nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72nindex.php?page=treesubj&link=28987_29485والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون
عطف على التي قبلها ، وهو استدلال ببديع الصنع في خلق النسل إذ جعل مقارنا للتأنس بين الزوجين ، إذ جعل النسل منهما ، ولم يجعله مفارقا لأحد الأبوين أو كليهما .
وجعل النسل معروفا متصلا بأصوله بما ألهمه الإنسان من داعية حفظ النسب ، فهي من الآيات على انفراده تعالى بالوحدانية ، كما قال تعالى في سورة الروم
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ، فجعلها آية تنطوي على آيات ، ويتضمن ذلك الصنع نعما كثيرة ، كما أشار إليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وبنعمة الله هم يكفرون .
والقول في جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72والله جعل لكم كالقول في نظيرتيها المتقدمتين ، واللام في
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72جعل لكم لتعدية فعل ( جعل ) إلى ثان .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72من أنفسكم من نوعكم ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم أي على الناس الذين بالبيوت ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164رسولا من أنفسهم ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم .
[ ص: 218 ] والخطاب بضمير الجماعة المخاطبين موجه إلى الناس كلهم ، وغلب ضمير التذكير .
وهذه نعمة إذ جعل قرين الإنسان متكونا من نوعه ، ولو لم يجعل له ذلك لاضطر الإنسان إلى طلب التأنس بنوع آخر فلم يحصل التأنس بذلك للزوجين ، وهذه الحالة - وإن كانت موجودة في أغلب أنواع الحيوان - فهي نعمة يدركها الإنسان ، ولا يدركها غيره من الأنواع ، وليس من قوام ماهية النعمة أن ينفرد بها المنعم عليه .
والأزواج : جمع زوج ، وهو الشيء الذي يصير مع شيء آخر اثنين ، فلذا وصف بزوج المرادف لثان ، وقد مضى الكلام عليه في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35اسكن أنت وزوجك الجنة في سورة البقرة .
والوصف بالزوج يؤذن بملازمته لآخر ، فلذا سمي بالزوج قرين المرأة وقرينة الرجل ، وهذه
nindex.php?page=treesubj&link=28661_29485_10799نعمة اختص بها الإنسان إذ ألهمه الله جعل قرين له ، وجبله على نظام محبة وغيره ، لا يسمحان له بإهمال زوجه كما تهمل العجماوات إناثها ، وتنصرف إناثها عن ذكورها .
و ( من ) الداخلة على ( أنفسكم ) للتبعيض .
وجعل البنين للإنسان نعمة ، وجعل كونهم من زوجة نعمة أخرى ; لأن بها تحقق كونهم أبناءه بالنسبة للذكر ، ودوام اتصالهم به بالنسبة ، ووجود المشارك له في القيام بتدبير أمرهم في حالة ضعفهم .
و ( من ) الداخلة على ( أزواجكم ) للابتداء ، أي جعل لكم بنين منحدرين من أزواجكم .
والحفدة : جمع حافد ، مثل كملة جمع كامل ، والحافد أصله المسرع في الخدمة ، وأطلق على ابن الابن ; لأنه يكثر أن يخدم جده لضعف الجد بسبب الكبر ، فأنعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها ،
[ ص: 219 ] وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم ، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع ، وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلا ، ولا يشعر بالبنوة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبة من الإرضاع ، والحفدة للإنسان زيادة في مسرة العائلة ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، وقد عملت ( من ) الابتدائية في ( حفدة ) بواسطة حرف العطف ; لأن الابتداء يكون مباشرة وبواسطة .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72ورزقكم من الطيبات معطوفة على جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) وما بعدها ، لمناسبة ما في الجمل المعطوف عليها من تضمن المنة بنعمة أفراد العائلة ، فإن مكملاتها واسعة الرزق ، كما قال تعالى في آل عمران
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة الآية .
وقال
طرفة :
فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي بنون كرام سـادة لـمـسـود
فالمال والعائلة لا يروق أحدهما بدون الآخر .
ثم الرزق يجوز أن يكون مرادا منه المال كما في قوله تعالى في قصة
قارون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=82وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ، وهذا هو الظاهر وهو الموافق لما في الآية المذكورة آنفا ، ويجوز أن يكون المراد منه إعطاء المأكولات الطيبة ، كما في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37وجد عندها رزقا .
و ( من ) تبعيضية .
والطيبات : صفة لموصوف محذوف دل عليه فعل ( رزقكم ) ، أي الأرزاق الطيبات ، والتأنيث لأجل الجمع ، والطيب : فيعل صفة مبالغة في الوصف بالطيب ، والطيب : أصله النزاهة وحسن الرائحة ، ثم استعمل في الملائم الخالص من النكد ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فلنحيينه حياة طيبة ، واستعمل في الصالح من نوعه
[ ص: 220 ] كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=58والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ، في سورة الأعراف ، ومنه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الذين تتوفاهم الملائكة طيبين وقد تقدم آنفا .
فالطيبات هنا الأرزاق الواسعة المحبوبة كما ذكر في الآية في سورة آل عمران ، أو المطعومات والمشروبات اللذيذة الصالحة ، وقد تقدم ذكر الطيبات عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5اليوم أحل لكم الطيبات في سورة العقود ، وذكر الطيب في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=168كلوا مما في الأرض حلالا طيبا في سورة البقرة .
وفرع على هذه الحجة والمنة استفهام توبيخ على إيمانهم بالباطل البين ، فتفريع التوبيخ عليه واضح الاتجاه .
والباطل : ضد الحق ; لأن ما لا يخلق لا يعبد بحق ، وتقديم المجرور في قوله تعالى ( بالباطل ) على متعلقه للاهتمام بالتعريف بباطلهم .
والالتفات عن الخطاب السابق إلى الغيبية في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72أفبالباطل يؤمنون يجري الكلام فيه على نحو ما تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أفبنعمة الله يجحدون .
nindex.php?page=treesubj&link=28987_32409_30549وقوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وبنعمة الله هم يكفرون عطف على جملة التوبيخ ، وهو توبيخ متوجه على ما تضمنه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا إلى قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72ورزقكم من الطيبات من الامتنان بذلك الخلق والرزق بعد كونهما دليلا على انفراد الله بالإلهية .
وتقديم المجرور في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وبنعمة الله هم يكفرون على عامله للاهتمام .
وضمير الغيبة في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72هم يكفرون ضمير فصل ; لتأكيد الحكم بكفرانهم النعمة ; لأن كفران النعمة أخفى من الإيمان بالباطل ; لأن الكفران يتعلق بحالات القلب ، فاجتمع في الجملة تأكيدان : التأكيد الذي أفاده التقديم ، والتأكيد الذي أفاده ضمير الفصل .
[ ص: 221 ] والإتيان بالمضارع في ( يؤمنون ) و ( يكفرون ) للدلالة على التجدد والتكرير .
وفي الجمع بين يؤمنون و ( يكفرون ) محسن بديع الطباق .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72nindex.php?page=treesubj&link=28987_29485وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ
عَطْفٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِبَدِيعِ الصُّنْعِ فِي خَلْقِ النَّسْلِ إِذْ جُعِلَ مُقَارَنًا لِلتَّأَنُّسِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، إِذْ جَعَلَ النَّسْلَ مِنْهُمَا ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُفَارِقًا لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا .
وَجَعَلَ النَّسْلَ مَعْرُوفًا مُتَّصِلًا بِأُصُولِهِ بِمَا أُلْهِمَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ دَاعِيَةِ حِفْظِ النَّسَبِ ، فَهِيَ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرُّومِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، فَجَعَلَهَا آيَةً تَنْطَوِي عَلَى آيَاتٍ ، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الصُّنْعُ نِعَمًا كَثِيرَةً ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ .
وَالْقَوْلُ فِي جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرَتَيْهَا الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ ، وَاللَّامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72جَعَلَ لَكُمْ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ ( جَعَلَ ) إِلَى ثَانٍ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72مِنْ أَنْفُسِكُمْ مِنْ نَوْعِكُمْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَيْ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ بِالْبُيُوتِ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ .
[ ص: 218 ] وَالْخِطَابُ بِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ الْمُخَاطَبِينَ مُوَجَّهٌ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ، وَغَلَبَ ضَمِيرُ التَّذْكِيرِ .
وَهَذِهِ نِعْمَةٌ إِذْ جَعَلَ قَرِينَ الْإِنْسَانِ مُتَكَوِّنًا مِنْ نَوْعِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ لَاضْطُرَّ الْإِنْسَانُ إِلَى طَلَبِ التَّأَنُّسِ بِنَوْعٍ آخَرَ فَلَمْ يَحْصُلِ التَّأَنُّسُ بِذَلِكَ لِلزَّوْجَيْنِ ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ - وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي أَغْلَبِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ - فَهِيَ نِعْمَةٌ يُدْرِكُهَا الْإِنْسَانُ ، وَلَا يُدْرِكُهَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْوَاعِ ، وَلَيْسَ مِنْ قِوَامِ مَاهِيَّةِ النِّعْمَةِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ .
وَالْأَزْوَاجُ : جَمْعُ زَوْجٍ ، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَصِيرُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ اثْنَيْنِ ، فَلِذَا وُصِفَ بِزَوْجٍ الْمُرَادِفُ لِثَانٍ ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالْوَصْفُ بِالزَّوْجِ يُؤْذِنُ بِمُلَازَمَتِهِ لِآخَرَ ، فَلِذَا سُمِّيَ بِالزَّوْجِ قَرِينُ الْمَرْأَةِ وَقَرِينَةُ الرَّجُلِ ، وَهَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28661_29485_10799نِعْمَةٌ اخْتُصَّ بِهَا الْإِنْسَانُ إِذْ أَلْهَمَهُ اللَّهُ جَعْلَ قَرِينٍ لَهُ ، وَجَبَلَهُ عَلَى نِظَامِ مَحَبَّةٍ وَغَيْرِهِ ، لَا يَسْمَحَانِ لَهُ بِإِهْمَالِ زَوْجِهِ كَمَا تُهْمِلُ الْعَجْمَاوَاتُ إِنَاثَهَا ، وَتَنْصَرِفُ إِنَاثُهَا عَنْ ذُكُورِهَا .
وَ ( مِنْ ) الدَّاخِلَةُ عَلَى ( أَنْفُسِكُمْ ) لِلتَّبْعِيضِ .
وَجَعَلَ الْبَنِينَ لِلْإِنْسَانِ نِعْمَةً ، وَجَعَلَ كَوْنَهُمْ مِنْ زَوْجَةٍ نِعْمَةً أُخْرَى ; لِأَنَّ بِهَا تَحَقُّقَ كَوْنِهِمْ أَبْنَاءَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ ، وَدَوَامَ اتِّصَالِهِمْ بِهِ بِالنِّسْبَةِ ، وَوُجُودَ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْقِيَامِ بِتَدْبِيرِ أَمْرِهِمْ فِي حَالَةِ ضَعْفِهِمْ .
وَ ( مِنْ ) الدَّاخِلَةُ عَلَى ( أَزْوَاجِكُمْ ) لِلِابْتِدَاءِ ، أَيْ جَعَلَ لَكُمْ بَنِينَ مُنْحَدِرِينَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ .
وَالْحَفَدَةُ : جَمْعُ حَافِدٍ ، مِثْلُ كَمَلَةٍ جَمْعُ كَامِلٍ ، وَالْحَافِدُ أَصْلُهُ الْمُسْرِعُ فِي الْخِدْمَةِ ، وَأُطْلِقَ عَلَى ابْنِ الِابْنِ ; لِأَنَّهُ يَكْثُرُ أَنْ يَخْدِمَ جَدَّهُ لِضَعْفِ الْجَدِّ بِسَبَبِ الْكِبَرِ ، فَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِحِفْظِ سِلْسِلَةِ نَسَبِهِ بِسَبَبِ ضَبْطِ الْحَلْقَةِ الْأُولَى مِنْهَا ،
[ ص: 219 ] وَهِيَ كَوْنُ أَبْنَائِهِ مِنْ زَوْجِهِ ثُمَّ كَوْنُ أَبْنَاءِ أَبْنَائِهِ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ ، فَانْضَبَطَتْ سِلْسِلَةُ الْأَنْسَابِ بِهَذَا النِّظَامِ الْمُحْكَمِ الْبَدِيعِ ، وَغَيْرُ الْإِنْسَانِ مِنَ الْحَيَوَانِ لَا يَشْعُرُ بِحَفَدَتِهِ أَصْلًا ، وَلَا يَشْعُرُ بِالْبُنُوَّةِ إِلَّا أُنْثَى الْحَيَوَانِ مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً مِنَ الْإِرْضَاعِ ، وَالْحَفَدَةُ لِلْإِنْسَانِ زِيَادَةٌ فِي مَسَرَّةِ الْعَائِلَةِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ، وَقَدْ عَمِلَتْ ( مِنْ ) الِابْتِدَائِيَّةُ فِي ( حَفَدَةً ) بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ ; لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ يَكُونُ مُبَاشَرَةً وَبِوَاسِطَةٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) وَمَا بَعْدَهَا ، لِمُنَاسَبَةِ مَا فِي الْجُمَلِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا مِنْ تَضَمُّنِ الْمِنَّةِ بِنِعْمَةِ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ ، فَإِنَّ مُكَمِّلَاتِهَا وَاسِعَةُ الرِّزْقِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آلِ عِمْرَانَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْآيَةَ .
وَقَالَ
طَرَفَةُ :
فَأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَطَافَ بِي بَنُونَ كِرَامٌ سَـادَةٌ لِـمَـسُـودِ
فَالْمَالُ وَالْعَائِلَةُ لَا يَرُوقُ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ .
ثُمَّ الرِّزْقُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْهُ الْمَالُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ
قَارُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=82وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِعْطَاءَ الْمَأْكُولَاتِ الطَّيِّبَةِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا .
وَ ( مِنْ ) تَبْعِيضِيَّةٌ .
وَالطَّيِّبَاتُ : صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ ( رَزَقَكُمْ ) ، أَيِ الْأَرْزَاقَ الطَّيِّبَاتِ ، وَالتَّأْنِيثُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ ، وَالطَّيِّبُ : فَيْعِلُ صِفَةُ مُبَالَغَةٍ فِي الْوَصْفِ بِالطَّيِّبِ ، وَالطَّيِّبُ : أَصْلُهُ النَّزَاهَةُ وَحُسْنُ الرَّائِحَةِ ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمُلَائِمِ الْخَالِصِ مِنَ النَّكَدِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ، وَاسْتُعْمِلَ فِي الصَّالِحِ مِنْ نَوْعِهِ
[ ص: 220 ] كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=58وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ، فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا .
فَالطَّيِّبَاتُ هُنَا الْأَرْزَاقُ الْوَاسِعَةُ الْمَحْبُوبَةُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، أَوِ الْمَطْعُومَاتُ وَالْمَشْرُوبَاتُ اللَّذِيذَةُ الصَّالِحَةُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الطَّيِّبَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ ، وَذُكِرَ الطَّيِّبُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=168كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَفُرِّعَ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ وَالْمِنَّةِ اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِالْبَاطِلِ الْبَيِّنِ ، فَتَفْرِيعُ التَّوْبِيخِ عَلَيْهِ وَاضِحُ الِاتِّجَاهِ .
وَالْبَاطِلُ : ضِدُّ الْحَقِّ ; لِأَنَّ مَا لَا يَخْلُقُ لَا يُعْبَدُ بِحَقٍّ ، وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( بِالْبَاطِلِ ) عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّعْرِيفِ بِبَاطِلِهِمْ .
وَالِالْتِفَاتُ عَنِ الْخِطَابِ السَّابِقِ إِلَى الْغَيْبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ يَجْرِي الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28987_32409_30549وَقَوْلُهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ التَّوْبِيخِ ، وَهُوَ تَوْبِيخٌ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ مِنْ الِامْتِنَانِ بِذَلِكَ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ بَعْدَ كَوْنِهِمَا دَلِيلًا عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ .
وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72هُمْ يَكْفُرُونَ ضَمِيرُ فَصْلٍ ; لِتَأْكِيدِ الْحُكْمِ بِكُفْرَانِهِمُ النِّعْمَةَ ; لِأَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ أَخْفَى مِنَ الْإِيمَانِ بِالْبَاطِلِ ; لِأَنَّ الْكُفْرَانَ يَتَعَلَّقُ بِحَالَاتِ الْقَلْبِ ، فَاجْتَمَعَ فِي الْجُمْلَةِ تَأْكِيدَانِ : التَّأْكِيدُ الَّذِي أَفَادَهُ التَّقْدِيمُ ، وَالتَّأْكِيدُ الَّذِي أَفَادَهُ ضَمِيرُ الْفَصْلِ .
[ ص: 221 ] وَالْإِتْيَانُ بِالْمُضَارِعِ فِي ( يُؤْمِنُونَ ) وَ ( يَكْفُرُونَ ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالتَّكْرِيرِ .
وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ يُؤْمِنُونَ وَ ( يَكْفُرُونَ ) مُحَسِّنٌ بَدِيعٌ الطِّبَاقُ .