nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29004_30578_29688ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
استئناف اعتراضي بين التمهيد والمقصود من التشريع وهو فذلكة كما تقدم من الجمل الثلاث التي نفت جعلهم ما ليس بواقع واقعا ، ولذلك فصلت الجملة لأنها تتنزل منزلة البيان بالتحصيل لما قبلها .
والإشارة إلى مذكور ضمنا من الكلام المتقدم ، وهو ما نفي أن يكون الله جعله من وجود قلبين لرجل ، ومن كون الزوجة المظاهر منها أما لمن ظاهر منها ، ومن كون الأدعياء أبناء للذين تبنوهم . وإذ قد كانت تلك المنفيات الثلاثة ناشئة عن أقوال قالوها صح الإخبار عن الأمور المشار إليها بأنها أقوال باعتبار أن المراد أنها أقوال فحسب ليس لمدلولاتها حقائق خارجية تطابقها كما تطابق النسب الكلامية الصادقة النسب الخارجية ، وإلا فلا جدوى في الإخبار عن تلك المقالات بأنها قول بالأفواه .
[ ص: 260 ] ولإفادة هذا المعنى قيد بقوله بأفواهكم فإنه من المعلوم أن القول إنما هو بالأفواه فكان ذكر بأفواهكم مع العلم به مشيرا إلى أنه قول لا تتجاوز دلالته الأفواه إلى الواقع ، ونفس الأمر فليس له من أنواع الوجود إلا الوجود في اللسان والوجود في الأذهان دون الوجود في العيان ، ونظير هذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100كلا إنها كلمة هو قائلها أي لا تتجاوز ذلك الحد ، أي لا يتحقق مضمونها في الخارج وهو الإرجاع إلى الدنيا في قول الكافر
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99رب ارجعون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100لعلي أعمل صالحا فيما تركت ، فعلم من تقييده بأفواهكم أنه قول كاذب لا يطابق الواقع وزاده تصريحا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4والله يقول الحق فأومأ إلى أن قولهم ذلك قول كاذب . ولهذا عطفت عليه جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4والله يقول الحق لأنه داخل في الفذلكة لما تقدم من قوله ما جعل الله إلخ . فمعنى كونها أقوالا أن ناسا يقولون : جميل له قلبان ، وناسا يقولون لأزواجهم : أنت كظهر أمي ، وناسا يقولون للدعي : فلان بن فلان ، يريدون من تبناه .
وانتصب الحق على أنه صفة لمصدر محذوف مفعول به ل " يقول " . تقديره : الكلام الحق ، لأن فعل القول لا ينصب إلا الجمل أو ما هو في معنى الجملة نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100إنها كلمة هو قائلها ، فالهاء المضاف إليها قائل عائدة إلى كلمة وهي مفعول أضيف إليها .
وفي الإخبار عن اسم الجلالة وضميره بالمسندين الفعليين إفادة قصر القلب ، أي هو يقول الحق لا الذين وضعوا لكم تلك المزاعم ، وهو يهدي السبيل لا الذين أضلوا الناس بالأوهام . ولما كان الفعلان متعديين استفيد من قصرهما قصر معموليهما بالقرينة ، ثم لما كان قول الله في المواضع الثلاثة هو الحق والسبيل كان كناية عن كون ضده باطلا ومجهلة . فالمعنى : وهم لا يقولون الحق ولا يهدون السبيل .
والسبيل : الطريق السابلة الواضحة ، أي الواضح أنها مطروقة فهي مأمونة الإبلاغ إلى غاية السائر فيها .
وإذا تقرر أن تلك المزاعم الثلاثة لا تعدو أن تكون ألفاظا ساذجة لا تحقق لمدلولاتها في الخارج اقتضى ذلك انتفاء الأمرين اللذين جعلا توطئة وتمهيدا
[ ص: 261 ] للمقصود وانتفاء الأمر الثالث المقصود وهو التبني ، فاشترك التمهيد والمقصود في انتفاء الحقية ، وهو أتم في التسوية بين المقصود والتمهيد .
وهذا كله زيادة تحريض على تلقي أمر الله بالقبول والامتثال ونبذ ما خالفه .
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29004_30578_29688ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهْوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
اسْتِئْنَافٌ اعْتِرَاضِيٌّ بَيْنَ التَّمْهِيدِ وَالْمَقْصُودِ مِنَ التَّشْرِيعِ وَهُوَ فَذْلَكَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ الَّتِي نَفَتْ جَعْلَهُمْ مَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ وَاقِعًا ، وَلِذَلِكَ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ لِأَنَّهَا تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ بِالتَّحْصِيلِ لِمَا قَبْلَهَا .
وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَذْكُورٍ ضِمْنًا مِنَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَهُوَ مَا نُفِيَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَهُ مِنْ وُجُودِ قَلْبَيْنِ لِرَجُلٍ ، وَمَنْ كَوْنَ الزَّوْجَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا أُمًّا لِمَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا ، وَمِنْ كَوْنِ الْأَدْعِيَاءِ أَبْنَاءً لِلَّذِينَ تَبَنَّوْهُمْ . وَإِذْ قَدْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَنْفِيَّاتُ الثَّلَاثَةُ نَاشِئَةً عَنْ أَقْوَالٍ قَالُوهَا صَحَّ الْإِخْبَارُ عَنِ الْأُمُورِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِأَنَّهَا أَقْوَالٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا أَقْوَالٌ فَحَسْبُ لَيْسَ لِمَدْلُولَاتِهَا حَقَائِقُ خَارِجِيَّةٌ تُطَابِقُهَا كَمَا تُطَابِقُ النِّسَبُ الْكَلَامِيَّةُ الصَّادِقَةُ النِّسَبَ الْخَارِجِيَّةَ ، وَإِلَّا فَلَا جَدْوَى فِي الْإِخْبَارِ عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَاتِ بِأَنَّهَا قَوْلٌ بِالْأَفْوَاهِ .
[ ص: 260 ] وَلِإِفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى قُيَّدَ بِقَوْلِهِ بِأَفْوَاهِكُمْ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَوْلَ إِنَّمَا هُوَ بِالْأَفْوَاهِ فَكَانَ ذِكْرُ بِأَفْوَاهِكُمْ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ قَوْلٌ لَا تَتَجَاوَزُ دَلَالَتُهُ الْأَفْوَاهَ إِلَى الْوَاقِعِ ، وَنَفْسُ الْأَمْرِ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْوُجُودِ إِلَّا الْوُجُودُ فِي اللِّسَانِ وَالْوُجُودُ فِي الْأَذْهَانِ دُونَ الْوُجُودِ فِي الْعِيَانِ ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا أَيْ لَا تَتَجَاوَزُ ذَلِكَ الْحَدَّ ، أَيْ لَا يَتَحَقَّقُ مَضْمُونُهَا فِي الْخَارِجِ وَهُوَ الْإِرْجَاعُ إِلَى الدُّنْيَا فِي قَوْلِ الْكَافِرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99رَبِّ ارْجِعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ، فَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِأَفْوَاهِكُمْ أَنَّهُ قَوْلٌ كَاذِبٌ لَا يُطَابِقُ الْوَاقِعَ وَزَادَهُ تَصْرِيحًا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ فَأَوْمَأَ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ قَوْلٌ كَاذِبٌ . وَلِهَذَا عُطِفَتْ عَلَيْهِ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْفَذْلَكَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ إِلَخْ . فَمَعْنَى كَوْنِهَا أَقْوَالًا أَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : جَمِيلٌ لَهُ قَلْبَانِ ، وَنَاسًا يَقُولُونَ لِأَزْوَاجِهِمْ : أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَنَاسًا يَقُولُونَ لِلدَّعِيِّ : فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، يُرِيدُونَ مَنْ تَبَنَّاهُ .
وَانْتَصَبَ الْحَقُّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَفْعُولٍ بِهِ لِ " يَقُولُ " . تَقْدِيرُهُ : الْكَلَامُ الْحَقُّ ، لِأَنَّ فِعْلَ الْقَوْلِ لَا يَنْصِبُ إِلَّا الْجُمَلَ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْجُمْلَةِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ، فَالْهَاءُ الْمُضَافُ إِلَيْهَا قَائِلُ عَائِدَةٌ إِلَى كَلِمَةٍ وَهِيَ مَفْعُولٌ أُضِيفَ إِلَيْهَا .
وَفِي الْإِخْبَارِ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَضَمِيرِهِ بِالْمَسْنَدَيْنِ الْفِعْلِيَّيْنِ إِفَادَةُ قَصْرِ الْقَلْبِ ، أَيْ هُوَ يَقُولُ الْحَقَّ لَا الَّذِينَ وَضَعُوا لَكُمْ تِلْكَ الْمَزَاعِمَ ، وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ لَا الَّذِينَ أَضَلُّوا النَّاسَ بِالْأَوْهَامِ . وَلَمَّا كَانَ الْفِعْلَانِ مُتَعَدِّيَيْنِ اسْتُفِيدَ مِنْ قَصْرِهِمَا قَصْرُ مَعْمُولَيْهِمَا بِالْقَرِينَةِ ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ قَوْلُ اللَّهِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ هُوَ الْحَقُّ وَالسَّبِيلُ كَانَ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِ ضِدِّهِ بَاطِلًا وَمَجْهَلَةً . فَالْمَعْنَى : وَهُمْ لَا يَقُولُونَ الْحَقَّ وَلَا يَهْدُونَ السَّبِيلَ .
وَالسَّبِيلُ : الطَّرِيقُ السَّابِلَةُ الْوَاضِحَةُ ، أَيِ الْوَاضِحُ أَنَّهَا مَطْرُوقَةٌ فَهِيَ مَأْمُونَةُ الْإِبْلَاغِ إِلَى غَايَةِ السَّائِرِ فِيهَا .
وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ تِلْكَ الْمَزَاعِمَ الثَّلَاثَةَ لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ أَلْفَاظًا سَاذَجَةً لَا تَحَقُّقَ لِمَدْلُولَاتِهَا فِي الْخَارِجِ اقْتَضَى ذَلِكَ انْتِفَاءَ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ جُعِلَا تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا
[ ص: 261 ] لِلْمَقْصُودِ وَانْتِفَاءِ الْأَمْرِ الثَّالِثِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّبَنِّي ، فَاشْتَرَكَ التَّمْهِيدُ وَالْمَقْصُودُ فِي انْتِفَاءِ الْحَقِّيَّةِ ، وَهُوَ أَتَمُّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَقْصُودِ وَالتَّمْهِيدِ .
وَهَذَا كُلُّهُ زِيَادَةُ تَحْرِيضٍ عَلَى تَلَقِّي أَمْرِ اللَّهِ بِالْقَبُولِ وَالِامْتِثَالِ وَنَبْذِ مَا خَالَفَهُ .