nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29002_33303واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير
بعد أن بين له آداب حسن المعاملة مع الناس قفاها بحسن الآداب في حالته الخاصة ، وتلك حالتا المشي والتكلم ، وهما أظهر ما يلوح على المرء من آدابه .
والقصد : الوسط العدل بين طرفين ، فالقصد في المشي هو أن يكون بين طرف التبختر وطرف الدبيب ويقال : قصد في مشيه . فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19اقصد في مشيك ارتكب القصد .
والغض : نقص قوة استعمال الشيء . يقال : غض بصره ، إذا خفض نظره فلم يحدق . وتقدم قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم في سورة النور . فغض الصوت : جعله دون الجهر .
وجيء بـ ( من ) الدالة على التبعيض لإفادة أنه يغض بعضه ، أي بعض جهره ، أي ينقص من جهورته ولكنه لا يبلغ به إلى التخافت والسرار .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19إن أنكر الأصوات لصوت الحمير تعليل علل به الأمر بالغض من صوته باعتبارها متضمنة تشبيها بليغا ، أي لأن صوت الحمير أنكر الأصوات . ورفع الصوت في الكلام يشبه نهيق الحمير فله حظ من النكارة .
وأنكر : اسم تفضيل في كون الصوت منكورا ، فهو تفضيل مشتق من الفعل المبني للمجهول ومثله سماعي وغير شاذ ، ومنه قولهم في المثل ( أشغل من ذات النحيين ) أي أشد مشغولية من المرأة التي أريدت في هذا المثل .
وإنما جمع الحمير في نظم القرآن مع أن صوت مفرد ولم يقل الحمار لأن المعرف بلام الجنس يستوي مفرده وجمعه . ولذلك يقال : إن لام الجنس إذا دخلت
[ ص: 169 ] على جمع أبطلت منه معنى الجمعية . وإنما أوثر لفظ الجمع لأن كلمة الحمير أسعد بالفواصل لأن من محاسن الفواصل والأسجاع أن تجري على أحكام القوافي ، والقافية المؤسسة بالواو أو الياء لا يجوز أن يرد معها ألف تأسيس فإن الفواصل المتقدمة من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12ولقد آتينا لقمان الحكمة هي : حميد ، عظيم ، المصير ، خبير ، الأمور ، فخور ، الحمير ، وفواصل القرآن تعتمد كثيرا على الحركات والمدود والصيغ دون تماثل الحروف وبذلك تخالف قوافي القصائد .
وهذا وفاء بما وعدت به عند الكلام على قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12ولقد آتينا لقمان الحكمة من ذكر ما انتهى إليه تتبعي لما أثر من حكمة لقمان غير ما في هذه السورة وقد ذكر
الآلوسي في تفسيره منها ثمانيا وعشرين حكمة وهي : قوله لابنه : أي بني إن الدنيا بحر عميق ، وقد غرق فيها أناس كثير فاجعل سفينتك فيها تقوى الله تعالى ، وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكل على الله تعالى لعلك أن تنجو ولا أراك ناجيا .
وقوله : من كان له من نفسه واعظ كان له من الله عز وجل حافظ ، ومن أنصف الناس من نفسه زاده الله تعالى بذلك عزا ، والذل في طاعة الله تعالى أقرب من التعزز بالمعصية .
وقوله : ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع .
وقوله : يا بني إياك والدين فإنه ذل النهار وهم الليل .
وقوله : يا بني ارج الله عز وجل رجاء لا يجريك على معصيته تعالى ، وخف الله سبحانه خوفا لا يؤيسك من رحمته تعالى شأنه .
وقوله : من كذب ذهب ماء وجهه ، ومن ساء خلقه كثر غمه ، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم .
وقوله : يا بني حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل فلم أحمل شيئا هو أثقل من جار السوء ، وذقت المرار فلم أذق شيئا هو أمر من الفقر .
يا بني لا ترسل رسولك جاهلا فإن لم تجد حكيما فكن رسول نفسك .
[ ص: 170 ] يا بني إياك والكذب فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يغلى صاحبه .
يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس فإن الجنائز تذكرك الآخرة والعرس يشهيك الدنيا .
يا بني لا تأكل شبعا على شبع فإن إلقاءك إياه للكلب خير من أن تأكله .
يا بني لا تكن حلوا فتبلع ولا تكن مرا فتلفظ .
وقوله لابنه : لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك العلماء .
وقوله : لا خير لك في أن تتعلم ما لم تعلم ولما تعمل بما قد علمت فإن مثل ذلك مثل رجل احتطب حطبا فحمل حزمة وذهب يحملها فعجز عنها فضم إليها أخرى .
وقوله : يا بني إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره .
وقوله : لتكن كلمتك طيبة ، وليكن وجهك بسطا تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء .
وقوله : يا بني أنزل نفسك من صاحبك منزلة من لا حاجة له بك ولا بد لك منه .
يا بني كن كمن لا يبتغي محمدة الناس ولا يكسب ذمهم فنفسه منه في عناء والناس منه في راحة .
وقوله : يا بني امتنع بما يخرج من فيك فإنك ما سكت سالم ، وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك .
وأنا أقفي عليها ما لم يذكره الآلوسي .
فمن ذلك ما في الموطأ فيما جاء في طلب العلم من كتاب الجامع : مالك أنه بلغه أن
لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال : يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب بنور العلم كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء .
[ ص: 171 ] وفيه فيما جاء في الصدق والكذب من كتاب الجامع أنه بلغه أنه قيل
للقمان : ما بلغ بك ما نرى يريدون الفضل فقال : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنيني .
وفي جامع المستخرجة
للعتبي قال
مالك : بلغني أن
لقمان قال لابنه : يا بني ليكن أول ما تفيد من الدنيا بعد خليل صالح امرأة صالحة .
وفي أحكام القرآن
لابن العربي عن
مالك : أن
لقمان قال لابنه : يا بني إن الناس قد تطاول عليهم ما يوعدون وهم إلى الآخرة سراعا يذهبون ، وإنك قد استدبرت الدنيا منذ كنت واستقبلت الآخرة ، وإن دارا تسير إليها أقرب إليك من دار تخرج عنها . وقال : ليس غني كصحة ، ولا نعمة كطيب نفس ، وقال : يا بني لا تجالس الفجار ولا تماشهم ، اتق أن ينزل عليهم عذاب من السماء فيصيبك معهم ، وقال : يا بني جالس العلماء وماشهم عسى أن تنزل عليهم رحمة فتصيبك معهم .
وفي الكشاف : أنه قال لرجل ينظر إليه : إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق ، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض . وأن مولاه أمره بذبح شاة وأن يأتيه بأطيب مضغتين فأتاه باللسان والقلب ، ثم أمره بذبح أخرى وأن ألق منها أخبث مضغتين ، فألقى اللسان والقلب; فسأله عن ذلك ، فقال : هما أطيب ما فيها إذا طابا وأخبث ما فيها إذا خبثا .
ودخل على
داود وهو يسرد الدروع فأراد أن يسأله عماذا يصنع فأدركته الحكمة فسكت ، فلما أتمها
داود لبسها وقال : نعم لبوس الحرب أنت . فقال
لقمان : الصمت حكمة وقليل فاعله .
وفي تفسير
ابن عطية : قيل
للقمان : أي الناس شر ؟ فقال : الذي لا يبالي أن يراه الناس سيئا أو مسيئا .
وفي تفسير
القرطبي : كان
لقمان يفتي قبل مبعث
داود فلما بعث
داود قطع الفتوى . فقيل له . فقال : ألا أكتفي إذا كفيت . وفيه : إن الحاكم بأشد المنازل وكدرها يغشاه المظلوم من كل مكان إن يصب فبالحري أن ينجو وإن أخطأ أخطأ
[ ص: 172 ] طريق الجنة . ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا . ومن يختر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصب الآخرة .
وفي تفسير
البيضاوي : أن
داود سأل
لقمان : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت في يدي غيري .
وفي درة التنزيل المنسوب
nindex.php?page=showalam&ids=16785لفخر الدين الرازي : قال
لقمان لابنه : إن الله رضيني لك فلم يوصني بك ولم يرضك لي فأوصاك بي .
وفي الشفاء
لعياض : قال
لقمان لابنه : إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة .
وفي كتاب آداب النكاح
لقاسم بن يأمون التليدي الأخماسي : أن من وصية
لقمان : يا بني إنما مثل المرأة الصالحة كمثل الدهن في الرأس يلين العروق ويحسن الشعر ، ومثلها كمثل التاج على رأس الملك ، ومثلها كمثل اللؤلؤ والجوهر لا يدري أحد ما قيمته .
ومثل المرأة السوء كمثل السيل لا ينتهي حتى يبلغ منتهاه : إذا تكلمت أسمعت ، وإذا مشت أسرعت ، وإذا قعدت رفعت ، وإذا غضبت أسمعت . وكل داء يبرأ إلا داء امرأة السوء .
يا بني لأن تساكن الأسد والأسود خير من أن تساكنها : تبكي وهي الظالمة ، وتحكم وهي الجائرة ، وتنطق وهي الجاهلة وهي أفعى بلدغها .
وفي مجمع البيان
للطبرسي : يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وخبائك وسقائك وخيوطك ومخرزك ، وتزود معك من الأدوية ما تنتفع به أنت ومن معك ، وكن لأصحابك موافقا إلا في معصية الله عز وجل . يا بني إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم ، وأكثر التبسم في وجوههم وكن كريما على زادك بينهم ، فإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واستعمل طول الصمت
[ ص: 173 ] وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم ، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك ، ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورته ، فإن من لم يمحض النصيحة من استشاره سلبه الله رأيه ، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، فإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سنا . وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا فقل نعم ولا تقل لا فإن لا عي ولؤم ، وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتآمروا ، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم . واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى لأن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب .
يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء ، صلها واسترح منها فإنها دين ، وصل في جماعة ولو على رأس زج . وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا . وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس ، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض . وإذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الأرض التي حللت بها وسلم على أهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة ، وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبتدئ فتتصدق منه فافعل . وعليك بقراءة كتاب الله ( لعله يعني الزبور ) ما دمت راكبا ، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا ، وعليك بالدعاء ما دمت خاليا . وإياك والسير في أول الليل إلى آخره . وإياك ورفع الصوت في مسيرك .
فقد استقصينا ما وجدنا من حكمة
لقمان مما يقارب سبعين حكمة .
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29002_33303وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ
بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُ آدَابَ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ النَّاسِ قَفَّاهَا بِحُسْنِ الْآدَابِ فِي حَالَتِهِ الْخَاصَّةِ ، وَتِلْكَ حَالَتَا الْمَشْيِ وَالتَّكَلُّمِ ، وَهَمَا أَظْهَرُ مَا يَلُوحُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ آدَابِهِ .
وَالْقَصْدُ : الْوَسَطُ الْعَدْلُ بَيْنَ طَرَفَيْنِ ، فَالْقَصْدُ فِي الْمَشْيِ هُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَرَفِ التَّبَخْتُرِ وَطَرَفِ الدَّبِيبِ وَيُقَالُ : قَصَدَ فِي مَشْيِهِ . فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ارْتَكِبِ الْقَصْدَ .
وَالْغَضُّ : نَقْصُ قُوَّةِ اسْتِعْمَالِ الشَّيْءِ . يُقَالُ : غَضَّ بَصَرَهُ ، إِذَا خَفَضَ نَظَرَهُ فَلَمْ يُحَدِّقْ . وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ فِي سُورَةِ النُّورِ . فَغَضُّ الصَّوْتِ : جَعْلُهُ دُونَ الْجَهْرِ .
وَجِيءَ بِـ ( مِنَ ) الدَّالَّةِ عَلَى التَّبْعِيضِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ يَغُضُّ بَعْضَهُ ، أَيْ بَعْضَ جَهْرِهِ ، أَيْ يَنْقُصُ مِنْ جُهُوَرَتِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ إِلَى التَّخَافُتِ وَالسِّرَارِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ تَعْلِيلٌ عَلَّلَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْغَضِّ مِنْ صَوْتِهِ بِاعْتِبَارِهَا مُتَضَمِّنَةً تَشْبِيهًا بَلِيغًا ، أَيْ لِأَنَّ صَوْتَ الْحَمِيرِ أَنْكَرُ الْأَصْوَاتِ . وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْكَلَامِ يُشْبِهُ نَهِيقَ الْحَمِيرِ فَلَهُ حَظٌّ مِنَ النَّكَارَةِ .
وَأَنْكَرَ : اسْمُ تَفْضِيلٍ فِي كَوْنِ الصَّوْتِ مَنْكُورًا ، فَهُوَ تَفْضِيلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ وَمِثْلُهُ سَمَاعِيٌّ وَغَيْرُ شَاذٍّ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ ( أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النَّحْيَيْنِ ) أَيْ أَشَدُّ مَشْغُولِيَّةً مِنَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أُرِيدَتْ فِي هَذَا الْمَثَلِ .
وَإِنَّمَا جَمَعَ الْحَمِيرَ فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّ صَوْتَ مُفْرَدٌ وَلَمْ يَقُلِ الْحِمَارَ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ بِلَامِ الْجِنْسِ يَسْتَوِي مُفْرَدُهُ وَجَمْعُهُ . وَلِذَلِكَ يُقَالُ : إِنَّ لَامَ الْجِنْسِ إِذَا دَخَلَتْ
[ ص: 169 ] عَلَى جَمْعٍ أَبْطَلَتْ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ . وَإِنَّمَا أُوثِرَ لَفْظُ الْجَمْعِ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْحَمِيرِ أَسْعَدُ بِالْفَوَاصِلِ لِأَنَّ مِنْ مَحَاسِنِ الْفَوَاصِلِ وَالْأَسْجَاعِ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى أَحْكَامِ الْقَوَافِي ، وَالْقَافِيَةُ الْمُؤَسَّسَةُ بِالْوَاوِ أَوِ الْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ مَعَهَا أَلِفُ تَأْسِيسٍ فَإِنَّ الْفَوَاصِلَ الْمُتَقَدِّمَةَ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ هِيَ : حَمِيدٌ ، عَظِيمٌ ، الْمَصِيرُ ، خَبِيرٌ ، الْأُمُورِ ، فَخُورٍ ، الْحَمِيرِ ، وَفَوَاصِلُ الْقُرْآنِ تَعْتَمِدُ كَثِيرًا عَلَى الْحَرَكَاتِ وَالْمُدُودِ وَالصِّيَغِ دُونَ تَمَاثُلِ الْحُرُوفِ وَبِذَلِكَ تُخَالِفُ قَوَافِيَ الْقَصَائِدِ .
وَهَذَا وَفَاءٌ بِمَا وَعَدْتُ بِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ مِنْ ذِكْرِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ تَتَبُّعِي لِمَا أُثِرَ مِنْ حِكْمَةِ لُقْمَانَ غَيْرَ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَقَدْ ذَكَرَ
الْآلُوسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْهَا ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ حِكْمَةً وَهِيَ : قَوْلُهُ لِابْنِهِ : أَيْ بُنَيَّ إِنِ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ ، وَقَدْ غَرِقَ فِيهَا أُنَاسٌ كَثِيرٌ فَاجْعَلْ سَفِينَتَكَ فِيهَا تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَحَشَوْهَا الْإِيمَانُ ، وَشِرَاعَهَا التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَعَلَّكَ أَنْ تَنْجُوَ وَلَا أَرَاكَ نَاجِيًا .
وَقَوْلُهُ : مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَافِظٌ ، وَمَنْ أَنْصَفَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ عِزًّا ، وَالذُّلُّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْرَبُ مِنَ التَّعَزُّزِ بِالْمَعْصِيَةِ .
وَقَوْلُهُ : ضَرْبُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ كَالسَّمَادِ لِلزَّرْعِ .
وَقَوْلُهُ : يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَالدَّيْنَ فَإِنَّهُ ذُلُّ النَّهَارِ وَهَمُّ اللَّيْلِ .
وَقَوْلُهُ : يَا بُنَيَّ ارْجُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَجَاءً لَا يُجْرِيكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ تَعَالَى ، وَخَفِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَوْفًا لَا يُؤَيِّسُكَ مِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى شَأْنُهُ .
وَقَوْلُهُ : مَنْ كَذَبَ ذَهَبَ مَاءُ وَجْهِهِ ، وَمَنْ سَاءَ خُلُقُهُ كَثُرَ غَمُّهُ ، وَنَقْلُ الصُّخُورِ مِنْ مَوَاضِعِهَا أَيْسَرُ مِنْ إِفْهَامِ مَنْ لَا يَفْهَمُ .
وَقَوْلُهُ : يَا بُنَيَّ حَمَلْتُ الْجَنْدَلَ وَالْحَدِيدَ وَكُلَّ شَيْءٍ ثَقِيلٍ فَلَمْ أَحْمِلْ شَيْئًا هُوَ أَثْقَلُ مِنْ جَارِ السُّوءِ ، وَذُقْتُ الْمَرَارَ فَلَمْ أَذُقْ شَيْئًا هُوَ أَمَرُّ مِنَ الْفَقْرِ .
يَا بُنَيَّ لَا تُرْسِلْ رَسُولَكَ جَاهِلًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ حَكِيمًا فَكُنْ رَسُولَ نَفْسِكَ .
[ ص: 170 ] يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ شَهِيٌّ كَلَحْمِ الْعُصْفُورِ عَمَّا قَلِيلٍ يُغْلَى صَاحِبُهُ .
يَا بُنَيَّ احْضُرِ الْجَنَائِزَ وَلَا تَحْضُرِ الْعُرْسَ فَإِنَّ الْجَنَائِزَ تُذَكِّرُكَ الْآخِرَةَ وَالْعُرْسَ يُشَهِّيكَ الدُّنْيَا .
يَا بُنَيَّ لَا تَأْكُلْ شِبَعًا عَلَى شِبَعٍ فَإِنَّ إِلْقَاءَكَ إِيَّاهُ لِلْكَلْبِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهُ .
يَا بُنَيَّ لَا تَكُنْ حُلْوًا فَتُبْلَعْ وَلَا تَكُنْ مُرًّا فَتُلْفَظْ .
وَقَوْلُهُ لِابْنِهِ : لَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا الْأَتْقِيَاءُ ، وَشَاوِرْ فِي أَمْرِكَ الْعُلَمَاءَ .
وَقَوْلُهُ : لَا خَيْرَ لَكَ فِي أَنْ تَتَعَلَّمَ مَا لَمْ تَعْلَمْ وَلَمَّا تَعْمَلْ بِمَا قَدْ عَلِمْتَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ احْتَطَبَ حَطَبًا فَحَمَلَ حُزْمَةً وَذَهَبَ يَحْمِلُهَا فَعَجَزَ عَنْهَا فَضَمَّ إِلَيْهَا أُخْرَى .
وَقَوْلُهُ : يَا بُنَيَّ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُوَاخِيَ رَجُلًا فَأَغْضِبْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ أَنْصَفَكَ عِنْدَ غَضَبِهِ وَإِلَّا فَاحْذَرْهُ .
وَقَوْلُهُ : لِتَكُنْ كَلِمَتُكَ طَيِّبَةً ، وَلْيَكُنْ وَجْهُكَ بَسْطًا تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِمَّنْ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ .
وَقَوْلُهُ : يَا بُنَيَّ أَنْزِلْ نَفْسَكَ مِنْ صَاحِبِكَ مَنْزِلَةَ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ بِكَ وَلَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ .
يَا بُنَيَّ كُنْ كَمَنْ لَا يَبْتَغِي مَحْمَدَةَ النَّاسِ وَلَا يَكْسِبُ ذَمَّهُمْ فَنَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ .
وَقَوْلُهُ : يَا بُنَيَّ امْتَنِعْ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيكَ فَإِنَّكَ مَا سَكَتَّ سَالِمٌ ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَكَ مِنَ الْقَوْلِ مَا يَنْفَعُكَ .
وَأَنَا أُقَفِّي عَلَيْهَا مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآلُوسِيُّ .
فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ فِيمَا جَاءَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ : مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ
لُقْمَانَ الْحَكِيمَ أَوْصَى ابْنَهُ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْعِلْمِ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ .
[ ص: 171 ] وَفِيهِ فِيمَا جَاءَ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ قِيلَ
لِلُقْمَانَ : مَا بَلَغَ بِكَ مَا نَرَى يُرِيدُونَ الْفَضْلَ فَقَالَ : صِدْقُ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ ، وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي .
وَفِي جَامِعِ الْمُسْتَخْرَجَةِ
لِلْعُتْبِيِّ قَالَ
مَالِكٌ : بَلَغَنِي أَنَّ
لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ لِيَكُنْ أَوَّلُ مَا تُفِيدُ مِنَ الدُّنْيَا بَعْدَ خَلِيلٍ صَالِحٍ امْرَأَةً صَالِحَةً .
وَفِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ
لِابْنِ الْعَرَبِيِّ عَنْ
مَالِكٍ : أَنَّ
لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ إِنَّ النَّاسَ قَدْ تَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ مَا يُوعَدُونَ وَهُمْ إِلَى الْآخِرَةِ سِرَاعًا يَذْهَبُونَ ، وَإِنَّكَ قَدِ اسْتَدْبَرْتَ الدُّنْيَا مُنْذُ كُنْتَ وَاسْتَقْبَلْتَ الْآخِرَةَ ، وَإِنَّ دَارًا تَسِيرُ إِلَيْهَا أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ دَارٍ تَخْرُجُ عَنْهَا . وَقَالَ : لَيْسَ غِنًي كَصِحَّةٍ ، وَلَا نِعْمَةٌ كَطِيبِ نَفْسٍ ، وَقَالَ : يَا بُنَيَّ لَا تُجَالِسِ الْفُجَّارَ وَلَا تُمَاشِهِمْ ، اتَّقِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ عَذَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فَيُصِيبَكَ مَعَهُمْ ، وَقَالَ : يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءِ وَمَاشِهِمْ عَسَى أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِمْ رَحْمَةٌ فَتُصِيبَكَ مَعَهُمْ .
وَفِي الْكَشَّافِ : أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ : إِنْ كُنْتَ تَرَانِي غَلِيظَ الشَّفَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا كَلَامٌ رَقِيقٌ ، وَإِنْ كُنْتَ تَرَانِي أَسْوَدَ فَقَلْبِي أَبْيَضُ . وَأَنَّ مَوْلَاهُ أَمَرَهُ بِذَبْحِ شَاةٍ وَأَنْ يَأْتِيَهُ بِأَطْيَبِ مُضْغَتَيْنِ فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِذَبْحِ أُخْرَى وَأَنْ أَلْقِ مِنْهَا أَخْبَثَ مُضْغَتَيْنِ ، فَأَلْقَى اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ; فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : هُمَا أَطْيَبُ مَا فِيهَا إِذَا طَابَا وَأَخْبَثُ مَا فِيهَا إِذَا خَبُثَا .
وَدَخَلَ عَلَى
دَاوُدَ وَهُوَ يَسْرُدُ الدُّرُوعَ فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَمَّاذَا يَصْنَعُ فَأَدْرَكَتْهُ الْحِكْمَةُ فَسَكَتَ ، فَلَمَّا أَتَمَّهَا
دَاوُدُ لَبِسَهَا وَقَالَ : نِعْمَ لَبُوسُ الْحَرْبِ أَنْتِ . فَقَالَ
لُقْمَانُ : الصَّمْتُ حِكْمَةٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ .
وَفِي تَفْسِيرِ
ابْنِ عَطِيَّةَ : قِيلَ
لِلُقْمَانَ : أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ ؟ فَقَالَ : الَّذِي لَا يُبَالِي أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ سَيِّئًا أَوْ مُسِيئًا .
وَفِي تَفْسِيرِ
الْقُرْطُبِيِّ : كَانَ
لُقْمَانُ يُفْتِي قَبْلَ مَبْعَثِ
دَاوُدَ فَلَمَّا بُعِثَ
دَاوُدُ قَطَعَ الْفَتْوَى . فَقِيلَ لَهُ . فَقَالَ : أَلَا أَكْتَفِي إِذَا كُفِيتُ . وَفِيهِ : إِنَّ الْحَاكِمَ بِأَشَدِّ الْمَنَازِلِ وَكَدَرِهَا يَغْشَاهُ الْمَظْلُومُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ إِنْ يُصِبْ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَنْجُوَ وَإِنْ أَخْطَأَ أَخْطَأَ
[ ص: 172 ] طَرِيقَ الْجَنَّةِ . وَمَنْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا ذَلِيلًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَرِيفًا . وَمَنْ يَخْتَرِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ تَفُتْهُ الدُّنْيَا وَلَا يُصِبِ الْآخِرَةَ .
وَفِي تَفْسِيرِ
الْبَيْضَاوِيِّ : أَنَّ
دَاوُدَ سَأَلَ
لُقْمَانُ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ فَقَالَ : أَصْبَحْتُ فِي يَدِي غَيْرِي .
وَفِي دُرَّةِ التَّنْزِيلِ الْمَنْسُوبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16785لِفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ : قَالَ
لُقْمَانُ لِابْنِهِ : إِنَّ اللَّهَ رَضِيَنِي لَكَ فَلَمْ يُوصِنِي بِكَ وَلَمْ يَرْضَكَ لِي فَأَوْصَاكَ بِي .
وَفِي الشِّفَاءِ
لِعِيَاضٍ : قَالَ
لُقْمَانُ لِابْنِهِ : إِذَا امْتَلَأَتِ الْمَعِدَةُ نَامَتِ الْفِكْرَةُ وَخَرِسَتِ الْحِكْمَةُ وَقَعَدَتِ الْأَعْضَاءُ عَنِ الْعِبَادَةِ .
وَفِي كِتَابِ آدَابِ النِّكَاحِ
لِقَاسِمِ بْنِ يَأْمُونَ التَّلِيدِيِّ الْأَخْمَاسِيِّ : أَنَّ مِنْ وَصِيَّةِ
لُقْمَانَ : يَا بُنَيَّ إِنَّمَا مَثَلُ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ كَمَثَلِ الدُّهْنِ فِي الرَّأْسِ يُلِينُ الْعُرُوقَ وَيُحَسِّنُ الشَّعْرَ ، وَمَثَلُهَا كَمَثَلِ التَّاجِ عَلَى رَأْسِ الْمَلِكِ ، وَمَثَلُهَا كَمَثَلِ اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا قِيمَتُهُ .
وَمَثَلُ الْمَرْأَةِ السُّوءِ كَمَثَلِ السَّيْلِ لَا يَنْتَهِي حَتَّى يَبْلُغَ مُنْتَهَاهُ : إِذَا تَكَلَّمَتْ أَسْمَعَتْ ، وَإِذَا مَشَتْ أَسْرَعَتْ ، وَإِذَا قَعَدَتْ رَفَعَتْ ، وَإِذَا غَضِبَتْ أَسْمَعَتْ . وَكُلُّ دَاءٍ يَبْرَأُ إِلَّا دَاءَ امْرَأَةِ السُّوءِ .
يَا بُنَيَّ لَأَنْ تُسَاكِنَ الْأَسَدَ وَالْأُسُودَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُسَاكِنَهَا : تَبْكِي وَهِيَ الظَّالِمَةُ ، وَتَحْكُمُ وَهِيَ الْجَائِرَةُ ، وَتَنْطِقُ وَهِيَ الْجَاهِلَةُ وَهِيَ أَفْعَى بِلَدْغِهَا .
وَفِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ
لِلطَّبَرَسِيِّ : يَا بُنَيَّ سَافِرْ بِسَيْفِكَ وَخُفِّكَ وَعِمَامَتِكَ وَخِبَائِكَ وَسِقَائِكَ وَخُيُوطِكَ وَمِخْرَزِكَ ، وَتَزَوَّدْ مَعَكَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ مَا تَنْتَفِعُ بِهِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ ، وَكُنْ لِأَصْحَابِكَ مُوَافِقًا إِلَّا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . يَا بُنَيَّ إِذَا سَافَرْتَ مَعَ قَوْمٍ فَأَكْثِرِ اسْتِشَارَتَهُمْ فِي أَمْرِكَ وَأُمُورِهِمْ ، وَأَكْثِرِ التَّبَسُّمَ فِي وُجُوهِهِمْ وَكُنْ كَرِيمًا عَلَى زَادِكَ بَيْنَهُمْ ، فَإِذَا دَعَوْكَ فَأَجِبْهُمْ وَإِذَا اسْتَعَانُوا بِكَ فَأَعْنِهِمْ ، وَاسْتَعْمِلْ طُولَ الصَّمْتِ
[ ص: 173 ] وَكَثْرَةَ الصَّلَاةِ ، وَسَخَاءَ النَّفْسِ بِمَا مَعَكَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ زَادٍ ، وَإِذَا اسْتَشْهَدُوكَ عَلَى الْحَقِّ فَاشْهَدْ لَهُمْ ، وَاجْهَدْ رَأْيَكَ لَهُمْ إِذَا اسْتَشَارُوكَ ، ثُمَّ لَا تَعْزِمْ حَتَّى تَثْبُتَ وَتَنْظُرَ ، وَلَا تُجِبْ فِي مَشُورَةٍ حَتَّى تَقُومَ فِيهَا وَتَقْعُدَ وَتَنَامَ وَتَأْكُلَ وَتُصَلِّي وَأَنْتَ مُسْتَعْمِلٌ فِكْرَتَكَ وَحِكْمَتَكَ فِي مَشُورَتِهِ ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَمْحَضِ النَّصِيحَةَ مَنِ اسْتَشَارَهُ سَلَبَهُ اللَّهُ رَأْيَهُ ، وَإِذَا رَأَيْتَ أَصْحَابَكَ يَمْشُونَ فَامْشِ مَعَهُمْ ، فَإِذَا رَأَيْتَهُمْ يَعْمَلُونَ فَاعْمَلْ مَعَهُمْ ، وَاسْمَعْ لِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ سِنًّا . وَإِذَا أَمَرُوكَ بِأَمْرٍ وَسَأَلُوكَ شَيْئًا فَقُلْ نَعَمْ وَلَا تَقُلْ لَا فَإِنَّ لَا عِيٌّ وَلُؤْمٌ ، وَإِذَا تَحَيَّرْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَانْزِلُوا ، وَإِذَا شَكَكْتُمْ فِي الْقَصْدِ فَقِفُوا وَتَآمَرُوا ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَخْصًا وَاحِدًا فَلَا تَسْأَلُوهُ عَنْ طَرِيقِكُمْ وَلَا تَسْتَرْشِدُوهُ فَإِنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ فِي الْفَلَاةِ مُرِيبٌ لَعَلَّهُ يَكُونُ عَيْنَ اللُّصُوصِ أَوْ يَكُونُ هُوَ الشَّيْطَانَ الَّذِي حَيَّرَكُمْ . وَاحْذَرُوا الشَّخْصَيْنِ أَيْضًا إِلَّا أَنْ تَرَوْا مَا لَا أَرَى لِأَنَّ الْعَاقِلَ إِذَا أَبْصَرَ بِعَيْنِهِ شَيْئًا عَرَفَ الْحَقَّ مِنْهُ وَالشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ .
يَا بُنَيَّ إِذَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَلَا تُؤَخِّرْهَا لِشَيْءٍ ، صَلِّهَا وَاسْتَرِحْ مِنْهَا فَإِنَّهَا دَيْنٌ ، وَصَلِّ فِي جَمَاعَةٍ وَلَوْ عَلَى رَأْسِ زَجٍّ . وَإِذَا أَرَدْتُمُ النُّزُولَ فَعَلَيْكُمْ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ بِأَحْسَنِهَا لَوْنًا وَأَلْيَنِهَا تُرْبَةً وَأَكْثَرِهَا عُشْبًا . وَإِذَا نَزَلْتَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ ، وَإِذَا أَرَدْتَ قَضَاءَ حَاجَتِكَ فَأَبْعِدِ الْمَذْهَبَ فِي الْأَرْضِ . وَإِذَا ارْتَحَلْتَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ وَدِّعِ الْأَرْضَ الَّتِي حَلَلْتَ بِهَا وَسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لِكُلِّ بُقْعَةٍ أَهْلًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَأْكُلَ طَعَامًا حَتَّى تَبْتَدِئَ فَتَتَصَدَّقَ مِنْهُ فَافْعَلْ . وَعَلَيْكَ بِقِرَاءَةِ كِتَابِ اللَّهِ ( لَعَلَّهُ يَعْنِي الزَّبُورَ ) مَا دُمْتَ رَاكِبًا ، وَعَلَيْكَ بِالتَّسْبِيحِ مَا دُمْتَ عَامِلًا عَمَلًا ، وَعَلَيْكَ بِالدُّعَاءِ مَا دُمْتَ خَالِيًا . وَإِيَّاكَ وَالسَّيْرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ . وَإِيَّاكَ وَرَفْعَ الصَّوْتِ فِي مَسِيرِكَ .
فَقَدَ اسْتَقْصَيْنَا مَا وَجَدْنَا مِنْ حِكْمَةِ
لُقْمَانَ مِمَّا يُقَارِبُ سَبْعِينَ حِكْمَةً .