nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28985_32016_30549_31788ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب
هذا الكلام : استئناف ابتدائي رجع به الخطاب إلى المشركين من العرب على طريقة الالتفات في قوله ألم يأتكم ; لأن الموجه إليه الخطاب هنا هم الكافرون المعنيون بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2وويل للكافرين من عذاب شديد ، وهم معظم المعني من الناس في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ، فإنهم بعد أن أجمل لهم الكلام في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم الآية ، ثم فصل بأن ضرب المثل للإرسال إليهم لغرض الإخراج من الظلمات إلى النور بإرسال
موسى - عليه السلام - لإخراج قومه ، وقضي حق ذلك عقبه بكلام جامع لأحوال الأمم ورسلهم ، فكان بمنزلة الحوصلة
[ ص: 196 ] والتذييل مع تمثيل حالهم بحال الأمم السالفة وتشابه عقلياتهم في حججهم الباطلة ورد الرسل عليهم بمثل ما رد به القرآن على المشركين في مواضع ، ثم ختم بالوعيد .
والاستفهام إنكاري ; لأنهم قد بلغتهم أخبارهم ; فأما قوم
نوح فقد تواتر خبرهم بين الأمم بسبب خبر الطوفان ، وأما
عاد وثمود فهم من العرب ومساكنهم في بلادهم وهم يمرون عليها ويخبر بعضهم بعضا بها ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=45وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=137وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9والذين من بعدهم يشمل
أهل مدين وأصحاب الرس وقوم تبع وغيرهم من أمم انقرضوا وذهبت أخبارهم فلا يعلمهم إلا الله ، وهذا كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9لا يعلمهم إلا الله معترضة بين
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9والذين من بعدهم وبين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9جاءتهم رسلهم بالبينات الواقعة حالا من
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253الذين من بعدهم ، وهو كناية عن الكثرة التي يستلزمها انتفاء علم الناس بهم ، ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9جاءتهم رسلهم جاء كل أمة رسولها .
وضمائر ( ردوا ) و ( أيديهم ) و ( أفواههم ) عائد جميعها إلى قوم
نوح والمعطوفات عليه .
وهذا التركيب لا أعهد سبق مثله في كلام العرب فلعله من مبتكرات القرآن .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9فردوا أيديهم في أفواههم يحتمل عدة وجوه أنهاها في الكشاف إلى سبعة وفي بعضها بعد ، وأولاها بالاستخلاص أن يكون المعنى : أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم إخفاء لشدة الضحك من كلام الرسل كراهية أن تظهر دواخل أفواههم ، وذلك تمثيل لحالة الاستهزاء بالرسل .
[ ص: 197 ] والرد : مستعمل في معنى تكرير جعل الأيدي في الأفواه كما أشار إليه الراغب ، أي : وضعوا أيديهم على الأفواه ثم أزالوها ثم أعادوا وضعها فتلك الإعادة رد .
وحرف " في " للظرفية المجازية المراد بها التمكين ، فهي بمعنى ( على ) كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أولئك في ضلال بعيد . فمعنى ردوا أيديهم في أفواههم جعلوا أيديهم على أفواههم . وعطفه بفاء التعقيب مشير إلى أنهم بادروا برد أيديهم في أفواههم بفور تلقيهم دعوة رسلهم ، فيقتضي أن يكون رد الأيدي في الأفواه تمثيلا لحال المتعجب المستهزئ ، فالكلام تمثيل للحالة المعتادة وليس المراد حقيقته ، لأن وقوعه خبرا عن الأمم مع اختلاف عوائدهم وإشاراتهم واختلاف الأفراد في حركاتهم عند التعجب قرينة على أنه ما أريد به إلا بيان عربي .
ونظير هذا قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض ، فميراث الأرض كناية عن حسن العاقبة جريا على بيان العرب عند تنافس قبائلهم أن حسن العاقبة يكون لمن أخذ أرض عدوه .
وأكدوا كفرهم بما جاءت به الرسل بما دلت عليه ( إن ) وفعل المضي في قوله " إنا كفرنا " ، وسموا ما كفروا به ( مرسلا ) به تهكما بالرسل ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ، فمعنى ذلك : أنهم كفروا بأن ما جاءوا به مرسل به من الله ، أي : كفروا بأن الله أرسلهم . فهذا مما أيقنوا بتكذيبهم فيه .
وأما قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه فذلك شك في صحة ما يدعونهم إليه وسداده ، فهو عندهم معرض للنظر وتمييز صحيحه من سقيمه ، فمورد الشك ما يدعونهم إليه ، ومورد التكذيب نسبة دعوتهم إلى الله ، فمرادهم : أنهم وإن كانوا كاذبين في دعوى الرسالة فقد يكون في بعض ما يدعون إليه ما هو صدق وحق فإن الكاذب قد يقول حقا .
[ ص: 198 ] وجعلوا الشك قويا فلذلك عبر عنه بأنهم مظروفون فيه ، أي : هو محيط بهم ومتمكن كمال التمكن .
و " مريب " تأكيد لمعنى ( في شك ) ، والمريب : الموقع في الريب ، وهو مرادف الشك ، فوصف الشك بالمريب من تأكيد ماهيته ، كقولهم : ليل أليل ، وشعر شاعر .
وحذفت إحدى النونين من قوله " إنا " تخفيفا تجنبا للثقل الناشئ من وقوع نونين آخرين بعد في قوله " تدعوننا " اللازم ذكرهما ، بخلاف آية سورة هود
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=62وإننا لفي شك مما تدعونا إذ لم يكن موجب للتخفيف ; لأن المخاطب فيها بقوله تدعونا واحد .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28985_32016_30549_31788أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحِ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ
هَذَا الْكَلَامُ : اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ رَجَعَ بِهِ الْخِطَابُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ فِي قَوْلِهِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ ; لِأَنَّ الْمُوَجَّهَ إِلَيْهِ الْخِطَابُ هُنَا هُمُ الْكَافِرُونَ الْمَعْنِيُّونَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، وَهُمْ مُعْظَمُ الْمَعْنِيِّ مِنَ النَّاسِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ أُجْمِلَ لَهُمُ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الْآيَةَ ، ثُمَّ فُصِّلَ بِأَنْ ضُرِبَ الْمَثَلُ لِلْإِرْسَالِ إِلَيْهِمْ لِغَرَضِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِرْسَالِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِإِخْرَاجِ قَوْمِهِ ، وَقُضِيَ حَقُّ ذَلِكَ عَقِبِهِ بِكَلَامٍ جَامِعٍ لِأَحْوَالِ الْأُمَمِ وَرُسُلِهِمْ ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَوْصَلَةِ
[ ص: 196 ] وَالتَّذْيِيلُ مَعَ تَمْثِيلِ حَالِهِمْ بِحَالِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَتَشَابُهِ عَقْلِيَّاتِهِمْ فِي حُجَجِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَرَدِّ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا رَدَّ بِهِ الْقُرْآنُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي مَوَاضِعَ ، ثُمَّ خُتِمَ بِالْوَعِيدِ .
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ أَخْبَارُهُمْ ; فَأَمَّا قَوْمُ
نُوحٍ فَقَدْ تَوَاتَرَ خَبَرُهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ بِسَبَبِ خَبَرِ الطُّوفَانِ ، وَأَمَّا
عَادٌ وَثَمُودُ فَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَمَسَاكِنُهُمْ فِي بِلَادِهِمْ وَهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَيُخْبِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهَا ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=45وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=137وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ يَشْمَلُ
أَهْلَ مَدْيَنَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقَوْمَ تُبَّعٍ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أُمَمٍ انْقَرَضُوا وَذَهَبَتْ أَخْبَارُهُمْ فَلَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وَعَادًا وَثَمُودًا وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَبَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ الْوَاقِعَةُ حَالًا مِنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْكَثْرَةِ الَّتِي يَسْتَلْزِمُهَا انْتِفَاءُ عِلْمِ النَّاسِ بِهِمْ ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ جَاءَ كُلَّ أُمَّةٍ رَسُولُهَا .
وَضَمَائِرُ ( رَدُّوا ) وَ ( أَيْدِيَهُمْ ) وَ ( أَفْوَاهِهِمْ ) عَائِدٌ جَمِيعُهَا إِلَى قَوْمِ
نُوحٍ وَالْمَعْطُوفَاتِ عَلَيْهِ .
وَهَذَا التَّرْكِيبُ لَا أَعْهَدُ سَبْقَ مِثْلِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَلَعَلَّهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ يَحْتَمِلُ عِدَّةَ وُجُوهٍ أَنْهَاهَا فِي الْكَشَّافِ إِلَى سَبْعَةٍ وَفِي بَعْضِهَا بُعْدٌ ، وَأَوْلَاهَا بِالِاسْتِخْلَاصِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : أَنَّهُمْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ إِخْفَاءً لِشِدَّةِ الضَّحِكِ مِنْ كَلَامِ الرُّسُلِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَظْهَرَ دَوَاخِلُ أَفْوَاهِهِمْ ، وَذَلِكَ تَمْثِيلٌ لِحَالَةِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالرُّسُلِ .
[ ص: 197 ] وَالرَّدُّ : مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى تَكْرِيرِ جَعْلِ الْأَيْدِي فِي الْأَفْوَاهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّاغِبُ ، أَيْ : وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْأَفْوَاهِ ثُمَّ أَزَالُوهَا ثُمَّ أَعَادُوا وَضْعَهَا فَتِلْكَ الْإِعَادَةُ رَدٌّ .
وَحَرْفُ " فِي " لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الْمُرَادِ بِهَا التَّمْكِينُ ، فَهِيَ بِمَعْنَى ( عَلَى ) كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ . فَمَعْنَى رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ جَعَلُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ . وَعَطْفُهُ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ مُشِيرٌ إِلَى أَنَّهُمْ بَادَرُوا بِرَدِّ أَيْدِيهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ بِفَوْرِ تَلَقِّيهِمْ دَعْوَةَ رُسُلِهِمْ ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رَدُّ الْأَيْدِي فِي الْأَفْوَاهِ تَمْثِيلًا لِحَالِ الْمُتَعَجِّبِ الْمُسْتَهْزِئِ ، فَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِلْحَالَةِ الْمُعْتَادَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ ، لِأَنَّ وُقُوعَهُ خَبَرًا عَنِ الْأُمَمِ مَعَ اخْتِلَافِ عَوَائِدِهِمْ وَإِشَارَاتِهِمْ وَاخْتِلَافِ الْأَفْرَادِ فِي حَرَكَاتِهِمْ عِنْدَ التَّعَجُّبِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ إِلَّا بَيَانٌ عَرَبِيٌّ .
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ، فَمِيرَاثُ الْأَرْضِ كِنَايَةٌ عَنْ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ جَرْيًا عَلَى بَيَانِ الْعَرَبِ عِنْدَ تَنَافُسِ قَبَائِلِهِمْ أَنَّ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَ أَرْضَ عَدُوِّهِ .
وَأَكَّدُوا كُفْرَهُمْ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ ( إِنَّ ) وَفِعْلُ الْمُضِيِّ فِي قَوْلِهِ " إِنَّا كَفَرْنَا " ، وَسَمَّوْا مَا كَفَرُوا بِهِ ( مُرْسَلًا ) بِهِ تَهَكُّمًا بِالرُّسُلِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ، فَمَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِأَنَّ مَا جَاءُوا بِهِ مُرْسَلٌ بِهِ مِنَ اللَّهِ ، أَيْ : كَفَرُوا بِأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُمْ . فَهَذَا مِمَّا أَيْقَنُوا بِتَكْذِيبِهِمْ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ فَذَلِكَ شَكٌّ فِي صِحَّةِ مَا يَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ وَسَدَادِهِ ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ مُعَرَّضٌ لِلنَّظَرِ وَتَمْيِيزِ صَحِيحِهِ مِنْ سَقِيمِهِ ، فَمَوْرِدُ الشَّكِّ مَا يَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ ، وَمَوْرِدُ التَّكْذِيبِ نِسْبَةُ دَعْوَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ ، فَمُرَادُهُمْ : أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا كَاذِبِينَ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ فَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ مَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ مَا هُوَ صِدْقٌ وَحَقٌّ فَإِنَّ الْكَاذِبَ قَدْ يَقُولُ حَقًّا .
[ ص: 198 ] وَجَعَلُوا الشَّكَّ قَوِيًّا فَلِذَلِكَ عُبِّرَ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ مَظْرُوفُونَ فِيهِ ، أَيْ : هُوَ مُحِيطٌ بِهِمْ وَمُتَمَكِّنٌ كَمَالَ التَّمَكُّنِ .
وَ " مُرِيبٍ " تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى ( فِي شَكٍّ ) ، وَالْمُرِيبُ : الْمُوقِعُ فِي الرَّيْبِ ، وَهُوَ مُرَادِفُ الشَّكِّ ، فَوَصْفُ الشَّكِّ بِالْمُرِيبِ مِنْ تَأْكِيدِ مَاهِيَّتِهِ ، كَقَوْلِهِمْ : لَيْلٌ أَلْيَلُ ، وَشِعْرٌ شَاعِرٌ .
وَحُذِفَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ " إِنَّا " تَخْفِيفًا تَجَنُّبًا لِلثِّقَلِ النَّاشِئِ مِنْ وُقُوعِ نُونَيْنِ آخَرِينِ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ " تَدْعُونَنَا " اللَّازِمُ ذِكْرُهُمَا ، بِخِلَافِ آيَةِ سُورَةِ هُودٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=62وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِذْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبٌ لِلتَّخْفِيفِ ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ فِيهَا بِقَوْلِهِ تَدْعُونَا وَاحِدٌ .