nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76nindex.php?page=treesubj&link=28987_28902وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم
هذا تمثيل ثان للحالتين بحالتين باختلاف وجه الشبه ، فاعتبر هنا المعنى الحاصل من حال الأبكم ، وهو العجز عن الإدراك ، وعن العمل ، وتعذر الفائدة منه في سائر أحواله . والمعنى الحاصل من حال الرجل الكامل العقل والنطق في إدراكه الخير وهديه إليه وإتقان عمله وعمل من يهديه ضربه الله مثلا لكماله وإرشاده الناس إلى الحق ، ومثلا للأصنام الجامدة التي لا تنفع ولا تضر .
وقد قرن في التمثيل هنا حال الرجلين ابتداء ، ثم فصل في آخر الكلام مع ذكر عدم التسوية بينهما بأسلوب من نظم الكلام بديع الإيجاز ، إذ حذف من صدر التمثيل ذكر الرجل الثاني للاقتصار على ذكره في استنتاج عدم التسوية تفننا في المخالفة بين أسلوب هذا التمثيل ، وأسلوب سابقه الذي في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ، ومثل هذا التفنن من مقاصد البلغاء كراهية للتكرير ; لأن تكرير الأسلوب بمنزلة تكرير الألفاظ .
والأبكم : الموصوف بالبكم بفتح الباء والكاف ، وهو الخرس في أصل الخلقة من وقت الولادة ، بحيث لا يفهم ، ولا يفهم . وزيد في وصفه أنه زمن لا يقدر على شيء ، وتقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صم بكم عمي في أول سورة البقرة .
[ ص: 228 ] والكل : بفتح الكاف العالة على الناس ، وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342029من ترك كلا فعلينا . أي من ترك عيالا فنحن نكفلهم ، وأصل الكل : الثقل ، ونشأت عنه معان مجازية اشتهرت فساوت الحقيقة .
والمولى : الذي يلي أمر غيره ، والمعنى : هو عالة على كافله لا يدبر أمر نفسه ، وتقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=150بل الله مولاكم في سورة آل عمران ، وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=30وردوا إلى الله مولاهم الحق في سورة يونس .
ثم زاد وصفه بقلة الجدوى بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76أينما يوجهه . أي مولاه في عمل ليعمله أو يأتي به
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76لا يأت بخير ، أي لا يهتدي إلى ما وجه إليه ; لأن الخير هو ما فيه تحصيل الغرض من الفعل ونفعه .
ودلت صلة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76يأمر بالعدل على أنه حكيم عالم بالحقائق ناصح للناس يأمرهم بالعدل ; لأنه لا يأمر بذلك إلا وقد علمه وتبصر فيه .
والعدل : الحق والصواب الموافق للواقع .
والصراط المستقيم : المحجة التي لا التواء فيها ، وأطلق هنا على العمل الصالح ; لأن العمل يشبه بالسيرة والسلوك ، فإذا كان صالحا كان كالسلوك في طريق موصلة للمقصود واضحة فهو لا يستوي مع من لا يعرف هدى ، ولا يستطيع إرشادا ، بل هو محتاج إلى من يكفله .
فالأول مثل الأصنام الجامدة التي لا تفقه ، وهي محتاجة إلى من يحرسها وينفض عنها الغبار والوسخ ، والثاني مثل لكماله تعالى في ذاته وإفاضته الخير على عباده .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76nindex.php?page=treesubj&link=28987_28902وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهْوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهْوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
هَذَا تَمْثِيلٌ ثَانٍ لِلْحَالَتَيْنِ بِحَالَتَيْنِ بِاخْتِلَافِ وَجْهِ الشَّبَهِ ، فَاعْتُبِرَ هُنَا الْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنْ حَالِ الْأَبْكَمِ ، وَهُوَ الْعَجْزُ عَنِ الْإِدْرَاكِ ، وَعَنِ الْعَمَلِ ، وَتَعَذُّرُ الْفَائِدَةِ مِنْهُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ . وَالْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ الْكَامِلِ الْعَقْلِ وَالنُّطْقِ فِي إِدْرَاكِهِ الْخَيْرَ وَهَدْيِهِ إِلَيْهِ وَإِتْقَانِ عَمَلِهِ وَعَمَلِ مَنْ يَهْدِيهِ ضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا لِكَمَالِهِ وَإِرْشَادِهِ النَّاسَ إِلَى الْحَقِّ ، وَمَثَلًا لِلْأَصْنَامِ الْجَامِدَةَ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ .
وَقَدْ قَرَنَ فِي التَّمْثِيلِ هُنَا حَالَ الرَّجُلَيْنِ ابْتِدَاءً ، ثُمَّ فَصَّلَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ مَعَ ذِكْرِ عَدَمِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا بِأُسْلُوبٍ مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ بَدِيعِ الْإِيجَازِ ، إِذْ حَذَفَ مَنْ صَدْرِ التَّمْثِيلِ ذِكْرَ الرَّجُلِ الثَّانِي لِلِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِهِ فِي اسْتِنْتَاجِ عَدَمِ التَّسْوِيَةِ تَفَنُّنًا فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ أُسْلُوبِ هَذَا التَّمْثِيلِ ، وَأُسْلُوبِ سَابِقِهِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا ، وَمِثْلُ هَذَا التَّفَنُّنِ مِنْ مَقَاصِدِ الْبُلَغَاءِ كَرَاهِيَةً لِلتَّكْرِيرِ ; لِأَنَّ تَكْرِيرَ الْأُسْلُوبِ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْأَلْفَاظِ .
وَالْأَبْكَمُ : الْمَوْصُوفُ بِالْبَكَمِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْكَافِ ، وَهُوَ الْخَرَسُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ ، بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ ، وَلَا يُفْهِمُ . وَزِيدَ فِي وَصْفِهِ أَنَّهُ زَمِنٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
[ ص: 228 ] وَالْكَلُّ : بِفَتْحِ الْكَافِ الْعَالَةُ عَلَى النَّاسِ ، وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342029مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَعَلَيْنَا . أَيْ مَنْ تَرَكَ عِيَالًا فَنَحْنُ نَكْفُلُهُمْ ، وَأَصْلُ الْكَلِّ : الثِّقَلُ ، وَنَشَأَتْ عَنْهُ مَعَانٍ مَجَازِيَّةٌ اشْتُهِرَتْ فَسَاوَتِ الْحَقِيقَةَ .
وَالْمَوْلَى : الَّذِي يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ ، وَالْمَعْنَى : هُوَ عَالَةٌ عَلَى كَافِلِهِ لَا يُدَبِّرُ أَمْرَ نَفْسِهِ ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=150بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=30وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ فِي سُورَةِ يُونُسَ .
ثُمَّ زَادَ وَصْفُهُ بِقِلَّةِ الْجَدْوَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ . أَيْ مَوْلَاهُ فِي عَمَلٍ لِيَعْمَلَهُ أَوْ يَأْتِيَ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ، أَيْ لَا يَهْتَدِي إِلَى مَا وُجِّهَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْخَيْرَ هُوَ مَا فِيهِ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ مِنَ الْفِعْلِ وَنَفْعِهِ .
وَدَلَّتْ صِلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ عَلَى أَنَّهُ حَكِيمٌ عَالِمٌ بِالْحَقَائِقِ نَاصِحٌ لِلنَّاسِ يَأْمُرُهُمْ بِالْعَدْلِ ; لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَهُ وَتَبَصَّرَ فِيهِ .
وَالْعَدْلُ : الْحَقُّ وَالصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلْوَاقِعِ .
وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ : الْمَحَجَّةُ الَّتِي لَا الْتِوَاءَ فِيهَا ، وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ يُشَبَّهُ بِالسِّيرَةِ وَالسُّلُوكِ ، فَإِذَا كَانَ صَالِحًا كَانَ كَالسُّلُوكِ فِي طَرِيقٍ مُوصِلَةٍ لِلْمَقْصُودِ وَاضِحَةٍ فَهُوَ لَا يَسْتَوِي مَعَ مَنْ لَا يَعْرِفُ هُدًى ، وَلَا يَسْتَطِيعُ إِرْشَادًا ، بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهُ .
فَالْأَوَّلُ مِثْلُ الْأَصْنَامِ الْجَامِدَةِ الَّتِي لَا تَفْقَهُ ، وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى مَنْ يَحْرُسُهَا وَيَنْفُضُ عَنْهَا الْغُبَارَ وَالْوَسَخَ ، وَالثَّانِي مَثَلٌ لِكَمَالِهِ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَإِفَاضَتِهِ الْخَيْرَ عَلَى عِبَادِهِ .