nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=29004_31923_31924يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها لما تقضى وعيد الذين يؤذون الرسول - عليه الصلاة والسلام - بالتكذيب ونحوه من الأذى المنبعث عن كفرهم من المشركين والمنافقين من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=57إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة حذر المؤمنين مما يؤذي الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتنزيههم عن أن يكونوا مثل قوم نسبوا إلى رسولهم ما هو أذى له وهم لا يعبئون بما في ذلك من إغضابه الذي فيه غضب الله تعالى . ولما كان كثير من الأذى قد يحصل عن غفلة أصحابه عما يوجه فيصدر عنهم من الأقوال ما تجيش به خواطرهم قبل التدبر فيما يحف بذلك من الاحتمالات التي تقلعه وتنفيه ودون التأمل فيما يترتب عليه من الواجبات . وكذلك يصدر عنهم من الأعمال ما فيه ورطة لهم قبل التأمل في مغبة عملهم ، نبه الله المؤمنين كي لا يقعوا في مثل تلك العنجهية لأن مدارك العقلاء في التنبيه إلى معاني الأشياء وملازماتها متفاوتة المقادير ، فكانت حرية بالإيقاظ والتحذير . وفائدة التشبيه تشويه الحالة المشبهة لأن المؤمنين قد تقرر في نفوسهم قبح ما أوذي به
موسى - عليه السلام - بما سبق من القرآن كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم الآية .
[ ص: 120 ] والذين آذوا
موسى هم طوائف من قومه ولم يكن قصدهم أذاه ولكنهم أهملوا واجب كمال الأدب والرعاية مع أعظم الناس بينهم . وقد حكى الله عنهم ذلك إجمالا وتفصيلا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وإذ قال موسى لقومه الآية فلم يكن هذا الأذى من قبيل التكذيب لأجل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وقد تعلمون أني رسول الله إليكم والاستفهام في قوله ( لم تؤذونني ) إنكاري . فكان توجيه الخطاب للمؤمنين من أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - يراعى فيه المشابهة بين الحالين في حصول الإذاية .
فالذين آذوا
موسى قالوا مرة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون فآذوه بالعصيان وبضرب من التهكم . وقالوا مرة ( أتتخذنا هزؤا ) فنسبوه إلى الطيش والسخرية ولذلك قال لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين . وفي التوراة في الإصحاح الرابع عشر من الخروج وقالوا
لموسى فإذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من
مصر فإنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية . وفي الإصحاح السادس عشر وقالوا
لموسى وهارون إنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع . وفي الحديث
إن موسى كان رجلا حييا ستيرا فقال فريق من قومه : ما نراه يستتر إلا من عاهة فيه . فقال قوم : به برص وقال قوم : هو آدر ونحو هذا ، وكان قريبا من هذا قول المنافقين : إن
محمدا تزوج مطلقة ابنه
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة .
وقد دلت هذه الآية على وجوب توقير النبيء - صلى الله عليه وسلم - وتجنب ما يؤذيه وتلك سنة الصحابة والمسلمين وقد عرضت فلتات من بعض أصحابه الذين لم يبلغوا قبلها كمال التخلق بالقرآن مثل الذي قال له لما حكم بينه وبين
الزبير في ماء شراح الحرة : أن كان ابن عمتك يا رسول الله . ومثل
التميمي خرفوص الذي قال في قسمة مغانم
حنين : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342433يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر .
واعلم أن محل التشبيه هو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69كالذين آذوا موسى دون ما فرع عليه من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69فبرأه الله مما قالوا وإنما ذلك إدماج وانتهاز للمقام بذكر براءة
موسى مما قالوا ، ولا اتصال له بوجه التشبيه لأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يؤذ إيذاء يقتضي ظهور براءته مما أوذي به .
[ ص: 121 ] ومعنى ( برأه ) أظهر براءته عيانا لأن
موسى كان بريئا مما قالوه من قبل أن يؤذوه بأقوالهم فليس وجود البراءة منه متفرعة على أقوالهم ولكن الله أظهرها عقب أقوالهم فإن الله أظهر براءته من التغرير بهم إذ أمرهم بدخول
أريحا فثبت قلوبهم وافتتحوها وأظهر براءته من الاستهزاء بهم إذ أظهر معجزته حين ذبحوا البقرة التي أمرهم بذبحها فتبين من قتل النفس التي ادارأوا فيها .
وأظهر سلامته من البرص والأدرة حين بدا لهم عريانا لما انتقل الحجر الذي عليه ثيابه . ومعنى برأه مما قالوا برأه من مضمون قولهم لا من نفس قولهم لأن قولهم قد حصل وأوذي به وهذا كما سموا السبة القالة . ونظيره قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80ونرثه ما يقول ) ، أي ما دل عليه مقاله وهو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77لأوتين مالا وولدا أي نرثه ماله وولده .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69وكان عند الله وجيها معترضة في آخر الكلام ومفيدة سبب عناية الله بتبرئته .
والوجيه صفة ، أي ذو الوجاهة . وهي الجاه وحسن القبول عند الناس . يقال : وجه الرجل ، بضم الجيم ، وجاهة فهو وجيه . وهذا الفعل مشتق من الاسم الجامد وهو الوجه الذي للإنسان ، فمعنى كونه وجيها عند الله أنه مرضي عنه مقبول له مستجاب الدعوة .
وقد تقدم قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45وجيها في الدنيا والآخرة في سورة آل عمران ، فضمه إلى هنا . وذكر فعل ( كان ) دال على تمكن وجاهته عند الله تعالى .
وهذا تسفيه للذين آذوه بأنهم آذوه بما هو مبرأ منه ، وتوجيه لتنزيه الله إياه بأنه مستأهل لتلك التبرئة ؛ لأنه وجيه عند الله وليس بخامل .
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=29004_31923_31924يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا لَمَّا تَقَضَّى وَعِيدُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالتَّكْذِيبِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَذَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ كُفْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=57إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَذَّرَ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّا يُؤْذِي الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَنْزِيهِهِمْ عَنْ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَ قَوْمٍ نَسَبُوا إِلَى رَسُولِهِمْ مَا هُوَ أَذًى لَهُ وَهُمْ لَا يَعْبَئُونَ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِغْضَابِهِ الَّذِي فِيهِ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى . وَلَمَّا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَذَى قَدْ يَحْصُلُ عَنْ غَفْلَةِ أَصْحَابِهِ عَمَّا يُوَجَّهُ فَيَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنَ الْأَقْوَالِ مَا تَجِيشُ بِهِ خَوَاطِرُهُمْ قَبْلَ التَّدَبُّرِ فِيمَا يَحِفُّ بِذَلِكَ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي تُقْلِعُهُ وَتَنْفِيهِ وَدُونَ التَّأَمُّلِ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ . وَكَذَلِكَ يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا فِيهِ وَرْطَةٌ لَهُمْ قَبْلَ التَّأَمُّلِ فِي مَغَبَّةِ عَمَلِهِمْ ، نَبَّهَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ كَيْ لَا يَقَعُوا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْعَنْجَهِيَّةِ لِأَنَّ مَدَارِكَ الْعُقَلَاءِ فِي التَّنْبِيهِ إِلَى مَعَانِي الْأَشْيَاءِ وَمُلَازِمَاتِهَا مُتَفَاوِتَةُ الْمَقَادِيرِ ، فَكَانَتْ حَرِيَّةً بِالْإِيقَاظِ وَالتَّحْذِيرِ . وَفَائِدَةُ التَّشْبِيهِ تَشْوِيهُ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهَةِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي نُفُوسِهِمْ قُبْحُ مَا أُوذِيَ بِهِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَا سَبَقَ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمُ الْآيَةَ .
[ ص: 120 ] وَالَّذِينَ آذَوْا
مُوسَى هُمْ طَوَائِفُ مِنْ قَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمْ أَذَاهُ وَلَكِنَّهُمْ أَهْمَلُوا وَاجِبَ كَمَالِ الْأَدَبِ وَالرِّعَايَةِ مَعَ أَعْظَمِ النَّاسِ بَيْنَهُمْ . وَقَدْ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ الْآيَةَ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْأَذَى مِنْ قَبِيلِ التَّكْذِيبِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ ( لِمَ تُؤْذُونَنِي ) إِنْكَارِيٌّ . فَكَانَ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَاعَى فِيهِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي حُصُولِ الْإِذَايَةِ .
فَالَّذِينَ آذَوْا
مُوسَى قَالُوا مَرَّةً
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ فَآذَوْهُ بِالْعِصْيَانِ وَبِضَرْبٍ مِنَ التَّهَكُّمِ . وَقَالُوا مَرَّةً ( أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤًا ) فَنَسَبُوهُ إِلَى الطَّيْشِ وَالسُّخْرِيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ . وَفِي التَّوْرَاةِ فِي الْإِصْحَاحِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الْخُرُوجِ وَقَالُوا
لِمُوسَى فَإِذَا صَنَعْتَ بِنَا حَتَّى أَخْرَجْتَنَا مِنْ
مِصْرَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَخْدُمَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَنْ نَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ . وَفِي الْإِصْحَاحِ السَّادِسَ عَشَرَ وَقَالُوا
لِمُوسَى وَهَارُونَ إِنَّكُمَا أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هَذَا الْقَفْرِ لِكَيْ تُمِيتَا كُلَّ هَذَا الْجُمْهُورِ بِالْجُوعِ . وَفِي الْحَدِيثِ
إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا فَقَالَ فَرِيقٌ مِنْ قَوْمِهِ : مَا نَرَاهُ يَسْتَتِرُ إِلَّا مِنْ عَاهَةٍ فِيهِ . فَقَالَ قَوْمٌ : بِهِ بَرَصٌ وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ آدَرُ وَنَحْوَ هَذَا ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ : إِنَّ
مُحَمَّدًا تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةَ ابْنِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ .
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ تَوْقِيرِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَجَنُّبِ مَا يُؤْذِيهِ وَتِلْكَ سُنُّةُ الصَّحَابَةِ وَالْمُسْلِمِينَ وَقَدْ عَرَضَتْ فَلَتَاتٌ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا قَبْلَهَا كَمَالَ التَّخَلُّقِ بِالْقُرْآنِ مِثْلَ الَّذِي قَالَ لَهُ لَمَّا حَكَمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الزُّبَيْرِ فِي مَاءِ شِرَاحِ الْحَرَّةِ : أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . وَمِثْلَ
التَّمِيمِيِّ خَرْفُوصٍ الَّذِي قَالَ فِي قِسْمَةِ مَغَانِمِ
حُنَيْنٍ : هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342433يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ التَّشْبِيهِ هُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى دُونَ مَا فَرَّعَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِدْمَاجٌ وَانْتِهَازٌ لِلْمَقَامِ بِذِكْرِ بَرَاءَةِ
مُوسَى مِمَّا قَالُوا ، وَلَا اتِّصَالَ لَهُ بِوَجْهِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤْذَ إِيذَاءً يَقْتَضِي ظُهُورَ بَرَاءَتِهِ مِمَّا أُوذِيَ بِهِ .
[ ص: 121 ] وَمَعْنَى ( بَرَّأَهُ ) أَظْهَرَ بَرَاءَتَهُ عَيَانًا لِأَنَّ
مُوسَى كَانَ بَرِيئًا مِمَّا قَالُوهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْذُوهُ بِأَقْوَالِهِمْ فَلَيْسَ وُجُودُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ مُتَفَرِّعَةً عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَظْهَرَهَا عَقِبَ أَقْوَالِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ أَظْهَرَ بَرَاءَتَهُ مِنَ التَّغْرِيرِ بِهِمْ إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ
أَرِيحَا فَثَبَّتَ قُلُوبَهُمْ وَافْتَتَحُوهَا وَأَظْهَرَ بَرَاءَتَهُ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ إِذْ أَظْهَرَ مُعْجِزَتَهُ حِينَ ذَبَحُوا الْبَقَرَةَ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِذَبْحِهَا فَتَبَيَّنَ مَنْ قَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي ادَّارَأُوا فِيهَا .
وَأَظْهَرَ سَلَامَتَهُ مِنَ الْبَرَصِ وَالْأُدْرَةِ حِينَ بَدَا لَهُمْ عُرْيَانًا لَمَّا انْتَقَلَ الْحَجْرُ الَّذِي عَلَيْهِ ثِيَابُهُ . وَمَعْنَى بَرَّأَهُ مِمَّا قَالُوا بَرَّأَهُ مِنْ مَضْمُونِ قَوْلِهِمْ لَا مِنْ نَفْسِ قَوْلِهِمْ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ قَدْ حَصَلَ وَأُوذِيَ بِهِ وَهَذَا كَمَا سَمَّوُا السُّبَّةَ الْقَالَةَ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ) ، أَيْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَقَالُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَيْ نَرِثُهُ مَالَهُ وَوَلَدَهُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا مُعْتَرِضَةٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَمُفِيدَةٌ سَبَبَ عِنَايَةِ اللَّهِ بِتَبْرِئَتِهِ .
وَالْوَجِيهُ صِفَةٌ ، أَيْ ذُو الْوَجَاهَةِ . وَهِيَ الْجَاهُ وَحُسْنُ الْقَبُولِ عِنْدَ النَّاسِ . يُقَالُ : وَجُهَ الرَّجُلُ ، بِضَمِّ الْجِيمِ ، وَجَاهَةً فَهُوَ وَجِيهٌ . وَهَذَا الْفِعْلُ مُشْتَقٌّ مِنَ الِاسْمِ الْجَامِدِ وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لِلْإِنْسَانِ ، فَمَعْنَى كَوْنِهِ وَجِيهًا عِنْدَ اللَّهِ أَنَّهُ مَرْضِيٌّ عَنْهُ مَقْبُولٌ لَهُ مُسْتَجَابُ الدَّعْوَةِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، فَضُمَّهُ إِلَى هُنَا . وَذِكْرُ فِعْلِ ( كَانَ ) دَالٌّ عَلَى تَمَكُّنِ وَجَاهَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَهَذَا تَسْفِيهٌ لِلَّذِينِ آذَوْهُ بِأَنَّهُمْ آذَوْهُ بِمَا هُوَ مُبَرَّأٌ مِنْهُ ، وَتَوْجِيهٌ لِتَنْزِيهِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِأَنَّهُ مُسْتَأْهِلٌ لِتِلْكَ التَّبْرِئَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَجِيهٌ عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِخَامِلٍ .