[ ص: 201 ] nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28985_31791_19650_30554قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون
قول الرسل
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11إن نحن إلا بشر مثلكم جواب بطريق القول بالموجب في علم آداب البحث ، وهو تسليم الدليل مع بقاء الأنواع ببيان محل الاستدلال غير تام الإنتاج ، وفيه إطماع في الموافقة ، ثم كر على استدلالهم المقصود بالإبطال بتبيين خطئهم . ونظيره قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون .
وهذا النوع من القوادح في علم الجدل شديد الوقع على المناظر ، فليس قول الرسل
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11إن نحن إلا بشر مثلكم تقريرا للدليل ، ولكنه تمهيد لبيان غلط المستدل في الاستنتاج من دليله ، ومحل البيان هو الاستدراك في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ، والمعنى : أن المماثلة في البشرية لا تقتضي المماثلة في زائد عليها فالبشر كلهم عباد الله والله يمن على من يشاء من عباده بنعم لم يعطها غيرهم .
فالاستدراك رفع لما توهموه من كون المماثلة في البشرية مقتضى الاستواء في كل خصلة .
وأورد الشيخ
محمد بن عرفة في التفسير وجها للتفرقة بين هذه الآية إذ زيد فيها كلمة ( لهم ) في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11قالت لهم رسلهم وبين الآية التي قبلها إذ قال فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10قالت رسلهم بوجهين :
[ ص: 202 ] أحدهما : أن هذه المقالة خاصة بالمكذبين من قومهم يقولونها لغيرهم إذ هو جواب عن كلام صدر منهم والمقالة الأولى يقولونها لهم ولغيرهم ، أي : للمصدقين والمكذبين .
وثانيهما : أن وجود الله أمر نظري ، فكان كلام الرسل في شأنه خطابا لعموم قومهم ، وأما بعثة الرسل فهي أمر ضروري ظاهر لا يحتاج إلى نظر ، فكأنه قال : ما قالوا هذا إلا للمكذبين لغباوتهم وجهلهم لا لغيرهم .
وأجاب الأبي أن
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10أفي الله شك خطاب لمن عاند في أمر ضروري ، فكأن المجيب عن ذلك يجيب به من حيث الجملة ولا يقبل بالجواب على المخاطب لمعاندته فيجيب وهو معرض عنه بخلاف قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11إن نحن إلا بشر مثلكم فإنه تقرير لمقالتهم فهم يقبلون عليهم بالجواب ; لأنهم لم يبطلوا كلامهم بالإطلاق بل يقررونه ويزيدون فيه اهـ .
والحاصل أن زيادة " لهم " تؤذن بالدلالة على توجه الرسل إلى قومهم بالجواب لما في الجواب عن كلامهم من الدقة المحتاجة إلى الاهتمام بالجواب بالإقبال عليهم إذ اللام الداخلة بعد فعل القول في نحو : أقول لك ، لام تعليل ، أي : أقول قولي لأجلك ، ثم عطفوا على ذلك تبيين أن ما سأله القوم من الإتيان بسلطان مبين ليس ذلك إليهم ولكنه بمشيئة الله وليس الله بمكره على إجابة من يتحداه .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11وعلى الله فليتوكل المؤمنون أمر لمن آمن من قومهم بالتوكل على الله ، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا لأنهم أول المؤمنين بقرينة قولهم المؤمنون
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا إلى آخره .
ولما كان حصول إذن الله تعالى بتأييد الرسل بالحجة المسؤولة غير معلوم الميقات ولا متعين الوقوع وكانت مدة ترقب ذلك مظنة لتكذيب
[ ص: 203 ] الذين كفروا رسلهم تكذيبا قاطعا وتوقع الرسل أذاة قومهم إياهم شأن القاطع بكذب من زعم أنه مرسل من الله ; ولأنهم قد بدءوهم بالأذى كما دل عليه قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12ولنصبرن على ما آذيتمونا . أظهر الرسل لقومهم أنهم غير غافلين عن ذلك وأنهم يتلقون ما عسى أن يواجههم به المكذبون من أذى بتوكلهم على الله هم ومن آمن معهم ; فابتدءوا بأن أمروا المؤمنين بالتوكل تذكيرا لهم لئلا يتعرض إيمانهم إلى زعزعة الشك حرصا على ثبات المؤمنين ، كقول النبيء - صلى الله عليه وسلم -
لعمر رضي الله عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342001أفي شك أنت يا بن الخطاب ، وفي ذلك الأمر إيذان بأنهم لا يعبئون بما يضمره لهم الكافرون من الأذى ، كقول السحرة
لفرعون حين آمنوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون .
وتقديم المجرور في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11وعلى الله فليتوكل المؤمنون مؤذن بالحصر وأنهم لا يرجون نصرا من غير الله تعالى لضعفهم وقلة ناصرهم ، وفيه إيماء إلى أنهم واثقون بنصر الله . والجملة معطوفة بالواو عطف الإنشاء على الخبر .
والفاء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11فليتوكل المؤمنون رابطة لجملة فليتوكل المؤمنون بما أفاده تقديم المجرور من معنى الشرط الذي يدل عليه المقام ، والتقدير : إن عجبتم من قلة اكتراثنا بتكذيبكم أيها الكافرون ، وإن خشيتم هؤلاء المكذبين أيها المؤمنون ، فليتوكل المؤمنون على الله ، فإنهم لن يضيرهم عدوهم ، وهذا كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين كما تقدم في سورة العقود .
nindex.php?page=treesubj&link=19648والتوكل : الاعتماد وتفويض التدبير إلى الغير ثقة بأنه أعلم بما يصلح ، فالتوكل على الله تحقق أنه أعلم بما ينفع أولياءه من خير الدنيا والآخرة ، وقد تقدم الكلام على التوكل عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فإذا عزمت فتوكل على الله في سورة آل عمران .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وما لنا ألا نتوكل على الله استدلال على صدق رأيهم في تفويض
[ ص: 204 ] أمرهم إلى الله ; لأنهم رأوا بوارق عنايته بهم إذ هداهم إلى طرائق النجاة والخير ، ومبادئ الأمور تدل على غاياتها ، وأضافوا السبل إلى ضميرهم للاختصار لأن أمور دينهم صارت معروفة لدى الجميع فجمعها قولهم ( سبلنا ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وما لنا ألا نتوكل استفهام إنكاري لانتفاء توكلهم على الله ، أتوا به في صورة الإنكار بناء على ما هو معروف من استحماق الكفار إياهم في توكلهم على الله ، فجاءوا بإنكار نفي التوكل على الله ، ومعنى وما لنا أن لا نتوكل ما ثبت لنا من عدم التوكل ، فاللام للاستحقاق .
وزادوا قومهم تأييسا بالأذى فأقسموا على أن صبرهم على أذى قومهم سيستمر ، فصيغة الاستقبال المستفادة من المضارع المؤكد بنون التوكيد في ( لنصبرن ) دلت على أذى مستقبل ، ودلت صيغة المضي المنتزع منها المصدر في قوله ( ما آذيتمونا ) على أذى مضى ، فحصل من ذلك معنى نصبر على أذى متوقع كما صبرنا على أذى مضى ، وهذا إيجاز بديع .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وعلى الله فليتوكل المتوكلون يحتمل أن تكون من بقية كلام الرسل فتكون تذييلا وتأكيدا لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11وعلى الله فليتوكل المؤمنون فكانت تذييلا لما فيها من العموم الزائد في قوله المتوكلون على عموم
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11فليتوكل المؤمنون وكانت تأكيدا ; لأن المؤمنين من جملة المتوكلين ، والمعنى : من كان متوكلا في أمره على غيره فليتوكل على الله .
ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى ، فهي تذييل للقصة وتنويه بشأن المتوكلين على الله ، أي : لا ينبني التوكل إلا عليه .
[ ص: 201 ] nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28985_31791_19650_30554قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بِشْرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ
قَوْلُ الرُّسُلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ جَوَابٌ بِطَرِيقِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ فِي عِلْمِ آدَابِ الْبَحْثِ ، وَهُوَ تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ الْأَنْوَاعِ بِبَيَانِ مَحَلِّ الِاسْتِدْلَالِ غَيْرُ تَامِّ الْإِنْتَاجِ ، وَفِيهِ إِطْمَاعٌ فِي الْمُوَافَقَةِ ، ثُمَّ كَرَّ عَلَى اسْتِدْلَالِهِمُ الْمَقْصُودُ بِالْإِبْطَالِ بِتَبْيِينِ خَطَئِهِمْ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ .
وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْقَوَادِحِ فِي عِلْمِ الْجَدَلِ شَدِيدُ الْوَقْعِ عَلَى الْمُنَاظِرِ ، فَلَيْسَ قَوْلُ الرُّسُلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تَقْرِيرًا لِلدَّلِيلِ ، وَلَكِنَّهُ تَمْهِيدٌ لِبَيَانِ غَلَطِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الِاسْتِنْتَاجِ مِنْ دَلِيلِهِ ، وَمَحَلُّ الْبَيَانِ هُوَ الِاسْتِدْرَاكُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْبَشَرِيَّةِ لَا تَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ فِي زَائِدٍ عَلَيْهَا فَالْبَشَرُ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِنِعَمٍ لَمْ يُعْطِهَا غَيْرَهُمْ .
فَالِاسْتِدْرَاكُ رَفْعٌ لِمَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ كَوْنِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْبَشَرِيَّةِ مُقْتَضَى الِاسْتِوَاءِ فِي كُلِّ خَصْلَةٍ .
وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ
مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ فِي التَّفْسِيرِ وَجْهًا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ إِذْ زِيدَ فِيهَا كَلِمَةُ ( لَهُمْ ) فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ وَبَيْنَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إِذْ قَالَ فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10قَالَتْ رُسُلُهُمْ بِوَجْهَيْنِ :
[ ص: 202 ] أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ خَاصَّةً بِالْمُكَذِّبِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ يَقُولُونَهَا لِغَيْرِهِمْ إِذْ هُوَ جَوَابٌ عَنْ كَلَامٍ صَدَرَ مِنْهُمْ وَالْمَقَالَةُ الْأُولَى يَقُولُونَهَا لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ ، أَيْ : لِلْمُصَدِّقِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّ وُجُودَ اللَّهِ أَمْرٌ نَظَرِيٌّ ، فَكَانَ كَلَامُ الرُّسُلِ فِي شَأْنِهِ خِطَابًا لِعُمُومِ قَوْمِهِمْ ، وَأَمَّا بَعْثَةُ الرُّسُلِ فَهِيَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَا قَالُوا هَذَا إِلَّا لِلْمُكَذِّبِينَ لِغَبَاوَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ لَا لِغَيْرِهِمْ .
وَأَجَابَ الْأَبِيُّ أَنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10أَفِي اللَّهِ شَكٌّ خِطَابٌ لِمَنْ عَانَدَ فِي أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ ، فَكَأَنَّ الْمُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ يُجِيبُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَلَا يُقْبِلُ بِالْجَوَابِ عَلَى الْمُخَاطَبِ لِمُعَانَدَتِهِ فَيُجِيبُ وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فَإِنَّهُ تَقْرِيرٌ لِمَقَالَتِهِمْ فَهُمْ يُقْبِلُونَ عَلَيْهِمْ بِالْجَوَابِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا كَلَامَهُمْ بِالْإِطْلَاقِ بَلْ يُقَرِّرُونَهُ وَيَزِيدُونَ فِيهِ اهـ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ زِيَادَةَ " لَهُمْ " تُؤْذِنُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى تَوَجُّهِ الرُّسُلِ إِلَى قَوْمِهِمْ بِالْجَوَابِ لِمَا فِي الْجَوَابِ عَنْ كَلَامِهِمْ مِنَ الدِّقَّةِ الْمُحْتَاجَةِ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِالْجَوَابِ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إِذِ اللَّامُ الدَّاخِلَةُ بَعْدَ فِعْلِ الْقَوْلِ فِي نَحْوِ : أَقُولُ لَكَ ، لَامُ تَعْلِيلٍ ، أَيْ : أَقُولُ قَوْلِي لِأَجْلِكَ ، ثُمَّ عَطَفُوا عَلَى ذَلِكَ تَبْيِينُ أَنَّ مَا سَأَلَهُ الْقَوْمُ مِنَ الْإِتْيَانِ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَلَيْسَ اللَّهُ بِمُكْرَهٍ عَلَى إِجَابَةِ مَنْ يَتَحَدَّاهُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أَمْرٌ لِمَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِهِمْ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ ، وَقَصَدُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ قَصْدًا أَوَّلِيًّا لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ الْمُؤْمِنُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا إِلَى آخِرِهِ .
وَلَمَّا كَانَ حُصُولُ إِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَأْيِيدِ الرُّسُلِ بِالْحُجَّةِ الْمَسْؤُولَةِ غَيْرَ مَعْلُومِ الْمِيقَاتِ وَلَا مُتَعَيَّنَ الْوُقُوعِ وَكَانَتْ مُدَّةُ تَرَقُّبِ ذَلِكَ مَظِنَّةً لِتَكْذِيبِ
[ ص: 203 ] الَّذِينَ كَفَرُوا رُسُلَهُمْ تَكْذِيبًا قَاطِعًا وَتَوَقَّعَ الرُّسُلُ أَذَاةَ قَوْمِهِمْ إِيَّاهُمْ شَأْنَ الْقَاطِعِ بِكَذِبِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ ; وَلِأَنَّهُمْ قَدْ بَدَءُوهُمْ بِالْأَذَى كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا . أَظْهَرَ الرُّسُلُ لِقَوْمِهِمْ أَنَّهُمْ غَيْرُ غَافِلِينَ عَنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ مَا عَسَى أَنْ يُوَاجِهَهُمْ بِهِ الْمُكَذِّبُونَ مِنْ أَذًى بِتَوَكُّلِهِمْ عَلَى اللَّهِ هُمْ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُمْ ; فَابْتَدَءُوا بِأَنْ أَمَرُوا الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَكُّلِ تَذْكِيرًا لَهُمْ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ إِيمَانُهُمْ إِلَى زَعْزَعَةِ الشَّكِّ حِرْصًا عَلَى ثَبَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، كَقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342001أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ ، وَفِي ذَلِكَ الْأَمْرِ إِيذَانٌ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْبَئُونَ بِمَا يُضْمِرُهُ لَهُمُ الْكَافِرُونَ مِنَ الْأَذَى ، كَقَوْلِ السَّحَرَةِ
لِفِرْعَوْنَ حِينَ آمَنُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ مُؤُذِنٌ بِالْحَصْرِ وَأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ نَصْرًا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِضَعْفِهِمْ وَقِلَّةِ نَاصِرِهِمْ ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ وَاثِقُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ . وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ بِالْوَاوِ عَطْفَ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ .
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ رَابِطَةٌ لِجُمْلَةِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ بِمَا أَفَادَهُ تَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ ، وَالتَّقْدِيرُ : إِنْ عَجِبْتُمْ مِنْ قِلَّةِ اكْتِرَاثِنَا بِتَكْذِيبِكُمْ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَإِنْ خَشِيتُمْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى اللَّهِ ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَضِيرَهُمْ عَدُوُّهُمْ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19648وَالتَّوَكُّلُ : الِاعْتِمَادُ وَتَفْوِيضُ التَّدْبِيرِ إِلَى الْغَيْرِ ثِقَةٌ بِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَصْلُحُ ، فَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَنْفَعُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى التَّوَكُّلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى صِدْقِ رَأْيِهِمْ فِي تَفْوِيضِ
[ ص: 204 ] أَمْرِهِمْ إِلَى اللَّهِ ; لِأَنَّهُمْ رَأَوْا بِوَارِقَ عِنَايَتِهِ بِهِمْ إِذْ هَدَاهُمْ إِلَى طَرَائِقِ النَّجَاةِ وَالْخَيْرِ ، وَمَبَادِئُ الْأُمُورِ تَدُلُّ عَلَى غَايَاتِهَا ، وَأَضَافُوا السُّبُلَ إِلَى ضَمِيرِهِمْ لِلِاخْتِصَارِ لِأَنَّ أُمُورَ دِينِهِمْ صَارَتْ مَعْرُوفَةً لَدَى الْجَمِيعِ فَجَمَعَهَا قَوْلُهُمْ ( سُبُلَنَا ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ لِانْتِفَاءِ تَوَكُّلِهِمْ عَلَى اللَّهِ ، أَتَوْا بِهِ فِي صُورَةِ الْإِنْكَارِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنَ اسْتِحْمَاقِ الْكُفَّارِ إِيَّاهُمْ فِي تَوَكُّلِهِمْ عَلَى اللَّهِ ، فَجَاءُوا بِإِنْكَارِ نَفْيِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ ، وَمَعْنَى وَمَا لَنَا أَنْ لَا نَتَوَكَّلَ مَا ثَبَتَ لَنَا مِنْ عَدَمِ التَّوَكُّلِ ، فَاللَّامُ لِلِاسْتِحْقَاقِ .
وَزَادُوا قَوْمَهُمْ تَأْيِيسًا بِالْأَذَى فَأَقْسَمُوا عَلَى أَنَّ صَبْرَهُمْ عَلَى أَذَى قَوْمِهِمْ سَيَسْتَمِرُّ ، فَصِيغَةُ الِاسْتِقْبَالِ الْمُسْتَفَادَةُ مِنَ الْمُضَارِعِ الْمُؤَكَّدِ بِنُونِ التَّوْكِيدِ فِي ( لَنَصْبِرَنَّ ) دَلَّتْ عَلَى أَذَى مُسْتَقْبَلٍ ، وَدَلَّتْ صِيغَةُ الْمُضِيِّ الْمُنْتَزَعُ مِنْهَا الْمَصْدَرُ فِي قَوْلِهِ ( مَا آذَيْتُمُونَا ) عَلَى أَذًى مَضَى ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ مَعْنَى نَصْبِرُ عَلَى أَذًى مُتَوَقَّعٍ كَمَا صَبَرْنَا عَلَى أَذًى مَضَى ، وَهَذَا إِيجَازٌ بَدِيعٌ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الرُّسُلِ فَتَكُونَ تَذْيِيلًا وَتَأْكِيدًا لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فَكَانَتْ تَذْيِيلًا لِمَا فِيهَا مِنَ الْعُمُومِ الزَّائِدِ فِي قَوْلِهِ الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى عُمُومِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَكَانَتْ تَأْكِيدًا ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَوَكِّلِينَ ، وَالْمَعْنَى : مَنْ كَانَ مُتَوَكِّلًا فِي أَمْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهِيَ تَذْيِيلٌ لِلْقِصَّةِ وَتَنْوِيهٌ بِشَأْنِ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللَّهِ ، أَيْ : لَا يَنْبَنِي التَّوَكُّلُ إِلَّا عَلَيْهِ .