nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210nindex.php?page=treesubj&link=28973_30532هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور
إن كان الإضمار جاريا على مقتضى الظاهر فضمير ينظرون راجع إلى معاد مذكور قبله ، وهو إما
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ، وإما إلى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=207من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، أو إلى كليهما لأن الفريقين ينتظرون يوم الجزاء ، فأحد الفريقين ينتظره شكا في الوعيد بالعذاب ، والفريق الآخر ينتظره انتظار الراجي للثواب .
ونظيره قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=102فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين فانتظارهم أيام الذين خلوا انتظار توقع سوء وانتظار النبيء معهم انتظار تصديق وعيده .
وإن كان الإضمار جاريا على خلاف مقتضى الظاهر فهو راجع إلى المخاطبين بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=208ادخلوا في السلم وما بعده ، أو إلى الذين زلوا المستفاد من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فإن زللتم ، وهو حينئذ التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إما لمجرد تجديد نشاط السامع إن كان راجعا إلى المخاطبين بقوله
[ ص: 282 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=208يا أيها الذين آمنوا ، وإما لزيادة نكتة إبعاد المخاطبين بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فإن زللتم عن عز الحضور ، قال
القرطبي :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون يعني التاركين الدخول في السلم ، وقال
الفخر الضمير
لليهود بناء على أنهم المراد من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=208يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم أي يا أيها الذين آمنوا بالله وبعض رسله وكتبه على أحد الوجوه المتقدمة وعلى أن السلم أريد به الإسلام ، ونكتة الالتفات على هذا القول هي هي .
فإن كان الضمير لمن يعجبك أو له ولمن يشري نفسه ، فالجملة استئناف بياني ، لأن هاتين الحالتين العجيبتين في الخير والشر تثيران سؤال من يسأل عن جزاء كلا الفريقين فيكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله جوابا لذلك ، وإن كان الضمير راجعا إلى الذين آمنوا فجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون استئناف للتحريض على الدخول في الإسلام خشية يوم الجزاء أو طمعا في ثوابه وإن كان الضمير للذين زلوا من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فإن زللتم فالجملة بدل اشتمال من مضمون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=49فإن الله عزيز حكيم لأن معناه فإن زللتم فالله لا يفلتكم لأنه عزيز حكيم ، وعدم الإفلات يشتمل على إتيان أمر الله والملائكة ، وإن كان الضمير عائدا إلى
اليهود فهو توبيخ لهم على مكابرتهم عن الاعتراف بحقية الإسلام .
وعلى كل الاحتمالات التي لا تتنافى فقد جاء نظم قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون بضمير الجمع نظما جامعا للمحامل كلها مما هو أثر من آثار إعجاز هذا الكلام المجيد الدال على علم الله تعالى بكل شيء .
وحرف هل مفيد الاستفهام ومفيد التحقيق ويظهر أنه موضوع للاستفهام عن أمر يراد تحقيقه ، فلذلك قال أئمة المعاني : إن " هل " لطلب تحصيل نسبة حكمية تحصل في علم المستفهم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف : إن أصل " هل " أنها مرادفة " قد " في الاستفهام خاصة ، يعني " قد " التي للتحقيق وإنما اكتسبت إفادة الاستفهام من تقدير همزة الاستفهام معها كما دل عليه ظهور الهمزة معها في قول
زيد الخيل :
سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
وقال في المفصل : وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن " هل " بمعنى " قد " إلا أنهم تركوا الألف قبلها; لأنها لا تقع إلا في الاستفهام اهـ . يعني أن همزة الاستفهام التزم حذفها للاستغناء عنها بملازمة " هل " للوقوع في الاستفهام ، إذ لم يقل أحد أن " هل " ترد بمعنى " قد " مجردة عن الاستفهام فإن مواردها في كلام العرب وبالقرآن يبطل ذلك ونسب ذلك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى [ ص: 283 ] على الإنسان حين من الدهر ولعلهم أرادوا تفسير المعنى لا تفسير الإعراب ولا نعرف في كلام العرب اقتران " هل " بحرف الاستفهام إلا في هذا البيت ولا ينهض احتجاجهم به لإمكان تخريجه على أنه جمع بين حرفي استفهام على وجه التأكيد كما يؤكد الحرف في بعض الكلام كقول
مسلم بن معبد الوالبي :
فلا والله لا يلفى لما بي ولا للما بهم أبدا دواء
فجمع بين لامي جر ، وأيا ما كان فإن " هل " تمحضت لإفادة الاستفهام في جميع مواقعها ، وسيأتي هذا في تفسير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) في سورة الإنسان .
والاستفهام إنكاري لا محال بدليل الاستثناء ، فالكلام خبر في صورة الاستفهام . والنظر : الانتظار والترقب يقال نظره بمعنى ترقبه ، لأن الذي يترقب أحدا يوجه نظره إلى صوبه ليرى شبحه عندما يبدو ، وليس المراد هنا نفي النظر البصري أي لا ينظرون بأبصارهم في الآخرة إلا إتيان أمر الله والملائكة ، لأن الواقع أن الأبصار تنظر غير ذلك ، إلا أن يراد أن رؤيتهم غير ذلك كالعدم لشدة هول إتيان أمر الله ، فيكون قصرا ادعائيا ، أو تسلب أبصارهم من النظر لغير ذلك .
وهذا المركب ليس مستعملا فيما وضع له من الإنكار بل مستعمل إما في التهديد والوعيد وهو الظاهر الجاري على غالب الوجوه المتقدمة في الضمير ، وإما الوعد إن كان الضمير لمن يشري نفسه ، وإما في القدر المشترك وهو العدة بظهور الجزاء إن كان الضمير راجعا للفريقين ، وإما التهكم إن كان المقصود من الضمير المنافقين
اليهود أو المشركين ، فأما
اليهود فإنهم كانوا يقولون
لموسى nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة .
ويجوز هذا أن يكون خبرا عن
اليهود : أي أنهم لا يؤمنون ويدخلون في السلم حتى يروا الله تعالى في ظلل من الغمام على نحو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك .
وأما المشركون فإنهم قد حكى الله عنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=90وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا - إلى قوله -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ، وسيجيء القول مشبعا في موقع هذا التركيب ومعناه عند الكلام على قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام في سورة البقرة .
[ ص: 284 ] و ( الظلل ) بضم ففتح اسم جمع ظلة ، والظلة تطلق على معان والذي تلخص لي من حقيقتها في اللغة أنها اسم لشبه صفة مرتفعة في الهواء تتصل بجدار أو ترتكز على أعمدة يجلس تحتها لتوقي شعاع الشمس ، فهي مشتقة من اسم الظل جعلت على وزن فعلة بمعنى مفعول أو مفعول بها مثل القبضة بضم القاف لما يقبض باليد ، والغرفة بضم الغين لما يغترف باليد كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249إلا من اغترف غرفة بيده ) في قراءة بعض العشرة بضم الغين .
وهي هنا مستعارة أو مشبه بها تشبيها بليغا : السحابات العظيمة التي تشبه كل سحابة منها ظلة القصر .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210من الغمام بيان للمشبه وهو قرينة الاستعارة ونظيره قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=16لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل .
والإتيان حضور الذات في موضع آخر سبق حصولها فيه ، وأسند الإتيان إلى الله تعالى في هذه الآية على وجه الإثبات فاقتضى ظاهره اتصاف الله تعالى به ، ولما كان الإتيان يستلزم التنقل أو التمدد ليكون حالا في مكان بعد أن لم يكن به حتى يصح الإتيان وكان ذلك يستلزم الجسم والله منزه عنه ، تعين صرف اللفظ عن ظاهره بالدليل العقلي ، فإن كان الكلام خبرا أو تهكما فلا حاجة للتأويل ، لأن اعتقادهم ذلك مدفوع بالأدلة وإن كان الكلام وعيدا من الله لزم التأويل ، لأن الله تعالى موجود في نفس الأمر لكنه لا يتصف بما هو من صفات الحوادث كالتنقل والتمدد لما علمت ، فلا بد من تأويل هذا عندنا على أصل الأشعري في تأويل المتشابه ، وهذا التأويل إما في معنى الإتيان أو في إسناده إلى الله أو بتقدير محذوف من مضاف أو مفعول ، وإلى هذه الاحتمالات ترجع الوجوه التي ذكرها المفسرون : الوجه الأول ذهب سلف الأمة قبل حدوث تشكيكات الملاحدة إلى إقرار الصفات المتشابهة دون تأويل فالإتيان ثابت لله تعالى ، لكن كيف فهو من المتشابه كالاستواء والنزول والرؤية أي هو إتيان لا كإتيان الحوادث .
فإما على طريقة الخلف من أئمة
الأشعرية لدفع مطاعن الملاحدة فتجيء وجوه منها : الوجه الثاني : أقول يجوز تأويل إتيان الله بأنه في التجلي والاعتناء إذا كان الضمير راجعا لمن يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، أو بأنه مجاز في تعلق القدرة التنجيزي بإظهار الجزاء
[ ص: 285 ] إن كان الضمير راجعا للفريقين ، أو هو مجاز في الاستئصال يقال أتاهم الملك إذا عاقبهم ، قاله
القرطبي ، قلت وذلك في كل إتيان مضاف إلى منتقم أو عدو أو فاتح كما تقول : أتاهم السبع بمعنى أهلكهم وأتاهم الوباء ؛ ولذلك يقولون أتى عليه بمعنى أهلكه واستأصله ، فلما شاع ذلك شاع إطلاق الإتيان على لازمه وهو الإهلاك والاستئصال قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا - وقال -
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم من القواعد وليس قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210في ظلل من الغمام بمناف لهذا المعنى ، لأن ظهور أمر الله وحدوث تعلق قدرته يكون محفوفا بذلك لتشعر به الملائكة وسيأتي بيان
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210في ظلل من الغمام قريبا .
والوجه الثالث : إسناد الإتيان إلى الله تعالى إسناد مجازي : وإنما يأتيهم عذاب الله يوم القيامة أو في الدنيا وكونه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210في ظلل من الغمام زيادة تنويه بذلك المظهر ووقعه لدى الناظرين .
الوجه الرابع : يأتيهم كلام الله الدال على الأمر ويكون ذلك الكلام مسموعا من قبل ظلل من الغمام تحفه الملائكة .
الوجه الخامس : أن هنالك مضافا مقدرا يأتيهم أمر الله أي قضاؤه بين الخلق أو يأتيهم بأس الله بدليل نظائره في القرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33أو يأتي أمر ربك وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4فجاءها بأسنا بياتا ولا يخفى أن الإتيان في هذا يتعين أن يكون مجازا في ظهور الأمر .
الوجه السادس : حذف مضاف تقديره ، آيات الله أو بيناته أي دلائل قدرته أو دلائل صدق رسله ويبعده قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210في ظلل من الغمام إلا أن يرجع إلى الوجه الخامس أو إلى الوجه الثالث .
الوجه السابع : أن هنالك معمولا محذوفا دل عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فاعلموا أن الله عزيز حكيم والتقدير : أن يأتيهم الله بالعذاب أو ببأسه .
والأحسن : تقدير أمر عام يشمل الخير والشر لتكون الجملة وعدا ووعيدا .
وقد ذكرت في تفسير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات في سورة آل عمران ما يتحصل منه أن ما يجري على اسمه تعالى من الصفات والأحكام وما يسند إليه من الأفعال في الكتاب والسنة أربعة أقسام : قسم اتصف الله به على الحقيقة كالوجود والحياة لكن بما يخالف المتعارف فينا ، وقسم اتصف الله بلازم مدلوله وشاع ذلك حتى صار
[ ص: 286 ] المتبادر في المعنى المناسب دون الملزومات مثل الرحمة والغضب والرضا والمحبة ، وقسم هو متشابه وتأويله ظاهر ، وقسم متشابه شديد التشابه .
وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210في ظلل من الغمام أشد إشكالا من إسناد الإتيان إلى الله تعالى لاقتضائه الظرفية ، وهي مستحيلة على الله تعالى ، وتأويله إما بأن ( في ) بمعنى الباء أي ( يأتيهم بظلل من الغمام ) وهي ظلل تحمل العذاب من الصواعق أو الريح العاصفة أو نحو ذلك إن كان العذاب دنيويا ، أو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210في ظلل من الغمام تشتمل على ما يدل على أمر الله تعالى أو عذابه
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=44وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم وكان رسول الله إذا رأى السحاب رئي في وجهه الخوف من أن يكون فيه عذاب ، أو على كلامه تعالى ، أو الحاجبة لأنوار يجعلها الله علامة للناس يوم القيامة على ابتداء فصل الحساب يدرك دلالتها أهل الموقف وبالانكشاف الوجداني ، وفي تفسير
القرطبي والفخر قيل : إن في الآية تقديما وتأخيرا ، وأصل الكلام : أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام ، فالغمام ظرف لإتيان الملائكة ، وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قرأها كذلك ، وهذه الوجوه كلها مبنية على أن هذا إخبار بأمر مستقبل ، فأما على جعل ضمير ينظرون مقصودا به المنافقون من المشركين أو
اليهود بأن يكون الكلام تهكما أي ماذا ينتظرون في التباطؤ عن الدخول في الإسلام ، ما ينتظرون إلا أن يأتيهم الله في أحوال اعتقدوها فيكلمهم ليدخلوا في الدين ، فإنهم قالوا
لموسى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة واعتقدوا أن الله في الغمام ، أو يكون المراد تعريضا بالمشركين ، وبعض التأويلات تقدمت مع تأويل الإتيان .
وقرأه الجمهور والملائكة بالرفع عطفا على اسم الجلالة ، وإسناد الإتيان إلى الملائكة لأنهم الذين يأتون بأمر الله أو عذابه وهم الموكل إليهم تنفيذ قضائه ، فإسناد الإتيان إليهم حقيقة فإن كان الإتيان المسند إلى الله تعالى مستعملا في معنى مجازي فهو مستعمل بالنسبة للملائكة في معناه الحقيقي فهو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، وإن كان إسناد الإتيان إلى الله تعالى مجازا في الإسناد فإسناده إلى الملائكة بطريق العطف حقيقة في الإسناد ولا مانع من ذلك ; لأن المجاز الإسنادي عبارة عن قصد المتكلم مع القرينة ، قال
حميد بن ثور يمدح
عبد الملك :
أتاك بي الله الذي نور الهدى ونور وإسلام عليك دليل
فأسند الإتيان به إلى الله وهو إسناد حقيقي ثم أسنده بالعطف للنور والإسلام ، وإسناد
[ ص: 287 ] الإتيان به إليهما مجازي لأنهما : سبب الإتيان به ألا ترى أنه قال ( عليك دليل ) . وقرأ
أبو جعفر ( والملائكة ) بجر ( الملائكة ) عطف على ( ظلل ) .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210وقضي الأمر إما عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إن كانت خبرا عن المخبر عنهم والفعل الماضي هنا مراد منه المستقبل ، ولكنه أتى فيه بالماضي تنبيها على تحقيق وقوعه أو قرب وقوعه ، والمعنى ما ينتظرون إلا أن يأتيهم الله وسوف يقضى الأمر ، وإما عطف على جملة هل ينظرون وعيدا أو وعدا والفعل كذلك للاستقبال ، والمعنى ما يترقبون إلا مجيء أمر الله وقضاء الأمر .
وإما جملة حالية والماضي على أصله وحذفت " قد " ، سواء كانت جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون خبرا أو وعدا ووعيدا ; أي وحينئذ قد قضي الأمر ، وإما تنبيه على أنهم إذا كانوا ينتظرون لتصديق
محمد أن يأتيهم الله والملائكة فإن ذلك إن وقع يكون قد قضي الأمر أي حق عليهم الهلاك كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون . والقضاء : الفراغ والإتمام .
والتعريف في الأمر إما للجنس مرادا منه الاستغراق أي قضيت الأمور كلها ، وإما للعهد أي أمر هؤلاء أي عقابهم أو الأمر المعهود للناس كلهم وهو الجزاء .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210وإلى الله ترجع الأمور تذييل جامع لمعنى : وقضي الأمر . والرجوع في الأصل : المآب إلى الموضع الذي خرج منه الراجع ، ويستعمل مجازا في نهاية الشيء وغايته وظهور أثره ، فمنه
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53ألا إلى الله تصير الأمور
ويجيء فعل " رجع " متعديا : تقول رجعت زيدا إلى بلده ومصدره الرجع ، ويستعمل رجع قاصرا تقول : رجع زيد إلى بلده ومصدره الرجوع ، وقرأ
نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر ويعقوب ( ترجع ) بضم التاء وفتح الجيم على أنه مضارع أرجعه أو مضارع رجعه مبنيا للمفعول أي يرجع الأمور راجعها إلى الله ، وحذف الفاعل على هذا لعدم تعين فاعل عرفي لهذا الرجع ، أو حذف لدفع ما يبدو من التنافي بين كون اسم الجلالة فاعلا للرجوع ومفعولا له بحرف إلى ، وقرأه باقي العشرة بالبناء للفاعل من رجع الذي مصدره الرجوع فالأمور فاعل " ترجع " .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210nindex.php?page=treesubj&link=28973_30532هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
إِنْ كَانَ الْإِضْمَارُ جَارِيًا عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فَضَمِيرُ يَنْظُرُونَ رَاجِعٌ إِلَى مَعَادٍ مَذْكُورٍ قَبْلَهُ ، وَهُوَ إِمَّا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَإِمَّا إِلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=207مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ، أَوْ إِلَى كِلَيْهِمَا لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ يَنْتَظِرُونَ يَوْمَ الْجَزَاءِ ، فَأَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ يَنْتَظِرُهُ شَكًّا فِي الْوَعِيدِ بِالْعَذَابِ ، وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ يَنْتَظِرُهُ انْتِظَارَ الرَّاجِي لِلثَّوَابِ .
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=102فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَانْتِظَارُهُمْ أَيَّامَ الَّذِينَ خَلَوُا انْتِظَارُ تَوَقُّعِ سُوءٍ وَانْتِظَارُ النَّبِيءِ مَعَهُمُ انْتِظَارُ تَصْدِيقِ وَعِيدِهِ .
وَإِنْ كَانَ الْإِضْمَارُ جَارِيًا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=208ادْخُلُوا فِي السَّلْمِ وَمَا بَعْدَهُ ، أَوْ إِلَى الَّذِينَ زَلُّوا الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فَإِنْ زَلَلْتُمْ ، وَهُوَ حِينَئِذٍ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ ، إِمَّا لِمُجَرَّدِ تَجْدِيدِ نَشَاطِ السَّامِعِ إِنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ
[ ص: 282 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=208يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، وَإِمَّا لِزِيَادَةِ نُكْتَةِ إِبْعَادِ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فَإِنْ زَلَلْتُمْ عَنْ عِزِّ الْحُضُورِ ، قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ يَعْنِي التَّارِكِينَ الدُّخُولَ فِي السَّلْمِ ، وَقَالَ
الْفَخْرُ الضَّمِيرُ
لِلْيَهُودِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=208يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السَّلْمِ أَيْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبَعْضِ رُسُلِهِ وَكُتُبِهِ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَعَلَى أَنَّ السِّلْمَ أُرِيدَ بِهِ الْإِسْلَامُ ، وَنُكْتَةُ الِالْتِفَاتِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هِيَ هِيَ .
فَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِمَنْ يُعْجِبُكَ أَوْ لَهُ وَلِمَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ، فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ ، لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ الْعَجِيبَتَيْنِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ تُثِيرَانِ سُؤَالَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ جَزَاءِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ جَوَابًا لِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى الَّذِينَ آمَنُوا فَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ اسْتِئْنَافٌ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ خَشْيَةَ يَوْمِ الْجَزَاءِ أَوْ طَمَعًا فِي ثَوَابِهِ وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِلَّذِينَ زَلُّوا مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فَإِنْ زَلَلْتُمْ فَالْجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=49فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَإِنْ زَلَلْتُمْ فَاللَّهُ لَا يُفْلِتُكُمْ لِأَنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، وَعَدَمُ الْإِفْلَاتِ يَشْتَمِلُ عَلَى إِتْيَانِ أَمْرِ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى
الْيَهُودِ فَهُوَ تَوْبِيخٌ لَهُمْ عَلَى مُكَابَرَتِهِمْ عَنِ الِاعْتِرَافِ بِحَقِّيَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَعَلَى كُلِّ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي لَا تَتَنَافَى فَقَدْ جَاءَ نَظْمُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ نَظْمًا جَامِعًا لِلْمَحَامِلِ كُلِّهَا مِمَّا هُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ إِعْجَازِ هَذَا الْكَلَامِ الْمَجِيدِ الدَّالِّ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ .
وَحَرْفُ هَلْ مُفِيدٌ الِاسْتِفْهَامَ وَمُفِيدٌ التَّحْقِيقَ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ أَمْرٍ يُرَادُ تَحْقِيقُهُ ، فَلِذَلِكَ قَالَ أَئِمَّةُ الْمَعَانِي : إِنَّ " هَلْ " لِطَلَبِ تَحْصِيلِ نِسْبَةٍ حِكْمِيَّةٍ تَحْصُلُ فِي عِلْمِ الْمُسْتَفْهِمِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ : إِنَّ أَصْلَ " هَلْ " أَنَّهَا مُرَادِفَةُ " قَدْ " فِي الِاسْتِفْهَامِ خَاصَّةً ، يَعْنِي " قَدْ " الَّتِي لِلتَّحْقِيقِ وَإِنَّمَا اكْتَسَبَتْ إِفَادَةَ الِاسْتِفْهَامِ مِنْ تَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظُهُورُ الْهَمْزَةِ مَعَهَا فِي قَوْلِ
زَيْدِ الْخَيْلِ :
سَائِلْ فَوَارِسَ يَرْبُوعٍ بِشِدَّتِنَا أَهَلْ رَأَوْنَا بِسَفْحِ الْقَاعِ ذِي الْأَكَمِ
وَقَالَ فِي الْمُفَصَّلِ : وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنَّ " هَلْ " بِمَعْنَى " قَدْ " إِلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْأَلِفَ قَبْلَهَا; لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إِلَّا فِي الِاسْتِفْهَامِ اهـ . يَعْنِي أَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ الْتُزِمَ حَذْفُهَا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِمُلَازَمَةِ " هَلْ " لِلْوُقُوعِ فِي الِاسْتِفْهَامِ ، إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ " هَلْ " تَرِدُ بِمَعْنَى " قَدْ " مُجَرَّدَةً عَنِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّ مَوَارِدَهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَبِالْقُرْآنِ يُبْطِلُ ذَلِكَ وَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءِ nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى [ ص: 283 ] عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا تَفْسِيرَ الْمَعْنَى لَا تَفْسِيرَ الْإِعْرَابِ وَلَا نَعْرِفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اقْتِرَانَ " هَلْ " بِحَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ إِلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا يَنْهَضُ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ لِإِمْكَانِ تَخْرِيجِهِ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَرْفَيِ اسْتِفْهَامٍ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا يُؤَكِّدُ الْحَرْفَ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ كَقَوْلِ
مُسْلِمِ بْنِ مَعْبَدٍ الْوَالِبِيِّ :
فَلَا وَاللَّهِ لَا يُلْفَى لِمَا بِي وَلَا لِلِمَا بِهِمْ أَبَدًا دَوَاءُ
فَجَمَعَ بَيْنَ لَامَيْ جَرٍّ ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَإِنَّ " هَلْ " تَمَحَّضَتْ لِإِفَادَةِ الِاسْتِفْهَامِ فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِهَا ، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ .
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ لَا مَحَالَ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ ، فَالْكَلَامُ خَبَرٌ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ . وَالنَّظَرُ : الِانْتِظَارُ وَالتَّرَقُّبُ يُقَالُ نَظَرَهُ بِمَعْنَى تَرَقَّبَهُ ، لِأَنَّ الَّذِي يَتَرَقَّبُ أَحَدًا يُوَجِّهُ نَظَرَهُ إِلَى صَوْبِهِ لِيَرَى شَبَحَهُ عِنْدَمَا يَبْدُو ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا نَفِيَ النَّظَرِ الْبَصَرِيِّ أَيْ لَا يَنْظُرُونَ بِأَبْصَارِهِمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا إِتْيَانَ أَمْرِ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ ، لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ الْأَبْصَارَ تَنْظُرُ غَيْرَ ذَلِكَ ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ رُؤْيَتَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ لِشِدَّةِ هَوْلِ إِتْيَانِ أَمْرِ اللَّهِ ، فَيَكُونُ قَصْرًا ادِّعَائِيًّا ، أَوْ تُسْلَبُ أَبْصَارُهُمْ مِنَ النَّظَرِ لِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَهَذَا الْمُرَكَّبُ لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ مِنَ الْإِنْكَارِ بَلْ مُسْتَعْمَلٌ إِمَّا فِي التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى غَالِبِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الضَّمِيرِ ، وَإِمَّا الْوَعْدِ إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِمَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ، وَإِمَّا فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الْعِدَةُ بِظُهُورِ الْجَزَاءِ إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ ، وَإِمَّا التَّهَكُّمِ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُنَافِقِينَ
الْيَهُودَ أَوِ الْمُشْرِكِينَ ، فَأَمَّا
الْيَهُودُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ
لِمُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً .
وَيَجُوزُ هَذَا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنِ
الْيَهُودِ : أَيْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَيَدْخُلُونَ فِي السِّلْمِ حَتَّى يَرَوُا اللَّهَ تَعَالَى فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ .
وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَإِنَّهُمْ قَدْ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=90وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا - إِلَى قَوْلِهِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ، وَسَيَجِيءُ الْقَوْلُ مُشَبَّعًا فِي مَوْقِعِ هَذَا التَّرْكِيبِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
[ ص: 284 ] وَ ( الظُّلَلُ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ اسْمٌ جَمْعُ ظُلَّةٍ ، وَالظُّلَّةُ تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ وَالَّذِي تَلَخَّصَ لِي مِنْ حَقِيقَتِهَا فِي اللُّغَةِ أَنَّهَا اسْمٌ لِشِبْهِ صِفَةٍ مُرْتَفِعَةٍ فِي الْهَوَاءِ تَتَّصِلُ بِجِدَارٍ أَوْ تَرْتَكِزُ عَلَى أَعْمِدَةٍ يُجْلَسُ تَحْتَهَا لِتَوَقِّي شُعَاعِ الشَّمْسِ ، فَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنِ اسْمِ الظِّلِّ جُعِلَتْ عَلَى وَزْنِ فُعْلَةٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَوْ مَفْعُولٍ بِهَا مِثْلَ الْقُبْضَةِ بِضَمِّ الْقَافِ لِمَا يُقْبَضُ بِالْيَدِ ، وَالْغُرْفَةُ بِضَمِّ الْغَيْنِ لِمَا يُغْتَرَفُ بِالْيَدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غَرْفَةً بِيَدِهِ ) فِي قِرَاءَةِ بَعْضِ الْعَشَرَةِ بِضَمِّ الْغَيْنِ .
وَهِيَ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ أَوْ مُشَبَّهٌ بِهَا تَشْبِيهًا بَلِيغًا : السَّحَّابَاتُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي تُشْبِهُ كُلُّ سَحَابَةٍ مِنْهَا ظُلَّةَ الْقَصْرِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210مِنَ الْغَمَامِ بَيَانٌ لِلْمُشَبَّهِ وَهُوَ قَرِينَةُ الِاسْتِعَارَةِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=16لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ .
وَالْإِتْيَانُ حُضُورُ الذَّاتِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سَبَقَ حُصُولُهَا فِيهِ ، وَأُسْنِدَ الْإِتْيَانُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِثْبَاتِ فَاقْتَضَى ظَاهِرُهُ اتِّصَافَ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ ، وَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ يَسْتَلْزِمُ التَّنَقُّلَ أَوِ التَّمَدُّدَ لِيَكُونَ حَالًّا فِي مَكَانٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَتَّى يَصِحَّ الْإِتْيَانُ وَكَانَ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْجِسْمَ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ ، تَعَيَّنَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ ، فَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ خَبَرًا أَوْ تَهَكُّمًا فَلَا حَاجَةَ لِلتَّأْوِيلِ ، لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمْ ذَلِكَ مَدْفُوعٌ بِالْأَدِلَّةِ وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ وَعِيدًا مِنَ اللَّهِ لَزِمَ التَّأْوِيلَ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْجُودٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ كَالتَّنَقُّلِ وَالتَّمَدُّدِ لِمَا عَلِمْتَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ هَذَا عِنْدَنَا عَلَى أَصْلِ الْأَشْعَرِيِّ فِي تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ إِمَّا فِي مَعْنَى الْإِتْيَانِ أَوْ فِي إِسْنَادِهِ إِلَى اللَّهِ أَوْ بِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ مِنْ مُضَافٍ أَوْ مَفْعُولٍ ، وَإِلَى هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ تَرْجِعُ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُفَسِّرُونَ : الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ذَهَبَ سَلَفُ الْأُمَّةِ قَبْلَ حُدُوثِ تَشْكِيكَاتِ الْمَلَاحِدَةِ إِلَى إِقْرَارِ الصِّفَاتِ الْمُتَشَابِهَةِ دُونَ تَأْوِيلٍ فَالْإِتْيَانُ ثَابِتٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، لَكِنْ كَيْفَ فَهُوَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ كَالِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَالرُّؤْيَةِ أَيْ هُوَ إِتْيَانٌ لَا كَإِتْيَانِ الْحَوَادِثِ .
فَإِمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْخَلَفِ مِنْ أَئِمَّةِ
الْأَشْعَرِيَّةِ لِدَفْعِ مَطَاعِنِ الْمَلَاحِدَةِ فَتَجِيءُ وُجُوهٌ مِنْهَا : الْوَجْهُ الثَّانِي : أَقُولُ يَجُوزُ تَأْوِيلُ إِتْيَانِ اللَّهِ بِأَنَّهُ فِي التَّجَلِّي وَالِاعْتِنَاءِ إِذَا كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِمَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ، أَوْ بِأَنَّهُ مَجَازٌ فِي تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ التَّنْجِيزِيِّ بِإِظْهَارِ الْجَزَاءِ
[ ص: 285 ] إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ فِي الِاسْتِئْصَالِ يُقَالُ أَتَاهُمُ الْمَلِكُ إِذَا عَاقَبَهُمْ ، قَالَهُ
الْقُرْطُبِيُّ ، قُلْتُ وَذَلِكَ فِي كُلِّ إِتْيَانٍ مُضَافٍ إِلَى مُنْتَقِمٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ فَاتِحٍ كَمَا تَقُولُ : أَتَاهُمُ السَّبُعُ بِمَعْنَى أَهْلَكَهُمْ وَأَتَاهُمُ الْوَبَاءُ ؛ وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ أَتَى عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَهْلَكَهُ وَاسْتَأْصَلَهُ ، فَلَمَّا شَاعَ ذَلِكَ شَاعَ إِطْلَاقُ الْإِتْيَانِ عَلَى لَازِمِهِ وَهُوَ الْإِهْلَاكُ وَالِاسْتِئْصَالُ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا - وَقَالَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَلَيْسَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ بِمُنَافٍ لِهَذَا الْمَعْنَى ، لِأَنَّ ظُهُورَ أَمْرِ اللَّهِ وَحُدُوثَ تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ يَكُونُ مَحْفُوفًا بِذَلِكَ لِتَشْعُرَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ قَرِيبًا .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : إِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ : وَإِنَّمَا يَأْتِيهِمْ عَذَابُ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا وَكَوْنُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ زِيَادَةُ تَنْوِيهٍ بِذَلِكَ الْمَظْهَرِ وَوَقْعِهِ لَدَى النَّاظِرِينَ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : يَأْتِيهِمْ كَلَامُ اللَّهِ الدَّالُّ عَلَى الْأَمْرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْكَلَامُ مَسْمُوعًا مِنْ قِبَلِ ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ تَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنْ هُنَالِكَ مُضَافًا مُقَدَّرًا يَأْتِيهِمْ أَمْرُ اللَّهِ أَيْ قَضَاؤُهُ بَيْنَ الْخَلْقِ أَوْ يَأْتِيهِمْ بَأْسُ اللَّهِ بِدَلِيلِ نَظَائِرِهِ فِي الْقُرْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِتْيَانَ فِي هَذَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا فِي ظُهُورِ الْأَمْرِ .
الْوَجْهُ السَّادِسُ : حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ ، آيَاتُ اللَّهِ أَوْ بَيِّنَاتُهُ أَيْ دَلَائِلُ قُدْرَتِهِ أَوْ دَلَائِلُ صِدْقِ رُسُلِهِ وَيُبَعِّدُهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْوَجْهِ الْخَامِسِ أَوْ إِلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ .
الْوَجْهُ السَّابِعُ : أَنْ هُنَالِكَ مَعْمُولًا مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَالتَّقْدِيرُ : أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ أَوْ بِبَأْسِهِ .
وَالْأَحْسَنُ : تَقْدِيرُ أَمْرٍ عَامٍّ يَشْمَلُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ وَعْدًا وَوَعِيدًا .
وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ مَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ أَنَّ مَا يَجْرِي عَلَى اسْمِهِ تَعَالَى مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَحْكَامِ وَمَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَفْعَالِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ اتَّصَفَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَالْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ لَكِنْ بِمَا يُخَالِفُ الْمُتَعَارَفَ فِينَا ، وَقِسْمٌ اتَّصَفَ اللَّهُ بِلَازِمِ مَدْلُولِهِ وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ
[ ص: 286 ] الْمُتَبَادِرُ فِي الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ دُونَ الْمَلْزُومَاتِ مِثْلَ الرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ ، وَقِسْمٌ هُوَ مُتَشَابِهٌ وَتَأْوِيلُهُ ظَاهِرٌ ، وَقِسْمٌ مُتَشَابِهٌ شَدِيدُ التَّشَابُهِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ أَشَدُّ إِشْكَالًا مِنْ إِسْنَادِ الْإِتْيَانِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِضَائِهِ الظَّرْفِيَّةِ ، وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَأْوِيلُهُ إِمَّا بِأَنَّ ( فِي ) بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ ( يَأْتِيهِمْ بِظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ) وَهِيَ ظُلَلٌ تَحْمِلُ الْعَذَابَ مِنَ الصَّوَاعِقِ أَوِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ الْعَذَابُ دُنْيَوِيًّا ، أَوْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ تَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَذَابِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=44وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا رَأَى السَّحَابَ رُئِيَ فِي وَجْهِهِ الْخَوْفُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ ، أَوْ عَلَى كَلَامِهِ تَعَالَى ، أَوِ الْحَاجِبَةِ لِأَنْوَارٍ يَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَامَةً لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ابْتِدَاءِ فَصْلِ الْحِسَابِ يُدْرِكُ دَلَالَتَهَا أَهْلُ الْمَوْقِفِ وَبِالِانْكِشَافِ الْوِجْدَانِيِّ ، وَفِي تَفْسِيرِ
الْقُرْطُبِيِّ وَالْفَخْرِ قِيلَ : إِنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ : أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، فَالْغَمَامُ ظَرْفٌ لِإِتْيَانِ الْمَلَائِكَةِ ، وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَهَا كَذَلِكَ ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ ، فَأَمَّا عَلَى جَعْلِ ضَمِيرِ يَنْظُرُونَ مَقْصُودًا بِهِ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوِ
الْيَهُودِ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ تَهَكُّمًا أَيْ مَاذَا يَنْتَظِرُونَ فِي التَّبَاطُؤِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ ، مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي أَحْوَالٍ اعْتَقَدُوهَا فَيُكَلِّمُهُمْ لِيَدْخُلُوا فِي الدِّينِ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا
لِمُوسَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً وَاعْتَقَدُوا أَنَّ اللَّهَ فِي الْغَمَامِ ، أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ ، وَبَعْضُ التَّأْوِيلَاتِ تَقَدَّمَتْ مَعَ تَأْوِيلِ الْإِتْيَانِ .
وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ وَالْمَلَائِكَةُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ ، وَإِسْنَادِ الْإِتْيَانِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ أَوْ عَذَابِهِ وَهُمُ الْمُوكَّلُ إِلَيْهِمْ تَنْفِيذُ قَضَائِهِ ، فَإِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَيْهِمْ حَقِيقَةٌ فَإِنْ كَانَ الْإِتْيَانُ الْمُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَلَائِكَةِ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَهُوَ مِنَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ، وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَجَازًا فِي الْإِسْنَادِ فَإِسْنَادُهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ حَقِيقَةٌ فِي الْإِسْنَادِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ الْإِسْنَادِيَّ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ الْقَرِينَةِ ، قَالَ
حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ يَمْدَحُ
عَبْدَ الْمَلِكِ :
أَتَاكَ بِي اللَّهُ الَّذِي نَوَّرَ الْهُدَى وَنُورٌ وَإِسْلَامٌ عَلَيْكَ دَلِيلُ
فَأَسْنَدَ الْإِتْيَانَ بِهِ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ إِسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ ثُمَّ أَسْنَدَهُ بِالْعَطْفِ لِلنُّورِ وَالْإِسْلَامِ ، وَإِسْنَادُ
[ ص: 287 ] الْإِتْيَانِ بِهِ إِلَيْهِمَا مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُمَا : سَبَبُ الْإِتْيَانِ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ ( عَلَيْكَ دَلِيلٌ ) . وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ ( وَالْمَلَائِكَةِ ) بِجَرِّ ( الْمَلَائِكَةِ ) عَطْفٌ عَلَى ( ظُلَلٍ ) .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210وَقُضِيَ الْأَمْرُ إِمَّا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِنَّ كَانَتْ خَبَرًا عَنِ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ وَالْفِعْلُ الْمَاضِي هَنَا مُرَادٌ مِنْهُ الْمُسْتَقْبَلُ ، وَلَكِنَّهُ أَتَى فِيهِ بِالْمَاضِي تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ أَوْ قُرْبِ وُقُوعِهِ ، وَالْمَعْنَى مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَسَوْفَ يُقْضَى الْأَمْرُ ، وَإِمَّا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ هَلْ يَنْظُرُونَ وَعِيدًا أَوْ وَعْدًا وَالْفِعْلُ كَذَلِكَ لِلِاسْتِقْبَالِ ، وَالْمَعْنَى مَا يَتَرَقَّبُونَ إِلَّا مَجِيءَ أَمْرِ اللَّهِ وَقَضَاءِ الْأَمْرِ .
وَإِمَّا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالْمَاضِي عَلَى أَصْلِهِ وَحُذِفَتْ " قَدْ " ، سَوَاءٌ كَانَتْ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ خَبَرًا أَوْ وَعْدًا وَوَعِيدًا ; أَيْ وَحِينَئِذٍ قَدْ قُضِيَ الْأَمْرُ ، وَإِمَّا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يَنْتَظِرُونَ لِتَصْدِيقِ
مُحَمَّدٍ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِنْ وَقَعَ يَكُونُ قَدْ قُضِيَ الْأَمْرُ أَيْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْهَلَاكُ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ . وَالْقَضَاءُ : الْفَرَاغُ وَالْإِتْمَامُ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْرِ إِمَّا لِلْجِنْسِ مُرَادًا مِنْهُ الِاسْتِغْرَاقُ أَيْ قُضِيَتِ الْأُمُورُ كُلُّهَا ، وَإِمَّا لِلْعَهْدِ أَيْ أَمْرُ هَؤُلَاءِ أَيْ عِقَابُهُمْ أَوِ الْأَمْرُ الْمَعْهُودُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ وَهُوَ الْجَزَاءُ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ تَذْيِيلٌ جَامِعٌ لِمَعْنَى : وَقُضِيَ الْأَمْرُ . وَالرُّجُوعُ فِي الْأَصْلِ : الْمَآبُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ الرَّاجِعُ ، وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي نِهَايَةِ الشَّيْءِ وَغَايَتِهِ وَظُهُورِ أَثَرِهِ ، فَمِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ
وَيَجِيءُ فِعْلُ " رَجَعَ " مُتَعَدِّيًا : تَقُولُ رَجَعْتُ زَيْدًا إِلَى بَلَدِهِ وَمَصْدَرُهُ الرَّجْعُ ، وَيُسْتَعْمَلُ رَجَعَ قَاصِرًا تَقُولُ : رَجَعَ زَيْدٌ إِلَى بَلَدِهِ وَمَصْدَرُهُ الرُّجُوعُ ، وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ ( تُرْجَعُ ) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ أَرْجَعَهُ أَوْ مُضَارِعُ رَجَعَهُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُرْجِعُ الْأُمُورَ رَاجِعُهَا إِلَى اللَّهِ ، وَحُذِفَ الْفَاعِلُ عَلَى هَذَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ فَاعِلٍ عُرْفِيٍّ لِهَذَا الرَّجْعِ ، أَوْ حُذِفَ لِدَفْعِ مَا يَبْدُو مِنَ التَّنَافِي بَيْنَ كَوْنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فَاعِلًا لِلرُّجُوعِ وَمَفْعُولًا لَهُ بِحَرْفِ إِلَى ، وَقَرَأَهُ بَاقِي الْعَشَرَةِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مِنْ رَجَعَ الَّذِي مَصْدَرُهُ الرُّجُوعُ فَالْأُمُورُ فَاعِلُ " تَرْجِعُ " .