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ دُونَ الْإِخْبَارِ فَيَكُونُ اقْتِرَانُ ذَلِكَ الْإِنْشَاءِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ إِعْلَانًا بِمَا فِي نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ مَدْلُولِ الْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِمْ : يَا خَيْبَةً ، وَيَا لَعْنَةً ، وَيَا وَيْلِي ، وَيَا فَرْحِي ، وَيَا لَيْتَنِي ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ
طَيِّءٍ مِنْ أَبْيَاتِ الْحَمَاسَةِ :
فَيَا ضَيْعَةَ الْفِتْيَانِ إِذْ يَعْتَلُونَهُ بِبَطْنِ الشَّرَا مِثْلِ الْفَنِيقِ الْمُسَدَّمِ
وَبَيْتُ الْكِتَابِ :
يَا لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْأَقْـوَامَ كُـلَّـهُـمْ وَالصَّالِحِينَ عَلَى سِمْعَانَ مِنْ جَارِ
وَقَدْ يَقَعُ النِّدَاءُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِالْهَمْزَةِ كَقَوْلِ
جَعْفَرِ بْنِ عُلْبَةَ الْحَارِثِيِّ :
أُلَهْفَى بِقُرَّى سَحْبَلٍ حِينَ أَجْلَبَتْ عَلَيْنَا الْوَلَايَا وَالْعَدُوُّ الْمُبَاسِـلُ
وَأَصْلُ هَذَا النِّدَاءِ أَنَّهُ عَلَى تَنْزِيلِ الْمَعْنَى الْمُثِيرِ لِلْإِنْشَاءِ مَنْزِلَةَ الْعَاقِلِ فَيَقْصِدُ اسْمَهُ بِالنِّدَاءِ لِطَلَبِ حُضُورِهِ فَكَانَ الْمُتَكَلِّمُ يَقُولُ : هَذَا مَقَامُكَ فَاحْضُرْ ، كَمَا يُنَادَى مَنْ يُقْصَدُ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الْكِتَابَةِ عَمَّا لَحِقَ الْمُتَكَلِّمَ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ الْمُنَادِي ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ وَشَاعَ حَتَّى تُنُوسِيَ مَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ وَالْكِنَايَةِ وَصَارَ لِمُجَرَّدِ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَعْدَهُ ، وَالِاهْتِمَامُ حَاصِلٌ فِي الْحَالَيْنِ .
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=28يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ .
وَمُوقِعُ مِثْلِهِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى تَمْثِيلٌ لِحَالِ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ بِحَالِ مَنْ يَرْثِي لَهُ أَهْلُهُ وُقُوعَهُ فِي هَلَاكٍ أَرَادُوا مِنْهُ تَجَنُّبَهُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّحَسُّرِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ بَعْدَ ذِكْرِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا عَمَّمَ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ حَدَثَ إِيهَامٌ فِي وَجْهِ الْعُمُومِ . فَوَقَعَ بَيَانُهُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادِ مُسَاوُونَ لِمَنْ ضُرِبَ بِهِمُ الْمَثَلُ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْمُمَثَّلِ بِهَا وَلَمْ تَنْفَعْهُمُ الْمَوَاعِظُ وَالنُّذُرُ الْبَالِغَةُ إِلَيْهِمْ مِنَ الرَّسُولِ الْمُرْسَلِ إِلَى كُلِّ أُمَّةٍ مِنْهُمْ وَمِنْ مُشَاهَدَةِ الْقُرُونِ الَّذِينَ كَذَّبُوا
[ ص: 9 ] الرُّسُلَ فَهَلَكُوا ، فَعُلِمَ وَجْهُ الْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ إِجْمَالًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ تَفْصِيلًا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=31أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا إِلَخْ .
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ مُفَرَّغٌ مِنْ أَحْوَالٍ عَامَّةٍ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَأْتِيهِمْ أَيْ لَا يَأْتِيهِمْ رَسُولٌ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ إِلَّا فِي حَالَةِ اسْتِهْزَائِهِمْ بِهِ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى يَسْتَهْزِئُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِالرَّسُولِ الْمُشْعِرِ بِاسْتِفْظَاعِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ مَعَ تَأَتِّي الْفَاصِلَةَ بِهَذَا التَّقْدِيمِ فَحَصَلَ مِنْهُ غَرَضَانِ مِنَ الْمَعَانِي وَمِنَ الْبَدِيعِ .